- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
معجزات سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام:
1- معجزة العصا:
تحدثنا في الدرس الماضي عن معجزات الأنبياء, ومنها معجزات سيدنا عيسى عليه السلام, واليوم إلى بعض معجزات سيدنا موسى عليه السلام:
المعجزة الأولى: انقلاب عصاه حية تسعى، ثم ابتلاعها حبال سحرة فرعون وعصيهم, يروي بعض المفسرين أنّ الله سبحانه وتعالى لما سأل سيدنا موسى قال:
﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾
هذه الصيغة صيغة سؤال, إذا أردت أن تسأل فاستخدم كلمة " ما " الاستفهامية، فهل يصح بحق الله سبحانه وتعالى أن يسأل؟ من الذي يسأل دائماً؟ الذي يريد أن يتعلم، أو أن يعلم شيئاً يجهله, فهل يصح هذا بحق الله عزّ وجل؟ قالوا: لا, قال: وما تلك بيدك يا موسى, إنها فرصة العمر لسيدنا موسى أن يناجي الله رب العالمين:
﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾
شعر هذا النبي الكريم أنه أطال فقــال كلمة ليعرف إذا كان يجوز أن يطيل أم لا يطيل:
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾
يقول له يا موسى: وما هي تلك المآرب الأخرى؟ العملية عملية حوار مع الله عزّ وجل " مناجاة "، قال الله:
﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾
أراد الله أن يذكره أن هذه التي بيده عصاه، يعني انظر إليها يا موسى، دقق فيها, قال الله:
﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾
انظر كيف أصبحت حية تسعى, سيدنا موسى قال:
﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾
دائماً أهل الكفر يصرفون حقيقة أهل الإيمان إلى سحر أو خرافة أو ذكاء أو ما شاكل ذلك:
﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾
قال فرعون: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى، فلنأتينــك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً, قال موسى: موعدكم يوم الزينة " يوم العيد، يوم العطلة ", وأن يُحشر الناس ضحى, وتمت المباراة في اليوم المحدد, وقدم سحرة فرعون سحرهم أولاً, فجاؤوا بأشكال تشبه الأفاعي ووضعوا فيها زئبقاً, ووضعوا الأفاعي على سطح ساخن فلمــا تمدد الزئبق وهو رجراج تحركت الأفاعي, ثم ألقى موسى عصاه فأخذت تلقف ما يأفكون, فهذه الأفعى أكلت كل الحبال, وظهرت المعجزة الباهرة حقيقة ناصعة أمام فرعون, وأمام جميع سحرته, والحشد الذي اجتمع لمشاهدة هذه المباراة الكبرى بين معجزة موسى و سحرة فرعون, والذي جعل سحرة فرعون يخرون سجداً لله عزّ وجل, قال الله:
﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
وكان إيمان هؤلاء السحرة برهاناً دافعاً لفرعون يثبت له أن هذا ليس سحراً إنما هو إعجاز, وأن هذا الرجل هو نبي, قال الله:
﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
2- معجزة اليد:
المعجزة الثانية: أن سيدنا موسى عليه السلام أدخل يده في جيبه فإذا هي بيضاء من غير سوء, وهذا حصل لما دخل على فرعون الذي ادعى الألوهية وجرى بينهما الحوار التالي، قال سيدنا موسى يا فرعون:
﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾
قال فرعون:
﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾
قال موسى:
﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ﴾
قال فرعون:
﴿قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾
3- معجزة الرجز مع أنواعها:
المعجزة الثالثة: معجزة الرجز, وهي على أنواع: فهناك رجز السنين وهي سنوات الحدب والقحط, وذلك بسبب قلة مياه النيـل, وانحباس أمطار السماء على غير عادتهــا, وهناك رجز نقص الثمرات، و رجز الطوفان، و رجز الجراد، ورجز القمل، ورجز الضفادع، و رجز الدم، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾
4- انفلاق البحر:
المعجزة الرابعة: فلــق البحر, فلما مشى سيدنا موسى مع قومه بني إسرائيل باتجاه خليج السويس تبعهم فرعون, قال الله:
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾
ها هو ذا فرعون بخيله ورجله وجماعته وأعوانه وهيبته وسيطرته وقوته يتبعــون فئة مستضعفة معهم نبي كريم, فلما وصل سيدنا موسى وأصحابه إلى ضفة خليج السويس إلى البحر, وتبعهم فرعون, قال الله:
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ *وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
ففرعون حينما أدركه الغرق, قال: آمنتُ بالذي آمنت به بنو إسرائيل, قال الله:
﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
يجب أن تستنبط من هذه القصة موعظة كبرى, وهي لا بد من أن تؤمن, ولكن إيّاك أن تؤمن بعد فوات الأوان فإن هذا الإيمان لا ينفعك, لا بد في ساعة حرجة من أن تؤمن ولكن بعد فوات الأوان.
هناك معجزة خامسة وسادسة وسابعة وثامنة لسيدنا موسى, أخذنا فكرة عن بعض هذه المعجزات.
معجزة سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام:
بقي علينا معجزة سيدنا صالح, وهي انشقاق الجبل وخروج الناقة, قال الله:
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
أخذ العبر من قصص الأنبياء:
هناك ملاحظة مهمة جداً, إن الإنسان إذا طلب المعجزة ونفذها الله له, ولم يؤمن بعدها استحق الهلاك, لأن المعجزة آخر برهان يقدمه الله سبحانه وتعــالى لهذا الضال فإذا لم تنفع معه المعجزة, استحق الهلاك وانتهى الأمر, تقول له: يا رب إذا نجحتني لا أعصيك, ينجحه الله فيعصيه, لا بد من أن تأتي الضربة القاصمة, وإن شفيت لي ابني فلا أعصيك، يشفي له ابنه ويعود سيرته الأولى، فإذا طلبــت من الله شيئاً ساعة الضيق, أو ساعة الشــدة, وعلقت استقامتك على حصول هذا الشيء, فالله سبحانه وتعالى قد يحققه لك, ولكن إذا نكثت، أو إذا خالفت، أو قصرت، فلا بد من العذاب الأليم إن كان فيك بقية خير, ولا بد من الهلاك العميم إذا كان الأمل مفقوداً في الخير, هذه سنة الله في خلقه.
بقي علينا المعجزة التي جاء بها النبي عليه الصــلاة والسلام هذه إن شاء الله تعالى إلى الدرس القادم لأهميتهما الكبيرة، وسوف نحدثكم عن شهر الصيام لأنَّ شهر الصيام على الأبواب.