- محاضرات خارجية
- /
- ٠28ندوات مختلفة - قطر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
ضرورة طلب العلم و البحث عن الحقيقة :
أيها الأخوة الأكارم؛ بادئ ذي بدء، الإنسان هو عند الله المخلوق الأول، هناك جماد شيء مادي له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، هناك نبات شيء مادي له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، إلا أنه يمتاز عن الجماد أنه ينمو، الحيوان شيء مادي له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، ويشغل حيزاً في الفراغ لكنه يتحرك، يوجد جماد، ونبات، وحيوان، وإنسان، الإنسان شيء مادي له وزن، وحجم، وأبعاد ثلاثة، والإنسان ينمو كما ينمو النبات، ويتحرك كما تتحرك بعض الحيوانات إلا أنه يفكر، أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، هذه القوة الإدراكية يتميز فيها عن بقية المخلوقات.
لذلك أول كلمة في أول آية في أول سورة أنزلت في القرآن الكريم:
﴿ اقرَأ ﴾
ابحث عن الحقيقة، اطلب العلم، والإنسان ما لم يطلب العلم، أو ما لم يلبِّ الحاجة العليا فيه، هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، استمعوا إلى وصف الله عز وجل إلى هذا الذي أعرض عن طلب العلم، قال تعالى:
﴿ أَمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
وصف خالق الأكوان، بين أن الحياة حياة المعرفة:
﴿ أَمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
وقال تعالى:
﴿ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا ﴾
الأنعام غير مكلفة ولا تحاسب، فإذا شخص شابه الأنعام وسيحاسب:
﴿ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا ﴾
وصف ثان، قال تعالى:
﴿ كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
وصف أبلغ، قال تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا ﴾
إذاً لابد من طلب العلم، لا بد من تلبية الحاجة العليا فينا، لا بد أن تبحث عن الحقيقة، لا بد أن تعرف لماذا أنت في الدنيا؟ من الذي خلقك؟ ولماذا خلقك؟ ما الموت؟ وماذا بعد الموت؟ هذه كليات الحياة.
لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، قد تحمل دكتوراه في الفيزياء النووية، ولأنك لا تعرف الله، ولأنك لا تصلي، ولم تدخل الدين العظيم في حساباتك فأنت لست عاقلاً لكنك ذكي، فما كل ذكي بعاقل، ذكي بالجزئيات، أما عاقل بالكليات.
النتاج العقلي والشعوري للبشرية جمعاء علم وفلسفة وفن :
لذلك أخواننا الكرام؛ هذا الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، العلم هواء نتنفسه فإن لم تتنفس الهواء كانت البلية:
﴿ أَمواتٌ غَيرُ أَحياءٍ ﴾
أيها الأخوة؛ هناك مصطلح دقيق، النتاج العقلي والشعوري للبشرية جمعاء، أبواب ثلاثة، علم وفلسفة وفن فقط.
العلم هدفه القانون، والقانون علاقة بين متغيرين مقطوع بها، علاقة الحرارة بالتمدد توجد علاقة ثابتة مقطوع بها، إذا لم نترك فواصل للتمدد البناء يتصدع، إذا ما تركنا فواصل تمدد في سكة القطار توجد عندنا مشكلة ينحني، يوجد قانون.
فالنتاج العقلي والشعوري للبشرية علم وفلسفة وفن، العلم ماهو كائن – الموجود-يوجد لدينا ظاهرة علمية، ظاهرة فيزيائية، ظاهرة كيميائية، ظاهرة جيولوجية، ظاهرة فلكية، هذه الظواهر علاقتها ببعض تحكمها القانون، علاقة بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل.
أما الفلسفة فلا تعنى بما هو كائن، تعنى بما هو يجب أن يكون، علم ماهية كائن، الفلسفة ما يجب أن يكون. فلسفة الوجود، وجود الله عز وجل، وفلسفة المعرفة، وفلسفة القيم، وجود، معرفة، قيم.
الفن ما هو ممتع، لمن؟ ما كل فن ممتع، إذاً ليس فناً، وما كل ممتع نافع، ينبغي أن يكون ممتعاً ونافعاً، وما كل ممتع ونافع مسعد، الفن ما هو ممتع، ينبغي أن يكون نافعاً وينبغي أن يكون مسعداً.
صار النتاج العقلي والشعوري للبشرية علم وفلسفة وفن، لكن قالوا في الفن: يجوز لكاتب المسرحية أو للشاعر أن يصف الرذيلة على نحو نشمئز منها، نحتقرها، فإذا صورت الرذيلة على نحو نعجب بها، كما هو واقع الآن، فإن مجتمع بأكمله يسقط، الرذيلة لا بد من تصوريها.
الله عز وجل في القرآن ذكر أهل الكفر وعقليتهم وسلوكهم ولكن على نحو نشمئز منها، أما إذا صورت الرذيلة على نحو نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله سيدمر، وهذه أكبر خطر، قال العلماء والنقاد: إذا قرأت قصيدة أو قصة أو مسرحية وشعرت أنها حركت فيك المشاعر الدنيا، والتفكير السمج، فأنت أمام فن رخيص، وما لم يكافح الفن الرخيص فإن مجتمعاً بأكمله يسقط، أربعة أخماس وقت الناس مع الفن، تمثيلية، مسرحية، حوار، قصيدة شعرية، فحسبما تحرك هذه الفنون التفكير السخيف أو المشاعر الدنيا، فإن مجتمعاً بأكمله يسقط.
الفرق بين الفلاح و النجاح :
أخواننا الكرام، الآن لا يغيب عن ذهنكم أن الحياة جماد، نبات، حيوان، إنسان، أما الإنسان فهو المخلوق الأول، لماذا؟ يوجد عندنا عالم الأزل هو عالم الذر، ويوجد عندنا عالم الصور الدنيا، هناك عالم الأزل وجميع المخلوقات خلقوا مرة واحدة في عالم الأزل، والشاهد قال تعالى:
﴿ إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ ﴾
الإنسان قبِل حمل الأمانة، ما الأمانة؟ أن يدير نفسه، هذه الأمانة هي نفسه، قال تعالى:
﴿ قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها * وَقَد خابَ مَن دَسّاها ﴾
هل هناك فرق بين النجاح والفلاح؟ نعم والفرق كبير جداً، النجاح أن تنجح في جمع المال، إنسان يملك تسعين ملياراً هذا ناجح في جمع المال، هتلر حكم أوربا، هناك إنسان ناجح في جمع المال، أو تسلم منصب رفيع، أو في أن يغرق في الملذات الحسية، لكن الفلاح أن تحقق الهدف الذي خلقت من أجله، قال تعالى:
﴿ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ ﴾
الفلاح في تحقيق الهدف، شخص أرسل ولده إلى باريس، لينال الدكتوراه من السوربون، نجح في استئجار بيت مريح، نجح في اقتناء سيارة، نجح في اختيار أصدقاء مبدعين، لكنه لم يدرس، هدفه وهدف والده من هذه البعثة نيل الدكتوراه، فقد ينجح في مئات الأشياء أما إذا لم ينل الدكتوراه فلا يعد فالحاً. قال تعالى:
﴿ الم * ذلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ * الَّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * وَالَّذينَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يوقِنونَ * أُولئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِم وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ ﴾
فالبطولة أن تفلح لا أن تنجح، يوجد في العالم الغربي ملك الحديد، وملك المعادن الثمينة أكبر إنتاج، هذه كلها نجاحات في الدنيا، والله عز وجل قال:
﴿ يَعلَمونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنيا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غافِلونَ ﴾
والإنسان إذا انتهى أجله كأنه ينادى: أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا انا، وأنا الحي الذي لا يموت.
الإنسان هو المخلوق الأول والمكرم والمكلف :
أخواننا الكرام؛ الإنسان مرة ثانية هو المخلوق الأول والمكرم والمكلف، لماذا كلف؟ قال تعالى:
﴿ وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ ﴾
مكلف أن يعبد الله، والعبادة في أدق تعريفها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، كما أنه ما عبده من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية، ما أرادنا أن نأتيه إكراهاً، قال:
﴿ لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾
أراد أن نأتيه طوعاً، أراد أن نأتيه بمبادرة منا، أراد أن تكون علاقته بعباده علاقة حب، قال:
﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾
ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه:
﴿ لا إِكراهَ فِي الدّينِ ﴾
الإله العظيم أراد أن تكون علاقتك به علاقة حب ليس غير:
﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبّونَهُ ﴾
محبة الإنسان للكمال و الجمال و النوال :
الإنسان عندما يتناول طعاماً طيباً لماذا يستمتع به؟ عند البلع اللسان يضغط على اللقمة في سقف الحلق، هناك توجد أعصاب الذوق، ثوان أحياناً تقف أمام بحر هادئ، مياه زرقاء، يحيط بالبحر جبال صفراء، منظر جميل جداً يأخذ بالألباب، إذاً يوجد لدينا جمال في الطبيعة، يوجد عندنا منظر جميل، طعام طيب، فاكهة رائعة، طفل جميل، والجمال الله عز وجل هو الجميل، تجلى على هذا المخلوق باسم الجميل، قال تعالى:
﴿ وَأَلقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنّي ﴾
لذلك هذا الذي يؤخذ بالجمال، وكل إنسان كائن من كان يحب الجمال والكمال والنوال، لكن هذا الجمال لو افترضنا مئة وثمانين درجة، الله سمح لك بمئة، أو بثمانين، أو بمئة وعشرين درجة، الزوجة لك أن تملأ عينيك من محاسنها، أما المحارم فلهم قيود أخرى، ثياب الخدمة، أمه، أخته، خالته، عمته، نصف كم، قبة عالية، تحت الركبة، هذه ثياب الخدمة، الزوجة لها حكم، والمحارم لهم حكم آخر، امرأة أجنبية لابد من أن تغض البصر، لا بد من غض البصر لأنها لا تحل، فالشهوة هذه مئة وثمانون درجة، سمح لك بمئة وعشرين درجة، لا يوجد حرمان، والدليل قال تعالى:
﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
معنى ذلك الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، أي لك أن تأكل ما لذّ وطاب، وتسكن في بيت، وتختار زوجة وفق طموحك، وتنجب أولاداً، كل هذا مسموح لك لا شيء فيه:
﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف عند علماء الأصول: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، أي لا يوجد فيه شيء من الحرمان.
لذلك ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري فيها، لا يوجد حرمان هنا.
حرص الإنسان على سلامة وكمال واستمرار وجوده :
لذلك أخواننا الكرام؛ البطولة بطولة اختيار فقط، أهل النار ما سبب دخولهم النار؟ اسمعوا كلامهم:
﴿ وَقالوا لَو كُنّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ ما كُنّا في أَصحابِ السَّعيرِ ﴾
أزمة علم فقط، لماذا؟ لأن أي إنسان على وجه الأرض كائناً من كان حريص حرصاً لا حدود له على سلامة وجوده، من يحب المرض؟! من يحب الفقر؟! من يحب القهر؟! حريص على سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، من لا يحب أن تكون زوجته كما تروق له؟ ويكون بيته واسعاً ودخله جيداً واستمرار وجوده؟ يتمنى أن يعيش ألف سنة، ليس ألف سنة بل مئة، أو مئة وثلاثين، فإذا مات في الخامسة والثلاثين مصيبة، لذلك يحب سلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، إذا علمت يقيناً أن سلامة وجودك وكمال وجودك واستمرار وجودك في طاعة الله:
﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا ﴾
للتقريب، لو زرت أختك الكريمة في العيد وقال لك ابن اختك: أنا معي مبلغ عظيم، هذا الذي عمره خمس أو سبع سنوات وقال لك: أنا معي مبلغ عظيم كم تقدره؟ مئة ريال، فإذا قال مسؤول في البنتاغون: نحن أعددنا للعراق مبلغاً عظيماً، كلفت خمسمئة مليار، إذا قال مسؤول في البنتاغون أي خمسمئة مليار، وإذا قال ابن اختك: مبلغ عظيم يعيني مئة ريال، وإذا قال مالك الملوك:
﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾
عظيماً، طفل تقدر بشيء، ومسؤول في البنتاغون تقدر بشيء، وخالق الأكوان تقدر بشيء:
﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾
لذلك يوم القيامة لا ينفع مال ولا بنون، الله ماذا قال قبل ذلك:
﴿ المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا ﴾
تصور مالاً بدون بنين صعب جداً، تصور بنين من دون مال أصعب، أما المال والبنون فزينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات، العلماء قالوا: الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أن تسبحه وأن تحمده وأن توحده وأن تكبره، هذه أبلغ من جميع النعم، أن تعرفه، يا بن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء. لذلك أيها الأخوة؛
﴿ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا ﴾
تعريف القلب السليم :
قال تعالى:
﴿ يَومَ لا يَنفَعُ مالٌ وَلا بَنونَ * إِلّا مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ سَليمٍ ﴾
ما هو القلب السليم؟ من أجمل ما قرأته عن القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، يشتهي الزواج يتزوج، هذا حلال، يشتهي أن يكون له عمل جيد، ودخل جيد، وصحته جيدة، القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله.
إذاً القلب السليم، القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يعبد إلا الله.
العلم أنواع ثلاثة :
لذلك العلم وهو عنوان هذا اللقاء الطيب، العلم محراب الإيمان، أنواع ثلاثة: علم بخلقه؛ فيزياء، كيمياء، فلك، جيولوجيا، علم نفس، علم اجتماع، علم تنمية، علم بخلقه، وعلم بأمره، الشريعة، الحلال والحرام، والواجب، والسنة المؤكدة وغير المأكدة، والمباح، والمكروه... علوم الدين كثيرة جداً، فعلم بأمره، وعلم بخلقه، وعلم به، هذه أحد المجالات، العلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة، تدخل جامعة، يوجد دكتور، ومنهج، ودوام، وإصغاء إلى المدرس، وكتابة وظيفة، و مناقشة، وقد يكون هناك امتحان شفوي أو كتابي هذه اسمها مدارسة، فالعلم بخلقه يحتاج إلى مدارسة.
والعلم بأمره يحتاج إلى مدارسة.
أما العلم به، فهذا الشيء النتائج باهرة جداً لكن الثمن باهظ، جاهد تشاهد، العلم به يحتاج إلى مجاهدة، جاهد تشاهد، لذلك قيل: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى.
جاهد تشاهد.
علم بخلقه، اختصاصه الجامعات في العالم، وعلم بأمره اختصاصه الريادة في الشريعة، وعلم به هذا الوصول إلى الله.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنـــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنــــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر ما به جـــــــــــاء وعدنـــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتلــه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
لذلك أيها الأخوة؛ نستنتج إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة عن الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا عن الآخرة فيخسرهما معاً.
طلب العلم فرض عين على كل إنسان :
لذلك العلم الشرعي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))
شراح الحديث قالوا: على كل شخص مسلم، أي العلم ليست وردة توضع على الصدر، العلم هواء نستنشقه، حاجة أساسية.
الآن لتقريب الفكرة، متى تعالج نفسك لا سمح الله من ارتفاع الضغط؟ حينما تعلم، فالضغط المرتفع يحتاج إلى مقياس، إذاً أنت بحاجة إلى مقياس تقيس بها دخلك، إنفاقك، اختيار زوجتك، تربية أولاك، يوجد لديك مليون سؤال، فإذا الإنسان ما طلب العلم سيغرق، سيدفع ثمن خطئه باهظاً، أي ليست قضية ثانوية تكون أو لا تكون، قضية مصيرية.
شخص ينجح من السابع للثامن، من الثامن للتاسع، من التاسع للعاشر، من العاشر للحادي عشر، من الحادي عشر إلى الثاني عشر، علامته في الثاني عشر تحدد مصيره، يوجد لدينا طِب، ويوجد لدينا طَب، يوجد لدينا فرع ثمين جداً من يحمل هذه الإجازة، دخله كبير، وهناك خمسة آلاف شخص بلا عمل، معه حقوق مثلاً، ليس كل فرع يدر عليه أرباحاً كثيرة فلا بد من أن تتفوق.
لذلك ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، الوضوء فرض؟ الوضوء ليس صلاة لكن الوضوء فرض، لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به.
لا تعرف الحقيقة إلا بالعلم، المعرفة حتمية وضرورية وفرض، إذاً لا بد من طلب العلم.
الآن تلقيت العلم، عندنا شيء دقيق، أي من يعتقد يقيناً أن الدعوة إلى الله فرض عين، قد تستغربون فرض عين، الدليل:
﴿ قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله قطعاً ليس متبعاً لرسول الله، الدعوة إلى الله فرض عين، فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، اللقاء الطيب يوجد نقطة فيه تأثرت بها، انتهى اللقاء، ذهبت إلى البيت، جلست مع زوجتك، قل لها هذه النقطة، الآن دعوة إلى الله، فكرة فهمتها من خطيب مسجد، قرأتها في كتاب، سمعتها من عالم تأثرت بها، قلها لأخيك، لزميلك، لشريكك في العمل، هذه الدعوة فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، هذه دليل قطعي قرآن،
﴿ قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني ﴾
أركان النجاة :
الآن انتقلنا من التلقي إلى الإلقاء، من تلقي العلم إلى التعليم، الدعوة إلى الله فرض عين كل مسلم في حدود ما تعلم ومع من تعرف، النبي قال:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
يوجد دليل ثان قال تعالى:
﴿ وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسانَ لَفي خُسرٍ * إِلَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوا بِالصَّبرِ ﴾
أربعة أشياء قال عنها الإمام الشافعي: أركان النجاة، أحد أركان النجاة وتواصوا بالحق، هذه الدعوة إلى الله فرض عين قال:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
وقال:
﴿ قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني ﴾
نقل المعرفة فرض عين على كل إنسان :
إذاً عود نفسك، إذا سمعت تفسير آية، تأثرت فيها، اكتبها عندك، أول لقاء مع صديقك، مع أهلك، مع والدك، مع والدتك، أثناء الطعام، مع أصدقائك بسهرة معينة، احكها، عود نفسك أن تذكر الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة، وآمرُ بالعُرْف))
عود نفسك أن تتكلم بالحق دائماً، والذي سمعته احفظه، اكتبه عندك، توجد قاعدة لطيفة: اكتب أجمل ما قرأت، واحفظ أجمل ما كتبت، دفتر صغير، أحياناً الإنسان ينتهي بكلمة،
(( إِنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يَهْوِي بها سبعين خريفا في النار))
إن الرجل يلقي كلمة ترضي الله تعالى، يرفعها الله بها لأعلى عليين، كلمة! وكم من إنسان بكلمة انتهى. إذاً نقل المعرفة فرض عين، ويوجد أدلة ثلاثة، قال تعالى:
﴿ وَتَواصَوا بِالحَقِّ ﴾
قال تعالى:
﴿ قُل هذِهِ سَبيلي ﴾
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
في حدود ما تعلم ومع من تعرف.
الآن يوجد لدينا مصطلح عند العلماء، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة. مظلي، ألقى بنفسه من الطائرة، يا ترى شكل المظلة لو فتحت مستطيلة أم بيضوية أم دائرية أم مربعة؟ المظلي يجهل شكل المظلة قبل أن يفتحها، يا ترى خيط المظلة صناعي أم طبيعي؟ كم حبل؟ لا يعرف، نوع الحبال؟ لا يعرف شكلها، ولا نوع حبالها، معلومة واحدة إن جهلها نزل ميتاً، طريقة فتحها، هذا العلم سماه العلماء: ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، طريقة فتح الظلة.
فأنت ليس كل معلومة مطلوبة منك، كطبيب، كمحام، كمدرس، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة، أي أركان الإيمان، أركان الإسلام، الأحكام الفقهية المتعلقة باختصاصك فقط، هذا العلم لابد منه بالحد الأدنى، ينبغي أن يعلم بالضرورة، أما التعمق والتبحر والتفرغ فهذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، أي عنده إمكان أن يجيب عن أي سؤال، ويزيل أي شبهة، هذا فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، الآية تقول:
﴿ وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعونَ إِلَى الخَيرِ ﴾
منكم أي بعضكم،
﴿ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾
مقومات التكليف :
أخواننا الكرام؛ الآن الله عز وجل قال:
﴿ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ ﴾
يوجد آيات كونية، آيات تكوينية، آيات قرآنية، الكونية، مثال، الشمس تبكر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يدخل في جوفها مليون وثلاثمئة ألف أرض، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كليو متر، يوجد في برج العقرب نجم صغير اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ هذه الآيات الكونية.
الآيات التكوينية أفعاله، والقرآنية كلامه، قال تعالى:
﴿ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ ﴾
فالكون الثابت الأول، والعقل له مبادئ، مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، والعقل أيضاً في خدمة النقل، وأعطاه شهوة، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسموات، أعطاك حرية، قال تعالى:
﴿ فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر ﴾
هذه مقومات التكليف.
مراحل تعامل الله مع عباده :
يوجد لدينا هدى بياني، أنت جالس مرتاح تسمع محاضرة هذا هدى بياني، يجب أن تستجيب، قال تعالى:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ﴾
لم تستجب يوجد تأديب تربوي:
﴿ وَلَنُذيقَنَّهُم مِنَ العَذابِ الأَدنى دونَ العَذابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُم يَرجِعونَ ﴾
لم تتب إكرام استدراجي:
﴿ فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كُلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً﴾
فالهدى البياني استجابة، والتأديب التربوي توبة، والإكرام الاستدراجي شكر، لم يستجب ولم يتب ولم يشكر، إذا يوجد القصم.
لذلك أيها الأخوة الكرام الموضوع خطير، الموضوع مصيري، الموضوع حياة أو موت، سعادة أو بقاء. أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم وأولادكم، وصحتكم ومالكم، واستقرار بلادكم.