- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما هي نقاط الضعف في أصل خلق الإنسان ؟ :
أيها الأخوة الكرام, في أصل خلق الإنسان شعور بالضعف، قال تعالى:
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
وفي أصل تركيب الإنسان الإنسان هلوع منوع، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
وفي أصل تركيب الإنسان أنه عجول، هذه نقاط ضعف ثلاث في أصل خلق الإنسان، لذلك هذه النقاط، نقاط الضعف تسبب له القلق، ويكاد يكون القلق القاسم المشترك لأكثر بني البشر؛ الخوف من المجهول، الخوف من المستقبل، الخوف على الرزق، الخوف أن يأتي الأجل مبكراً، هذا الخوف الناتج عن أصل خلق الإنسان.
كيف يزول هذا الخوف الناتج عن أصل خلق الإنسان؟ :
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾
كيف يزول؟ يزول كما قال الله عز وجل في آية قرِئت في الركعة الثالثة:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
معنى ذلك: أنك حينما تؤمن وحينما تشكر, يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنك خرجت من معالجة الله عز وجل:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
ذلك أن الله عز وجل سخر هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، رد فعل التعريف الإيمان، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت, حققت الهدف من وجودك، قال عز وجل:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
لذلك ورد عن رسول الله أنه:
((ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة))
إذا آمن الإنسان وشكر فقد حقق الهدف من خلقه :
أول اطمئنان: أن الإنسان حينما يؤمن الإيمان الذي أراده الله، وحينما يشكر, فقد حقق الهدف من خلقه، وتوقفت المعالجة الإلهية، والدليل: القرآن الكريم:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
والآية المطمئنة الثانية:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
ما قبِل منهم أنهم أبناؤه وأحباؤه، لو قبِل أنهم أحباؤه لما عذبهم، وقد استنبط الإمام الشافعي من هذه الآية: أن الله لا يعذب أحبابه.
الآية الثالثة المطمئنة:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾
لم يقل: علينا، لن يصيبنا، لن: لتأبيد النفي.
آية رابعة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾
هذه: لا تخافوا ولا تحزنوا: كلمتان: فيهما الماضي والحاضر والمستقبل, لا تخافوا من المستقبل؛ الخوف من المجهول، الخوف على الصحة، الخوف على الرزق، الخوف من خطر مجهول، ولا تحزنوا على ما مضى، ما مضى فات.
آية خامسة:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
الأمن وحده للمؤمن، والأمن ليس عدم وقوع مصيبة، بل عدم توقع مصيبة، لأنك من خوف الفقر في فقر، وفي خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها.
الدليل من السنة :
ثم يأتي الحديث الشريف، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:
((بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ, فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي: مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
ما يتمتع به المؤمن :
أيها الأخوة, يتمتع المؤمن بشعور بالأمن يفتقر إليه معظم أهل الأرض، ولو أن الأمن يشترى لاشتراه أناس بكل ما يملكون، قضية القلق والخوف من المجهول، والخوف من مرض خبيث، والخوف من ورم بالثدي، والخوف من ورم في مكان معين، والخوف من أن يذهب الرجل، وأن تلغى هذه التجارة، وأن تسحب الشركة هذه الوكالة، هذه المخاوف تنتاب معظم الناس، وحينما يحل الإنسان مشكلة الخوف بمزيد من الاحتياطات, قال عليه الصلاة والسلام:
((يؤتى الحذر من مأمنه))
قال تعالى:
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾
مشاعر الخوف والقلق والحزن:
مع الله ليس هناك ذكي، لكن هناك مستقيم، مهما كان الإنسان عاقلاً ذكياً, يؤتَ من مأمنه، أحياناً يفرّ الإنسان من الموت، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾
هو يظنه إنسانًا أصيب بأزمة قلبية، فيغلب على ظنه القطعي أنه ميت بأزمة قلبية قادمة، يفاجأ أنه يموت بحادث، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾
مشاعر الخوف والقلق والحزن، الخوف من معلوم أو من مجهول، الخوف من شيء قريب أو من شيء بعيد، السأم، الضجر، الملل, كله سببه ضعف إيمان بالله.
الإيمان والاستقامة والشكر:
الذي آمن حق الإيمان، واستقام على أمر الله، وشكر حق الشكر، فوظف النعم التي أعطاه الله إياها في خدمة المؤمنين، هذا تغطيه الآية:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
ثم إن الذي قال: ربنا الله ثم استقام تغطيه الآية:
﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾
ثم الذي آمن، ولم يلبس إيمانه بظلم تغطيه الآية:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
والذي عبد الله، ولم يشرك به شيئاً، فاستقام على أمر يغطيه الحديث الشريف:
((... مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
ما هما النعمتان المتوفرتان للمؤمن دون؟ :
فقضية الأمن مطلب أهل الأرض، ستة آلاف مليون في الأرض لو شققت على صدورهم ليس عندهم من طلب ملحٍّ إلا السلامة والأمن والسعادة، السلامة والسعادة، السلامة: عدم توقع الخطر، بمعنى أوسع: أمن الأمن والسعادة، وهاتان النعمتان متوافرتان للمؤمن، والله سبحانه وتعالى يؤكد هذا في آية سادسة:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
الحياة الطيبة حياة آمنة، حياة فيها توازن.
كيفية الخروج من المشكلة:
الآن: لو أن إنسانًا وقع في مشكلة، هي في الحقيقة علاج إلهي، وقع في مصيبة، وقد تكون مزعجة، وفيها تأديب إلهي كبير، ما الحل؟ يقرأ قصة سيدنا يونس، ما من مصيبة تفوق أن تجد نفسك في ظلمات ثلاث؛ في ظلمة الليل، وفي ظلمة أعماق البحر، وظلمة بطن الحوت :
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
أروع ما في القصة التعقيب، هذه القصة ليست قصة وقعت، ولن تقع، إنها قانون في أي مكان، وفي أي زمان، وفي أي عصر، وفي أي مصر، لمجرد أن تقول: يا رب, يقول لك : لبيك يا عبدي.
رمضان بمصطلحه الجديد:
شيء آخر أيها الأخوة: رمضان لعله بمصطلح جديد: إعادة تأهيل المؤمن، لعله دورة مكثفة، لعله شهر التوبة، لعله شهر الصلح مع الله، لعله في رمضان يفتح مع الله صفحة جديدة ، لعلك في رمضان إذا أحسنت صيامه، وأحسنت قيامه, خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
ولعله إذا قام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فشهر التوبة والمغفرة والصلح مع الله، وفتح صفحة مع الله جديدة، وشهر إعادة التأهيل، بل هو دورة مكثفة، دورة صحية أيضاً لهذا الجسم، وفي أبحاث سمعت عنها، وقرأت بعضها, تكاد لا تصدق من آثار الصيام على تأهيل الجسم وأجهزته، وصيانته من كل عطب، لكن الإنسان حينما يصوم من أجل صحته ما عبد الله، نصوم لأن الصيام فرض، ونحن نخضع لله غاية الخضوع، لكن ما من أمر إلهي إلا وفيه فوائد لا تعد ولا تحصى.
فأسأل الله أن يكون هذا الشهر الكريم لنا جميعاً شهر توبة، وشهر عودة، وشهر إقبال، وشهر صلح مع الله، وشهر إعادة تأهيل، وشهر دورة مكثفة، وشهر سعادة روحية، من ذاق عرف:
فلو شاهدت عيناك من حســننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
و لو ذقـت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
ولـو نسمت من قربنا لك نسمة لكنت غريباً واشــتياقاً لقربنا