- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِ وسلم وبارك على حبيب قلوبنا ، على نبينا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام السلام عليكم ، وعلى الهواء مباشرة في لقاء إيماني جديد بوجود فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الحبيب الحمد لله على السلامة ، وأهلا ومرحباً بكم معنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
الله يكرمكم يا شيخنا ، وأهلاً ومرحباً بكم .
اليوم لدينا حديث جميل ، ولدينا كلمات طيبة نستمع إليها من فضيلة العلامة الشيخ النابلسي تحت عنوان : "معية الله" ، نستمع كثيراً لهذه الكلمة ، هؤلاء الأشخاص من معية الله ، نريد أن نتعرف ، وأن نفهم هذا المفهوم أكثر ، من هم أهل الله ، وكيف نكون منهم ؟ ومن هم أولياء الله ، وكيف لنا أن نتحلى بصفاتهم ونكون منهم ؟
يقول ربنا سبحانه وتعالى في الآية الثالثة والستين من سورة يونس ، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يعلم الصحابة :((يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك))
فما هو حفظ الله ، وما هي معية الله ؟ هذا هو سؤالنا الذي نستهل به لقاءنا مع الشيخ محمد راتب النابلسي ، شيخنا الحبيب بعد ترحيبنا مرة أخرى بكم ، ما المقصود بمعية الله؟ ما معناها ؟ ما هي ؟ ما هو مفهوم معية الله ؟المعية نوعان :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، وأمناء دعوته ، وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، بارك الله بكم .
أبدأ لقائي مع أخوتي الكرام المستمعين بهذه المقولة : إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ بمعنى أن معية الله عز وجل مقام عند الله رفيع ، ولكن المعية نوعان ، المعية الأولى :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
أي بعلمه ، الله معنا دائماً ، أحوالنا ، أقوالنا ، أفعالنا ، خواطرنا ، نوايانا ، حركاتنا ، سكناتنا ، خروجنا ، دخولنا ، ارتقاؤنا ، معنا أينما كنا ، معية الله الأولى معية علم .﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾
يعلم ما تفعلون ، ما تقولون ، ما تضمرون ، يرى حركتكم ، يعلم خواطركم ، فالمعية الأولى معية علم ، لكن حينما يقول الله عز وجل : إن الله مع المؤمنين ، هذه معية أخرى ، من نوع آخر ، المعية إذا جاءت مع المؤمنين تعني أن الله عز وجل معكم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ والتوفيق ، فالأولى : معية علم ، والله مع الكافر ، أي يعلم ما يتكلم ، يعلم حركاته ، سكناته ونواياه السيئة ، يعلمها ، فإذا كان الله مع الكافر ، معية علم فقط ، وإذا كان مع المؤمن معية علم أيضاً ، وإذا كان مع أي مخلوق معية علم ، لكن المعية التي اتصف بها المؤمنون .﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
إن الله مع المؤمنين ، إذا جاءت المعية مرتبطة بالمؤمنين ، هذه معية التوفيق ومعية التطهير ، معية التكريم ، كل المعاني الإيجابية من معية الله ، أنا ألخصها بهذه الكلمة : إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .إذا كان الله مع هذا المؤمن من يستطيع في الأرض كائناً من كان أن ينال منه ؟ قوى الأرض بأكملها لا تستطيع أن تنال من المؤمن إذا كان مع الله ، وإذا كان الله معه ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ، عندما يكون المؤمن مع الله طائعاً ، ملتفتاً ، مقبلاً ، مطبقاً لمنهجه، يراقب نواياه التي تسبق أعماله ، كل هذه المقدمات يكتسب بها المؤمن معية الله ، وإذا اكتسب معية الله فهو في أعلى درجات التكريم ، مثلاً يكون إنساناً عادياً ، إذا قال له الملك : أنا معك ، من يقدر بالمملكة كلها أن ينال منه ؟ هذه معية الله كبيرة جداً ، فأنا أتمنى على كل مؤمن أن يدفع ثمن معية الله عز وجل .
المذيع :
وما هو هذا الثمن دكتور ؟
ثمن معية الله عز وجل هي الطاعة :
الدكتور راتب :
الثمن هي الطاعة ، الطاعة سلوكاً ، والإقبال عليه نفساً ، والإخلاص له قلباً ، سلوك طاعة ، بالنفسية قرب ، بالضمير إخلاص ، فالإخلاص والإقبال والسلوك ، هذه تستوجب معية الله عز وجل .
المذيع :
جميل ، إذاً معية الله ، والله يعلم كل أحوالنا ، وهذه تنطبق على كل خلقه ، وعلى كل البشر ؟
الدكتور راتب :
ومع الكافر ، هو كذلك .
المذيع :
معية العلم .
الدكتور راتب :
يعلم كل ما يخطط له .
المذيع :
ومعية الحفظ لأولئك الذين يتقون الله سبحانه وتعالى .
الدكتور راتب :
والتأييد ، والتوفيق ، والنصر ، والنجاح .
