- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (041)سورة فصلت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
استئثار الله سبحانه وتعالى بعلم الساعة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الحادي عشر والأخير إن شاء الله تعالى من سورة فصِّلت، ومع الآية السابعة والأربعين، وهي قوله تعالى:
﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)﴾
في هذه الآيات الأخيرة من سورة فصِّلت يبيِّن الله سبحانه وتعالى أنه استأثر بعلم الساعة، أي أن علم الساعة متى وقوعها لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والبشر لا يعلمون الغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله.
الغيب ثلاثة أقسام:
والغيب أيها الإخوة قسَّمه العلماء إلى أقسامٍ ثلاث: غيب الماضي، وغيب الحاضر، وغيب المستقبل.
من أسباب إعجاز القرآن الكريم أنه أخبرنا عن غيب الماضي، وأنه أخبرنا عن غيب الحاضر، وأنه أخبرنا عن غيب المستقبل، لكن الله سبحانه وتعالى وحده يعلم الغيب، فإذا أعلَمَنا به النبي عليه الصلاة والسلام فهذا من إعلام الله للنبي عليه الصلاة والسلام، النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب بذاته، بل بإعلام الله له، هذه حقيقة.
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ
هذه القصص التي وردت في القرآن الكريم من غيب الماضي، والذي ذكره القرآن الكريم.
﴿
هذا غيب المستقبل، وقد وقعت هذه المعركة، بل إن في هذه الآية إعجازاً إخبارياً مستقبلاً، وفي الآية إعجازٌ علمي، لأن أدنى نقطةٍ في الأرض هي غَوْر فلسطين، الغور الذي ينخفض عن سطح البحر مئات الأمتار، وقد تمَّت المعركة بين الفرس والروم في هذا الغَور، ولا يعلم أحدٌ إلا منذ أمدٍ قصير أن هذه النقطة أخفض نقطة على سطح الأرض، لذلك قال تعالى:
وأما إعجازه الإخباري فإخباره عن قصص الأنبياء السابقين، وعن شيءٍ وقع بعيدًا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، هذا غيب الحاضر، وعن شيءٍ سيقع في المستقبل، هذا غيب المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله.
العالَم عالمان؛ عالَم مشهود وعالم غيبي:
لكن الإنسان الذي يعيش في منطقةٍ ما يشهد الوقائع التي تجري أمامه، فهذا الواقع بالنسبة إليه عالَم مشهود، فالعالَم عالمان؛ عالَم مشهود، وعالم غيبي، فالذي تعيشه أنت، تعاصره، تراه بعينيك وبحواسِّك، هذا عالم الشهود بالنسبة إليك، أما من ابتعد عن هذا المكان فهو غيبٌ بالنسبة إليه، لكنه غيب الحاضر، الذي وقع في الماضي، ولا تعلم كيف وقع هذا غيب الماضي، لكن غيب المستقبل لا أحد على وجه الأرض يعلمه إلا الله، ومن أبرز أحداث المستقبل علم الساعة، نهاية العالم:
(( كنَّا جُلوسًا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فجاءَ رجلٌ شديدُ بياضِ الثِّيابِ شديدُ سَوادِ شعرِ الرَّأسِ لا يُرَى علَيهِ أثرُ سَفرٍ، ولا يعرفُهُ منَّا أحدٌ، فجلسَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فأسندَ ركبتَهُ إلى ركبتِهِ ووضعَ يدَيهِ علَى فخِذيهِ، ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ ما الإسلامُ؟ قالَ: شَهادةُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنِّي رسولُ اللَّهِ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وصَومُ رمضانَ، وحَجُّ البَيتِ، فقالَ: صدَقتَ، فعجِبنا منهُ يسألُهُ ويصدِّقُهُ ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ ما الإيمانُ؟ قالَ: أن تؤمِنَ باللَّهِ وملائكتِهِ ورسلِهِ وكتبِهِ واليومِ الآخرِ والقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ، قالَ: صدَقتَ فعَجِبنا منهُ يسألُهُ ويصدِّقُهُ، ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ ما الإحسانُ؟ قالَ: أن تعبدَ اللَّهَ كأنَّكَ تراهُ فإنَّكَ إن لا تراهُ فإنَّهُ يراكَ،
