- أحاديث رمضان
- /
- ٠06رمضان 1420 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
شهادة الله للإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ لو أردنا أن نطلب شهادةً من إنسان، نسأله: هل كنت معه؟ هل رأيته يفعل كذا؟ يقول لك: نعم أو لا. فالإنسان كيف يشهد؟ ينطق، يقول لك: رأيته يفعل كذا، أو لم أكن معه. لكن إذا وردت آية في القرآن الكريم تبيِّن أن الله يشهد، فربنا كيف يشهد لنا؟
الله جلَّ جلاله لا تدركه الأبصار، ولا نستطيع أن نراه، ولا أن نسمعه، طبعاً كلَّم الله موسى تكليماً، أما عامَّة المؤمنين فكيف يستمعون إلى شهادة الله عزَّ وجل؟..
﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾
كيف يشهد الله لنا؟ العلماء قالوا: يشهد الله لنا بأفعالنا، أمرك أن تكون مستقيماً، فإن لم تستقم عاقبك في الدنيا، عقاب الله عزَّ وجل من شأنه، وفعله شهادته لنا أن هذا القرآن كلامه، فلو أن مؤمناً قرأ قوله تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
كيف يشهد الله لهذا المؤمن أن هذا القرآن كلامه؟ الحياة الطيبة التي يحياها، والتي هي صارخةٌ بشكلٍ واضحٍ جداً ؛ نفسه مرتاحة، قلبه مطمئن، أموره ميسَّرة، يشعر بغنى في نفسه، هذه الحياة الطيّبة التي يحياها المؤمن هي في الحقيقة شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه،وحينما يقصِّر الإنسان في واجباته تجاه ربه، وحينما يقع في خطأٍ في منهج الله عزَّ وجل، ويعيش حياةً ضنكاً، حياته فيها انقباض، قلبه فيه انقباض، أموره معسَّرة، في بيته جحيم، في عمله توجد مشكلات، هذه المعيشة الضَنْك التي يحياها هي شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه.
وحينما تُقْرِض قرضاً حسناً، ويأتيك رزقٌ خفيٌ لا تعلمه، فهذا الرزق الكثير الذي لا تعلمه وقد جاءك من دون جهدٍ منك، إنما هو شهادة الله لك، على أن قوله تعالى:
﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾
هذه شهادة، وحينما يُمْحَقُ مال المُرابي وهو ذكيٌ جداً، ويستثمر أمواله بطرائق عجيبة، ومع كل هذا الذكاء يُتْلَف ماله لأسبابٍ تافهة، فإذا قرأ قوله تعالى:﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾
محق ماله لأسبابٍ تافهةٍ جداً، شهادة الله له أن هذا القرآن كلامه.أفعال الله عزَّ وجل هي شهادته لعباده :
بل إن بعض العلماء يقول في قوله تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾
ما معنى﴿ يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾
؟ تأويل القرآن الكريم وقوع الوَعْد والوَعيد، الله عزَّ وجل لا تدركه الأبصار، ولكن تصل إليه العقول، فربنا عزَّ وجل يفعل، أيْ مثلاً: حينما وقع زلزال في تركيا، وحينما نُشرت صوَر في كل وسائل الإعلام، مركز الزلزال في (إزميت) وهي مدينةٌ ضخمةٌ، في مركزها مسجدٌ له مئْذنةٌ عملاقة، وحول المسجد معهدٌ شرعي، أيعقل أن يُدمَّر كل شيءٍ حول هذا المسجد ويبقى المسجد قائماً؟ قيل: إن هذه الصورة أثارت مشكلاتٍ في أوروبا وأمريكا، مشكلات كبيرة جداً، فما تفسير ذلك؟ هنا مركز الزلزال، وبعلم الهندسة أول شيءٍ ينبغي أن يقع إذا جاء الزلزال البناء العالي، والذي قاعدته قليلة، فالمآذن العثمانية صغيرة جداً من حيث القاعدة وعملاقة، فهذه شهادة الله للناس، وكأنها رسالة الله إلى الناس. فالله عزَّ وجل يشهد بأفعاله، فدائماً الحياة الطيبة والمعيشة الضنك، والتيسير والتَعْسير، ونماء المال بالقَرْض الحسن، وإتلافه بالقرض الربوي، هذه كلها شهادة الله للمؤمنين بأن هذا القرآن كلامه.وأنت راقب تجد أفعال الله عزَّ وجل عجيبة، فأحياناً الفعل الإلهي يبدو واضحاً لدرجة أن الكفار يختلّ توازنهم، فهذا من فعل الله عزَّ وجل، الله عزَّ وجل يشهد بأفعاله، لو فرضنا كمثل بسيط أنت واقف على ميناء بَحَري، وجدت شخصاً حجمه صغير، قال لك: أنا مدير الميناء كله، معقول؟! قال لك: أعطك دليلاً؟ انظر إلى هذه الباخرة العملاقة التي حمولتها مليون طن، باتصالٍ لاسلكي الآن أعيدها إلى الميناء، فعلاً دخل لغرفته وأجرى اتصالاً، فإذا بهذه الباخرة العملاقة غيَّرت اتجاهها وعادت. تغيُّر مسار هذه الباخرة العملاقة باتصال من قِبَل هذا الإنسان الذي لم يملأ عينيك، معنى ذلك أنه فعلاً مدير الميناء، وأن له سلطة على هذه الباخرة. فأفعال الله عزَّ وجل هي شهادته لعباده..
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
فأنت افعل ما تشاء، لكن أفعال الله سوف تشهد لك إن كنت على حق أو على باطل، أحياناً يفترق شريكان، أو يختلف زوجان، يا ترى من هو المظلوم ومن هو الظالم؟ كيف يشهد الله لنا أن هذا الزوج هو الظالم وأن الزوجة مظلومة أو العكس؟ تجد الطرف المظلوم يوفَّق توفيقاً كبيراً، فتوفيق الله له دليل أنه معه، ومَحْقُ مال الأول دليل أن الله ليس معه، فأنت لو راقبت أفعال الله عزَّ وجل تجد أنها كافيةٌ كي تعرِف كل شيء، بل إنه لو لم يكن هناك كتابٌ وسُنَّة ، أفعال الله وحدها كتابٌ وسُنَّة، تجد المستقيم له معاملة خالصة، والمنحرف له معاملة خاصة، بل إنَّ الله عزَّ وجل حينما يقول:﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
أيْ لو أنه يستوي المستقيم مع المنحرف، لو يستوي الصادق مع الكاذب، لو يستوي المُخْلِص مع الخائن، لو يستوي المُحْسِن مع المسيء، لو يستوي المُنْصِف مع الجاحد، لو أنهما يستويان لكان الوضع عبثاً، قال تعالى:﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
فأكبر دليل، ومن أروع ما قاله بعض العلماء: نحن نعرف كلنا أن الإيمان باليوم الآخر إيمان تصديقي وليس تحقيقياً، أي أنَّ الله أخبرنا أن هناك يوماً آخر، وهناك جنة، وهناك نار، وهناك حساب، وهناك صراط، وهناك حوْض، لكن هذا العالِم " ابن القيِّم " يرى أن الإيمان باليوم الآخر هو إيمانٌ تحقيقي، أصله عقلي، الدليل أنه لا يُعقل أن تنتهي الحياة هكذا، مثلاً أمة عاشت على أنقاض أُمَم، وتنتهي الحياة! انتهى كل شيء.إنسان عاش على أنقاض الناس، بنى مجده على أنقاضهم، بنى حياته على موتهم، بنى أمنه على خوفهم، بنى غناه على فقرهم، ويموت بعد عمرٍ مديد وينتهي الأمر هكذا؟! وإنسان ذاق الأَمَرَّيْن ويموت وانتهى الأمر؟ هذا لا يستقيم في المَنْطِق إطلاقاً، لابدَّ من يومٍ تسوّى فيه الحِسابات، لابدَّ من يومٍ يدفع الإنسان ثمن اختياره باهظاً، هذا اليوم يوم التسوية، يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الدينونة، أي..
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾
.﴿ الْحَاقَّةُ*مَا الْحَاقَّةُ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾
﴿ فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾
هذا اليوم لابدَّ منه، لذلك لسيدنا علي قول: " الغنى والفقر بعد العرض على الله ". لا تسمى غنياً إلا بعد العرض على الله، ولا فقيراً إلا بعد العرض على الله، الغني من كان مستقيماً على أمر الله.معرفة الله عزَّ وجل تكون عن طريق خَلْقِهِ و أفعاله :
أيها الأخوة الكرام؛ ربنا عزَّ وجل يشهد لنا أن هذا القرآن كلامُه من خلال أفعاله. بالمناسبة معرفة الله عزَّ وجل تكون عن طريق خَلْقِهِ، وعن طريق كلامِه، وعن طريق أفعاله. عن طريق خلقه: تفكر في خلق السماوات والأرض تسير في معرفة الله، وعن طريق كلامه تدبَّر آياته القرآنية، وعن طريق أفعاله..
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
تجد زلازلاً، براكين. فقد سمعت خبراً وقرأته ثم تأكدت منه، كل السدود التي في حارتنا الشمالية مهددة أن تدمِّر قُرى بأكملها إذا جاء زلزال آخر، فأفرغوها وامتلأت سدودنا، فهذا قهر، كانوا يقننون تقنيناً ليس له حدود، الآن اضطروا أن يفرغوا سدودهم كي لا تُدمَّر بلادهم، الله عزَّ وجل وهو القاهر فوق عباده، فهذا الذي مُنْعنا منه، الآن عندنا مياه - كما سمعت وهي أخبار ثابتة - أن السدود امتلأت كلها بسبب أنهم خافوا أن تُدَمَّرَ قُراهم لو جاءت موجة زلازل أخرى، الله أفعاله عجيبة جداً، فأنت دقق فقط، ولا تمرر الحدث تمريراً عفوياً، قف عنده تجد الله عزَّ وجل قاهراً فوق عباده.أحياناً أكبر قاعدة بحرية، سهرة حمراء حتى الساعة السادسة صباحاً، ضباط من اليهود بأمريكا، هذه القاعدة البحرية بعد الزلزال لم يبقَ منها أثر، مئتان وثمانون ضابطاً بحرياً مع ضيوف أمريكيين ويهود دمِّرت عن آخرها، غاصت في البحر، الله له أفعال كبيرة، فأنا لا أنسى أن بتاريخ تركيا الحديث قيل في البرلمان إننا حاربنا الله، وحاربنا رسوله، وحاربنا الحجاب، فعاقبهم الله عزَّ وجل. هذا قيل في البرلمان.
لو راقبت أفعال الله لعرفت كل شيء، هذه شهادة الله، الله عزَّ وجل يشهد بأفعاله. فالمستقيم الله يكرمه، والمنحرف الله يعاقبه، الصادق الله يرفع شأنه، والكاذب يفضحه، الذي ينضبط في مجال يرفع ذِكْرَهُ، والذي لا ينضبط يكشف أمره، هذه واحدة.
جحود أهل الكفر وعدم إيمانهم :
الشيء الثاني: يوجد عندنا معرفة فطرية، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾
بربكم هل هناك معرفة في حياة الإنسان أسرع، وأوضح، وعفويَّة، وأكيدة كأن يعرف الأب ابنه؟! ممكن يقول الأب لابنه: ما هو اسمك؟ أرني هويتك؟ هذه مستحيلة، الأب يعرف أبناءه، قال:﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾
ومع ذلك لم يؤمنوا، الحق مثل الشمس، قال:﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾
فالحق وجوده قوي جداً كأشعة الشمس مبدئياً، نور الله أشدّ، أما أشعة الشمس فمن يستطيع أن يُنْكِرَها إذا الشمس ساطعة؟ ولا نحبها ساطعة في هذه الأيام، إذا الشمس ساطعة من يُنكر سطوعها؟ لا أحد، الحق هكذا، الحق واضح، والنبي عليه الصلاة والسلام في سُنَّتِهِ أيضاً واضح، ومع ذلك يَجْحدون.الغيب لا يعلمه إلا الله :
آخر نقطة: النبي عليه الصلاة والسلام في عدة آيات يتحدث عن نفسه، فإذا النبي الكريم بهذا المستوى، هل يستطيع إنسان كائناً من كان أن يزيد عن هذا المستوى؟ لا يقدر، يقول الله عزَّ وجل:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
ممكن إنسان يقول لك: أنا لا تضرني معصية؟ يكون دجَّالاً، لا تصدق إنساناً يقول لك: أنا لا تضرني معصية، إذا كان سيّد الخلق وحبيب الحق يقول:﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
فمن أنت؟ فإذا قال النبي الكريم:﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ﴾
فمن أنت حتى تقول: أنا أرى كذا وكذا في المستقبل؟ إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغَيْب، هذا سقف، فكل من ادعى أنه يعلم الغيب فهو كاذبٌ دجَّال، لا يعلم الغيب إلا الله.الآن إذا طمأنك إنسان فقال لك: لا تخف أنا أدافع عنك يوم القيامة، ضعها في رقبتي مثلاً، هذا الكلام دجل، لأن النبي يقول:
﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ﴾
ليس بيدي. والأبلغ من هذا:﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾
فإذا كان النبي لا يملك لنفسه فمن باب أولى ألا يملك لغيره، هذه حالة ثالثة أنه لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً، فإذا إنسان دون النبي ادّعى لك أنه يملك النفع والضر، معنى هذا أنه دجال، كذَّاب، هذا السقف، السقف هكذا ولكن الفعل فعل الله..﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
قل لا أعلم الغيب،﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا﴾
هذا مقام النبوة، فأي مقامٍ آخر هو دونه، لو قرأت كتاباً، أو قرأت عن عالمٍ، أو عن شيخٍ أنه يحفظ أخوانه. قيل: شخص دفن، فلما جاءه أنكر ونكير، تلقيا رفسةً أُخْرِجا بها إلى خارج القبر، لأن شيخه جاء وقال لهما: هذا من أخواني، أمثل هذا يُسأل؟ ما هذا الكلام؟!! النبي قال:(( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل ))
" استغفروا لأخيكم.. " وهو سيد الخلق، فنحن عندنا مقاييس، الإنسان إذا قرأ بدقة صار عنده مقاييس، فأي قصة يرفضها، أما الساذج فهو يصدق كل شيء يسمعه، هذا كلام، تحتاج إلى منهج تلق، تحتاج إلى منهج في ضوئه تقبل أو ترفض، فإذا كان النبي الكريم لا يعلم الغيب، ولا يملك لنا ضراً ولا نفعاً، ويخاف إن عصى ربه عذاب يومٍ عظيم، فأيّ إنسان يدَّعي خلاف ذلك فهو كاذب، وهو دجال، ابقَ في حدود كتاب الله وسُنة رسوله.الابتعاد عن القصص التي تصيب الإنسان باليأس :
الآن توجد قصص تسمعها تصيب باليأس، أن أحد العلماء الكبار لابدَّ من قطع رجله، قال: اقطعوها وأنا في الصلاة، ما شعر إطلاقاً، قُطِعَت رجله ولم يشعر، عندما صلى النبي وسمع بكاء طفل، ما عرف لماذا أسرع في صلاته؟ معنى هذا أنه يعلم ما حوله، هذه القصة ميَئِّسة، معنى هذا أن هذه القصة غير صحيحة. وهذا الإمام أبو حنيفة - هكذا يُروى عنه - أن أربعين سنة صلى الفجر بوضوء العشاء، أي لا ينام، هل تستطيع ألا تنام يومين؟ عندما تتكلم بشيء غير واقعي فكلامك هذا مرفوض.
أو صلى القرآن بركعة واحدة، بركعتين، القرآن يحتاج إلى أربعين أو ثلاثين ساعة، أين بقي الظهر والعصر والمغرب والعشاء؟ أين ذهبت الصلوات الخمس؟ إذاً هذه القصص غير صحيحة، هذه كلها قصص ميئِّسة، النبي صلى، وإذا حدث شيء حوله يعلم، فلما بكى طفلٌ صغير أسرع في صلاته رحمةً بأمه، هكذا صلاة النبي، كان أخف الناس صلاةً في تمام، اللهمَّ صلِّ عليه، فلا أحد يعمل على النبي مزاودة إطلاقاً، النبي هو سيّد الخلق وقال:
(( أشدكم لله خشيةً أنا: أنام وأقوم ))
كن واقعياً، كيف لا تنام أربعين سنة؟ يومان كاملان لا تنام فيهما يختل توازنك، فمعنى هذا كل شيء غير صحيح، هذا قرأ القرآن بركعة، وهذا لم ينم الليل أربعين سنة، وهذا صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، هذه كلها قصص ميئِّسة، فتصير بذلك أنت لا شيء، هذا المنهج لمن؟ لأشخاص ملائكة؟ لا، إنه للبشر، المنهج لنا، فإذا أنت صليت صلاة طبيعية، وشعرت بخشوع هذه هي الصلاة التي أرادها الله عزَّ وجل.قيل إن لصاً دخل إلى بيت رجل صالح جداً، خلع عنه ثيابه ولم يشعر، من شدة صلته بالله عزَّ وجل، فلما علم أنه صالح أراد أن يعيد عليه ثيابه، فدخل عليه مرة ثانية أثناء الصلاة وألبسها له. شخص ينزعون عنه عباءته، أو ينزعون له ثوبه ولا يشعر لأنه بالصلاة !! يعطيك صفات عن الصلاة غير واقعية، أنت تحتقر صلواتك أمام هذه الصلوات، فأنا أريد ألا تنطق إلا بالواقع، الواقع أقوى شيء.
منهج الله عزَّ وجل واضح و الحق لا يخشى البحث :
أيها الأخوة؛ الحق لا يخشى البحث، الحق لا يحتاج أن تكذب له، لا يحتاج أن تكذب عليه، لا يحتاج أن تُضَخِّمَهُ، هو أقوى من ذلك، لا يحتاج أن تصغر خصومه، الحق هو الله عزَّ وجل، لا يحتاج الحق لا إلى مبالغة، ولا إلى تضخيم، ولا إلى كذب، ولا إلى اختلاق، هذا منهج واقعي، يقول عليه الصلاة والسلام:(( أشدكم لله خشيةً أنا، أنام وأقوم، أصوم وأفطر، أتزوج النساء، آكل اللحم، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي ))
نريد منهجاً إسلامياً، واقعياً، يُطبَّق في كل مكان، وفي كل زمان، يطبقه الإنسان فيرقى، أما توضع أمام حالات غير واقعية، فإذا أنت صدقت هذه الحالات، وقست صلاتك إلى هذه الصلوات، معنى هذا أنك لا تصلي، هذا الذي أتمناه على أخوتنا الأكارم أن يكون عنده منهج، يكون عنده موازين، فأي قصة خلاف الواقع، كأن يقول أحدهم: إنه كلما بذل جهداً أكبر له أجر أكبر. المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها، لو شخص غني بدلاً من أن يركب طائرة ذهب مشياً إلى الحج، هذا ليس له أجر أبداً، لأن هذه المشقة هو صنعها بنفسه، أما إذا كان هناك ازدحام أثناء الطواف وتعب، فلا يوجد مانع، فهذه مشقة فرضتها عليه العبادة، أما أن يخلق هو مشقة باختياره، فهذا خلاف المنهج، رأى النبي شخصاً في شمس فقال :من هذا؟ قيل له: نذر أن يبقى في الشمس. قال: مروه فليتحول إن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه، ممنوع تعذب نفسك باختيارك، أما إذا كان هناك ظرف صعب، عبادة صعبة، وقد فُرض عليك ذلك، مرحباً بهذه المشقَّة، أما أن تختارها أنت فليس هذا من الدين، منهج الله عزَّ وجل واضح، والكتاب واضح، والسنة واضحة، وهما مقياسان أساسيان، وأي شطحٍ، وأيَّةُ زيادةٍ، وأي مبالغةٍ، هذا مرفوض.