المذيع :
هنا أريد أن أتوسع مع فضيلتكم دكتور محمد ، ما المقصود بهذه المعية ؟ إذا كان إنسان من الناس الذين يتقون الله عز وجل ، يسارعون في أداء فرائضهم ، وينتهون عما نها عنه سبحانه وتعالى ، ويجتهدون بالنوافل والاستغفار ، فربنا رضي عنهم ، فكانوا في معية الله ، ما دلالة ذلك ؟ ما معنى أن يكون في معية الله ؟ ما الذي يتحقق في حياتنا وآخرتنا ؟
الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :
الدكتور راتب :
الذي تحقق أن الإنسان بين إلهام الملَك ووسوسة الشيطان ، فالإنسان له قرين حتماً، قرين من الشياطين ، وقرين من الملائكة ، فإذا كان مع الله ألهمه الملك ما ينفعه ، ألهمه الخير ، ألهمه الصواب ، ألهمه الكلام السديد ، ألهمه التصرف المدروس العاقل ، ألهمه الموقف القوي ، ألهمه الشجاعة ، ألهمه الإيثار ، هذه كلها إلهامات ، الإنسان بين إلهام ملك ، وبين وسوسة الشيطان ، فإذا كان مع الله يتولى الملك إلهامه بالخير ، إلهامه بالحكمة ، أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة ، والدليل :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الإنسان بالحكمة يسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، ومن دون حكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، بالحكمة يجعل العدو صديقاً ، من دون حكمة يجعل الصديق عدواً ، بالحكمة يتدبر أمره بالمال المحدود ، من دون حكمة يتلف المال الكثير .أكاد أقول أخي الكريم بارك الله بك : أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة ، إلا أن هذه الحكمة لا تؤخذ ، هنا المشكلة ، لا تؤخذ ، ولا تكتسب ، ولا تتملك ، الحكمة تؤتى من الله والدليل :
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
أكبر مكافأة من الله للعبد المؤمن أنه يُلهمه الحكمة ، أي ناجح بقراراته ، ناجح بتصرفاته ، ناجح بمواقفه ، ناجح في بيته ، ناجح في عمله ، ناجح مع أخوانه ، ناجح مع أصدقائه ، ناجح مع زملائه ، ناجح في أمر راتبه ، ناجح في أوقات فراغه ، ناجح في هواياته مطلق النجاح .﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
أنا أضرب مثلاً بسيطاً : لو فرضنا طفلاً جاء العيد ، أقرباؤه أعطوه بعض الأموال، فإذا زاره عمه أو خاله ، قال له الطفل : عمي أنا معي مبلغ عظيم ، كم تقدر مبلغ هذا الطفل الصغير ؟ عمره خمس سنوات ، قال لك : معي مبلغ عظيم ، أي مئة دينار مثلاً لا أكثر .إذا مسؤول بالبنتاغون قال : أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً ، بكم تقدر ؟ مئتي مليار ، فإذا قال ملك الملوك ، ومالك الملوك ، خالق الأكوان :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الإنسان إذا بحث عن الله وطبق أمره علمه ما لم يكن يعلم :
إله خالق الأكوان ، يخاطب النبي الكريم :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الحقيقة لو أن الإنسان تبصر في نفسه لوجد أنه إذا بحث عن الله ، وعرفه ، واستلهم إيحاءاته ، وطبق أمره ، وتوجه إليه ، وأخلص له ، علمه ما لم يكن يعلم .﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
من الممكن أن نلخص هذه الحلقة كلها بكلمتين : إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يستطيع من أهل الأرض ، من أقوياء الأرض ، من طغاة الأرض ، أن ينال منك ؟ لا أحد. وإذا كان عليك فمن معك ؟ وإذا الله عز وجل :﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾
إذا أراد الله إكرامك يسخر عدوك لخدمتك ، وإذا أراد الله إهانة عبد جاءه الشر من أقرب الناس إليه ، البطولة أن تكون مع الله ، ويكون الله معك .كن مع الله تر الله معــــك واترك الكل وحاذر طـــــــمـــعك
وإذا أعطاك مـن يـمنعه ؟ ثم من يعطي إذا ما منعـك ؟
***
ربنا سبحانه وتعالى خلق لهذا الكون نواقيس وقوانين معينة وجعلها السنن الكونية التي تسير عليها ، هل يمكن لهذه السنن الكونية أن تتغير مع أولياء الله ، مع أولئك الذين دخلوا في معية الله من عباده المتقين ؟
الظاهرة القرآنية تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن :
الدكتور راتب :والله هذا الموضوع ينقلنا إلى موضوع الكرامات ، أنا أولاً أقول لك بالكلام الدقيق : أن النبي الكريم حينما يرسله الله لهداية خلقه ، هذا النبي الكريم يقول : أنا رسول الله ، أو يأتي بمنهج ، المنهج افعل ولا تفعل ، هؤلاء الذين ألفوا أن يعيشوا مع شهواتهم من دون قيد أو شرط ألفوا التفلت ، ألفوا أن يتحركوا بدافع من شهواتهم ، إذا جاءهم منهج إلهي يحد من شهواتهم يرفضون هذا المنهج ويقولون :
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
يكفرون برسالة النبي ، الآن كيف يشهد الله لهذا النبي أنه رسوله ؟ هنا الشاهد ، لابد من أن يجري على يديه خرقاً للنواميس ، سيدنا عيسى أحيا الموتى ، سيدنا موسى ضرب البحر أصبح طريقاً يبساً ، سيدنا ابراهيم أُلقي في النار فلم تحرقه ، فحينما يقول إنسان أنا رسول الله لا بد من أن يشهد الله له برسالته ، وذلك بأن يجري على يديه خرق لنواميس الكون ، هذه المعجزات . إلا أن الأنبياء السابقين لكل نبي معجزة حسية ، ترى بالعين ، المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب يتألق هذا العود ، ثم ينطفئ ، فيصبح خبراً يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، إلا أن النبي الكريم آخر الأنبياء والمرسلين ، بعثته خاتمة البعثات ، رسالته خاتمة الرسالات ، كتابه خاتم الكتب ، فلابد من أن تكون المعجزة مع رسول الله وحده مستمرة ، حينما يأتي نبي كريم مع معجزة حسية ، وتنتهي حياته سيأتي بعد نبي آخر ، ومع الآخر معجزة ، أما هذا النبي خاتم الأنبياء والمرسلين ، بعثته خاتمة البعثات ، رسالته خاتمة الرسالات ، إذاً لابد من أن تكون المعجزة لهذا النبي محمد عليه الصلاة والسلام مستمرة ، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية .لذلك في هذا الكتاب الكريم ، ألف وثلاثمئة آية فيها إعجاز أي حقيقة اكتشفت حديثاً والقرآن ذكرها قبل ألف وأربعمئة عام ، هذه الظاهرة القرآنية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الذي خلق الأكوان ، هو الذي أنزل القرآن .
