وضع داكن
07-11-2024
Logo
مختلفة قطر : 8 - مركز تربية - كيف نستقبل رمضان بقلوبنا؟.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور شوكت طه طافحة :
  بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سيد الْمُرْسَلِينَ وإمام الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلم أَجْمَعِينَ .
 شيخنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي ، أخواننا وأخواتنا الكرام والكريمات المتابعون لنا عبر الزوم ، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 حياكم الله شيخنا ، أما قبل فلا بد أن ننعى للأمة وفاة عالمها الجليل وشيخنا الدكتور محمد علي الصابوني ، الذي وافته المنية صباح هذا اليوم ، يوم الجمعة المبارك الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصدق فيه بشارة حبيبنا الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد :

((روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ»))

[رواه الإمام أحمد]

 هذا شيخنا الجليل شيخ المفسرين في هذا العصر الذي جمع بين العلم الشرعي والموقف الشرعي ، أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتغمده بواسع رحمته ، وأن يحشره مع الأنبياء والشهداء والصالحين والصديقين :

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ﴾

[سورة النساء]

 أما بعد ؛ فباسمكم جميعاً نرحب بفضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الذي دخل قلوبنا جميعاً بكلماته وتوجيهاته ، هذا الرجل الذي نحسبه من علمائنا الصادقين المخلصين ، والذي فتح الله على يديه وبلسانه العدل قلوباً كثيرةً أُغلقت ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يستعملنا وإياه في طاعته ، الدكتور محمد راتب النابلسي عندما تعرف قامةً مثله حقيقةً تحتار ، من جهةٍ هو معروفٌ ومشهورٌ ، وأعماله تدل عليه إن شاء الله ، وأسأل الله أن تكون له ذخراً يوم القيامة ، ومن جهةٍ أخرى بروتوكولات المحاضرات والورش والدورات لا بد لها من تعريف ، وسيرته الذاتية حافلة ، وأسأل الله أن يكون المخبوء منها أفضل من المنشور عند ربنا سبحانه وتعالى ، لكن لا بد من أن نقف على محطات سريعة وهي السيرة الذاتية المبثوثة على مواقعه ، وعلى موقع موسوعة النابلسي الموجودة بتفاصيلها الكثيرة .

 

السيرة الذاتية للدكتور النابلسي :

 فضيلة أستاذنا وشيخنا ولد في دمشق من أسرةٍ جلُّها من أهل العلم ، فهو سليل بيت علمٍ وتربيةٍ ودعوةٍ ، كذلك كان والده رحمه الله ، وكذلك كان جده ، فهو من بيت علم ، الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي التحق بمدارس دمشق الابتدائية والإعدادية والثانوية ، ثم التحق بدار المعلمين وتخرج منها عام 1956 ، له جهود كثيرة في التدريس ، وفي التأليف ، وفي غيرها سأقف على محطات سريعة ؛ حصل عل شهادة دكتوراه في التربية في عام 1999 بناءً على إنجازاته العلمية الكثيرة ومؤلفاته وجهده في عالم التربية ، الشيخ التحق مدرساً في جامعة دمشق منذ عام 1969 وحتى 1999 ، درس أيضاً في جامعات عديدة ؛ العقيدة والتفسير وغيرها من صنوف العلم الشرعي ؛ الإعجاز القرآني الكريم والسنة النبوية الشريفة المباركة ، خطيباً وكاتباً ومؤلفاً ومشاركاً في العديد من المؤتمرات والمقالات ، استقبلته العديد من إذاعات الدول العربية والفضائيات ، ولك أن تعد الدول العربية جلها ، وفي كل دولة كان للشيخ أحباب ومحبون ومستمعون في هذا العالم العربي الكبير والممتد ، والمؤتمرات الكثيرة التي شارك بها أذكر منها : شارك في مؤتمر (الإسيسكو) المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، شارك في مؤتمر الأسرة في أبي ظبي ، شارك في مؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقد في ديترويت في الولايات المتحدة الأميركية ، والعديد العديد من المؤتمرات التي كانت حافلة بالعلم والتربية .
 الدكتور محمد راتب النابلسي له مؤلفات كثيرة منها : تفسير النابلسي للقرآن الكريم في عشرة مجلدات ، موسوعة أسماء الله الحسنى أربعة مجلدات ، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مجلدين ، وكتاب : أولادنا الورقة الرابحة في مجلدين ، وله كتب عديدة أيضاً مثل : نظرات في الإسلام ، تأملات في الإسلام ، ومضات في الإسلام ، إلى آخره من المقالات والكتب والمؤلفات الجميلة والكتيبات النافعة إن شاء الله سبحانه وتعالى .
 الدكتور له إطلالة جميلة في عالم مواقع التواصل ، وفي عالم الانترنت ، وفي عالم التقنيات ، فهو شيخ جمع بين الأصالة والمعاصرة ، لم ينحجب عن جمهوره في المساجد أو في الجامعات بل فاض علمه إن شاء الله سبحانه وتعالى على هذه المنابر العديدة والكبيرة نذكر سريعاً له موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية ، له موقع محمد صلى الله عليه وسلم ، وله قناة مرئية على اليوتيوب ، له القناة الصوتية باللغة العربية ، المكتبة الصوتية المجانية ، موسوعة الإعجاز العلمي ، والعديد من هذه الإنجازات وهذه المنتجات مترجم بلغات عديدة ، ولذلك أيها الأخوة ننصح بالعودة إلى مثل هذه المواقع الكبيرة والكثيرة جداً ، شيخنا أفاض بحديثه الروحي والمعروف بأن حديثه يصدر من قلبه إن شاء الله ، نحن اليوم أيها الأخوة والأخوات نستقبل شهر الخيرات والطاعات رمضان الكريم ، نحن في شهر شعبان سفير رمضان وعتبته وبين يديه ، فأكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن استضفنا شيخنا اليوم ليقول لنا : كيف نستقبل رمضان بقلوبنا ؟
 المعروف من محيطنا ومن حياتنا نرى الكثير من الناس يستقبل رمضان ببطنه ، ومنهم من يستقبله ببدنه ، والقلة من يستقبله بالبدن والقلب ، كيف نرتقي بأنفسنا لنكون ممن أراد الله سبحانه وتعالى أن يحققوا علة الصيام :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[سورة البقرة]

 حول هذا الموضوع : كيف نستقبل رمضان بقلوبنا ؟ سأترككم مع الدكتور محمد راتب النابلسي في أربعين دقيقة ثم عشرين دقيقة إن شاء الله سبحانه وتعالى للحوار ، نذكر الأخوة والأخوات أن هذه الحلقة وهذا اللقاء يُذاع على الفيس بوك ، وإن شاء الله أيضاً سينزل على قناة اليوتيوب لموقع التربية ، مركز التربية هو أحد فروع مجموعة التعلم ، والمعروف لديكم إن شاء الله سبحانه وتعالى أن هذا المركز يعمل مع العشرات من المدارس في دولة قطر الحبيبة ، أُذكِّر الأخوة والأخوات جميعاً بإغلاق الكاميرات لو سمحتم ، وإغلاق مكبرات الصوت أيضاً حفظاً لخصوصيتكم إن شاء الله ، وحتى نستأثر بأكبر قدر ممكن من الفائدة والتأثير من فضيلة شيخنا وأستاذنا ، إليكم شيخنا وأستاذنا نستمع إن شاء الله لحديثكم وتوجيهكم ، بارك الله فيكم ، فتح الله عليكم .

 

الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل بيته الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 أيها الأخوة الكرام ، أيها المشاهدون ، أيها المستمعون ؛ أشكر للقائمين على هذا المنتدى الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنهم ، ولكن بما أن المحاور الكريم ذكر وفاة العالم الجليل والداعية الكبير الصابوني أريد أن أعلق هذا التعليق ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[سورة فصلت]

 أي ليس عند الله إنسان أفضل (مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ) بخطاباته ، بلقاءاته ، بمؤلفاته، وهذا ينطبق انطباقاً تاماً على العالم الجليل الصابوني ، (دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) أي حركته في الحياة ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية أولاده ، خروج بناته ، علاقته بأمه وأبيه ، بمن حوله ، اختيار حرفته ، اختيار أساليب حرفته ، كل ذلك وفق منهج الله عزَّ وجلَّ ، (دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) لم يتوهم أو يدَّعي أنه الأوحد ، إن توهم أو ادَّعى معه مرض التوحد ، (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
 (دَعَا إِلَى اللَّهِ) ، (وَعَمِلَ صَالِحًا) ، (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) إذاً ليس على وجه الأرض إنسان أفضل (مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ) ، إذاً هذه الدعوة فرض عينٍ على كل مسلم ، أنا أقول لأخٍ كريم : لماذا تصلي ؟ يقول لك : الصلاة فرض أستاذ ، والدعوة إلى الله فرض ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، حضرت خطبة جمعة تأثرت تأثراً بالغاً بخطاب الخطيب ، شرح آية شرحاً دقيقاً جداً ، انقل هذا الشرح لزوجتك ، لأولادك ، لزملائك في العمل ، لأقربائك، هذه الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، الدليل :

﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[سورة يوسف]

 فالذي لا يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ ليس مُتبعاً لرسول الله ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم ولكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، لكن هناك دعوة أخرى تحتاج إلى تفرغ، وإلى تعمق ، وإلى تبحر ، وإلى تثبت ، الدعوة الأخرى فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الكل ، تحتاج إلى تبحر ، فهم واسع جداً ، تعمق دقيق ، تثبت أن النصوص صحيحة كلها ، الأسلوب حكيم ، هذه الدعوة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الكل ، الدليل :

﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ﴾

[سورة آل عمران]

 (مِّنكُمْ) : أي من بعضكم ، (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لذلك الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، كفرض عين: في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، كفرض كفاية : تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تعمق ، وإلى تبحر ، وإلى تثبت ، هذا أعظم عمل على الإطلاق ، لكن هذا الداعية :

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) ﴾

[سورة يس]

 (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) منهج دقيق جداً ، (اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا) يبتغي به وجه الله عزَّ وجلَّ .

علة وجودنا في الدنيا :

 الآن نعود إلى الموضوع الذي اخترته أن يكون مجال هذا البحث ، النقطة الدقيقة وهناك تمهيد دقيق :
 ما علة وجودنا في الدنيا ؟ ما سبب وجودنا في الدنيا ؟ لماذا خُلقنا في الدنيا ؟ لماذا خَلقنا الله عزَّ وجلَّ ؟ لماذا أوجدنا ؟ الله عزَّ وجلَّ قال :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

[سورة الذاريات]

 القرآن واضح جلي ، آية واضحة قطعية الدلالة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) العبادة بتعريفاتها الدقيقة طاعةٌ طوعيةٌ ، طاعة لكنها ليست قسرية ، الذي خلقنا حياتنا بيده ، موتنا بيده ، الرزق بيده ، السعادة بيده ، الصحة بيده ، المرض بيده ، ومع كل ذلك لم يقبل أن نعبده إكراهاً ، فقال :

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ﴾

[سورة البقرة]

 إذاً طاعةٌ طوعيةٌ ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبيةٍ ، أساسها معرفةٌ يقينيةٌ ، تفضي إلى سعادة أبدية ، هذه علة وجودنا .

 

أوصاف من شردوا عن الله عز وجل :

 أما من غفل عن علة وجوده ، من غفل عن عبادة ربه ، من نسي الآخرة ، يا الله!

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21))﴾

[سورة النحل]

 وصف القرآن الكريم ، نبضه مثالي : 80 ، ضغطه مثالي : 8/12 ، وعند الله ميت ، (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) .

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[سورة المنافقون]

 (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) ، خشبة .

﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[سورة الفرقان]

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[سورة الجمعة]

 أوصاف القرآن لمن شرد عن الله ، فالتدين ليس شيئاً تحسينياً إضافياً بل هو شيء يحقق وجودك ، وإلا : (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) ،

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) ﴾

[سورة المدثر]

 (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ) ، (خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ) ، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ) أوصاف القرآن لمن شرد عن الله عزَّ وجلَّ .

 

الكبائر والصغائر :

 الآن ؛ علة وجودنا في الدنيا العبادة ، والآية واضحة ، العبادة طاعةٌ طوعيةٌ ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبيةٍ ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ، لأن الاستقامة فيها قضية دقيقة ؛ مستودع للوقود السائل سعته ألف ليتر ، ما معنى مُحكم ؟ أي إذا ملأته كاملاً وأغلقته وغبت عنه عشر سنوات الكمية هي هي ، فلا يوجد بالإسلام نصف استقامة ، نحن يوجد عندنا كبائر وصغائر ، الكبائر تشبه إنساناً يقود سيارة ، والطريق أوتستراد كبير دولي ، عرضه ستون متراً ، عن يمينه افتراضاً وادٍ سحيق ، وعن يساره وادٍ سحيق ، الصغيرة : حرك المقود سنتيمتراً واحداً وثبته بعد دقائق أصبح بالوادي ، أنا لو رأيت مئة بيت مسلم ، شارع فيه مئة بيت ، الجريمة نادرة ، والزنا نادر ، والخمر نادر ، بمجتمع المسلمين ، ما الذي يحجبهم عن الله ؟ الصغائر ، بمعنى عندك بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية من أعلى مستوى لكن لا يوجد كهرباء ؛ لا قيمة لها ، كتل بلاستيكية لا تقدم ولا تؤخر ، الآن قطع التيار ميلي أو متر نفس الشيء ، الصغيرة إذا أصررت عليها انقلبت إلى كبيرة ، أي هو لا يزني ، ولا يشرب الخمر ، ولا يقتل ، لكن هناك شاشة غير منضبطة ، هناك اختلاط ، هناك كسب مال غير مشروع ، هناك غش بالبيع والشراء ، لأن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .

العبادات تعاملية وشعائرية :

 نحن نتوهم توهماً خاطئاً بأن الإسلام عبادات شعائرية ؛ الصلاة ، والصوم ، والحج، والزكاة ، هذه عبادات شعائرية ليست عبادات تعاملية ، أنت بهذه العبادة تستطيع أن تدخل الجامع وتصلي ، أو حضرت خطبة الجمعة وتلقيت من الخطيب تعليمات الصانع ، وصليت وطبقت هذه التعليمات ، عدت إلى هذا المسجد قبضت الثمن ، فالمسجد تتلقى منه تعليمات الصانع ، وتدخل له مرَّة ثانية تقبض الثمن ، أما أين دينك ؟ ببيتك ، بكسب مالك ، بإنفاق مالك ، باختيار زوجتك ، بتربية أولادك ، بخروج بناتك ، باختيار حرفتك ، باستقامتك ، بحرفتك ، لا يوجد غش ، لا يوجد كذب ، لا يوجد تدليس ، هذا الدين يبدأ مع الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الدين ، أنا ممكن أن أضع آية الكرسي ببيتي بمكان فخم ، أضع مصحفاً بسيارتي ، أما الدين فهو التعامل ، الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة عبادات شعائرية لكن البطولة في العبادة التعاملية ، في كسب مالك ، في إنفاق مالك ، في اختيار حرفتك ، هناك حرف فيها نفع للأمة ، وحرف فيها إفساد للأمة ، وحرف فيها إضعاف للأمة ، إفساد للأمة ، قهر الأمة .

اتباع تعليمات الصانع انطلاقاً من حرص الإنسان على سلامته وسعادته واستمراره :

 أخطر شيء في حياة الإنسان اختيار حرفته وزوجته ، إن نجح في اختيار حرفته وزوجته وربى أبناءه ؛ كنت مرَّة بأمريكا قبل عشرين عاماً كان كلينتون رئيساً للجمهورية ، ذكرت هذه العبارة ؛ ذكرتها كثيراً : لو بلغت منصباً ككلينتون أعلى منصب بالعالم ، وثروةً كأوناسيس أغنى أغنياء العالم ، وعلماً كأنشتاين أكبر عالم بالخارج ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، لماذا ؟ الآن ثمانية مليار إنسان هل فيهم شخص يتمنى أن يكون فقيراً ؟ ولا واحد ، أو أن يكون مريضاً ؟ ولا واحد ، أو أن يكون مقهوراً ؟ ولا واحد ، هل هناك إنسان لا يتمنى أن يكون دخله كبيراً ؟ بيته واسعاً ؟ زوجته تروق له ، أولاده أبراراً ، بناته محتشمات ؟ كلنا، هل هناك إنسان لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين سنة ؟ كلنا ، فنحن إذاً حريصون حرصاً لا حدود له على سلامتنا ، وعلى سعادتنا ، وعلى استمرارنا ، السلامة باتباع تعليمات الصانع.
 أنت عندك سيارة حديثة تألق ضوء أحمر في السيارة ، هذا التألق يا ترى تزيينياً أم تحذيرياً ؟ إن فهمته تزيينياً احترق المحرك ، تحتاج إلى مئة ألف لإصلاحه ، إن فهمته بحسب تعليمات الصانع هذا التألق تحذيري ، الزيت قل في المحرك ، تُوقِف المركبة وتضيف لتر زيت فقط انتهت العملية ، فانطلاقاً من حبك لذاتك ، من حرصك على سلامتك ، على سعادتك ، على مستقبلك ، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع ، هذه واحدة .
 تمشي بالطريق بمركبتك يوجد انعطاف نحو اليمين ، انعطفت نحوه بأمتار يوجد لوحة كتب عليها : ممنوع الدخول لهذا الطريق حقل ألغام ، يا ترى هل هذه اللوحة وضعت حد لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ هنا البطولة ، في اللحظة التي تفهم فيها أن هذه اللوحة هي ليست حداً لحريتك لكنها ضمان لسلامتك كنت فقيهاً وربِّ الكعبة .
 أذكر مرَّة سيدنا عمر التقى براعي غنم فقال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال: ليست لي ، والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، قال : قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب ، قال له : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإنّي عنده صادقٌ أمينٌ ، ولكن أين الله ؟

رمضان شهر الإخلاص :

 الملخص : نحن مخلوقون لعبادة الله : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) لكن يوجد عندنا مواسم عبادية ، مواسم ، رمضان موسم ، أي موسم اختصاصي فيه جرعات إيمانية كبيرة ، رمضان هذا الصوم ؛ مع الأسف الشديد أنا أحياناً أعتقد أن الحقيقة المرَّة أفضل ألف مرَّة من الوهم المريح ، أي بمجتمعات المسلمين غير المنضبطة رمضان أصبح شهر المسلسلات ، وشهر الولائم والدعوات ، أما هو فعبادة رائعة جداً ، الإنسان خارج رمضان ترك المحرمات ، برمضان ترك الحلال ، ترك الطعام والشراب ، لو أن إنساناً بالبيت لوحده ، وكان رمضان بشهر آب ، والحرارة خمس وخمسون درجة ، والثلاجة فيها كل شيء ما لذّ وطاب من شراب وعصائر ، من طعام ، لماذا لا يستطيع أن يضع في فمه قطرة ماء ؟!
 لذلك قالوا : شهر الصوم شهر الإخلاص ، أنت برمضان تدع الطعام والشراب ؛ طبعاً هناك تعليلات دقيقة جداً ؛ شهر صحة ، عملية صيانة لكل أجهزة الجسم ، لكن دعك منه كشهر صحي ، شهر تعبدي ، أنت عندك التراويح برمضان ، أنت تركت الطعام والشراب وقد تكون الأيام صيفاً ، والبلاد حارة ، لكن أنت آثرت طاعة الله :

((إن اللهَ يُباهي بالشابِّ العابِدِ الملائكةَ ، يقولُ : انظُروا إلى عَبْدِي ترك شهوتَه من أَجْلِي ، أَيُّهَا الشَّابُّ أنت عندي كبعضِ ملائكتي))

[ورد في الأثر]

 أنت برمضان كأن عندك دروساً خصوصية ، أو تحفيزية ، أو موسماً عبادياً ، موسماً إيمانياً ، أنا والله أحياناً أتكلم الحقيقة المرَّة من شدة أسفي ؛ كاد ينقلب هذا الشهر إلى شهر ولائم ومسلسلات ، المسلسلات ماذا تتعلم منها ؟ تتعلم تعلماً خطيراً ، أنت ترى شخصاً يتمتع ببيت فخم جداً ، بهيئة راقية ، بجسم رشيق ، بمركبة رائعة جداً ، بيت على البحر ، بيت بالمصيف ، ومتفلت من الدين ، ترى بالإعلام أحياناً رجل دين ، أفقه ضيق ، بيته ضيق جداً، أولاده بالطريق ، زوجته عند الجيران ، هم لم يتكلموا عن الدين ولا كلمة ، لكنهم أعطوك أسوأ صورة عن الدين ، هكذا الإعلام ، الغرب عندما يئس من أن يسيطر علينا ترك الكلمة وأتى إلى الصورة ، الكلمة تركها بقيت الصورة ، يقدم لك المتفلتين بأجمل بيت ، أجمل مركبة ، بأناقة كبيرة ، ولا يوجد انضباط إطلاقاً ، يقدم لك رجل الدين عبارة عن إنسان أفقه ضيق ، بيته ضيق ، زوجته عند الجيران ، أولاده بالطريق ، هم لم يفعلوا شيئاً ، فلذلك ما لم تتلقَّ الدين من الأرضيات لا من الفضائيات ؛ أنا طبعاً لا أعمم ، التعميم من العمى ، لأنه يوجد محطات إسلامية راقية جداً ، ولكن خذوا دينكم عن الأرضيات لا عن الفضائيات ، لا بد من طلب العلم.
 "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً" .
 فلذلك رمضان شهر القرب من الله ، شهر الصفاء ، شهر قيام الليل في التراويح ، شهر صلاة الفجر .

((مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُصْبِح))

[ورد في الأثر]

 لكن مع الأسف الشديد الشديد الشديد أحياناً بعد رمضان نعود إلى ما كنا عليه قبل رمضان ، بعض الشعراء قال :

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي  مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
***

 طبعاً هو لم يفعل ذلك ولكنه شاعر ، بهذا الكلام لم نستفد شيئاً من هذا الشهر ، صعدنا درجة وعدنا كما كنا ، البطولة أن يكون رمضان درجاً ، كل رمضان هناك نقلة نوعية ، ضبطت الاستقامة ، ضبطت الإقبال على الله ، ضبطت الأعمال الصالحة ، أديت زكاة مالك، ربيت أولادك .

 

إعطاء كل ذي حق حقه :

 الحقيقة التكليف الإلهي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، يا ترى هل جلست مع أبنائك من حينٍ لآخر ؟ هل هناك جلسة يومية أم يوم بيوم ؟ هل هناك سؤال عن أوضاعه بالمدرسة ؟ ماذا سمع من أستاذه ؟ ماذا علمه أستاذه ؟ لا بد من حوار في البيت، حوار مع الزوجة ، مع الزوج ، أما يقول لك : أنا أتيت بعدما ناموا وغادرت قبل أن يستيقظوا ، فأنت لست أباً ، الحقيقة (أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) أَعْطِ الزوجة حقها ، أَعْطِ أمك حقها ، أَعْطِ أباك حقه ، أَعْطِ إخوتك حقهم ، أَعْطِ أخواتك البنات حقهن ، أَعْطِ الزبائن حقهم ، أَعْطِ الجيران حقهم ، (أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) هذه بطولة ، فالبطولة :

لَيـسَ مـنْ يَقطعُ طُـرقاً بَطـلاً  إنمـا مـنْ يتَّقِـي اللهَ البَطَـلْ
***

التقوى :

 التقوى ، الحقيقة هناك نقطة دقيقة جداً ، دخلت إلى غرفة وأنت تتمتع والحمد لله بعين حادة البصر 6/6 هذا رقم طبي ، 6/6 بالعينين ، لكن لا يوجد بالغرفة ضياء إطلاقاً ، والوقت ليلاً ، فهذا المبصر بأعلى درجة من البصر ، يستوي مع الأعمى تماماً ، إذاً أنت لا ترى الشيء إلا بنور متوسط بينك وبين الشيء ، هذه نقطة دقيقة ، الآن الله عزَّ وجلَّ أعطاك عقلاً قال :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) ﴾

[سورة الحديد]

 هذه التقوى ، أنت ترى بالتقوى الحق حقاً ، والباطل باطلاً ، ترى الخير خيراً ، والشر شراً ، ترى الحسن حسناً ، والسوء سوءاً ، هذه التقوى ، الآية تقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) إذاً الدين منهج تفصيلي من خالق الأكوان ، من ربّ الأرض والسماء ، من الْعَلِيم ، من الْخَبِير ، من الرَّحِيِم ، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، دين تفصيلي ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، علاقتك بأولادك ، بزوجتك ، بحماك ، بأقربائك ، بأصدقائك ، بالأقوياء ، بالضعفاء ، يجوز ولا يجوز ، مثلاً : إنسان يمشي على شاطئ نهر ، ولهذا النهر شاطئان ، شاطئ مستو جاف وشاطئ مائل زلق ، الشاطئ المستوي الجاف آمن ؛ أي الأمر والنهي والحلال والحرام والأمور العلمية الدقيقة والفهم الدقيق ، أما الشاطئ المائل ؛ الشبهات والشهوات فاحتمال كبير أن ينزلق الإنسان .

 

الصحبة الصالحة :

 الشيء الثاني يلزمك الصحبة :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[سورة التوبة]

 أمر إلهي ، وكل أمر بالقرآن يقتضي الوجوب (اتَّقُوا اللَّهَ) لكن الطريق للتقوى (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، أصدقاء مؤمنين ، رفقاء مؤمنين ، شريك بالعمل مؤمن ، تنصحهم وينصحونك ، تثني عليهم ويثنون عليك ، إذاً لا بد من حاضنة إيمانية ، المقياس الدقيق هي لعبة شد الحبل ؛ أنت جلست مع إخوة كرام استطاعوا أن يشدوك إلى إهمال الصلاة ، أو إلى إطلاق البصر ، أو إلى شاشةٍ مفتوحةٍ ، أو إلى كسب مالٍ غير حلال ، إن فعلوا ذلك انسحب بنعومة (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) مع المؤمنين ، مع الورعين ، مع الدينين ، مع الشرفاء ، أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) هذه واحدة .

 

خطورة الإعلام في حياتنا :

 آية ثانية :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) ﴾

[سورة الكهف]

 للتقريب ، ما قولك : شخص عليه مئة مليون ودعوة وحجز وسجن ، قل له : افعل هذه الأعمال لمدة ثلاثين يوماً وأنت معفى من هذا الدين ، هل يتردد لثانية ؟ ولا ثانية ، لماذا؟

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))

[رواه البخاري]

 لذلك رمضان شهر التوبة والغفران ، شهر الصلة مع الله ، شهر التألق الديني ، أما أن يكون رمضان بعادات وتقاليد لا ترضي الله ، شهر مسلسلات ، ثلاث ساعات على فيلم ، بالنهاية إما البطل تزوج البطلة أو مات ، وأنت ما الذي استفدت منه ؟ شيء مكرر ، شيء ممل ، شيء مغر لإنسان رقيق الدين ، مناظر مثيرة ، فلذلك موضوع الإعلام خطير جداً ، أنا أقول كلمة من القلب إلى القلب : لا بد من ضبط الشاشة ، إن لم تضبط الشاشة لا تستطيع أن تربي أولادك ، كنت أقول مرَّة : لو بلغت أعلى منصبٍ في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة في حياتك ، وبلغت أعلى مرتبة اجتماعية ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، القضية خطيرة جداً .

 

العاقل من يعدّ لساعة الموت عدتها :

 الموت لا بد منه والموت شيء مخيف :

((عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت))

[ورد في الأثر]

 تصور إنساناً ببيت فخم ، زوجة ، أولاد ، بنات صبايا ، ولائم ، سهرات ، سياحة ، سفر ، مصيف ، بحر ، جبل ، دخل كبير ، إلى قبر!

((عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت))

.
 البطولة والذكاء والنجاح والتفوق وكل ألفاظ النجاح أن تعد لهذه اللحظة التي لا بد منها :

((عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت))

.
 فلذلك خطط ، إن لم تخطط يُخطط لك ، وإن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً تافهاً .

 

مهمات الإنسان :

 أنت عندك مهمات ؛ أريد أن أبشرك واحذرك في آنٍ واحدٍ : أنت مسؤول عن ثلاث حلقات فقط لا تقلق ، أنت مسؤول عن نفسك ، عقيدتك صحيحة ، طلب العلم ، أداء العبادات تماماً ، الصلوات ، أداء زكاة المال ، صوم رمضان ، حج بيت الله الحرام ، أنت دائرة ، فلا بد أن تعرف الله :

((فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنَ آدَمَ ، خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ ، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ ، فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"))

[ورد في الأثر]

 إذاً لا بد من أن تعرف الله ، لا بد من طلب العلم ، أنت هل تستطيع أن تضع بجانب اسمك (د) ، دال فقط ، دال نقطة فلان ، إذا كان معك ابتدائي ، ومتوسط ، وثانوي ، ليسانس بالآداب ، أو بكالوريوس بالعلوم ، دبلوم عامة ، دبلوم خاصة ، ماجستير ، دكتوراه ، ثلاث وعشرون سنة دراسة من أجل (د) ، وأن تكون مؤمناً تصل إلى جنة الله عزَّ وجلَّ ، إلى أبد الآبدين ، ليس عندك وقت أن تحضر درساً ؟ أن تقرأ تفسيراً ؟ أن تسمع درس علم ؟ أن يكون لك التزام بجامع ؟ أن يكون لك إنسان يهديك إلى سواء السبيل ؟ لماذا أمور الدنيا متقنة جداً بحياتنا وأمور الآخرة مهملة جداً ؟! فلا بد من إيمان بهذا الموضوع ، طلب العلم فريضة على كل مسلم ، "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم" ، إذاً لا بد من إيمان ، وبحث ، وتفكر ، واستقامة ، استقامة وفق منهج الله، هناك استقامة سلبية ، أنا لم آكل مالاً حراماً ، أنا لم أكذب ، أنا لم أغش ، أنا لم أفرق بين زوجين ، هذه استقامة ، العمل الصالح علة وجودنا الوحيدة ، الدليل :

﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[سورة المؤمنون]

 لم سمي العمل صالحاً ؟ لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً وافق السُنَّة ، إذاً العمل الصالح علة وجودنا ، والآية تقول : (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) علة وجود ، لا أحد يقول : يا رب أريد أن أبني الطابق الخامس لم أكمله ، (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً : ما ابتغي به وجه الله ، صواباً : وافق السُنَّة .
 أركان الإسلام الإيمان بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَالْمَلَائِكَةِ ، وَالْكِتَابِ ، وَالنَّبِيِّينَ ، وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ، إلخ . . ، هذه أركان الإسلام ، ولكن كل هذا الشيء يحتاج إلى طلب العلم ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، مثلاً :

﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[سورة الحاقة]

 (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ) في الدنيا (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) إذاً قضية معلومات فقط ، (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) فالبطولة ، والنجاح ، والفلاح ، والذكاء ، والتفوق أن تعرف الله ، (ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) هذا ملخص رمضان ، رمضان شهر عبادة ، شهر صلح مع الله ، شهر طاعة ، شهر إقبال ، شهر قيام ليل ، شهر تراويح ، شهر صلاة الفجر بالمسجد ، هذا رمضان ، أما ولائم ومسلسلات فلم يعد رمضان ، أصبح شهراً اجتماعياً لا علاقة له بالدين إطلاقاً .
 كنت مرَّة بأمريكا زرت معمل سيارات من الدرجة الأولى ، قال لي المرافق والمترجم: يوجد بهذه السيارة ثلاثمئة ألف قطعة ، كاديلاك جنرال موتورز ، أنا كنت راكباً سيارة لها غلاف معدني ، شاسيه ، ومحرك ، وعجلات ، ومقاعد ، وبنزين ، ومقود ، هذه هي السيارة ، هل يمكن لهذا الدين العظيم (الإسلام) الذي فيه مئة ألف موضوع ، مليون كتاب ، مئة ألف عالم ، أن ينضغط بكليات ؟ ممكن ، أول كلية هي العقيدة ، إن صحت صح العمل ، التصور ، الأيديولوجيا ، المنطلق النظري ، كلها أسماء لمسمى واحد هو الجانب العقدي بالإنسان ، الآن الجانب الحركي ، الحركي نوعان ؛ سلبي وإيجابي ، أنا لم آكل مالاً حراماً ، الاستقامة ، لم أكذب ، لم أغش ، لم أتلاعبت ، الإيجابي : أنفقت من مالي ، من علمي ، من وقتي ، من خبرتي ، وحجمك عند الله بحجم العمل الصالح .
 مرَّة ثانية : سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً : ما ابتغي به وجه الله ، صواباً : وافق السُنَّة .

 

الصلاة طريق الإنسان للاتصال بالله سبحانه :

 الآن الثمرة :

﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[سورة طه]

 (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) المريض معفى من الصيام ، مؤجل ، والفقير ليس عنده حج ولا زكاة مال ، يوجد فرض واحد متكرر لا يسقط بحال إنه الصلاة :

((الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ ، مَنْ أقَامَها فَقدْ أقَامَ الدِّينَ ، وَمنْ هَدمَها فَقَد هَدَمَ الدِّينَ))

[ورد في الأثر]

 هذه الصلاة ، إما أن تكون عبادة جوفاء مملة إذا لم يكن معها استقامة ، أو تكون أرحنا منها ، المسلمون المقصرون يقولون : صليت الحمد لله انتهينا ، لا ، أرحنا بها (قم أرحنا بها يا بلال) ، أنت متاح لك بالصلاة أن تتصل بخالق الأكوان ، برب الأرض والسماء ، بأصل الجمال والكمال والنوال ، بالرحيم ، باللطيف ، بالحكيم ، تستمد منه الرحمة ، الحكمة ، الفهم ، قوة الشخصية ، العفة ، الدقة ، قوة التأثير ، لذلك : (ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) هذه الصلاة ، (الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ ، مَنْ أقَامَها فَقدْ أقَامَ الدِّينَ ، وَمنْ هَدمَها فَقَد هَدَمَ الدِّينَ) .

 

رمضان اتصال بالخالق الذي هو أصل الجمال والكمال والنوال :

 الآن يوجد مشكلة مع أختك صالحها برمضان ، يوجد مشكلة مع شريكك صالحه برمضان ، افتح صفحة جديدة ، في رمضان افتح مع الله صفحة جديدة ، لا تدع ولا مشكلة ، والله أعرف شخصاً عنده محل يبيع به الحلويات ، دخل لعنده شخص ألقى له عشر ليرات وذهب فصاح له ، إلى أين ؟ قال له : أنا أكلت عندك قبل عشر سنوات حلوى ولم أدفع ثمنها، كان ثمنها عشرة قروش ، فأعطاه ثمنها عشر ليرات ، أصلح كل ماضيك ، أصلح فيه الذمم ، العلاقات ، هناك علاقة سيئة مع أختك زرها في رمضان ، زرها ورحب بها ، وأنفق مالك برمضان ، وادفع زكاة مالك برمضان ، أنا أنصح بالزكاة ، أنت دفعت في رمضان زكاة المال كله ، الآن واحد شوال افتح صفحة الزكاة القادمة ، تأتيك حالات قريب بحاجة لقسط جامعة لابنه ، قريبة تحتاج عملاً جراحياً ، تدفع الزكاة عن مالك على مدى ثلاثمئة وستين يوماً ، آخر السنة يوجد عليك ستون ألفاً ، أنت دفعت خمسين بقي عشرة ، فأنت دفعت الزكاة سلفاً على مدى عام بأكمله بحالات واضحة جداً ، مدروسة جداً ، أساسية جداً ، هذا من أعمال رمضان والعيد ، والعيد عودة إلى الله :

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ﴾

[سورة البقرة]

 أنت برمضان اهتديت إلى الله ، وصلت إلى أصل الجمال والكمال والنوال ، هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً في هذا اللقاء الطيب .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 أكرمك الله شيخنا ، وجزاك الله خيراً ، وبارك الله فيك ، أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا ، وأن يرقيك في مراتب العلماء حتى تلقى الله سبحانه وتعالى أن تكون تحت لوائهم مع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد العلماء والدعاة ، اللهم آمين ، شيخنا يوجد عندنا العديد من الأسئلة :
السؤال الأول يقول : أيهما أفضل في شهر رمضان أخذ إجازة للاعتكاف أم الانشغال بالعمل ؟
 آخذ إجازة مدة شهر كامل من الوظيفة وأعتكف وأقرأ القرآن الكريم ، ولعلنا متأثرون بقصص بعض السلف كان يغلق حانوته ولا يعمل في رمضان إلى آخره من القصص التي نسمعها .

 

الاعتكاف مقبول لكن لا يلغي العمل الصالح :

الدكتور محمد راتب النابلسي :

((عن ابنِ عباسٍ أنه كان مُعتكفًا في مسجدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأتاهُ رجلٌ فسلَّمَ عليه ثم جلسَ ، فقال له ابنُ عباسٍ : يا فلانُ أُراكَ مُكتئبًا حزينًا ؟ قال : نعمْ يا ابنَ عمِّ رسولِ اللهِ ! لَفلانٌ علي حَقٍّ ، ولا وحُرمةِ صاحبِ هذا القبرِ ما أقدرُ عليهِ ، قال ابنُ عباسٍ : أَفَلا أُكلِّمُه ؟ قال : إن أَحْبَبْتَ ، فانتقلَ ابنُ عباسٍ ثم خرج من المسجدِ ، فقال له الرجلُ : أنسيتَ ما كنتَ فيه ؟ قال : لا ولكنِّي سمعتُ صاحبَ هذا القبرِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - والعهدُ به قريبٌ - فَدَمِعَتْ عيناهُ وهو يقولُ : من مَشَى في حاجةِ أخيهِ وبلغ منها كان خيرًا من اعتكافِ عشْرِ سنينَ ، ومن اعتكفَ يومًا ابتغاءَ وجهِ اللهِ جُعِل بينَه وبينَ النارِ ثلاثُ خنادقَ ، أبعدَ ما بينَ الخافقينِ))

.

[رواه البيهقي]

((لأَن أمشيَ معَ أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتَكفَ شَهرًا في مسجِدي هذا ومن مشى معَ أخيهِ المسلمِ في حاجةٍ حتَّى يقضيَها ثبَّتَ اللَّهُ قدميْهِ يومَ تزِلُّ الأقدامُ))

[الدر المنثور]

 (عن ابنِ عباسٍ : أنه كان مُعتكفًا في مسجدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأتاهُ رجلٌ فسلَّمَ عليه ثم جلسَ ، فقال له ابنُ عباسٍ : يا فلانُ أُراكَ مُكتئبًا حزينًا ؟ قال : نعمْ يا ابنَ عمِّ رسولِ اللهِ ! لَفلانٌ علي حَقٍّ ، ولا وحُرمةِ صاحبِ هذا القبرِ ما أقدرُ عليهِ ، قال ابنُ عباسٍ : أَفَلا أُكلِّمُه ؟ قال : إن أَحْبَبْتَ ، فانتقلَ ابنُ عباسٍ ثم خرج من المسجدِ ، فقال له الرجلُ : أنسيتَ ما كنتَ فيه ؟ قال : لا ولكنِّي سمعتُ صاحبَ هذا القبرِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - والعهدُ به قريبٌ ؛ لأَن أمشيَ معَ أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتَكفَ شَهرًا في مسجِدي هذا) .
 فهنا العمل الصالح برمضان ، الإنفاق برمضان ، سماع الدروس برمضان ، الصلاة برمضان ، التراويح برمضان ، الفجر في الجامع برمضان ، فلذلك رمضان شهر العبادة والعمل الصالح ، وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فالاعتكاف مقبول لكن لا يلغي العمل الصالح .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 يوجد كثير من الشباب الأخوة في محيطنا وممن نعرف يستقبل رمضان أحياناً بتذمر ، أي لطول ساعاته ، وإن شاء الله يكون تسعة وعشرين يوماً ، هذا التذمر هل يفسد الصيام ؟

 

رمضان شهر القرب والسعادة إن كان هناك استقامة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أرحنا بها أم أرحنا منها ؟! سؤال دقيق : أرحنا بها أم أرحنا منها ؟ عفواً سأقول لك كلمة فقط لأضع يدي على الجرح : إذا كان هناك استقامة رمضان سعادة كبيرة ، إذا كان هناك تفلت فهو ممل ، هذا اجتهادي ، إذا كان هناك استقامة يوجد سعادة كبيرة ، إذا كان هناك تفلت ، هناك لقاءات ، هناك أفلام ، هناك سهرات لا ترضي الله ، يصبح رمضان عبئاً:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾

[سورة النساء]

 هكذا وصف الله المقصرين (قَامُوا كُسَالَىٰ) ، رمضان شهر القرب ، شهر إنفاق المال ، شهر الزكاة ، شهر رَأبَ الصَّدع ، شهر صلة الأرحام ، لك قريبة بآخر المدينة اذهب وزرها ، انظر كيف حال أولادها ، أعطهم عيدية ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 جميل ، أكرمك الله ، شيخنا في رمضان في ظل الأجواء الصحية وجائحة كورونا هل من إرشادات كيف نستقبل رمضان وخصوصاً في بعض المساجد ؟

 

الفيروس بيد الله عزَّ وجلَّ مهمته نقل الإنسان من الوحل إلى السماء :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 عادةَ تزاحموا تراحموا ، أما الآن فتباعدوا تراحموا ، خارج رمضان تزاحموا تراحموا ، الآن تباعدوا تراحموا :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) ﴾

[سورة النساء]

 هذا وباء ، وكان هناك وباء في عهد سيدنا عمر ، قَالَ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ : أفِرَارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ ، الله أرادنا أن نعبده بهذه الطريقة ، والله أكثر الناس لهم كلام عجيب : جلسوا في البيت وجدوا علاقة مع زوجاتهم لم تكن موجودة من قبل ، شيء كانوا يفقدونه تحقق ، فالفيروس بيد الله عزَّ وجلَّ ، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، فيروس يوقف الحياة بالأرض كلها ، بنيويورك، بباريس ، بلندن ، ببرلين ، هذا من جنود الله عزَّ وجلَّ ، الناس غرقوا في وحل الأرض ، في الشهوات والمصالح ، أراد الله عزَّ وجلَّ أن ينقلنا من الوحل إلى السماء ، (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) العبادة مع الفيروس أصبح هناك قرب من الله كبير جداً.
الدكتور شوكت طه طافحة :
 في ذات السياق لاحظنا تعامل المؤمنين مع جائحة كورونا لم يصبح هناك انكسار قلب أمام الله سبحانه وتعالى ، لم يصبح هناك لجوء حقيقي حتى قنوت النوازل في المساجد لم نره ، فيروس عطل الكرة الأرضية منذ خلقها الله لم تبتلَ بمثله ، كيف نستثمر رمضان في الالتجاء إلى الله ؟

 

كيفية استثمار رمضان في الالتجاء إلى الله :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 من لم تُحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر ، أصبح هو المصيبة ، رسالة من الله ، رسالة لأهل الأرض قاطبةً : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) هناك شرود عن الله ، شاشات غير منضبطة ، لقاءات غير منضبطة ، سهرات غير منضبطة ، سياحة غير منضبطة ، كسب مال غير منضبط ، المؤمنون في مساجدهم والله في حوائجهم ، معاملة الله للمؤمن شيء لا يصدق ، ولكن أنت اخلص له ، (ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 شيخنا سؤال من أحد الأخوة يقول : أيهما أفضل الانشغال بالذكر أم بقراءة القرآن الكريم ؟

الذكر عبادة واسعة جداً تدور مع الإنسان حيثما دار :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 كلمة ذكر أوسع كلمة في الدين ، إن صليت فأنت ذاكر ، إن أنفقت المال فأنت ذاكر ، إن جلست مع زوجتك جبراً لخاطرها فأنت ذاكر ، إن ربيت أولادك فأنت ذاكر ، الذكر عبادة واسعة جداً تدور مع الإنسان حيثما دار ، فأنت تُلهَمُ الحكمة ، الله قال :

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[سورة البقرة]

 (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) لم يقل : ومن يكن حكيماً ، لم يقل : ومن يأخذ الحكمة ، الحكمة تؤتى من الله ، أكبر هدية من الله ، الزوجة لها حق ، والأم ، والأب ، والعمل ، والزبائن ، الطبيب الجراح يجب أن يلبي حاجة المريض ، فلذلك الحكمة أكبر عطاء إلهي ، وهي أساساً لا تكون بل تؤتى : (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) والعمل الصالح واسع، الآن النقطة الدقيقة : "عبادات المنافق سيئات ، وعادات المؤمن عبادات" ، عاداته العادية ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، طبيب جراح ، محام يوجد قضية فيها ظلم لم يستلمها ، ركل التعويض بقدمه ، إذا لم يكن هناك تمييز بين مؤمن عرف الله بمليون بند ليس فقط يصلي بمليون بند ، بكسب ماله ، بإنفاق ماله ، بعلاقاته ، بسهراته ، بلقاءاته ، بنزهاته ، بنشاطاته ، كله وفق منهج الله ، والله عزَّ وجلَّ لم يحرمنا من شيء ، كُل ما شئت إلا لحم الخنزير ، اشرب ما شئت إلا الخمر ، اجلس مع أقاربك وزوجتك عدا الأجنبيات ، المحرمات ثلاثة بالمئة، فالإنسان الذي إيمانه ضعيف تحلو له هذه الثلاثة بالمئة ، هو مثل 180 درجة ، لا يوجد شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناةً نظيفةً طاهرةً ، كيف ؟ عندك سيارة حديثة ؛ صفيحة بنزين هذا سائل متفجر ، صحيح ؟ إذا وضِعت الصفيحة في المستودع المحكم وهذا البنزين سال في الأنابيب المحكمة أين انفجر ؟ بالبستونات ، أخذك إلى العقبة بالعيد ، أنا أقيم بالأردن ، نفس الصفيحة صبها على السيارة وأعطها شرارة أحرقت المركبة وما فيها ، فالشهوات إما هي قوة دافعة أو قوة مدمرة ، الآن يوجد ثلاثون أو أربعون وحشاً ، وجميعها جائعة ، مفترسة ، مربوطة بأزمة ، والأزمة بيد جهة حكيمة رحيمة عادلة ، علاقتك مع الوحوش أم مع من يملكها ؟ مع من يملكها ، اسمع الآية :

﴿مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) ﴾

[سورة هود]

 (فَكِيدُونِي جَمِيعًا) تحدّ (ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الدين واضح جداً .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 أكرمك الله شيخنا ، في ظل تغير نمط الحياة الاجتماعية ؛ الآن نحن عندنا تقريباً ست أو سبع ساعات عمل ، وظائف ، وهناك ارتباطات اجتماعية ، اقتصادية ، تعليم ، تدريب، فأصبح وقت المسلم يجعله في حيرة بين أمرين في رمضان هل أقرأ قراءة تدبر حتى لو لم أنهي رمضان إلا بتفسير سورة البقرة مثلاً أم أقرأ ختمة ؟

 

قراءة القرآن بطريقتين ؛ طريقة التعبد وطريقة التدبر :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أتمنى عليك أن تقرأ القرآن بطريقتين : بطريقة التعبد وطريقة التدبر ، أحياناً تبقى بآية يومين ، لا بد من تدبره ، الله ماذا قال ؟

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)﴾

[سورة البقرة]

 (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) أول أحقية بتلاوته أن تقرأه قراءةً صحيحةً :

﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ﴾

[سورة فاطر]

 "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ" هي (يَخْشَى اللَّهَ) .
 وفق قواعد اللغة العربية ، قراءة صحيحة ، مجودة إن أمكن ، فهم المعاني ، الآن التدبر ، أين أنت من هذه الآية ؟

﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾

[سورة النور]

 (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) أين أنت منها ؟ خصص لنفسك مصحفاً قديماً ، ضع خطاً أحمر تحت الآية وطبقها ، يوجد سهرة لا ترضي الله ، يوجد لقاء لا يرضي الله ، يوجد كسب مال لا يرضي الله ، يوجد بيع بضاعة لا ترضي الله ، لذلك لا بد من أن نستقيم ، إذا استقمنا قطفنا ثمار الدين وإلا أصبح الدين تقاليد وعادات وديناً فلكلورياً ، القرآن الكريم قُرِئ في باريس على أنه فلكلور شرقي .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 شيخنا هناك سؤال خاص لك ، سؤال شخصي ، أنت في حل أن تجيب أم لا ، طبعاً هذا من فضول طلبة العلم وأنا منهم نعرف علماءنا ومشايخنا ونحسبهم قدوة لنا ؛ كيف يقضي الشيخ وقته في رمضان أو في المنزل ؟ ما هو برنامجك شيخنا ؟

 

برنامج الدكتور راتب في رمضان :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 والله رمضان جنة بالنسبة لي ، نحن الآن نصلي بالبيت ، نقرأ في كل ركعة صفحة من القرآن ، أقسم بالله أن تصلي بأهلك - طبعاً إذا كان هناك منع تجول أو بوجود الفيروس - في هذه الحالة هناك ترتيب آخر ، أن تقرأ في كل ركعة صفحة ، يمكنك أن تقرأ من المصحف، فأنت تقرأ نصف المصحف في رمضان ، وتدبَّر الآيات ، في نهار رمضان يوجد أعمال صالحة ، لك أخت بمكان بعيد قم بزيارتها ، تعرف شخصاً بحاجة لمبلغ ، موسم أعمال صالحة ، موسم قرب من الله ، موسم صلة رحم ، لك أخت بعيدة بطرف المدينة الآخر قم بزيارتها جبراً لخاطرها ، والله الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، إذا لم تقل والله لا أبالغ : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني .

الفرق بين اللذة والسعادة :

 اللذة أخي الكريم ؛ هذه اللذة غير السعادة ، اللذة تحتاج وقت وصحة ومال ، في البداية لا يوجد مال لكن يوجد وقت وصحة ، بالوسط الصحة والمال موجودان لكن لا يوجد وقت ، تقاعد أصبح يوجد الوقت والمال ولكن لا توجد الصحة ، هذه هي اللذة ينقصك واحدة دائماً ، أما السعادة لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فأنت تقول : أنا أسعد إنسان ، ولو كانت مساحة بيتك ستين متراً ، لو كان دخلك من المال بسيطاً .
 بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، هل يوجد عندك هذا المبلغ ؟ ثلاثة وتسعون ملياراً ، على فراش الموت قال : هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً ، جوبز سبعمئة مليار ، أكبر رقم بالتاريخ الحديث ، ليس له معنى ، هذا اسمه كسب ، أما الرزق :

((عَنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)

[التكاثر :1]

 قَالَ : يَقُولُ ابنُ آدَم : مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟!))

 

[رواه مسلم]

 ليس لك (إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ) سبعمئة مليار هذا كسب وليس رزقاً ، تُحاسب عليه ولم تنتفع به ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، أما المؤمن أكل ، وتزوج ، وأنجب ، وذكر الله ، فاتصل بالله ، يجب أن تقول : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني .

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا   الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا   خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة   عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة   لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
وَلَـو لاح مِـنْ أَنُـوَّارِنَـا لَـكَ لائــح   تـركـت جَـمِـيـعَ الْـكَائِنَــــــــاتِ وَجِئْتِنَـــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى   سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
***

 شيء كبير جداً أن تعرف الله .

((ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي ؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ))

خاتمة وتوديع :

 الدكتور شوكت طه طافحة :
نعم اللهم علمنا يا رب العالمين ، أكرمك الله وبارك فيك شيخنا ، الحديث معك كما قلت قبل قليل لا يمل منه والله لكن لحرصنا على وقتك ، ووقت الأخوة للأسف الساعة مرَّت كلمح البرق ، ونحن وصلنا إلى نهاية هذا اللقاء الجميل الممتع الشيق الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون له معنا في مركز التربية ، أي أخوات ولقاءات مع فضيلتكم أسأل الله أن يمد في عمرك ، وأن يحسن عملك ، وأن يمتعك بالعافية ، وأن يمتع الأمة بعلمك ، وأن ينفع بك شيخنا الكريم ، أخواني وأخواتي الكرام والكريمات أشكركم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
 أريد أن أدعو لكم ، أسأل الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً أنتم وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، والسادسة أهم واحدة واستقرار بلادكم ، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها .
الدكتور شوكت طه طافحة :
 أسأل الله أن يعيدها إلى من فقدها ، وتعود إن شاء الله إلى أهلها بالعزة يا رب العالمين ، أعزك الله وبارك فيك يا شيخنا ، ونتشرف بك ، ومرة أخرى مركز تربية في مجموعة تعلم حب الخير ، سعدنا بهذا اللقاء ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نلتقيك مرات أخرى إن شاء الله ، وننتفع بك ، نحبك في الله شيخنا ، وأسأل الله أن يكثر محبيك ، وأن يجعلك إن شاء الله سبحانه وتعالى وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشر العلم وهكذا هم العلماء .

تم الكــــلام وربــــــنا محـــــــمود   وله المكارم و الــعلا و الـجود
ثم الصلاة على الــــنبي وآلـه   ما غــــــرد قمــــري وأورق عود
***

 والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور