- محاضرات خارجية
- /
- ٠28ندوات مختلفة - قطر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الإنسان بضعة أيام و مضي الزمن يستهلكه :
أخواننا الكرام ؛ ما من تعريف للإنسان جامع مانع كتعريف الإمام التابعي الجليل الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
إذاً هو زمن ، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن ، فقال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* ﴾
إله يقسم لنا بالزمن ، وجواب القسم الإنسان خاسر ، يا رب لِمَ الخسارة ؟ قال : لأن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان ، سبت ، أحد ، اثنين ، ثلاثاء ، أربعاء ، خميس ، جمعة ، انتهى أول أسبوع ، أربعة أسابيع عبارة عن شهر ، وأربعة أشهر عبارة عن فصل ، وأربعة فصول عبارة عن سنة ، وعشر سنوات تشكل عقداً ، حياتنا عدة عقود ، فجأة على مشارف القبر ، فالإنسان زمن ، والله قال :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* ﴾
لأن مضي الزمن يستهلك الإنسان .
بين قوسين ، أحياناً إنسان يعاني من مرض عضال ، والعملية بأمريكا ، تكلف ثمن بيته ، يبيع بيته ، ويسافر لأمريكا انطلق من ماذا ؟ الوقت أغلى من المال ، فباع بيته الذي لا يوجد عنده غيره حتى يجري عملية يتوهم من خلالها أن يعيش عدداً من السنوات ، إذاً الإنسان منطلق من أن الوقت أغلى من المال ، إذا الإنسان مسك مئة ألف دولار وأحرقهم أمامكم ، بماذا تحكمون عليه قطعاً ؟ بالجنون ، مئة ألف ، فإتلاف المال جنون ، وإتلاف الوقت الذي هو أثمن من المال أشد جنوناً .
أنت بضعة أيام ، ممكن أن تقرأ قرآناً ، تعمل عملاً صالحاً ، تدعو إلى الله ، تعمق ثقافتك الدينية ، تعمل أعمالاً صالحة ، تزور أهلك .
فالإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، والله أقسم له بالعصر ، قال :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا ﴾
أركان النجاة :
رحمة الله في إلا ، ما بعد إلا سماها الإمام الشافعي : أركان النجاة .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أربعة شروط تلغي الخسارة ، آمنوا ؛ عرفوا الحقيقة ، فكروا بالكون ، حضروا دروس علم ، قرؤوا القرآن ، قرؤوا تفسيره ، أي لا يهمني الأنواع يهمني تعرفت إلى الله .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
لا بد من أن تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لمعرفة الله ، لا يوجد لها بديل إطلاقاً .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
الذين آمنوا ؛ أيديولوجيا ، تصور ، فلسفة ، منطلقات نظرية ، سمّها ما شئت ، أي فكر ، تصور ، عقيدة ، فلسفة .
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
الآن تحرك ، الإنسان ما الذي يحركه ؟ الحاجة للطعام والشراب ، حفاظاً على بقائه كفرد ، وما الذي يحركه أيضاً ؟ الحاجة إلى الزواج ، حفاظاً على بقاء النوع ، وما الذي يحركه أيضاً ؟ التفوق ، أن يقال : أول طبيب ، أول مهندس ، أول محام ، أكبر تاجر ، هذا حفاظاً على بقاء الذكر ، فالحاجة إلى الطعام ليبقى حياً ، والحاجة للزواج ليبقى النوع البشري مستمراً ، والحاجة إلى بقاء الذكر التفوق ، الثلاثة بالدين الإسلامي موجودون ، الإنسان عندما يفكر :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا ﴾
إلا ، رحمة الله في إلا ، ما بعد إلا أركان النجاة ، آمنوا ؛ أيديولوجيا ، منطلقات نظرية ، عقيدة ، تصور ، فكر ، فلسفة ، كله مثل بعضه .
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
حركة ، الحركة نوعان ، سلبية وإيجابية ، السلبية الاستقامة ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما غششت ، كلها ما ، لكن هذه ما سلبية ، نريد بذلاً ، تعطي من مالك ، من وقتك، من علمك ، من جاهك .
أذكر مرة جئت من المغرب إلى الشام بالطائرة ، كان الطيار تلميذي ، أخذني إلى غرفة القيادة ، دخلنا إلى سوريا من طرابلس ، رأيت بعيني طرطوس وصيدا في آن واحد على ارتفاع اثني عشر متراً رأيت خمسمئة كيلو متر ، فالإنسان كلما علا مقامه اتسعت رؤيته ، وكلما علا مقامه اتسعت عاطفته .
وقف النبي بجنازة ، هذا يا نبي الله غير مسلم ! قال : أليس إنساناً ؟
إن كان الشخص يحب نفسه فهو أناني ، الأرقى يحب أسرته ، الأرقى يحب العائلة، القوم ، الأنبياء إنسانيون ، كلما ارتقيت عند الله اتسعت دائرة اهتمامك ، وانتمائك ، لذلك ما بعد إلا أركان النجاة .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
الاستقامة سلبية ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما غششت ، العمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصوباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
الدعوة إلى الله فرض عين ، لماذا تصلي ؟ سؤال ، أستاذ الصلاة فرض ، والدعوة إلى الله فرض عين ، ما الدليل ؟ عودوا أنفسكم أن تطلبوا الدليل ، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
لكن أنت لست مكلفاً أن تأخذ دكتوراه بالشريعة ، سمعت درساً تكلم عنه لأخيك ، لزوجتك ، لجارك ، لقريبك ، هذه الدعوة فرض عين ، أما فرض الكفاية فتحتاج إلى تفرغ ، وتعمق ، وتبحر ، كفرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، تحتاج إلى تفرغ ، وتعمق، وتبحر ، أما أنت سمعت درس تفسير آية ، تأثرت به ، تكلم عنه لزوجتك ، لصديقك ، لشريكك ، لابن عمك ، إذاً :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالدعوة إلى الله - دقق الآن - في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، فرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، أما التعمق والتبحر فيحتاج إلى تفرغ ، هذه صارت دعوة احترافية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل .
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
لذلك في بعض الأدعية : لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد في من الله قرباً ، علم وقرب .
وكل عام وأنتم بخير ، وأرجو الله مرةً ثالثة ورابعة أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، وأهم واحدة واستقرار بلادكم ، اشكروا الله على هذه النعمة ، وحافظوا عليها .