- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، يا ربنا صلِ وسلم ، زد وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، مرحباً بكم مستمعينا الكرام في مجلس علم وإيمان في حلقة جديدة مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً بكم أستاذنا شيخنا الكريم .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
الله يحفظكم يا دكتور ، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾
ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :
((وَإِنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثُوا دِيناراً ولا دِرْهماً ، وَرَّثُوا العلم ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظّ وَافِر))
وفي هذا حثٌ من النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم ، وحلقتنا لهذا اليوم عن العلماء ، وعن الدعاة بين التقديس وبين التجريح .
دكتورنا الكريم أهلاً بفضيلتكم معنا خاصة في هذه الأحداث التي تعصف بالأمة العربية تحديداً من العلماء من قدموا مواقف كانت مرضية للناس ، من العلماء من صمتوا فيبدو أن جلاً من الناس قد عذرهم ، ومن العلماء من تحدثوا بكلام فهم وكأنه يقف إلى جنب الحاكم وإن كان على خطأ ، أو أنه فعلاً كان خارجاً عن إطار المقبول .
نتحدث اليوم عن مكانة العلماء والدعاة ، هل لحومهم مسمومة ، هل هذا مصطلح شرعي ، هل من حق المسلم أن ينتقد العالم ، أن هذه علاقة اتباع ، وأبدأ مع فضيلتكم بداية عن مكانة العالم في الإسلام في الكتاب والسنة ، ما هي مكانة العلماء في شرعنا وديننا الحنيف ؟
من يتصدى لنشر العلم إن خشي غير الله انتهت دعوته :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الأصل في هذا الموضوع جزاك الله خيراً عليه ، الآية الكريمة :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ﴾
هؤلاء الذين يبلغون رسالات الله ، كم صفة لهم ؟ آلاف الصفات ، لماذا اختار القرآن واحدة ؟ لهم آلاف الصفات ، علم ، حلم ، ذاكرة قوية ، طلاقة لسان ، قدرة على التوجيه ، قدرة قيادية ، قدرة علمية ، لماذا وصفوا بالقرآن الكريم بصفة واحدة :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾
مما يؤكد :
﴿ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
هذا الذي يتصدى لنشر العلم ، لو خشي غير الله ، لسكت عن الحق خوفاً ، وتكلم بالباطل تملقاً ، انتهت دعوته ، لا يوجد معنى إطلاقاً لذكر الصفات الأخرى ، صفة واحدة لو استلت انتهت دعوته .
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾
مما يؤكد يخشونه :
﴿ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
مكانة العالم حينما تجرح يسقط من عين الله وعين الناس لأنه مظنة صلاح :
صفة إيجابية ، وصفات سلبية ، كلاهما في حقل واحد ، إذا خشي غير الله سكت عن الحق خوفاً ، أو توهماً ، وتكلم بالباطل تملقاً ، انتهت دعوته ، وأنت يمكن أن تنتفع من طبيب ولا تعنيك استقامته ، تريد علمه ، عندك التهاب حاد في المعدة ، تريد دواءً ، وقد تنتفع بمحامي لا يعنيك تدينه تريد القانون ، يتقنه تماماً ، قد تنتفع مثلاً بعالم بأي فرع من فروع العلم ، إلا عالم الدين لا يمكن أن تنتفع منه إلا إذا تأكدت أنه يفعل ما يقول ، وأنه في سره كعلانيته ، وفي رخائه كعسره ، هذا الذي يبلغ رسالة الله لا يتبدل ولا يتغير ، هو كما هو مع الناس ووحده ، يخشى الله في خلوته وفي جلوته ، في غناه وفي فقره ، في إقبال الدنيا عليه وفي إدبار الدنيا عنه ، العلاقة ثابتة .
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
هذه الآية أصل في هذا الموضوع ، ما دام هذا الذي تصدى لنشر العلم يخشى غير الله ، سوف يسكت عن الحق ، وقد ينطق بالباطل ، وعندئذٍ يسقط من عين الله ، ولئن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون بكثير من أن يسقط من عين الله .
لذلك قضية العلم قضية دقيقة جداً ، لها إيجابيات ، له مكانة في المجتمع الإسلامي بثقافة العالم الإسلامي له مكانة العالم ، لكن هذه المكانة حينما تجرح يسقط من عين الله ، ومن عين الناس ، لأنه مظنة صلاح ، الناس قد يسيئون الظن في كل فئات المجتمع ، إلا العالم مظنة صلاح ، مظنة جرأة ، مظنة توحيد ، مظنة خوف من الله ، فإذا فقد هذه الصفات سقطت دعوته ، وأصبحت في الوحل .
المذيع :
دكتور هذه المكانة التي تُعطَى لصاحب العلم الشرعي من العلماء ، ومن الدعاة بين الناس ، هذه المكانة لها أصلها ، مكانتها الشرعية ، هي ليست فقط مكانة مجتمعية ، والدين يحثنا على أن نعظم شعائر الله ، فهذه المكانة مكانة صواب للناس ، أليس كذلك دكتور ؟ الدين حثنا على احترام العلماء .
الدكتور راتب :
((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه))
حديث شريف .
المذيع :
دكتورنا الكريم ، في زاوية ثانية ، إلى أي حد يكون احترام العلماء ؟ أي أن البعض يصل إلى مرتبة التقديس بمعنى هو لا يقبل أن يراه على خطأ فلا ينتقده بأي شيء في حياته ؟
معاتبة النبي وهذا العتاب إشارة لطيفة من الله إلى أنه في مقام البشرية :
الدكتور راتب :
أنا أتصور خطاً عمودياً ، على هذا الخط إشارتان بينهما مساحة يمكن أن تكون لتوقير العلماء ، فإن زادت نحو الأعلى ألّهناهم ، وإن سقطت نحو الأدنى استخففنا بهم .
المذيع :
وكلا الجانبين خطأ .
الدكتور راتب :
خطأ كبير ، أن نستخف بهم ، أو أن نألههم ، يوجد إله واحد ، لذلك مثلاً لماذا سمح الله للنبي الكريم في آيتين :
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾
ماذا فعل النبي ؟ ما فعل شيئاً إطلاقاً ، بالعكس فعل شيئاً هو ما كان مهتماً بمن كان يلوذ بهم ، كما هو مهتم بإنسان يتمنى فيه الإيمان ، ومع ذلك جاء عتاب الله له .
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
العلماء قالوا : الله عز وجل كل شيء ينطق به النبي هو وحي يوحى .
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
ولكن ترك الله للنبي الكريم هامش اجتهاد ضيقاً جداً ، فإذا أصاب في اجتهاده النبي الكريم سكت الوحي إقراراً ، وإن لم يصب نبهه الوحي تصحيحاً ، وعندئذٍ يفترق مقام الألوهية المطلق عن مقام البشرية ، هناك مواقف ، سكت الوحي ، سكوت الوحي عن اجتهادات النبي التي كانت وفق ما ينبغي سكوت إقرار ، أما حينما يتخذ النبي اجتهاداً هو لصالح حبه لله عز وجل .
مثلاً إذا دخل أب على ابنه الساعة الثانية عشرة ووجده يقرأ ، الساعة الثانية يقرأ ، الساعة الثالثة يقرأ ، فعاتبه ، إلى متى ؟ اذهب ونم ، هذا عتاب له لا عليه ، وهناك فرق كبير بين أن تعتب عليه ، وأن تعتب له .
فالنبي عوتب عتاباً له ، ومع ذلك كان هذا العتاب إشارة لطيفة ناعمة من الله عز وجل إلى أنه في مقام البشرية ، أما الألوهية مقامها مطلق ، يوجد مقام مطلق ، ومقام نسبي .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، إذاً بين المكانتين كما تفضلت دكتور بين من أله جمعاً من العلماء ومن الدعاة ، فما عاد يرى منهم خطأ ، وكأنهم مندوبون عن الله تبارك وتعالى ، وبين من استخف بالعلماء ، كيف يفترض أن تكون نظرتي كمسلم لأصحاب العلم الشرعي وللعلماء وللدعاة ؟
لخطأ صغير لا يجوز أن تهدر كل أعمال العالِم الصالحة :
الدكتور راتب :
أولاً الحقيقة لا ينبغي أن نتصور أن عالماً إذا زلت قدمه في اجتهاد في الفتوى بسيط جداً ، أو في شيء من ثانويات الدين أن تهدر كرامته ، أنا أرى عوام الناس أحياناً إنسان يكون متبحراً في العمل الصالح ، لخطأ صغير تهدر كل أعماله الصالحة ، هذا شأن غير الشأن العادل ، أما الله عز وجل فيما أعتقد وأؤمن كل إيجابيات العالم محفوظة له ، كل إيجابيات العالم من تقوى ، ومن صلاح ، وإبلاغ لرسالات الله ، وإخلاص محفوظة له ، إذا وُجد خطأ الخطأ يصحح دون أن نعمم .
المذيع :
هل هنالك حد لهذا الخطأ دكتور حتى يقبل أو يرفض ، كما تفضلت وذكرت اجتهاداً فقهياً بسيطاً ؟
الدكتور راتب :
قد يكون اجتهاد فقهي لا مشكلة أبداً ، أما اجتهاد في العقيدة مشكلة كبيرة جداً .
المذيع :
المواقف التي ترتبط بنصرة الأمة دكتور ، بعض العلماء سامحني أتحدث بوضوح كان لهم مواقف موالية بشكل كبير إلى الحاكم سواء كان على حق ، أو كان على باطل ، كيف تنظر إلى مثل هذه القضية دكتور ؟
الدكتور راتب :
هذا الذي ينافق ويتملق الحاكم في ظلمه ، وفي تجاوزاته الغير معقولة ، هذا إنسان سقط من عين الله أولاً ، وسقط عند الناس ، لكن كرحمة من رحمات الله عز وجل العالم ، الشعب ، الناس ، يعذرون الصامت ، ولا يعذرون المادح ، الصمت مقبول .
المذيع :
أفهم منك شيخنا إذا لم يستطع أن يقول كلمة الحق فليسكت ، لكن لا يبرر أن ينزل أكثر من ذلك ؟
من لا يستطع قول كلمة حق فليصمت :
الدكتور راتب :
هناك ظروف لا نعرفها نحن عنه ، قد يكون في ضغوط لا تحتمل ، قد يكون في تهديد لأولاده ، إلى أقرب الناس له ، هذا ممكن الحدوث ، فالذي يسكت ، أنا أعذره ، والناس يعذرونه ، لكن الناس لا يعذرون أحداً يمدح الظالم .
المذيع :
دكتور سيبقى سؤال مهم وهو موقف رابع ، فضيلتك كما تفضلت لمن يقول كلمة الحق ، وهي أظن أعلى درجات المكانة للعلماء ، ومنهم من يصمت ودليل ذلك :
((ومن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَقُل خيراً أو لِيَصْمُتْ))
كما جاء من هدي النبي عليه الصلاة والسلام ، ومنهم من يقول كلاماً سيئاً وهو ينافق ، وكما تفضلت لا عذر له في هذا .
الدكتور راتب :
سقط من عين الله وعين الناس .
المذيع :
هنالك موقف رابع يقوم به بعض الدعاة ، أو بعض العلماء دكتور وخاصة في الأحداث التي تعصف بالأمة أنه لا يسكت ، ولا ينافق ، ولا يكون قائلاً للحق وإنما يحاول أن يقول كلمات عامة مثلاً يفهم فيها أنه قريب من حاكمه ، ويدعو له بالتوفيق لكن لا يذكر الأحداث الأخيرة ، وأتمنى أن أستمع إلى تعليق فضيلتك بتوسع .
حديثنا عن مكانة أهل العلم ، والدعوة بين الناس ، وكما تفضلتم في الشق الأول من الحلقة قد يخطئ البعض في تأليههم ، ويرونهم صواباً مطلقاً مقدس لا يقترفون خطأ ، وبين من يستبيح الإساءة بكل أشكالها للعلماء ، ومنهم الوسط .
أعود دكتور إلى النقطة التي كنا قد طرحناها ، ذكرت أن منهم من سقط من عين الله ، لأنه نافق الحاكم ، ومنهم من يصمت لأن هذا عذره مقبول إذا كان يتعرض إلى ضغوطات ، وهنالك من قال قولة الحق وهو الأرقى والأكمل ، ماذا دكتور عمن تجنب هذه المواقف وكان موقفه اللهم احفظ حاكمنا وولي أمرنا ، وما شابه ، في هذا السياق الحاكم قام بقرارات قد تصنف أنها خاطئة ، دعوته له بالتمكين وبالنصر في هذه الفترة كيف تفهم دكتور ؟
الله لم يكلف الإنسان فوق طاقته :
الدكتور راتب :
أنا أتمنى له أن يسكت ، إن لم تستطع أن تقول الحق فاصمت .
المذيع :
حتى مثل هذا الكلام ليس وقته الآن ، دكتورنا ما الأكمل من هذه المواقف ، أن يقول كلمة الحق ، ماذا لو تعرض من خلالها إلى الخطر ، سامحني سأكون أكثر صراحة دكتور في كثير من الدول العربية يتعرض صاحب كلام الحق إما إلى الاعتقال ، وإما إلى التضييق ، وإما إلى التهجير ، وإما للقتل في بعض الحالات ، هل هذا مبرر ليخشى على نفسه وعائلته وأمنه صاحب العلم الشرعي دكتور ؟
الدكتور راتب :
والله لا نستطيع أن نكلف الإنسان فوق طاقته ، لأن الله ماذا قال ؟
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
فأنا أكلفه أن يصمت ، لا أن يدعم الباطل .
المذيع :
هذا بالحد الأدنى .
الدكتور راتب :
بالحد الأدنى ، أما أن يدعمه مبادرة منه ، من يدعمه بسبب ضغط قد ينتهي به إلى الموت ، هذا الحال الثاني قد يعذر ، أما من دون أن يكون عليه ضغط شديد يبادر ويمدح الظالم فهنا عليه مشكلة كبيرة .
المذيع :
شيخنا الكريم ، ما الجوانب التي يفترض أن أخرج فيها أنا عن الداعية فأنتقده ، أو أتحدث عنه ، متى يفترض أن أقوم بهذا ، في أي موقف أنا لا أراه فيه على صواب ، أم إن خرج عن أساسيات الدين ؟
الدكتور راتب :
والله أنا أولاً لا أقبل أن ينصح العالم أمام جمهور ، فيما بينك وبينه ، وقد يقبل كل ما تقوله له فيما بينك وبينه ، فأنت إذا نصحته أديت الذي عليك ، إذا نصحته فيما بينك وبينه من دون أن تحرجه أمام إخوانه أنت أديت الذي عليك ، وبقي من الله الذي لك .
المذيع :
مبدأ الاتباع للعالم ، من المفترض أن يكون وفق المنهج الشرعي ، هل يفترض أن نتبع العلماء اتباعاً كاملاً ؟
وجوب ألا نقبل شيئاً من أي إنسان كائناً من كان باستثناء النبي إلا بالدليل :
الدكتور راتب :
أنا أتمنى على أخوتي المستمعين ألا تقبل شيئاً من أي إنسان كائناً من كان ، باستثناء النبي وحده إلا بالدليل ، وألا ترفض إلا بالدليل ، لا تقبل إلا بالدليل ، ولا ترفض إلا بالدليل ، وأنت عندئذٍ تلجئ العالم إلى الإتيان بالأدلة ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، أنا أقول لك الآن : عمان كلها ملكي لكن بلا دليل ، فلابد من الدليل ، فأنت إذا طالبت المتكلم بالدليل ، قد تقنع بهذا أو لا تقنع ، أما أن يترك الأمر بلا أدلة يتكلم كل إنسان ما شاء هذه فوضى ، فوضى كبيرة جداً ، هذه اسمها الغوغائية .
المذيع :
إذاً الأصل اتباع العلماء شريطة وجود دليل يقدمونه .
الدكتور راتب :
الدليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، لا تقبل من عالم شيئاً إلا بالدليل ، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل ، وبأدب جم اسأل هذا المتكلم يا سيدي : ما الدليل على ذلك ؟
المذيع :
في القضايا دكتور التي قد تعد نوعاً من أنوع الفتن أو يختلف الناس فيها ، وتختلف حق الألة فيها ، نفس الدليل قد يستشهد به للموقف الأول ، ونفس الدليل يستشهد به للموقف المغاير ؟
الدكتور راتب :
نحن نقول رداً على ذلك : الفتنة نائمة لعن من أيقظها .
المذيع :
دكتورنا الفاضل ، في اللحظة التي أجد فيها أن هذا العالِم قد خرج عن إطار الصواب مثلاً داهن الحاكم ، أو نافق إليه ، ما المفترض أن يكون موقفه ؟
الدكتور راتب :
أنا أنصحه قطعاً قولاً واحداً .
المذيع :
كيف أصل إليه وأنصحه دكتور ؟
الناس بحسهم العام يعرفون الخطأ من الصواب :
الدكتور راتب :
والله برسالة هاتفية ، ولقائه وحده .
المذيع :
قد يكون من الصعوبة الوصول في هذا الزمان لبعض الدعاة خارج إطار دولتنا .
الدكتور راتب :
عندئذٍ لا تكلف فوق طاقتك .
المذيع :
ماذا عن موقفي منه ، هل يفترض أن أحذر الناس أن فلاناً منافق فاحذروه ؟
الدكتور راتب :
أنت حينما تسأل تجيب ، فرق بين أن تبادر أنت وتقول ، أو أن تجيب عن سؤال ، فإذا سئلت فأجب .
المذيع :
أحياناً دكتور ، في السابق كنت مثلاً أدعو الناس كثيراً لمتابعة هذا العالم ، أو هذا الكاتب ، أو هذا الداعية ، اليوم وجدت منه شيء يخالف الصواب ، يخالف إجماع الأمة ، يخالف شرع الله ، ألا يفترض بي في المقابل بما أنني أشهرته ودعوت الناس إليه أن أقوم بالتحذير منه ؟
الدكتور راتب :
إذا سئلت تجيب ، الموقع الوسطي إذا سئلت تجيب ، الناس بحسهم العام يعرفون الخطأ من الصواب ، هم يعرفون الذي يسألونك عنه ، فاكتفِ بمعرفتهم ، لا داعي إلى أن يجروك حتى تصدر تصريحاً يسبب مشاكل كثيرة جداً ، أنت في غنى عنها .
المذيع :
دكتور ، في حال بعض الناس كان مستوى انزعاجه من هذه المواقف من بعض العلماء ، أو الكتاب ، أو الدعاة ، أن يبدأ بسيل من العبارات والشتائم والتلفيق والزندقة لهم ، هل هذا مقبول أم هو مؤاخذ ، وإن كانت كلمة حق ؟
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا :
الدكتور راتب :
غير مقبولة .
المذيع :
حتى لو كانت حق ؟
الدكتور راتب :
طبعاً .
المذيع :
لو نافق ذلك العالم دكتور ألايحق لي أن أزندقه ، وأن أفسقه ، وأن أسيء إليه أمام الناس ؟
الدكتور راتب :
أبين له خطأه فقط ، هناك فرق بين أن تزندقه ، أن تحكم عليه ، هذا ليس من مستوى البشر .
أنا أقول لك كلمة دقيقة جداً : النبي الكريم كان من عادته أن يزور بيت المتوفى من أصحابه ، سمع امرأة تقول : هنيئاً لك أبا السائب فقد أكرمك الله ، النبي وحده لو سكت لكان كلامها صحيحاً ، لأن سيدي النبي الكريم أقواله سنة ، وأفعاله سنة ، وصفاته سنة ، فقال لها : وما أدراك أن الله أكرمه ؟ قولي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
هذا الموقف سيدي .
المذيع :
وهكذا الأصل أن يكون الإنسان على هذا المنهج ، وعلى هذا الموقف .
الدكتور راتب :
الصامت في سلام ، والمتكلم إما له أو عليه ، ومن عد كلامه من عمله فقد نجا .
المذيع :
لو سكت كل الناس ، لو سكت كل العلماء من سيقول كلمة الحق ؟ من يوجه للأمة بوصلة الصواب ؟
الدكتور راتب :
يا أخي عندنا فرض عين ، وفرض كفاية ، كلمة الحق لإنسان خرج عن منهج الدعوة يقوم بها واحد ، وعندئذٍ تسقط عن الكل ، الآن يقوم بها مئات ، وليس واحداً ، فليس كل مستمع مسلم مكلف أن يقوم بها ، هذه فرض كفاية ، الصلاة فرض عين ، أما هذه فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل .
المذيع :
شيخنا الفاضل ، ألا يفترض أن يحتشد أهل الحق لقول كلمة الحق ، لو مثلاً حاكم خرج بقرار لا يوافق الصواب ، ولا يوافق شرع الله ، وواحد أو اثنان من أهل العلم الشرعي اعترضوا عليه بينما صمت الباقي ، أليس هذا إشارة سلبية منهم أنك على صواب وامضِ ، لو ضج مئتان أو ثلاثمئة منهم قد يغيروا شيئاً بحشدهم ؟
الهجرة هي الحل الوحيد لمن أجبر على قول الباطل :
الدكتور راتب :
الجواب :
((يَدُ اللهِ مع الجماعةِ))
المذيع :
الأصل أن يكون هذا الحل .
الدكتور راتب :
نعم هذا الأصل .
المذيع :
دكتور ، في قضية نفسية الآن تصبح لدى الناس أنه لم يعد يستطيع أن يتابع ، أو أن يستمع ، أو أن يتلقى العلم من مجموعة من أهل العلم ، أو طلبة العلم ، أو الدعاة ، حينما وجده لسنوات مثلاً يتحدث عن الحق ، وعن الباطل ، وعن كلمة الحق ، وحينما جاءت سكت عن هذا الحق ، لم يعد الناس يثقون به ، وجدوا أفعالاً لا تطابق أقوالاً ، ماذا تحب أن تقول دكتور عن هذا الكلام ؟
الدكتور راتب :
والله سيدي حينما تجبر على أن تقول الباطل أرض الله واسعة ، حينما تجبر على أن تقول كلاماً لست قانعاً به ، يجب أن تغادر ، هذا الحل ، هذه الهجرة .
المذيع :
الله المستعان ، ربنا يفرجها ، وربنا يوسعها .
ندرك الحرج من الحديث في هذا الكلام ، لكن هناك بوصلة من الحق يبحث عنها الناس ، فلو لم يتحدث أمثال فضيلتكم بهذا الحق ، لا بد أن يكون هنالك مرجعية يبحث الناس عنها ، دكتور بعض الأشخاص لا يستخدم عقله بالتعامل مع بعض العلماء ، هو فقط وكأنه يأخذ منه كلاماً ، سواء أكان صواباً أم خطأ ويعتبره مقدساً ، ماذا تقول لمثل هؤلاء الذين لا يستخدمون عقولهم أبداً بالتفكر ؟
الرسول وحده المعصوم وما سواه غير معصوم :
الدكتور راتب :
من مسلمات شرعنا الحنيف أن الله سبحانه وتعالى عصم إنساناً واحداً هو رسول الله وما سواه غير معصوم ، ما دام غير معصوم معنى ذلك أنه يخطأ ، فالإشارة للخطأ عند الضرورة لا مانع إطلاقاً ، مثلاً لو فرضنا عالماً أخطأ أثناء حديثه عن عدد سكان الأرض مثلاً لا تقدم ولا تؤخر ، قال لك مثلاً ثمانية مليارات ، هي سبعة مليارات ومئتا مليون ، هناك أخطاء لا تقدم ولا تؤخر لا وزن لها إطلاقاً ، فأنا أرجح الصمت عنها أفضل من الحديث بها .
أذكر مرة أني قلت الصحابة كانوا ثلاثة آلاف ، قال لي أحدهم : ثلاثة آلاف وثلاثة عشر صحابياً ، فهناك أخطاء لا تقدم ولا تؤخر إطلاقاً ، والأولى أن نتجاوزها ، أما إذا كانت الأخطاء بالعقيدة لابد من أن تذكرها .
المذيع :
مصطلح لحوم العلماء مسمومة .
الدكتور راتب :
هو مصطلح ليس قرآناً ولا حديثاً ، لكن لو أن إنساناً له تأثير إيجابي في المجتمع ، وارتكب خطأ كبيراً ، أنت إذا ذكرت هذا الخطأ أمام الناس أضعفت مكانته ، وفي آلاف استفادوا منه ، والخطأ لا يقدم ولا يؤخر ، أحياناً هناك تصيد ، هناك عملية قنص ، إنسان قناص ، يعثر على خطأ برقم معين ، خطأ بآية ، فهذا الذي يكبر الأمر لدرجة غير معقولة أنا أسميه قناصاً ، أما :
التمس لأخيك سبعين عذراً .
المذيع :
إذاً أفهم من كلام فضيلتكم شيخنا أن هنالك خطأ إن جاز التعبير غير مقصود كذلة لسان ، أو قلة تحضير من العالم ، وهنالك فرق بين الخطأ المنهجي .
الدكتور راتب :
هذا الخطأ الغير مقصود لا مانع أن يبلغ العالم .
أذكر مرة أخ يسكن في أطراف دمشق ، بمسافة بعيدة جداً ، ذكر لي ملاحظة وكان محقاً بها ، قلت له : أنا شاكر جداً لهذه الملاحظة ، وسأقول في الدرس القادم أن فلاناً ذكر هذا وسأشكره ، تشجيعاً للباقين ، وأوصلته بمركبتي إلى طرف المدينة ، شكراً له على هذا العمل ، لأن هذا الإنسان عندما يذكر السلبيات يرفعك ، يرفعك إلى أعلى عليين ، أما الذي يسكت عن أخطائك فهذا تغرق به .
المذيع :
إذاً هنالك دكتور فرق هامشي غير مقصود ، وأخطاء منهجية متعمدة .
التعميم من العمى :
الدكتور راتب :
لا بد من ذكرها ، لكن أنا أبدأ بينك وبينه ، وهذا الشيء عمل جيد جداً ، أنا أطلب موعداً للقائه ، أو رسالة هاتفية بينك وبينه فقط ، أو وسيلة خاصة بينك وبينه ذكره بخطأه ، فإذا عاد عنه شكرني والقضية حُلت ، إن لم يعد أرفع المستوى ، أرفع سقف نقدي كلما تجاهل هذا النقد .
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، هذه من القضايا الخطيرة اليوم يتم استبساط الحديث فيها ، بعض الناس إذا انزعج من موقف معين من أحد العلماء والدعاة ، استباح دينه وعرضه وجعله منافقاً في كل تفاصيل حياته ، وهذا كما أشرت فضيلتكم هو خلل كبير سيسأل أمام الله وفي المقابل من أحب بعض العلماء والدعاة ألهه فلا يرى خطأه الواضح وضوح الشمس إلا صواباً .
الدكتور راتب :
أنا كنت أحضر مناقشة دكتوراه في جامعة في لبنان ، وأنا كنت طالباً فيها ، فجاءت عبارة في أطروحة طالب أثناء قراءة ملخص محاضرته ، فأسكته الدكتور ، هو دكتور فرنسي ، قال له : التعميم من العمى ، هذه الكلمة دخلت إلى عظامي ، لا تعمم ، الله ما عمم ، قال :
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ ﴾
ما قال إن أهل الكتاب ، الإله ما عمم ، فالتعميم من العمى ، فالإنسان بالعلم لا يوجد حل وسط ، فإذا كان هناك خطأ في العقيدة يجب أن تذكره ، لكن أنصح الأخ الكريم الناصح ما دام الخطأ بالعقيدة وخطير أذهب إليه في بيته ، بلطف بالغ ، أبين له خطأه بالعقيدة ، وأتمنى عليه أن يصحح .
والله أنا مرة على المنبر ذكرت شيئاً بخطبة سابقة ، وجاء أخ كريم معه إجازة في التاريخ قال لي : هذه النقطة يجب أن تحكى بشكل آخر ، والله أعدتها في الخطبة القادمة ، قلت : أخ كريم نصحني في الأسبوع الماضي ، وأنا أصحح ما قلته بالخطبة السابقة .
أنا عندما أقبل من منتقد أشجعه ، وأقوي مركزه ، وأقوي أنا مركزي عند الله عز وجل ، أنا أخضع للحق .
المذيع :
لكن مجموعة من العلماء شيخنا ، أو طلبة العلم الشرعي يرفضون ، لا يقبل أن ينصحه أحد ، أو أن يقول هنالك خطأ .
النصيحة أساس الدين :
الدكتور راتب :
والله أنا أقبل نصيحة من طفل ، والله من طفل ، مرة طفل يمشي أمام حفرة ، قال له: إياك يا غلام أن تسقط ، فقال له الغلام : إياك يا إمام أن تسقط ، إني إن سقطت سقطت وحدي ، وإنك إن سقطت سقط معك العالم .
فالنصيحة أساس الدين ، بل إن النبي الكريم ضغط الدين كله بكلمة واحدة ، قال :
((الدِّينُ النصيحة لِمَنْ يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ولرسوله ، ولأَئمة المسلمين وعامتهم))
هذه النصيحة ، والذي لا يقبل النصيحة أنا أعده جاهلاً .
المذيع :
بعض العلماء دكتور لا يقبل الاختلاف الفقهي ، أي ليست نصيحة من عامة الناس ، يكون مذهب كبير كالشافعي وهو مثلاً على مذهب آخر كالحنفي أو العكس ، لا يقبل النظر بوجهة نظر ثانية .
الدكتور راتب :
والله أنا أقول أي سلوك في الشرع يغطى بأحد المذاهب فهو صحيح ، وهو خارج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لِمَ سمي معروفاً ؟ يعرف بالبداهة وبالفطرة ، والمنكر تنكره بالفطرة ، أما إذا كان هناك اختلاف في المذاهب لم يعد هناك أمر بالمعروف ، هذا يصلي على المذهب الشافعي مقبولة صلاته ، وقال العلماء : اجتماعهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة .
المذيع :
دكتور ، كيف يفترض أن تكون علاقة العالم بالحاكم ؟
الدكتور راتب :
والله علاقة نصح ، لا يوجد حاكم يستقبل عالماً ينصحه على انفراد وبأدب وبأسلوب ذكي إلا ويقبل هذه النصيحة ، وقد أزاح عن كاهله المسؤولية ، سقطت عند الله مسؤوليته عن ذلك ، نصحته ، وهذا الذي عليك ، وقيل : أدِ الذي عليك ، وانتظر من الله الذي لك .
آخر ما بقي للناس العلماء فإذا خيبوا ظنهم أصيبوا بكارثة كبيرة جداً :
لكن يوجد نقطة دقيقة : الله يقول :
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾
فإذا كان الآخر :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
منتهٍ عند الله .
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
منته عند الله .
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾
منته عند الله .
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾
المذيع :
الله سبحانه وتعالى يصلح أحوالنا جميعاً إن شاء الله رب العالمين ، نصيحتكم للعلماء نصيحتكم للدعاة دكتور ، وهم بوصلة اهتمام الناس في هذه الأيام لمعرفة الصواب من الخطأ ؟
الدكتور راتب :
الآن آخر ما بقي للناس العلماء فقط ، فإذا خيبوا ظنهم هناك كارثة كبيرة جداً ومأساة قد لا توصف ، ولا تقدر بثمن .
المذيع :
الله المستعان ، أكرمكم الله دكتور و جزاكم كل خير ، نختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله القبول .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي على آله وصحبه وسلم .
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي جزاكم الله خيراً ، وحفظ الله أمتنا الإسلامية ، وحفظ علماءها ، وأساتذتها ، ودعاتها ، على بوصلة الحق دائماً وأبداً .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته