- محاضرات خارجية
- /
- ٠28ندوات مختلفة - قطر
مقدمة :
أيها الأخوة الكرام؛ أحييكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد يسر أخوانكم في الدعوة والإرشاد في وزارة الأوقاف الإسلامية مشكورة أن يستضيفوا علماً من أعلام الدعوة في العالم العربي والإسلامي، وهو فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، باسمكم جميعاً نرحب به نقول له: حللت أهلاً ونزلت سهلاً، طبت وطاب ممشاك، ونسأل الله وإياك أن يبوئنا من الجنة منزلاً، وأن يحرم خطاه على النار، فضيلة الشيخ كان خطيباً لأكثر من جامع في سوريا، من أبرزها الجامع الأموي، وكان مدرساً بجامعة دمشق لمدة خمسة وثلاثين عاماً، ودرس مادة الإعجاز العلمي بالكتاب والسنة، له العديد من المؤلفات، والكثير من الحلقات التلفزيونية والإذاعية، وسيرة الشيخ أكبر من ذلك، وله موقع على النت .
أيها الأحبة الكرام ؛ كلنا نريد الفلاح في هذه الدنيا، وكلنا يريد الفلاح في الآخرة، والله عز وجل يقول :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾
وعلماء اللغة قالوا: قد حرف توكيد وتأكيد، فمن أراد الفلاح فعليه بالتزكية، فما هي التزكية؟ وما هي بواعثها؟ وكيف نحصل عليها؟ نترك هذا لفضيلة الشيخ فليتفضل مشكوراً ...
الله عز وجل خلقنا ليرحمنا لا ليعذبنا :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
أيها الأخوة الكرام ؛ أشكر دعوة هذا البلد الطيب الكريمة لزيارته، فإن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، وإن دلت على شيء آخر فعلى تعلق هذا البلد الطيب بالعلم والعلماء وهذا وسام شرف له.
أيها الأخوة الكرام ؛ الله عز وجل خلقنا ليرحمنا لا ليعذبنا، الدليل قال تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم بالدنيا والآخرة، لذلك حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال، والسموت والأرض والجبال مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، حينما عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان كأنه قال: يا رب أنا لها، فلما قبِل هذا الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة، رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
الإنسان هو المخلوق الأول و المكلف و المكرم :
لذلك لأنك من بني البشر في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، فلما قبِلت حمل الأمانة، قال تعالى :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
والمسخر له أفضل من المسخر، إذاً أنت سيد المخلوقات، أنت المخلوق الأول، أنت المخلوق المكرم، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
وأنت المخلوق المكلف. لماذا أنت مكلف؟ قال تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
علة وجودك في الدنيا أي سبب وجودك في الدنيا العبادة، لو أن أحد الأخوة الكرام طمح أن يكون ابنه خريجاً في الجامعة الأوربية في باريس، وذهب إلى هناك، هذا الشاب الذي أرسله والده إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون نقول: علة وجود هذا الشاب في باريس الدراسة، فإذا فهمنا علة وجودنا جاءت حركتنا متوافقة مع علة وجودنا، حينما يكون هدف الطالب واضحاً يسكن في بيت قريب من الجامعة لتوفير للوقت والجهد والمال، يصاحب طالباً يتقن الفرنسية يتعلم منه، يشتري مجلات لها علاقة باختصاصه، إذا كان الهدف واضحاً نبعت أمامه جزئيات لا تنتهي كلها في خدمة هذا الهدف، البطولة الأولى أن يعلم الإنسان لماذا هو في الدنيا؟ إذا سأل أحدهم: إلى أين أذهب - في مدينة ما-؟ نقول له: لماذا أتيت؟ ما سرّ وجودك؟ ما غاية وجودك؟ السؤال الأول: لماذا نحن في الدنيا؟ نحن في الأصل خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض، وجاء الله بنا إلى الدنيا كي ندفع ثمن الجنة، قال تعالى :
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
لذلك الإنسان حينما يقترب أجله لا يندم إلا على شيء واحد على عمل صالح فاته، قال تعالى:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
لذلك أيها الأخوة الكرام ؛ هناك حقيقة وقد تكون مرة أن كل الخلائق من دون استثناء، أو إن شئت أن كل البشر سوف يعلمون الحقائق التي جاء بها الأنبياء ولكن بعد فوات الأوان كفرعون حينما أدركه الغرق، قال تعالى :
﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
متى آمن؟ بعد فوات الأوان، لذلك قال تعالى :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
البطولة لا أن نؤمن، لأن الإيمان سيحصل بعد فوات الأوان، لذلك البطولة أن تؤمن في الوقت المناسب وأنت حي قوي شاب غني آمن، هذا الوقت المناسب للإيمان، لأن خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض، أنت مع مليون شيء في حياتك تملك خيار وقت، هذه الوظيفة لم تعجبك، دخلها قليل، ودوامها طويل، هذه الفتاة لم تكن مرتاحاً لأخلاقها رفضت الزواج منها، أنت في الدنيا معك ملايين خيارات الرفض إلا مع الإيمان تملك خيار وقت فقط، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب أو لا بد من أن تؤمن ولكن بعد فوات الأوان، فالبطولة وأنت شاب صحيح قوي، ذهنك متقد، معك وقت.
الفرق بين اللذة و السعادة :
بالمناسبة أيها الأخوة الكرام؛ هناك بحث لطيف جداً يجدر بي أن أدخله في ثنيات هذا اللقاء الطيب، هناك لذة وهناك سعادة، اللذة حسية وتحتاج إلى وقت وصحة ومال، ولحكمة بالغة بالغة دائماً تفتقد أحدها؛ في البدايات الصحة طيبة و الوقت موجود لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة الصحة موجودة والمال موجود لكن لا يوجد وقت، تدير المعمل، تداوم في وظيفتك إلى أن تتقاعد يحل أولادك محلك يوجد عندك وقت ومال لكن لا يوجد صحة، فاللذة تحتاج إلى شروط ثلاثة ودائماً ينقصك أحد هذه الشروط، بينما السعادة لمجرد أن تقبل على الله تشعر بسعادة لا توصف.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـــــــا فإنا منحنا بالرضا مــــــــــــن أحبنـــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشــــــرار خلقنـــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شــــــــاغـل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما القرب والإبعـــــــاد إلا بأمرنــــــــــــا
فيا خجلي منه إذا هـــــــو قــــــــال لي: أيا عبدنـــــــا مــــــا قرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جـرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــــا
أما آن أن تقلـع عــــــــــــن الذنــب راجعاً وتنظر ما به جـاء وعدنـــــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــا لغيرنــــــــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنـا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة لمــــت غريباً واشتياقاً لقربنــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى سهولتــــــــه قلنـــــــــا له قـــــد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قـتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــا
***
من عرف الله زهد فيما سواه :
أيها الأخوة الكرام؛ أنت حينما تذوق طعم القرب تضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، إذا ذقت طعم القرب من الله لأن الله عنده الجمال والكمال والنوال، وأي إنسان على وجه الأرض يحب الجمال والكمال والنوال، النوال هو العطاء، أنت إذا توجهت إلى الله نلت الجمال والكمال والنوال معاً، لذلك من عرف الله زهد فيما سواه، من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا.
الإنسان حينما يفكر أن يذوق طعم القرب من الله، حينما يطلب ود الله مستحيل وألف ألف مستحيل إلا ويخطب الله وده، قال تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
فكيف إذا كانت لك مودة مع خالق الأكوان؟ مع خالق السموات والأرض؟ مع الإله الأبدي السرمدي؟ لذلك أيها الأخوة الكرام؛ من عرف الله زهد فيما سواه.
الهدى البياني أول مرحلة من مراحل هداية الله لعباده :
الآن الله عز وجل رحمة منه بعباده يهدي عباده كيف؟ بمراحل أول هذه المراحل: هذا اللقاء الطيب أنتم جالسون تستمعون إلى بعض آيات القرآن الكريم مع تفسيرها، وبعض الأحاديث الصحيحة مع شرحها، هذا هو البيان، وأنت صحيح معافى في جسمك، في بيتك، معك زوجتك وأولادك وبناتك، ومن يلوذ بك،، لا تشكو من شيء تستمع إلى درس دين، تقرأ القرآن، تقرأ أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، تصغي إلى ندوة دينية، هذا هو الهدى البياني أول مرحلة، أي أول مرحلة وأسلم مرحلة وأروع مرحلة، الرد الكامل منك أيها الإنسان قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
الله عز وجل يدعوك إلى الحياة، الحياة الحقيقية حياة القرب من الله، إلى حياة الصلة بالله، إلى حياة فيها توفيق الله، إلى حياة فيها زوجة صالحة، أولاد أبرار، أقارب يحترمونك.
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
نتائج الاستقامة، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
الحياة الحقيقية حياة القلب، حياة الاتصال بالله، حياة الاستنارة بنور الله، حياة توفيق الله، حياة إكرام الله، حياة القرب من الله، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
هذه أرقى مرحلة، وأكرم مرحلة، وأدق مرحلة، موقف الإنسان الكامل من الهدى البياني؛ قرآن، تفسير، سنة، شرح، مواقف، بطولات، منهج دقيق يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، افعل ولا تفعل، أنت أعقد آلة صنعها الله عز وجل، التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك، وحرصك على سعادتك، وحرصك على استمرارك ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع.
الدين ضمان لسلامة الإنسان و ليس حدّاً لحريته :
سؤال: إنسان يمشي في فلاة، رأى لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز حقل ألغام، بربكم هل تعتقدون أن هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ حينما تفهم أوامر الدين ليست حداً لحريتك لكنها ضمان لسلامتك فأنت فقيه ورب الكعبة.
مثال آخر أضربه من بلدي سوريا؛ تاجر كبير له مبلغ كبير جداً في حمص، وعد في أحد الأيام أن يأخذه منها، لا بد من السفر من دمشق إلى حمص، ركب سيارته الفاخرة وتوجه إلى حمص، ولكن بعد أن غادر دمشق قليلاً قرأ لوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلق بسبب تراكم الثلوج في النبك، سيارته فخمة جداً ثلاثة طن، مبلغه كبير، ماذا يفعل بأربع كلمات قرأها؟ يرجع، ما الذي حكمه؟ النص والدين كله نص، فكلما كبر عقلك يحكمك النص، أما الدابة التي تسير على هذا الطريق أين تقف؟ عند الثلج، ما الذي حكم الدابة؟ الواقع، إنسان قرأ بحثاً علمياً مؤصلاً دقيقاً جداً عن مضار التدخين فإذا بالدخان ثلاثة آلاف نوع من السمّ، أنا عضو بجمعية مكافحة التدخين في سوريا ثلاثة آلاف مادة سامة في الدخان، فإذا إنسان قرأ مقالة عن مضار التدخين فتركه هذا يكون عاقلاً جداً، وأغلب الظن أن الذي يصاب بسرطان الرئة يتركه بعد السرطان، بطولتك أن تتركه بعد السرطان أم في البدايات؟ أنت إنسان يحكمك النص، لا يحكمك الواقع، معك نص ليس من بني البشر من خالق البشر، من خالق السموات والأرض، من شرح هذا النص؟ سيد الخلق وحبيب الحق، هناك قرآن:
(( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما؛ كتاب الله وسنتي.. ))
فلذلك للتقريب درست في المدارس الابتدائية والثانوية بأن الكون جماد، نبات، حيوان، إنسان، ما الجماد؟ شيء مادي له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، النبات شيء مادي له وزن، وله حجم، وله أبعادٌ ثلاثة، ويشغل حيزاً من الفراغ كالجماد تماماً إلا أنه ينمو، اختلف النبات عن الجماد أنه ينمو، الحيوان كائن يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعادٌ ثلاثة، وله وزن وينمو كالنبات، إلا أنه يتحرك، الحصان يمشي، الإنسان كائن مادي له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، إلا أنه يفكر.
طلب العلم واجب على كل إنسان :
إذاً أودع الله في الإنسان قوة إدراكية يفكر، يفهم، وهذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، وما لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، لذلك قال تعالى عن هؤلاء الذين شردوا عن منهجه:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
ما لم تبحث عن الحقيقة، ما لم تطلب العلم في الوقت المناسب لا بعد فوات الأوان، هبطت عن مستوى إنسانيتك إلى مستوى لا يليق بك ذكره القرآن الكريم:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
لذلك لا بد من طلب العلم، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
البشر عند الله لا يزيدون عن نموذجين :
أيها الأخوة الكرام؛ البشر سبعة مليارت ومئتا مليون على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، وتياراتهم، واتجاهاتهم، لا يزيدون عن صنفين، هذان الصنفان وردا في قوله تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
سبعة مليارت ومئتا مليون، كل واحد يتحرك لهدف، هذا يتزوج، هذا ليتاجر، هذا ليطيع الله، وهذا ليعصيه، قال تعالى :
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
أي سعيكم بعددكم، ولكن الله عز وجل أنزل هذه الأنواع التي لا تعد ولا تحصى في حقلين اثنين فقط، كلام دقيق قال تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدَّق أنه مخلوق للجنة، الحسنى هي الجنة بدليل قوله تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
والترتيب معكوس لحكمة بالغة صدق بالحسنى صدق أنه مخلوق للجنة بناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبعد هذا التصديق ترك المعصية، بنى حياته على العطاء، يعطي من ماله، من وقته، من علمه، من خبرته، من جاهه، وأما الصنف الثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأكثر أو بعضهم يأخذون ويعطون، فقيمة الإنسان بقدر ما يعطي لا بقيمة ما يأخذ، الإنسان حينما تأتيه المنية ويساق إلى القبر ينادى: عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
الإسلام دين الفطرة و السعادة :
أين البطولة؟ أين الذكاء؟ أين التوفيق؟ أين العقل؟ أن تعد لهذه الساعة عدتها، أن تدخل هذه الساعة في حساباتك، صدقوا ولا أبالغ وأنا أؤمن بما أقول إيماني بوجودي: لم أجد على وجه الأرض أغبى ممن تحرك بغير منهج الله، والإسلام دين الفطرة، دين السعادة، الآية تقول:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
عند علماء الأصول المعنى المخالف: الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، اشتهى المال فعمل، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها، بالدين لا يوجد حرمان أبداً، هناك ترشيد و توجيه، أي هذا البنزين إن وضع في المستودع المحكم، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، ولّد حركة نافعة، أقلتك أنت وأهلك إلى مكان جميل، ما الذي يجري في السيارات؟ انفجارات، أما إذا صبّ هذا الوقود على المركبة، وأصابته شرارة، أحرق المركبة ومن فيها، فالشهوة إما أنها قوة دافعة، أو قوة مدمرة، وما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات، حكمة الشهوات؛ الشهوة محرك للسيارة، والعقل هو المقود، والشرع هو الطريق، بطولتك أن تشعل المحرك وتنطلق وأن تمسك المقود على الطريق، حرمان في الدين لا يوجد أبداً، أعداء الدين يوهمون الناس أن الدين كله حرمان، لا يوجد حرمان أبداً، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها، لذلك ممكن أن نرسم للشهوات مئة وثمانين درجة، الله سمح لك بمئة درجة ومنع عنك ثمانين، مئات أنواع الطعام حرم عليك الخنزير، مئات الأشربة حرم عليك الخمر، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها.
الخير كله بطاعة الله عز وجل :
لذلك البشر نموذجان، نوعان، قال تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدَّق أنه مخلوق للجنة، اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء.
مرة قرأت كتاباً عن النبي عليه الصلاة والسلام المقدم كتب مقدمة: " يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك".
أيها الأخوة الكرام؛ إذاً:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
زواجه موفق، صحته طيبة، مع أهله في أعلى علاقة طيبة، يربي أولاده، له مكانة اجتماعية، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
لن تحصوا خيرات الطاعة لله؛ سعادة، وسكينة، وثقة بالله، وتوازن، وتفاؤل، وتوفيق، وزواج ناجح، وأبناء أبرار، وبنات محجبات، وأصهار كأولاده، إذا ذهبت لتعدد الخيرات من هذا الدين لن تنتهي:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
فلذلك:
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ ما وجد شيئاً.
أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي العظيم:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
أنا أخاطب الشباب؛ أنت في البدايات بحاجة إلى زوجة صالحة، بحاجة إلى أولاد أبرار، بحاجة إلى دخل معقول، بحاجة إلى صحة، هذه مطالب أي إنسان، كل هذا الخير بطاعة الله، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
صدقوا ولا أبالغ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، إله يعد، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾
إذاً الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
حياته ميسرة، رزقه ميسر، زواجه ناجح، يعينه الله على تربية أولاده، وعلى تربية بناته، في عمله محترم، مبجل:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، قال تعالى :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
من مطب إلى مطب، من مشكلة إلى مشكلة.
إلزام الله ذاته العلية بهداية خلقه :
لذلك أخواننا الكرام؛ يوجد كلمتان تلخصان الدين كله، لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، هناك أقوياء وطغاة هؤلاء جميعاً الأقوياء مربوطون بأزمة محكمة بيد الله، هم عصي بيد الله، فالذي يصطلح مع الله يمنعهم من أن ينالوا منه، والدليل قال تعالى :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ﴾
سيدنا داود :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
وحيثما تقرأ في القرآن لفظ الجلالة مع على معنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه، قال تعالى :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
وحيثما ورد لفظ الجلالة مع على معنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه.
الإنسان خاسر لأن مضي الزمن يستهلكه :
أيها الأخوة الكرام؛ من أدق تعريفات الإنسان الذي عرفه به الإمام الحسن البصري قال: الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
أي أنت زمن، أو رأس مالك الوحيد هو الزمن، أو أثمن شيء تملكه هو الزمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، فقال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
جواب القسم:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
إله، خالق السموات والأرض يقسم لك بمطلق الزمن أنك خاسر، لماذا يا ربي الخسارة؟ قال: السبب بسيط لأنك بضعة أيام، ومضي الزمن يستهلكك، الإنسان يولد حينما يولد سليماً تكون الفرحة في البيت لا توصف، حينما يولد هذا المولود يبكي وحده، وكل من حوله يضحك، فإذا وافته منيته كل من حوله يبكي فإذا كان بطلاً يضحك وحده، قال تعالى :
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾
أين بطولتك؟ حينما يأتي الموت والموت شيء مخيف، هذا البيت تركته، يصل مستوى بيت الإنسان إلى مئة وثمانين مليوناً في الشام، وجاءت منيته، المشكلة أن في القبر مياهاً سوداء موصولة مع القبر، أنا أقول: يا رب هكذا مصير الإنسان، بطولتك ذكاؤك عقلك حكمتك سعادتك بطاعة الله ومستحيل وألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف مستحيل أن تعصيه وتربح، هذه حقيقة دقيقة جداً، لذلك أقسم الله لهذا الإنسان بمطلق الزمن، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
رحمة الله في إلا:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
بحثوا عن الحقيقة، لو أنك اعتقدت عقيدة صحيحة تقليداً لا تقبل منك لقول الله عز وجل:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
العقيدة الصحيحة لا تقبل تقليداً لا بد من التحقق، والله جعل هذا الكون كله مشيراً إلى عظمته، لذلك أيها الأخوة الكرام؛
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
قال الإمام الشافعي هذه الأشياء الأربعة أركان النجاة. بحثوا عن الحقيقة وتبنوها، وأيقنوا بها، وتحركوا وفق الشرع، وعملوا الصالحات، ثم دعوا إليها.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
إذاً هذه الآية الأولى في القرآن تؤكد أن الدعوة إلى الله فرض عين، لمَ تصلي أيها الأخ؟ الجواب لأن الصلاة فرض، وهل تصدق ان الدعوة إلى الله فرض عين لكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، سمعت تفسير آية تأثرت بها، اذكرها لزوجتك، لشريكك، لأخيك، لجارك، لمن حولك، الدعوة إلى الله فرض عين من خلال هذه الآية، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أي صبر عن البحث عن الحقيقة، وصبر على العمل بها، وصبر على الدعوة إليها، هذه السورة لو تدبرها الناس لكفتهم، هذا كلام الإمام الشافعي:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
لذلك في بعض الأدعية:"لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً". والمغبون من تساوى يوماه، لا بد من أن ترقى علماً وإقبالاً وعملاً.
من لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله :
أيها الأخوة الكرام؛ هذه السورة سورة العصر من أخطر السور، فأنت زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، وجواب القسم أنك خاسر، إدراك الخسارة أن تبحث عن الحقيقة، وأن تعمل وفقها، وأن تدعو إليها وهذه الدعوة دعوة فرض، أما دعوة فرض الكفاية فتحتاج إلى تبحر وتعمق وتفرغ، قال تعالى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
منكم، هذا التبحر، والتعمق، والتفرغ، الدعوة إلى الله فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، أما الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، والآية تقول:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
كل واحد منكم سمع خطبة جمعة، حضر درساً، تأثر بخطبة، عاد إلى البيت ليذكرها إلى أهله، هذه نقطة دقيقة هذه فرض عين على كل مسلم، لذلك:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص:" ثلاثة أنا فيهن رجل - معنى رجل ليس ذكراً بل بطلاً- وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها- الشاهد هنا - وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
كلام النبي كلام المعصوم، لذلك ورد في الأثر القدسي: " ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي" .
بطولة الإنسان أن يؤمن بالله العظيم :
هناك سؤال محرج؛ الآية تقول:
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
آمن بالله خالقاً وموجوداً لكن ما آمن به عظيماً، البطولة أن تؤمن بالله العظيم، وإذا آمنت بالله العظيم لا يمكن أن تعصيه، مثل من الحياة كل يوم تركب سيارتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، ويستطيع أن يكتب مخالفة بمبلغ كبير، وهناك شرطي على دراجة نارية، و ضابط في قسم السير في سيارته، وأنت مواطن من الدرجة الخامسة ممكن أن تخالف؟ مستحيل، لأن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك، حجز مركبة، غرامة كبيرة جداً، أما الساعة الثالثة ليلاً لا يوجد كاميرا لأن علمه لا يطولك فتسير.
فأنت حينما توقن أن علم واضع القانون يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، قال تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
ذكر لك علمه وقدرته، علمه يطولك وقدرته تطولك، فالإنسان العاقل الذي يملك أدنى حدّ من العقل لا يعصي الله، لذلك ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي.
آيات الله في الآفاق :
بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب عدا الشمس أربع سنوات ضوئية، ما معنى أربع سنوات ضوئية؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف ميلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربع، هذه المسافة بالكيلو مترات بيننا وبين أقرب نجم ملتهب، لو أردنا أن نصل إليها بسيارة لاحتجنا إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام من أجل أن نقطع أربع سنوات ضوئية، بعد الأرض عن نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، بعد الأرض عن مجرة المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، بعد الأرض عن أحدث مجرة مكتشفة ثلاثة عشر ألف مليون سنة، الآية تقول:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
بالمسافات بين النجوم، قال تعالى :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
مرة ثانية: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم، فقد جهل.
آيات الله في النفس :
أيها الأخوة الكرام؛ الله عز وجل قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
المرأة حينما تلد ينزل مع الجنين قرص لحمي اسمه المشيمة عند الأطباء، هذا القرص تجتمع فيه دورة دم الأم مع دورة دم الجنين، ودم الجنين زمرة، ودم الأم زمرة، ولا يختلطان، فلو اختلطا لماتت الأم والجنين معاً، كيف لا يختلطان؟ قال: بينهما غشاء، هذا الغشاء يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء، أول عمل يقوم به يأخذ من دم الأم الأوكسجين يضعه في دم الجنين، يأخذ من دم الأم الأنسولين يضعه في دم الجنين، صار عند الجنين سكر و أوكسجين وأنسولين، يحترق السكر بالأوكسجين بوساطة الأنسولين، فتصبح حرارة الطفل سبعاً وثلاثين.
الغشاء العاقل ينقل من دم أمه إلى دم الجنين كل مناعات الأم، أي جميع الأمراض التي أصيبت بها الأم بحياتها واكتسبت مناعة هذه المناعات ينقلها الغشاء العاقل إلى دم الجنين.
لثالثة؛ الجنين بحاجة إلى مادة كيف الطريق لإبلاغ أمه أنه يحتاج إلى بوتاس مثلاً ما الطريق؟ تشتهي الأم الحامل طعاماً يلبي حاجة الجنين، شهوة الأم أثناء الحمل هي حاجة الجنين.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
الآن الغشاء العاقل ينقل للجنين حاجاته الغذائية، وقد تصل إلى بضعة آلاف نوع شحوم ثلاثية، بروتينات، مواد دهنية، سكريات، كل النسب محددة و تتبدل كل ساعة، هذا العمل يعجز عنه أطباء الأرض مجتمعين.
عندي كتاب عن الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة فيه بحث عن الغشاء العاقل دقيق جداً، لا بد من أن يقشعر بدنك، هذا الغشاء العاقل أي مادة غذائية تنقص الجنين تشتهيها الأم، وقد تشتهي طعاماً أثناء الحمل قد لا تحبه أصلاً لكنها تشتهيه.
طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً :
أيها الأخوة الكرام؛ القضية قضية دقيقة جداً، قضية خطيرة، قضية مصيرية، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
طبعاً هذه محركات، أما الدين فيحتاج إلى آلاف المحاضرات، لكن أشكر الله عز وجل أنه أكرمني بموقع يزوره في اليوم مليون زائر، يسحب منه في اليوم مليونا منتج، يوجد تسعون ألف صفحة عن كل ما أديته في حياتي، تعرفون الحاج غوغل؟ اكتب الاسم تدخل الموقع و فيه تفسير القرآن والسنة والحديث، وكل محاضراتي في العالم في هذا الموقع، وترى نصاً للدعاة وهناك صوت وصورة.
أرجو الله لكم أن يحفظ لكم بلادكم، ويحفظ لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم، وأن تنعموا بحياتكم الدنيا، وأن يجري الخير على أيديكم، ويحفظ هذه البلاد، ويحفظ كل بلاد المسلمين، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يحقن دماءهم في الشام.