نأتي بمثل : رواد الفضاء في أول رحلة فضائية أبولو 8 ، حينما تجاوزوا طبقة الهواء صاح رائد الفضاء الأول : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، ما الذي حصل ؟ نحن في الأرض هناك ظاهرة فيزيائية اسمها تناثر الضوء ، فحينما تسلط أشعة الشمس على ذرات الهواء ، هذه الذرات تعكسها على ذرات أخرى في أي مكان على سطح الأرض ، في النهار في مكان فيه أشعة شمس ، مكان آخر فيه ضوء الشمس ، بيتك إذا النوافذ مفتوحة في النهار تجد ضياء في البيت ، بعض الغرف التي لها علاقة بالجهة القبلية تدخل لها أشعة الشمس ، لكن بقية الغرف ليس فيها أشعة الشمس لكن فيها ضوء ، هذا الضوء هو تناثر الضوء ، فكرة دقيقة في الفيزياء ، الأشعة تسلط على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسها إلى ذرات أخرى ، فأصبح في الأرض مكان فيه أشعة شمس ، كساحة عامة ، وفي البيت الذي فيه نوافذ فيه ضوء الشمس لكن ليس فيه أشعة الشمس ، هذه الظاهرة عندما رواد الفضاء صعدوا إلى القمر ، وتجاوزوا طبقة الهواء ، ألغي انتثار الضوء ، فصاح رائد الفضاء بأعلى صوته : لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً ، أصبح الظلام دامساً عندما تجاوزوا طبقات الهواء ، أصبح الظلام دامساً لأن انتثار الضوء ألغي .
إعجاز القرآن الكريم :
الآن نفتح القرآن الذي نزل قبل ألف وأربعمئة عام يقول الله عز وجل :
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
تطابق مئة بالمئة بين حدث روي حديثاً في العشرين عام الماضية ، بعد أن توصل الإنسان إلى القمر ، وتجاوز طبقة الهواء ، وصاح رائد الفضاء : لقد أصبحنا عمياً ، وبين كلام الله عز وجل :﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
من هذه الشاكلة ، يوجد مئات بل بضع مئات من القضايا التي القرآن أشار إليها مثلاً علم الجنين ، علم الأجنة ، هذا علم عمره مئة عام ، الآن توصلوا إلى أن الذي يحدد جنس الجنين ذكر أو أنثى ليست البويضة ، ولكنه الحوين ، نفتح القرآن :﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
دقة متناهية .المذيع :
شيخنا الحبيب هذا كله كما تفضلت يدل على إعجاز كلام الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم ، والذي هو معجزة خالدة ببقاء الإسلام رسالة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ماذا عن أولئك الذين يدخلون في معية الله ، أولياء الله الصالحين ، هل إذا كان الإنسان في معية الله ، من أولياء الله الصالحين تغير هذه القوانين والسنن الكون له أم هو مأمور أن يأخذ بأسبابها فهي لا تغير أحد ؟
كنت قد سألت فضيلتكم شيخنا إذا كانت قوانين الكون تتغير ، أحياناً نعرف إذا كان إنسان في حفظ الله ، يمكن إذا كان في كرب ربنا يكشف عنه الكرب ، إذا كان في ضائقة يفرج عليه أكثر من باقي الناس ، هل هذا واقعي ؟
الفرق بين الكرامة والمعجزة :
الدكتور راتب :
أولاً هناك وهم كبير حول تعريف الولي ، قيل : ليس الولي الذي يمشي على سطح الماء ، ولا الولي الذي يطير في الهواء ، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، أن يراك حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، الآن لو رجعنا إلى تعريف الولي في القرآن الكريم :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
هذا تعريف القرآن ، وهناك ملايين القصص والخرافات والخزعبلات متعلقة بالأولياء صدق لا أصل لها ، لكن البطولة أن تفهم الدين فهماً وفق منهج الله عز وجل ، الإنسان يتفوق ، أما أنا مضطر أن أذكر المعجزة ، حينما يرسل الله رسولاً ، ومعه منهج ، ويقول للناس : أنا رسول الله ، هناك من يكذبه ، فلابد من أن يشهد الله له أنه رسوله .المذيع :
من خلال المعجزات .
الدكتور راتب :
المعجزة سيدنا موسى ضرب البحر أصبح طريقاً يبساً ، سيدنا عيسى أحيا الموتى .
المذيع :
أما الكرامة ما هي ؟
الدكتور راتب :
الكرامة هذه بالتعبير المصرفي شيك مسطر ، لا تصرف إلى لصاحبها ، هذه الكرامة إشعار الله لهذا المؤمن الذي تفوق في إيمانه ، وبذل الغالي والرخيص حتى يحبه الله ، هذه لا يتاجر بها ، لذلك قالوا : الولي كل الولي الذي يستحي بكرامته ، لا يروي كراماته .
أنا موقفي دقيق جداً ، أنا الكرامة لا أنكرها ولا أرويها ، لا بد حينما تخطب ود الله ، تقوم الليل ، تنفق من مالك ، تدعو إلى الله ، هذه الأعمال الطيبة الرفيعة جداً لابد من أن يقابلك الله بمودة ، المودة هي الكرامة ، أحياناً تجد نفسك مرتاحاً ، طليق اللسان بالحديث ، أحياناً تبحث عن شخص تجده أمامك ، هذه أشياء تسمى كرامات ، هذه لا يتاجر بها ولا تذكر ولكنها إشعار لهذا المؤمن الصادق المخلص المقبل أن الله يحبه ، فالكرامة تكون لكن لا يتاجر بها ، وليست للتحدي بخلاف المعجزة ، المعجزة الأنبياء أمروا أن يتحدوا البشر بها ، لكن الولي الحقيقي ينبغي أن يسكت عن كرامته ، وألا يرويها ، لأنه غير معصوم ، لو رواها والناس صدقوه ، ثم رأوا خطأ من أخطائه ، يكفرون بالدين ، فأنا أتمنى على كل الدعاة ألا يرووا لمن حولهم كراماتهم .
المذيع :
إذاً أنت موقفك شيخنا واضح من الكرامات لا تنكرها ، لكنك أيضاً لا تدعو إلى أن يتناقلها الناس .
أي إنسان مؤمن مستقيم هو أحد أولياء الله :
الدكتور راتب :
لي مثل بسيط : طالب بالشهادة التوجيهية ، شهادة مصيرية متعلقة بالجامعة ، والده مرض أثناء العام الدراسي مرضاً شديداً فترك الدراسة من أجل والده ، وتفرغ لخدمته ، وتطبيبه قبل الامتحان بشهر ، أو بأسبوعين شُفي والده ، بقي معه أسبوعان ، إذا الله عز وجل ألهمه أن يفتح الكتاب على الصفحة التي منها السؤال ، هل هذا صعب على الله ؟ هذه لا تروى لأحد هذه القصة ، هذه فقط إكرام من الله لهذا الابن البار .
المذيع :
إذاً المنهج هنا أن يسر الإنسان بهذه الكرامة ويخفيها .
الدكتور راتب :
ينبغي ألا يعلنها حتى لا يشوش الناس ، لأنه ليس معصوماً ، قد يخطئ وقد يصيب ، الكرامة أولاً أنا لا أنكرها ، لأنها إشعار من الله أنني أحبك يا عبدي .
المذيع :
حينما نقول شيخنا أولياء الله ، وحينما نقول أولئك الأشخاص الذين دخلوا بمعية الله هل نتحدث عن فئة واحدة ، أم أن المعنى منفصل ؟
الدكتور راتب :
أي إنسان مؤمن مستقيم أحد أولياء الله ، كلام دقيق جداً دليل قرآني :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
فقط ، تعريف جامع مانع للولاية ، أما خرق العادات فأنا لا أغلبها ، هذه لا يتاجر بها .المذيع :
حينما نقول في قول الله سبحانه وتعالى كما تفضلتم عن أولياء الله الصالحين :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
آمنوا بماذا ؟ ويتقون ماذا ؟أولياء الله اتقوا الله و آمنوا به :
الدكتور راتب :
آمنوا بالله عز وجل ، آمنوا بالله موجوداً وواحداً وكاملاً ، آمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، استقاموا على أمره ، تقربوا إليه بالأعمال الصالحة .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
هذا أصبح ولياً ، أي إنسان تعرف إلى الله ، طبق منهجه ، استقام على أمره ، أحسن إلى خلقه ، أصبح ولياً .المذيع :
﴿ وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
كيف يتحقق ذلك ؟الدكتور راتب :
يتقون المعصية ، يتقون أن ينقطعوا عنه باستقامتهم ، يتقون أن يعاقبوا بطاعتهم ، حينما يلغى المفعول به يطلق الفعل ، قاعدة عامة في اللغة ، يتقون كل شيء ، يتقي أن يعصي الله ، يتقي أن يغضب الله ، يتقي أن يؤذي مخلوقاً ، يتقي أن يدعي لنفسه مالا يملك ، ممكن أن يوضع عليها مليون كلمة بعدها ، أما عندما ألغي المفعول به أطلق الفعل .
المذيع :
إذاً : من آمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر .
الدكتور راتب :
واستقام على أمره ، وعمل صالحاً ، وتقرب إلى الله الآن هذا من أولياء الله ، بالمعنى القرآني وليس النصوصي .
المذيع :
كلام مهم ، وكلام بغاية الروعة والأهمية شيخنا الحبيب ، دكتور أولئك الذين يتقون الله ، ويؤمنون به ، ما هو ثوابهم وأجرهم عند الله في الدنيا ، وعند الممات ، وفي القبر في حياة البرزخ ، وفي الآخرة ؟
في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم :
الدكتور راتب :
فال تعالى :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
العلماء قالوا : جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، جنة الدنيا جنة القرب من الله ، أحد كبار العلماء يقول :ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة فماذا يفعل أعدائي بي ؟
معنى ذلك أن حياة المؤمن جنة ، جنة في الأرض ، لكن هذه الجنة جنة القرب من الله ، لأن الله عز وجل قال وهو يصف المؤمنين ويخبرهم :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ﴾
يوم القيامة :﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا ، ذاقوا طعمها .﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
عرفها لهم بقرب العبد من ربه ، أنت مع العظيم ، مع الرحيم ، مع الجليل ، مع الحكيم ، مع القدير ، مع الغني ، مع الإله العظيم ، أنت قوي بالله ، غني بالله ، حكيم بالله ، عالم بالله ، أي إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟ هذه سماها العلماء : جنة القرب ، أي يوجد في قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، والدليل قوله تعالى :﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
لهم الأمن وحدهم ، ولا يتمتع بالأمن إلا المؤمن ، حرصاً بنص الآية ، لو أن الله عز وجل قال أولئك الأمن لهم ولغيرهم ، لما قدم الخبر الذي هو شبه جملة على المبتدأ ، أصبح هناك قسر ، مثلاً : إذا خاطبت ربك فقلت يا ربي نعبد إياك ، لا تمنع أن نعبد غيرك ، أما إذا قال الإنسان في الفاتحة :﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾
قدمنا إياك على الفعل ، أصبح هناك قسر ، أي لا نعبد إلا إياك ، فلذلك نعمة الأمن لا يتمتع بها إلا المؤمن حصراً ، بنص القرآن الكريم .المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور ، ماذا عن فضل أو جزاء أولياء الله الصالحين من يدخلون في معية الله ، من عباد الله الصالحين والمتقين ، في لحظات الوفاة ، هل يثبتهم الله بالقول الثابت وفي عالم البرزخ ؟
المؤمن ينسى كل متاعب الحياة حينما يدنو أجله ويرى مقامه في الجنة :
الدكتور راتب :
يقول أحد التابعين الأجلاء الحسن البصري : التقيت بأربعين صحابياً ، ما منهم واحد إلا كان في أسعد لحظات حياته عند موته .
لذلك سيدنا بلال عندما جاءته المنية ، قالت ابنته : وا كربتاه يا أبتِ ، فقال لها : لا كرب على أبيكِ بعد اليوم ، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه .
الجنة سيدي تشبه طالباً فقيراً جداً ذهب إلى بلاد الغرب ، ودرس على حسابه ، يعمل في النهار ، ويدرس في الليل ، حتى نال الدكتوراه ، أي تقريباً سبع سنوات أعمال شاقة بين عمل ، وبين دراسة ، ودوام ، ومتابعة ، وهموم ، وامتحانات ، وغير ذلك ، نال الدكتوراه ، موعود أن يصبح في بلده أستاذ جامعة ووزير مثلاً ، حجز في الطائرة ، وضع قدمه على سلم الطائرة ، مع أول درجة من سلم الطائرة انتهت حياة وبدأت حياة ثانية ، بعودته لبلده ، سيكون له بيت فخم بأفخم شوارع المدينة ، سيكون له بيت في المصيف ، بيت على البحر ، عدة سيارات، مكانة اجتماعية ، طعام درجة أولى ، بيت درجة أولى ، ألبسة ، مكانة ، أنهت حياة التعب والشقاء وبدأت حياة السعادة ، هذه عند الموت .
لذلك المؤمن حينما يدنو أجله ويرى مقامه في الجنة ، يقول : يا رب ما رأيت شراً قط بحياتي ، ينسى كل متاعب الحياة ، أما الكافر حينما يرى مكانه في النار يقول : لم أرَ خيراً قط.
هذه البطولة سيدي ، البطولة أن تصل لهذه الدرجة .
المذيع :
أي أن الموت ليس دائماً مخيف ، من كان يتقي الله سبحانه وتعالى سيأتي موعد قطف الثمار .
المؤمن خطه البياني صاعد والموت نقطة على هذا الخط :
الدكتور راتب :الإنسان المؤمن خطه البياني صاعد صعوداً مستمراً ، والموت نقطة على هذا الخط الصاعد ، والصعود يأتي بعد الموت أيضاً .
المذيع :
ماذا عن جزاء أولياء الله الصالحين ، ومن يدخلون بمعية الله ، من عباده المتقين يوم القيامة ؟
الدكتور راتب :
﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هذه عبارة دقيقة جداً : لا خوف عليهم في المستقبل ، ولا هم يحزنون على الماضي ، فهذه الآية غطت الزمن كله ، أثناء الآية الحاضر ، والماضي : ولا هم يحزنون على ما مضى ، والمستقبل : لا خوف عليهم ، فلذلك لا ينتظر المؤمن إلا الخير ، والدليل :﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
ما قال علينا ، لنا غير علينا ، لن يصيبنا في المستقبل .﴿ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
المذيع :شيخنا الحبيب ، في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عباس حينما قال :
((كنتُ رَدِيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لي : يا غلام ، احفظ الله يَحْفَظْك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ))
ما المقصود بذلك ؟ وكيف لنا أن نحفظ الله ، وأن نقصد الله ؟حفظ الله أي حفظ أمره بالتطبيق :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن تحفظ الله ، أن تطيعه ، أنا أحفظ الله بألا آكل المال الحرام ، هذه واحدة ، أحفظ الله ألا أملأ عيني من محاسن امرأة لا تحل لي ، أحفظ الله ألا أصغي إلى غناء لايحبه الله .
المذيع :
عفواً قصد فضيلتكم في حفظ الله ألا نتعامل مع مال حرام ، وألا نملأها ؟
الدكتور راتب :
وألا نعصيه إطلاقاً ، احفظ الله في أمره ، الله له أوامر ، له عبادات ، له معاملات ، له أعمال صالحة ، تقريباً مجمل مافي القرآن والسنة من أوامر ونواهي للمؤمن ، فإذا طبق الأمر وانتهى عما نهى الله عنه ، معنى ذلك أنه حفظ الله ، حفظ أمره بالتطبيق .
أحياناً يأتيك أمر من مدير الشركة ، مدير المؤسسة ، ما معنى حفظ الأمر ؟ أي طبقته ونفذته بحذافيره ، أما إذا أهملته ، ألقيته بالمهملات ، أنت ما حفظته ، حفظ الأمر أي تطبيقه .
المذيع :
جميل جميل ، شيخنا كان هذا حديثنا عن الجزء الأول من الحديث احفظ الله ، ماذا عن القسم الآخر يحفظك ؟ كيف يكون حفظ الله للعبد ؟
الدكتور راتب :
حفظ الله أي إذا كان الله معك فمن عليك ، إذا حفظك ، حفظ لك صحتك ، أنت عندما تطبق منهج الله بالطعام والشراب وممارسة المباحات وفق منهج الله ، يحفظ الله لك بالمقابل صحتك من العطب ، بتطبيق أمر الله في علاقتك بزوجتك يحفظ الله لك هذه العلاقة من الفساد أو الشقاق الزوجي أو التطليق ، احفظ الله في كسب مالك يحفظ الله لك مالك ، لا يتلف مالك ، أنا اتقيت الله بالتجارة ، ما كذبت ، ما غشيت ، ما بعت بضاعة غير صحيحة ، ما وصفت وصفاً غير صحيح ، هذا المال الذي ربحته بالتجارة يحفظه الله لي ، أي أسكن في بيت ، آكل وأشرب ، وأربي أولادي ، وأدخلهم الجامعات ، فأنت عندما تحفظ الله بكسب مالك يحفظ الله لك صحتك وأهلك ومن حولك ، حفظ الله أي وفقك .
المذيع :
حسناً ، ماذا عن الابتلاءات التي تحصل لعباد الله الصالحين ؟
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :
الدكتور راتب :
هذا موضوع ثان سيدي ، موضوع لا علاقة له به ، الموضوع السابق أن الإنسان دائماً بالرخاء شاكر لله عز وجل ، لكن الرخاء وحده لا يكشف حقيقة الإنسان ، حينما يأتيه شيء يكرهه لذلك قالوا : الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين .
مثلاً هذا الإنسان دخله جيد ، وأولاده متفوقين ، وزوجته يحبها وتحبه ، وعنده مركبة، وعنده بيت ملك ، ماعنده ولا مشكلة ، ياترى هل يحب الله ؟ يقول لك : لا يوجد دليل أنه يحبه ، أما عندما تأتيه مشكلة ويصبر ويقبلها من الله ، ويقول ياربي لك الحمد .
إذا أحب الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه .
الإنسان لا يظهر ما بداخله ، مثلاً أنت اشتريت سيارة لا تمتحن بالطريق الهابطة ، ولا تمتحن بالطريق المستوية ، لاتمتحن إلا بالطريق الصاعدة ، هنا تمتحن ، أما إذا الأمر سيان ، مستحيل أن يكون الامتحان بالأمور المباحة .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور على هذا الشرح الطيب .
الدكتور راتب :
دائماً يكون الامتحان بشيء صعب ، شخص مرض مثلاً ، فيقول : أنا ماذا فعلت لك ياربي ؟ لا تقال هذه الكلمة ، يا رب لك الحمد على الصحة والمرض ، والغنى والفقر .
المذيع :
هذه العبارة لاتجوز ، أن يقول الإنسان : أنا ماذا فعلت يا رب حتى ابتلى ؟
الدكتور راتب :
كأنه يرفض هذا القضاء والقدر ، لذلك قالوا : الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين .
المذيع :
جميل ، سؤال شيخنا قبل أن نبدأ مع اتصالات مستمعينا الكرام ، كيف أعرف أن مايصيبني هو ابتلاء تمحيص من الله لصدق إيماني ، أم أنه علامة غضب من الله وعقاب لي في الدنيا ؟
أعظم إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان :
الدكتور راتب :
والله ياسيدي الجواب دقيق ، في آية قرآنية :
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
لا أعتقد إنساناً في الأرض يعمل عملاً إلا يلقى في روعه أن هذا العمل يرضي الله ، إذا كان لايرضي الله يلقى في روعه أن هذا العمل لا يرضي الله ، وهناك أمثلة كثيرة ، مثلاً : طبيب مسموح له أن يرى موضع الألم من مريضته وهي أنثى ، والمرأة جسمها كله عورة ، لكن مسموح للطبيب أن يرى مكان الألم ، فإذا نظر إلى مكان الألم واختلس النظر إلى مكان آخر لا تشكو منه ، من يعلم خائنة الأعين هذه ؟ الله وحده لا أحد غيره ، مثلاً أنت في غرفتك والبناء المقابل لك فيه شرفة ، وقفت فيها امرأة بثياب مبتذلة ، ولا يوجد قوة في الأرض تكشف أنك تنظر لهذه المرأة ، وتملأ عينيك من محاسنها ، من يعلم ذلك ؟ إذا أنت غضيت بصرك وأغلقت النافذة من يعلم إلا الله ؟﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
فعندما يكون الإنسان مع الله ، يستقيم على أمره حتى لو كان لوحده ، أوضح مثال الصيام ، شخص صام صيام نفل مثلاً ، لن أقول رمضان ، ودخلت إلى بيتك ولا أحد في البيت ، وكان يوماً من أيام الصيف الحارة ، وتكاد تموت من العطش ، من يستطيع أن يعرف لو أنت أخذت من الثلاجة كأس ماء باردة ؟ لماذا لا تشرب ولا نقطة ماء ؟ وأنت لوحدك في البيت ، لأنك تعرف أن الله معك . أعظم إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .المذيع :
ونعم بالله رب العالمين ، نستأذن فضيلتكم دكتور أن نبدأ بمشاركات مستمعينا الكرام .
أختي أم فارس تفضلي .
المستمعة :
السلام عليكم .
المذيع :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المستمعة :
دكتور راتب النابلسي منور .
أسئلة المستمعين :
الدكتور راتب :
أهلاً وسهلاً تفضلي .
المستمعة :
سؤال أريد تفسير حلم ، وسؤال أريد أن أسأل عن تغطية الوجه هل هو فرض أم من الممكن ألا نغطي الوجه عندما نخرج ؟
المذيع :
اسمحي لي قبل أن تطرحي سؤالك ، دكتورنا هل ترغب بتأويل ذلك الحلم ؟
الدكتور راتب :
الأحلام لست مختصاً بها ، تحتاج اختصاصين .
المذيع :
إذاً لنتجاوز النقطة الأولى أم فارس الدكتور ليس مختصاً بها ، وأشكرك على سؤالك ولو أنه خارج الموضوع ، لكن أصبحت واضحة .
المستمعة :
ادعو لنا يا دكتور ، بالتوفيق لي ولزوجي وأولادي .
المذيع :
السؤال الثاني عن حكم تغطية الوجه للمرأة هل هو فريضة أم لا ؟
الدكتور راتب :
القصة دقيقة ، مسيلمة الكذاب ، قبض على صحابيين ، فقال لهما : أتشهدان أني رسول الله ؟ أول صحابي قال : ما سمعت شيئاً ، فقطع رأسه ، سأل الثاني ؟ قال : أشهد أنك رسول الله ، صحابي شهد لمسيلمة الكذاب أنه رسول الله ، الآن نستمع إلى رد النبي على هذه القصة ، قال : ألا إن الأول قد أعز دين الله فأعزه الله ، طبعاً قُتل ، قال : وأما الثاني فقد قبِل رخصة الله .
كأنه في بعض الموضوعات وضعك الإسلام بين حالة عليا ، هي البطولة ، وبين حالة دنيا مقبولة ، كالجامعة تماماً ، هناك درجة مقبول من يحصل على خمسين علامة ، ويوجد تسعون علامة ، يحصل على درجة شرف ، الاثنان ناجحان ، لكن أحدهم ناجح مقبول ، والثاني ناجح بدرجة شرف .
هذا المثل فائدته أن هناك نقاب وحجاب ، النقاب أعلى من الحجاب بكثير ، والحجاب مقبول أحياناً ، وأنا أتمنى على المنقبة ألا تنتقد المحجبة ، وأتمنى على المحجبة ألا تنتقد المنقبة ، يوجد حد أدنى ، وحد أقصى ، فالتي أختارت الحد الأقصى بطلة ومتفوقة ولها أجر عند الله ، لأن وجهها قد يكون فاتناً ، لن تفتن الشباب بوجهها الجميل ، حتى بعض العلماء قالوا : إذا كان وجهها فاتن يجب أن تستره ، الأولى قبلت رخصة الله ، والثانية أعزت دين الله فأعزها الله .
المذيع :
معنى مهم الله يكرمك يا دكتور للطرح لهذه المنهجية الراقية التي فتح الله سبحانه وتعالى بها عليكم .
عبر الفيسبوك على صفحة حياة إف إم الأخت آية حسن تقول : كيف لنا أن نستشعر أن الله معنا في كل شيء ، وهل عدم توفيقنا في شيء من أشيائنا في الدنيا يعني أن الله ليس معنا ؟
أبسط الحقوق التي نقدمها لأولياء الله أن نطبق دعوتهم فنسعد بها ويسعد بنا :
الدكتور راتب :
لا ليس المعنى هذا ، غير صحيح ، لأن المؤمن غال على الله ، أحياناً المؤمن يختار شيئاً ليس في صالحه ، فالله عز وجل لا يستجب له ، فحينما يثق المؤمن بعلم الله ، وحكمته ورحمته ، ومحبته ، فإذا دعا الله في شيء ولم يستجب له ربه يحسن الظن بالله ، يقول : لعل هذا الشيء لا ينفعني ، وقد يرى بعد حين كيف أن هذا الشيء لم يكن ينفعه .
المذيع :
ونعم بالله رب العالمين ، ننتقل لاتصال الأخ محمد تفضل .
المستمع :
السلام عليكم ، جزاكم الله كل خير عنا وعن المسلمين إن شاء الله ، سؤالي لشيخنا الكريم : ماذا نفعل يا شيخ لخدمة وإكرام أولياء الله في الدنيا ، إن علمنا بأن شخصاً من المسلمين هو ولي من أولياء الله ، ما هي أبسط الحقوق التي نقدمها لأولياء الله ؟ السؤال الثاني إذا تكرمت .
الدكتور راتب :
دقيقة ، أن هذا الداعية العالم أكبر إكرام له ، أعلى إكرام له ، أعظم إكرام له ، أن تطبق دعوته فتسعد بها ويسعد بك ، أما الهدية تؤكل وتنسى ، أي شيء مادي ينتهي ، أما أنت عندما تطبق منهجه وتسعد ، ويكون بيتك جنة ، وتحسن لزوجتك ، والزوجة ولية من أولياء الله ، وعندك أولاد ربيتهم ، بفضل دعوة هذا الشيخ تكون كل أعماك في صحيفته ، هذه أكبر خدمة تقدمها للشيخ لا يريد هدية ولا أي شيء ، أن يكون لوجه الله ، لا نريد شيئاً ، فقط أن تطبق منهجه ، لو طبقت دعوته أعمالك بصحيفته .
المستمع :
جزاكم الله خيراً شيخنا ، طلبي أن تدعو لنا بالخير وجزاك الله كل خير .
كلما كثرت ساعات الإقبال نكون أرقى عند الله :
الدكتور راتب :أدعو لك بالخير والتوفيق والنجاح ، وأدعو الله بأن تنال ما كنت تتمنى من الله .
المذيع :
تقبل الله ، اللهم آمين ، ولكل المستمعين والمسلمين ، محمد باتصال جديد ، تفضل .
المستمع :
السلام عليكم ، الله يجزيكم الخير ، والله يعطيكم العافية إن شاء الله ، شيخ محمد يشهد الله إني أحبك في الله .
الدكتور راتب :
بارك الله بك .
المستمع :
الله يكرمك يا رب ، شيخ السؤال عن معية الله : الآن نحن في بعض الأوقات نشعر بمعية الله ، كما ورد في الحديث : كنت سمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها ، تشعر بهذه المعية أحياناً ، وأحياناً أخرى تشعر بأنها غير موجودة ، كيف السبيل ليبقى هذا الشعور ؟
الدكتور راتب :
هذا وضع طبيعي جداً ، قال أحدهم للنبي الكريم : يا رسول الله نكون معك ونحن والجنة كهاتين ، فإذا عافسنا الأهل ننسى ، أي جاء إلى البيت ، الأكل لم ينضج ، غضب قليلاً، ثم انزعجت زوجته قليلاً منه ، ثم تصالحا ، وهكذا ، فإذا عافسنا الأهل ، أشياء لم تعجبه، وأشياء أعجبته ، هنا غضب ، هنا ما غضب ، نكون معك ونحن والجنة كهاتين ، فإذا عافسنا الأهل ننسى ، لذلك قال النبي الكريم :
(( لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ، ولزارتكم في بيوتكم))
لذلك اعتقد يقيناً أنت كمؤمن ساعة وساعة .(( الأنبياء- كما قال النبي- تنام أعيننا ، ولا تنام قلوبنا))
اتصال بالله مستمر ، الأنبياء والمرسلين ، أما المؤمينن فأعظم مؤمن ساعة وساعة، لكن البعض ساعة إقبال وثلاث وعشرونساعة غفلة ، والبعض الآخر ساعة غفلة وثلاث وعشرون ساعة إقبال ، يتفاوتون بساعة الغفلة والإقبال ، أما كمؤمين ساعة وساعة .(( لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي))
معنى ذلك أنك في درس علم مع نبي كريم ، تشعر بسعادة كبيرة جداً طبعاً ، والعلماء يسيرون على منهج الأنبياء ، يأتي إلى الجامع يقول : والله كأننا في الجنة ، أصبح هناك تجلّ وسرور ، الدنيا أشرقت أمامنا ، شاهدنا عظمة الله عز وجل ، شاهدنا عظمة الدنيا بأعمال صالحة ، يأتي للبيت يجد شيئاً ناقصاً ، غضب قليلاً ، صرخ على زوجته فحزنت منه فأصبح : فإذا عافسنا الأهل ننسى ، يا سيدي كلنا ساعة وساعة ، أين بطولتك ؟ كلما كثرت ساعات الإقبال تكون أرقى عند الله عز وجل ، ثلاث وعشرون ساعة إقبال وواحدة غفلة ، أو ثلاث وعشرون غفلة وواحدة إقبال .المذيع :
نسأل الله أن يزيد ساعة الإقبال علينا ، أختي أم إحسان .
المستمع :
السلام عليكم ، أريد أن أسأل سؤالين ، بسم الله الرحمن الرحيم ، هل انقطع الوحي تماماً بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ وما الدليل من الكتاب والسنة ؟
معاني كلمة الوحي :
الدكتور راتب :
لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين ، الأنبياء يوحى إليهم ، ولا يوحى لغيرهم ، إذا كان خاتم الأنبياء خاتم الوحي معه طبعاً ، شيء بديهي ، إياكِ ثم إياكِ ثم إياكِ أن تصدقي أن هناك إنسان غير النبي الكريم يوحى إليه ، يعني كلمة الوحي تعني الإلهام .
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾
هذه لا علاقة لها بالوحي ، وحي الرسالة ، ويوجد وحي :﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾
هذا وحي غريزة ، وهناك وحي خلق ، الله أوحى للأرض ، وأوحى لأم موسى ، وحي خلق ووحي غريزة ووحي إلهام ، أما وحي الرسالة لا يمكن أن يكون إلا للنبي .المذيع :
سؤالك الثاني أختي أم إحسان .
المستمعة :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
المذيع :هذا وحي إلهام وليس وحي رسالة ، الإنسان إذا كان يقصد الأنبياء :
﴿ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾
نعم ، أي أنبياء .﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً ﴾
يعني أنبياء .المستمعة :
﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾
أي كله كان للرسول عليه الصلاة والسلام ، حسناً كيف :﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾
من سيسأل الرسول عليه الصلاة والسلام ؟العلماء يعلمون الوحي الذي نزل على النبي الكريم :
الدكتور راتب :
أهل الذكر يعرفون معنى الوحي ، أهل الذكر يعرفون القرآن والسنة ، النبي مات ، والرسول مات ، يوجد مليون عالم ، العلماء يعلمون الوحي الذي نزل على النبي الكريم ، يفتون من خلال الوحي الذي نزل على النبي .
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
المذيع :من المخاطب بهذه الآية دكتور ؟
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾
من أوحى الله إليهم ، أم عامة الناس ؟الدكتور راتب :
لا ، المؤمنون .
﴿