أحد الأئمَّة الكبار، وهو الإمام مالك رأى في المنام ملك الموت، قال:
مادام القلب ينبض فباب التوبة مفتوح:
لذلك الإنسان لا يعلم متى الساعة، فإذا أردت أن تفهم الساعة يوم القيامة، وإن أردت أن تفهم أن الساعة ساعة الإنسان، لكلٍ منا ساعة، يا ترى متى؟
متى الساعة؟ متى ينتهي أجلي؟ في أي سن؟ في أي يوم؟ في بيتي أم خارج بيتي؟ في حضرٍ أم في سفر؟ في الليلٍ أم في النهار؟ على أي طريقةٍ أموت؛ بمرضٍ؟ بحادثٍ؟ لا أحد يعلم، وما دمنا لا نعلم ينبغي أن نستعدَّ لهذا الحدث الذي لابدَّ منه، وما رأيت عاقلاً أعقل ممن يستعد للقاء الله تعالى، بالاستقامة على أمره، وبالأعمال الصالحة، وبالتوبة إليه، وباب التوبة مفتوحٌ للإنسان ما لم يغرغر.
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ
أي المؤمن العاقل يبادر من فوره إلى التوبة إلى الله.
ابن آدم، لا تعجز، ادعني أجبك، استغفرني أغفر لك، ولا تنسوا هذا الحديث الشريف الصحيح الذي يصف فيه النبي عليه الصلاة والسلام ربه فيقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( إذا كان ثُلُثُ الليلِ أو شَطْرُه يَنزِلُ اللهُ إلى سماءِ الدنيا فيقولُ: هل من سائلٍ فأُعطيَه؟ هل من داعي فأستجيبَ له؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه؟ هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له؟ حتى يَطْلُعَ الفجرَ. ))
أي يجب على الإنسان ألا يضيع الفرصة، أن باب التوبة مفتوح، مادام القلب ينبض فباب التوبة مفتوح، والصلح مع الله يسيرٌ جداً، "إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنِّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله".
(( عن أنس بن مالك قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا ابنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي
﴿
عندما أغفل ربنا عزَّ وجل عنا علم الساعة أو أخفى عنا علم الساعة، لك أن تقول: ساعة يوم القيامة، ولك أن تقول: ساعة نهاية الحياة، هذه الساعة مُغيَّبةٌ عنَّا، وأقرب الساعتين إلينا ساعة الموت.
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)﴾
العاقل مَن يستعد لساعة الحقيقة:
هذه الساعة الإعداد لها هو قمة العقل، قمة الذكاء، قمة التوفيق، قمة النصر، قمة التفوُّق، قمة الفلاح، قمة الفوز، قمة العقل أن تعد لهذه الساعة عُدَّتها، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ.))
أخشى ما يُخشى على الإنسان أن يستهلكه الزمن، وأن تستهلكه همومه ومتاعبه ومشاغله، من همٍّ إلى همٍّ، من إنجازٍ إلى إنجاز، من موعدٍ إلى موعد، من لقاءٍ إلى لقاء، من مشكلةٍ إلى مشكلة، من مطبٍ إلى مطب إلى أن يأتي أجله، فيذهب إلى الدار الآخرة صفر اليدين، وكل شيءٍ تَعِبَ فيه في الدنيا خلَّفه في الدنيا، دقِّقوا، أندم الناس رجلٌ دخل ورثته بماله الجنَّة، ودخل هو بماله النار.
المال نفسه حصَّله هذا بطريقةٍ غير مشروعة، وضيَّع من أجل هذا المال دينه وآخرته فاستحق دخول النار بهذا المال الذي كسبه، فجاء ورثته - أبناؤه - كسبوه حلالاً، وأنفقوه في الطريق المشروع، فاستحقوا دخول الجنة، فأندم الناس رجلٌ دخل ورثته بماله الجنَّة، ودخل هو بماله النار، والميِّت ترفرف روحه فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي، لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلَّ وحرم، فأنفقته في حلِّه وفي غير حلِّه، فالهناء لكم، والتبعة عليّ،
انعقاد الثمرة بأمر الله عزَّ وجل:
شيءٌ آخر يُردُّ إليه:
لكن انعقاد الثمرة شيء لا يصدَّق، أي ربنا عزَّ وجل جعل النبات آيةً من آياته الدالَّة على عظمته، ظاهرة النبات أن هذا النبات الأخضر،
أن هذه الورقة الخضراء فيها من العجائب ما لا يُصدَّق، الورقة الخضراء معملٌ، أعظم معمل صنعه الإنسان يبدو أمامها سخيفاً، تافهاً، مبتذلاً.
الآن أعظم معمل صنعه الإنسان يبدو أمام الورقة الخضراء عملاً سخيفاً بسيطاً، لأن هذه الورقة تأخذ من التربة ما يزيد عن ثمانية عشر معدناً مذابًا في الماء عن طريق الجذور، وعن طريق النسغ الصاعد، وتأخذ من الشمس طاقتها الحراريَّة - الفوتونات - وتأخذ من الهواء ثاني أوكسيد الكربون، وفيها مادة اليخضور، وفيها شيلات الحديد، هذه الورقة بتفاعلاتٍ عديدةٍ عجيبة يصعب على العقل فهمُها، تصنع الورقة نسغاً آخر ينزل، هذا النسُغ سائل موحَّد يسهم في تصنيع الجذور، وتصنيع الجذع، وتصنيع الفروع، وتصنيع الأغصان، وتصنيع الأوراق، وتصنيع الثمار والأزهار، فانعقاد الثمرة في أكمامها بيد الله سبحانه وتعالى.
النبات آيةٌ من آيات الله الدالَّة على عظمته:
الشيء الذي يلفت النظر هو أن هذه البذرة فيها خصائص الثمرة، وقد تزيد الخصائص عن مئة خاصَّة، كلها في البذرة على شكل أوامر مُبَرْمَجَة، تقول: هذا النبات يقاوم المرض الفلاني، وهذا النبات يقاوم البرد، وهذا النبات إنتاجه مبكِّر، وهذا النبات إنتاجه حامضي، وهذا النبات نسيجه كثيف، وهذا النبات ماؤه كثيف، وهذا النبات من أجل العصير، وهذا النبات من أجل المائدة، أي أنواع منوَّعة جداً جداً في كل نبات يخلقه الله سبحانه وتعالى.
يكفي أن من أصناف القمح ما يزيد عن ثلاثة آلاف وخمسمئة نوع، يكفي أن أنواع العنب تزيد عن ثلاثمئة، يكفي أن كل محصولٍ وكل نباتٍ أنواع منوَّعة ترضي كل الأذواق، التفَّاح مثلاً كم نوعاً؟ الدرَّاق كم نوعاً؟ القمح كم نوعاً؟ هناك نوع قاس، نوع ليِّن، نوع يصلح للصناعة، نوع يصلح للخبز، فكل نوع له خصائص.
على كل هذا العلم؛ إنبات النبات، انعقاد الثمار في أكمامها هذا يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، هو الرزَّاق، وهذه ظاهرة وعلى مستوى البلاد كلِّها، يقول لك: هذه السنة المحصول الفلاني جيد جداً على مستوى كل المحافظات، هذه السنة المحصول الفلاني ضعيف جداً، في بعض السنوات الذين ضمنوا بعض الفواكه، دفعوا ثمن الكيلو في تقديرهم عشر ليرات، بيعت هذه الفاكهة بخمس ليرات لوفرة الإنتاج، فلذلك انعقاد الثمرة تعود إلى الله سبحانه وتعالى.
حمل الأنثى للجنين بيد الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾
أي الذي يحدِّد نوع الجنين ليست الأنثى لكنه الرجل، على كل بحث انعقاد الحمل في رحم الأنثى بحثٌ طويل.
التفكُّر في خلق الإنسان من أرقى العبادات:
لكن الشيء الذي يلفت النظر هو أن هذه الحوين الذي تصنعه الغُدَد الخاصة به يجري إعداده في ثمانية عشر يوماً، الحوين يُعدُّ في الغدَّة الخاصَّة به لفترةٍ طويلة، ولكن قبل أن ينتقل من مكان إعداده إلى مكان فاعليَّته تُجرى عليه عمليَّةٌ بسيطة حتى يصبح فعَّالاً.
هذه النطَف ثلاثمئة مليون حوين في اللقاء الواحد، كل حوين له رأسٌ، وله عنقٌ، وله ذنبٌ، وهذا الحوين فيه معلومات لتشكيل الجنين تزيد عن خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، لك أن تسميها مورِّثات، أو تسميها صبغيات، أو تسميها معلومات تسهم في تشكيل هذا الجنين، كل صفات الجنين؛ صفات جلده، وصفات شعره، وصفات أعضائه، وعضلاته، ولونه، حتى خصائصه الداخليَّة؛ خصائص دمه، وكبده، وقلبه، هذه الخصائص تزيد عن خمسة آلاف مليون معلومة، لو أردنا أن نكتبها في كُتُب لكانت مكتبة بأكملها لا تتسع لهذه المعلومات، كلُّها في حوينٍ، كل ثلاثمئة مليون حوين لا تزيد عن سنتيمتر مكعَّب، والبويضة تحتاج إلى حوين واحد، يصل إلى البويضة أقواها، وفي رأس الحوين مادَّةٌ نبيلة مغلَّفةٌ بغشاءٍ رقيق، إذا اصطدمت بالبويضة تمزَّق الغشاء فأسهمت هذه المادة النبيلة بالوصول إلى داخل البويضة، تذيب جدار البويضة، يدخل هذا الحوين إلى البويضة، يُغلق الباب، وتصاب بقية هذه الحوينات بالإحباط، لقد انتقت البويضة أقوى هذه الحوَيْنات وانعقدت، وانعقد الحمل.
تنطلق البويضة من المبيض إلى الرحم، في أثناء انطلاقها تنقسم إلى عشرة آلاف خليَّة دون أن يزيد حجمها، ولو زاد حجمها لوقفت في الطريق، لأن الأنبوب دقيق جداً، فإذا وصلت إلى الرحم انغرست فيه، وهناك علومٌ والله لا يتسع لا هذا الدرس ولا مئة درسٍ لتفصيلها في علم الأجنَّة فقط، شيء لا يصدَّق.
كيف تغرس في جدار الرحم؟ كيف تأتي الدماء لتغذي هذه البويضة؟ كيف تتشكَّل أعضاؤه الأساسيَّة؟ كيف تطوَّر هذا الحمل إلى أن يصبح طفلاً جنيناً في تسعة أشهر، كاملاً؛ فيه دماغ، فيه جمجمة، فيه عمود فقري، فيه عضلات، فيه عظام، فيه جهاز هضم، فيه جهاز دوران، فيه جهاز تصفية، فيه غدد صمَّاء، فيه بنكرياس، فيه كبد، فيه شعر، فيه جهاز تناسلي، فيه جهاز بولي، فيه جهاز هضمي، فيه جهاز دوران، كل هذا من حوينٍ واحد، فالإنسان بإمكانه أن يعرف كيف خُلِق من خلق ابنه.
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
من دون حساب.
﴿
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)﴾
أيها الإخوة الكرام؛ التفكُّر في خلق الإنسان من أرقى العبادات، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)﴾
اعتراف الكفار بأن الله هو الواحد لا شريك له:
إذاً:
﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا
أي الذين عبدتموهم من دوني، الذين أشركتموهم معي، أين هؤلاء الشركاء؟ قالوا:
﴿
آذنَّاك أي أعلمناك ما منا من شهيد،
المؤمن يعرف الحقيقة وهو في الدنيا:
أيها الإخوة؛ من نعمة الله الكبرى على المؤمن أن الحقيقة التي يعرفها كل الخلق يوم القيامة، الخمسة آلاف مليون الذين يعيشون معنا الآن وهم في ضلالٍ عن هذه الحقيقة، الحقيقة التي سيعرفها الناس جميعاً يوم القيامة يعرفها المؤمن، وهو في حياته الدنيا، هذه أكبر نعمةٍ على الإنسان، لذلك قال بعض الصحابة وأظنَّه سيدنا عليّ بن طالب كرَّم الله وجهه:
أروع شيء أن يعرف الإنسان الحقيقة في الوقت المناسب، لكن إنساناً اعتنق مبدأ غير صحيح، ثم اكتشف في آخر حياته أن هذا المبدأ هدَّام، ليس له أصل في الواقع، مبدأ مُفْتَعَل، مبدأ شيطاني، أليست هذه خسارة كبيرة؟ أليس هذا إحباطاً لا يُحتمل؟
من طبيعة الإنسان أنه يحب الخير ولا يسأم منه:
أما طبيعة الإنسان:
﴿
دائماً يطلب الخير، يريد الصحَّة، يريد المال، يريد الجمال، يريد البيت، يريد الأثاث، يريد المَركبة، الدخل الكبير، العِزَّ العريض، الشأن الرفيع، هذا الخير؛ المال، والجمال، والقوة، والمَنَعَة، والأنصار، والأتباع، والأشياء الماديَّة المُبْهِجَة،
من طبيعة الإنسان أنه يكره الشرّ:
(( عجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ. ))
الكافر يطلب الدنيا، وإذا أصابته فيها مصيبة
الغافل ينسب الخير لنفسه:
الآن حالة ثالثة:
﴿
أصابه شبح مرضٍ عُضال، ثم أثبت التحليل أنه بريء من هذا المرض العضال، أصابه فقرٌ مدقع، ثم زال هذا الفقر، ونَعِمَ بدخلٍ كبير، أصابه همٌّ فزال ذلك الهم، أصابته مصيبة فانحسرت تلك المصيبة، قال:
الغافل لا يدخل الآخرة في حسابه:
استنباطات الجاهل الغافل:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾
﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)﴾
حال الإنسان قبل الإنعام غير حاله بعده:
الآن هذا الإنسان نفسه ربنا عزَّ وجل يحدِّثنا عن خصائصه:
﴿
كان يصلي فلم يعُد يصلّي، كان يحضر مجلس علم عندما كان فقيرًا، فلما اغتنى قال لك: والله ما عندي وقت، عندنا عمل فلا مجال للحضور، قبل الزواج كان يحضر، تزوَّج ألْهته الزوجة، واحتوته، وأنهته،
أيها الإخوة؛ دقِّقوا في هذه الكلمة: العمل الذي يستغرق كل وقتك عملٌ خاسرٌ حتماً، لأنه ألغى وجودك، ألغى رسالتك، ألغى مهمَّتك في الحياة، العمل الذي يستغرق كل الوقت هذا خسارةٌ كبيرة ولو درَّ عليك بأكبر رقم.
لا ينبغي للعاقل أن تشغله الدنيا عن الآخرة:
إخواننا الكرام؛ أحياناً يبحث الناس عن عمل، فيجدون عملاً يشترط صاحب العمل أن الدوام كامل حتى الساعة التاسعة، يلغي له كل الدروس، هناك إخوان صادقون لا يرضون بهذا، لا يقبل عملاً يلغي له طلبه للعلم، لا يقبل عملاً يلغي له هذه الساعات المباركة التي يكرمه الله بها، لذلك الذي يؤثر الله على الدنيا يأتيه عملٌ في المستقبل مريح، ويتيح له أن يطلب العلم، وبدخلٍ أكبر.
(( عن سالم عن أبيه مرفوعاً: ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه. ))
قال:
المؤمن راض عن قضاء الله والكافر ساخط:
قال:
قال لي طبيب يعمل في مستشفى، جاءهم مريض مصاب بمرض عضال، آلامه لا تحتمل، فهذا الرجل بعيدٌ عن الدين، ما من نبيٍ إلا وسبَّه سباباً لا يحتمل، رائحة كريهة، الغرفة قطعة من جهنَّم، إذا قرع الجرس لا يأتيه أحد اشمئزازاً منه، لحكمةٍ أرادها الله جلَّ جلاله في الغرفة نفسها جاء مريضٌ آخر مصابٌ بالمرض نفسه، وبالآلام نفسها، ولكنه يبدو أنه من أهل الإيمان، الطبيب الذي عالجه حدَّثني من فمه قال لي: والله يا أستاذ، كلَّما زاره زائر يقول له: اشهد أنني راضٍ عن الله، هذه كلمة مأثورة له، وما سمعنا صياحه، ولا صوته، ولا تأفُّفه، مع أنه كان يتحمَّل أصعب الآلام، وكلَّما جئته رأيت وجهه كالكوكب الدرِّي، أقسم لي إن له رائحةً كرائحة المِسك، إذا قرع الجرس يتدافع الممرِّضون لتلبية طلباته، وتوفَّاه الله بأحلى حالة، مرض واحد أصاب مؤمنًا، وأصاب غير مؤمن، وهذا النجاح يجعله في أعلى عليين، والدنيا لا قيمة لها.
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾
الإنسان قد يكون مبتلى أحياناً، لكن بطولته ليس في ألا يصاب بمرض، لكن بطولته إذا أُصيب بمرض أن يتقبَّله من الله عزَّ وجل بالرضا.
ذكرت لكم من قبل أن رجلاً كان يطوف حول الكعبة ويقول:
علامة إيمانك أن تستقبل قضاء الله وقدره بنفسٍ راضية، ألم يقل الله عزَّ وجل:
﴿
الحياة دار ابتلاء:
الحياة دار ابتلاء أيها الإخوة، الله يمتحنك بالمال وبالفقر، بالصحَّة والمرض، وبالقوَّة والضعف، وبإقبال الدنيا وبإدبارها، دائما ممتحَن، وأغلب الظن أنك ممتحنٌ في الحالتين دائماً.
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾
أتُمتحن المركبة بالطريق النازلة؟ لا، بالطريق الصاعدة، الامتحان الصعب هو الذي يثبت جدارة هذه الآلة، هذا الإنسان الغافل الجاهل،
المؤمن كلَّما زاده الله إكراماً زاد حباً له:
أيها الإخوة؛ والله الذي لا إله إلا هو إن المؤمن كلَّما زاده الله إكراماً زاد حباً لله، وزاد تواضعاً له، وزاد طاعةً له، وزاد ائتماراً بأمره، وزاد ذكراً له، وزاد خدمةً للناس، المؤمن كريم الأخلاق، أي إذا أكرمه الله يذوب شكراً، النبي الكريم كانت تعظم عنده النعمة مهما دقَّت.
ومرَّة ثانية أقول لكم أيها الإخوة: سهل جداً أن ينطلق الإنسان إلى الله بالمصيبة، ولكن بطولته تظهر في أن يذكر الله في الرخاء، ليس بك شيء، صحَّتك تامَّة، بيتك جيد، دخلك جيد، ليست لديك مشكلة في عملك، بطولتك وأنت في هذا الرخاء أن تنطلق إلى الله:
﴿
الإنسان لا ينتظر من الله تأديبًا، انطلق إليه قبل أن يحملك على أن تنطلق إليه، انطلق إليه طواعيةً، انطلق إليه مبادرةً، انطلق إليه حباً قبل أن يسوق الله للإنسان مصيبةً يجعله ينطلق إليه مقهوراً، وشتَّان بين أن تنطلق إليه باختيارك، وبين أن تنطلق إليه مقهوراً.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً غير هذا النموذج:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
إذا كان الإنسان بحالة طيِّبة، في بحبوحة، أموره ميسَّرة، ليس عنده مشكلة، وأراد أن تستمرَّ هذه الحالة من دون أن تهتز فعليه بطاعة الله لقول الله عزَّ وجل:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
لا تغيِّر كي لا يغيّر، إذا كان الإنسان متمتِّعًا بصحَّة، متمتِّعًا ببيت، متمتِّعًا بأهل، عنده سعادة، هذا التمتع بهذه السعادة لو أنه ثابر على طاعة الله، وعلى عبوديَّته لله، وعلى خدمته للخلق، وعلى أعماله الصالحة، أغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى لا يُغير ما به أبداً، بل إنه يزيده من فضله، فالمؤمن دائماً من حال إلى أرقى، من سعادة إلى أرقى، من توفيق إلى أكثر، دائماً في ازدياد، أي المؤمن خطه البياني صاعد صعودًا مستمرًا، حتى لو جاءه الموت يبقى خطّه البيانيُّ صاعداً، ما الموت إلا نقطة تحوُّل بسيطة على هذا الخط، خلع ثيابًا، وارتدى ثيابًا، وبقي خطه البياني صاعداً.
أشدّ الناس ضلالاً من يشاقق الله:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(52)﴾
إنسان يُشاقق الله عزَّ وجل، عدوٌ لدينه، عدوٌ لشرعه، عدوٌ لأوليائه، عدوٌ للمؤمنين، هل يعقل هذا؟
الإنجازات العلميَّة كانت على يد الغَرْبيين لحكمة أرادها الله:
ثم يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿
المتكلِّم هو الله، والمخاطّب هم المؤمنون، والغائب من؟ قال تعالى:
آيات الله في الكون لا تعد ولا تحصى:
كنت أقول دائماً: أبعد مجرَّة اكتُشِفَت بعدها عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئيَّة، كنت قبل يومين في مجلس علمي، دكاترة في الجامعة مختصين في الفلَك، فأنبأني أحدهم أن أحدث مجرَّة تبعد عنا الآن خمسة وعشرين ألف مليون سنة ضوئيَّة، والأربع سنوات ضوئيَّة تحتاج إلى مسيرة بمركبة أرضيَّة خمسين مليون عام، الأربع سنوات، كيف بخمسة وعشرين ألف مليون؟
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾
والشمس تتّسع مليون وثلاثمئة ألف أرض، وهناك نجوم تتسع لمليون شمس،هذه في الآفاق، اقرؤوا، ادرسوا، الآيات ناطقةٌ بوجود الله، وعظمة الله، وكمال الله، وعلم الله، ووحدانية الله.
جسم الإنسان آية من آيات الله:
أيها الإخوة؛ فكِّروا في أجسامكم، شيء لا يصدَّق، القلب مضخَّة، تضخ كل يوم ثلاثة أمتار مكعَّبة، انظر إلى مستودعات الوقود السائل على ظهور أسطحة البنايات، تجد من يقول: أخي أنا عندي خزان سعته اثنين طن، أي ألفي لتر، الطن عبارة عن ألف طن، الجسم يضخ ثمانية أطنان باليوم، يضخ الجسم بالعمر ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالَم،
على كل هذا عناوين موضوعات، إذا لم يفكَّر الإنسان بجسمه كل يوم؛ بشعره، بعينيه، بأذنيه، بجهاز الهضم، بالمعدة، بالأمعاء، بالرئتين، بالقلب، بالشرايين، بالأوردة، بالقلب، بدسَّامات القلب، كيف يعرف عظمة الله عزَّ وجل؟
العاقل من يبحث عن شيء يقربه من الله:
(( عن عبد الله بن عمر رجلًا سألَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ البِقاعِ خيرٌ؟ وأيُّ البِقاعِ شرٌّ؟ قالَ: لا أَدري حتَّى أسألَ جبريلَ عليهِ السَّلامُ فسألَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ فقال: لا أدري حتَّى أسألَ ميكائيلَ فجاءَ فقالَ:
ابحث عن شيء يقرِّبك؛ القرآن يقرِّب، الكون يقرِّب، الطاعة تقرِّب، الصلاة تقرِّب، العلم يقرِّب، ابحث عن شيءٍ يقرِّبك إلى الله عزَّ وجل.
كل إنسان سيموت والعاقل من يعتني بأعماله:
﴿
ساعة الموت ليسوا مستوعبين لها، والله أيها الإخوة لو الإنسان يكون على غير طاعة لله، غير مصطلح مع الله، عليه ذمم كثير، عليه مشكلات ويشعر أن موته اقترب لمرض ألمَّ به فجأةً، تشعر أن كل كيانه قد اهتز، شيء لا يصدَّق، سأموت.
قال لي مرَّة طبيب زار امرأة بانهيار عصبي، قالت له: سأموت، فقال لها: وأنا سأموت، كلنا سوف يموت، كل مخلوقٍ يموت، ولا يبقى إلا ذو العزَّة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
كلما فكرت بهذه الساعة، واستعديت لها بالطاعة، والعمل الصالح، والإنفاق، وتلاوة القرآن، وتعلّم القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبغض البصر، وبخدمة الأهل، وبصلة الرحم، وبالدعوة إلى الله كلما كنت أعقل، هناك أشخاص كثر تركوا مئات الملايين، تركوا ألفاً وسبعمئة مليون وغادروا الدنيا صفر اليدين، ليسوا عقلاء، في حضيض الغباء لذلك:
أعمال الإنسان كلها مسجلة، بتفاصيلها، بدقائقها، حتى قال بعض العلماء بصورها، أي يوم القيامة تُعرض على الإنسان أعماله أمام عينيه:
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾
عقلنا لا يظهر إلا بطاعتنا لله وإخلاصنا في عملنا:
فيا أيها الإخوة الكرام؛ عقلنا لا يظهر إلا بطاعتنا لله، لا يظهر إلا باصطلاحنا معه، لا تقل لا أقدر، عندك مملكتان؛ مملكة بيتك، مملكة عملك، هذا ما تقدر عليه والله عز وجل يعذرك فيما لا تقدر عليه، أنت لا تستطيع أن تصلح المجتمع، ليس بيدك، لا تستطيع أن تمنع الفساد، لا تستطيع أن تنزل الأمطار، لا تستطيع أن توقف القوى المعادية، أنت ضعيف، لكن الله عز وجل مكنك من بيتك ومكنك من عملك، فكل شخص يلتفت لبيته، يقيم الشرع في بيته، أولاده يدعوهم إلى الصلاة، بناته يحجبهن، عمله أن يكون دخله حلالاً، لا يكون فيه كذب إطلاقاً، هذا كلام السخفاء العوام: إذا لا نكذب لا نربح، هذا كلام الشيطان، لا يوجد كذب، ولا يوجد غش، ولا تدليس، ولا مخالفة للشرع، مملكتك بيتك وعملك، اضبط بيتك وعملك وعلى الله الباقي، وأجمل تفسير لآية أن الله كلفك فيما تستطيع، وتولى عنك ما لا تستطيع، قال لك:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين