- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (041)سورة فصلت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الجاهل يظن بالله غير الحق:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع من سورة فصِّلت، ومع الآية الخامسة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ(25)﴾
وقبل هذه الآية حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)﴾
دقِّقوا في هذه الآية:
﴿ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ
ماذا نفهم من هاتين الآيتين؟ الإنسان إذا ظنَّ بالله غير الحق، هذا الظن غير الحق قد يُرديه، وقد يهلكه، وقد يوصله إلى النار.
الجاهل أيها الإخوة جعبته ممتلئةٌ بالمعلومات، لكن هذه المعلومات ليست صحيحة، الإنسان أحياناً يتوهَّم أنه يعرف وهو لا يعرف، يظن بالله غير الحق ظنّ الجاهليَّة، يظن أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان كافراً، وهذا الإنسان لا جريرة له بهذا الكفر، لكن الله قدَّر عليه ذلك، خلقه كافراً ولمَّا جاء إلى الدنيا نفَّذ مشيئة الله عزَّ وجل ثمَّ استحقَّ النار إلى الأبد، هذا الظن بالله هو الذي يُردي صاحبه، فالإنسان يجب أن يدقِّق في عقيدته، لعلَّ في عقيدته بعض الظن السوء بالله عزَّ وجل، الله عزَّ وجل يقول:
﴿
فالإنسان عليه أن يراجع ما تسرَّب إلى عقله من عقائد زائغة، أو عقائد فاسدة، وليجعل من هذه الآية الكريمة:
﴿
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾
الجاهل يظن أن الله لا يعلم ما يفعله العبادُ:
النقطة الدقيقة هنا أن الإنسان إذا عصى الله عزَّ وجل قد يتوهَّم أن الله لا يعلم كثيراً مما يعمل، ربنا عزَّ وجل يقول:
(( أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان. ))
لذلك جعل الله علَّة السماوات والأرض أن تعلم أن الله يعلم، أنت إذا علمت أن إنساناً قوياً يعلم تنضبط، إنسان من جلدتك، من بني جلدتك، إنسان ضعيف مثلك، إنسان سيموت مثلك، لكنه الآن أقوى منك، إذا علمت أنه يعلم، وهو قادرٌ على أن يفعل ما يفعل أنت لن تعصي هذا الإنسان، فكيف إذا علمت أن الله يعلم؟ أنت مكشوفٌ أمام الله عزَّ وجل، لا تخفى عليه خافية.
العقيدة الفاسدة أحدُ أسباب الهلاك:
دقِّقوا في هذه الآية:
﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ
هذا الظن السوء بالله أولاً: أن الله لا يعلم، أو أن الله لا يعلم كثيراً مما نعمل، لا يوجد إنسان يرتكب المعصية وهو ضعيف الإيمان إلا ويتوهَّم أنه ذكي بهذا، لو أنه عَلِم أن الله يعلم وسيحاسب لم يعد ذكياً، صار غبياً، صار من أغبى الأغبياء، إذا أيقنت أن الله يعلم وسيحاسب لن تجد أنك أفلحت بالمعصية، لن تجد أنك ربحت بالمعصية، إذاً أحد أسباب الهلاك عقيدةٌ فاسدةٌ بالله عزَّ وجل، أحد أسباب الهلاك ألا تعتقد الكمال المُطلق بالله عزَّ وجل، أحد أسباب الهلاك أن تظنَّ أن الله لا يعلم، أو أنه إذا عَلِم لا يحاسب، إذا أسأت الظنَّ بأسمائه الحسنى، أو بعلمه، أو برحمته، أو بعدالته، أو باليوم الآخر، أو بأنه لا شأن له بما يجري في الأرض، الله عزَّ وجل يقول:
﴿
فالنقطة الدقيقة جداً هنا أنك إذا ظننت أن الله لا يعلم قد ترتكب المعاصي، ولن يرتكب أحدٌ المعصية إلا إذا ظنَّ أن واضع هذا القانون غير موجود، أبداً، متى تتجاوز الإشارة الحمراء؟ الساعة الثالثة ليلاً، لماذا؟ لأنه ليس هناك شرطة، الذي وضع قانون السير لا يعلم من يخالف في هذا الوقت، إذاً نخالف، أما إذا عَلِمت أن الذي وضع هذا القانون يعلم فلا يمكن أن تخالف، هذا مع إنسان فكيف مع الواحد الديان؟ هذا مع إنسان من بني البشر، لكنه أقوى منك قليلاً، وبإمكانه أن يُوقِع بك الأذى كثيراً أو قليلاً، ومع ذلك لا تعصيه، قال:
لو استعرضنا بعض العقائد الزائغة أن الإنسان قد يفعل ما يفعل، وقد يرتكب ما يرتكب، وقد يرتكب حتى الكبائر، لمجرَّد أنه منتسبٌ إلى هذه الأمَّة الإسلاميَّة فسوف تناله شفاعة النبي، انتهى الدين كله، هذه إحدى العقائد الزائغة، شفاعة النبي حق، ولكن ليست بهذه الصورة الساذجة، ليس النبي يشفع لمن مات مشركاً، لا ينال شفاعة النبي إلا من مات غير مشرك، إلا من مات مخلصاً، إلا من مات طائعاً.
الصبر على النار ليس بعده إلا النار:
الآن:
﴿ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)﴾
الصبر في الدنيا ينتهي إلى الفرج، فالإنسان يتحمَّل بعض المتاعب على أمل أن يناله الفرج، لكن الصبر على النار ليس بعده إلا النار، هذا الصبر الذي لا شيء وراءه،
أحياناً تلاحظ أبًا حينما يتلقَّى نتيجة ابنه أنه راسب انتهى العتاب، قد يعاتبه قبل الامتحان لعلَّه يضاعف جهوده، قد يعاتبه في الوقت المناسب لعلَّه يتدارك النَقص، أما حينما يُقدِّم الامتحان ويرسب، وهذه السنة الثانية في الرسوب، ولابدَّ له من أن يُفْصَل من هذه المدرسة ومن كل المدارس فقد يسكت الأب، لا لأن ابنه لم يفعل شيئاً، بل لأن العتاب لا يجدي ولا ينفع،
لكل إنسان مَلَكَ يلهمه الخير وشيطان يوسوس له الشر:
﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)﴾
الحقيقة أن الإنسان إما أن مَلَكَاً يُلهمه رشده، أو أن شيطاناً يوسوس له، شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يجعل لهذا الإنسان مَلَكَاً يلهمه الخير وشيطاناً يوسوس له الشر، وهو مخيَّر، لا الشيطان يستطيع أن يفعل به شيئاً إلا أن يوسوس، وأدق آية في هذا الموضوع تكشف لنا حقيقة هذه الآية، والقرآن كما تعلمون سُمِّيَ بالسبع المثاني، أي أن كل آيةٍ تنثني على أختها فتفسِّرها.
﴿
كل إنسان يرتكب معصية ويقول: لعن الله الشيطان، فهو إنسان جاهل لأن الله سبحانه وتعالى يبيِّن هذه الحقيقة الخطيرة:
فلسفةُ المعصية وتزيينُها:
إذاً:
الحقيقة عندنا إنسانان يرتكبان معصية؛ واحد يرتكب المعصية وهو متألِّم أشدّ الألم، نادم أشد الندم، منزعجٌ أشدَّ الانزعاج، وإنسان آخر يرتكب المعصية، ويظن أنه يُحسن صنعاً بها، يظن أن الحياة هكذا، هكذا الواقعيَّة، هكذا الحضارة، هكذا الرقِيّ، فأخطر إنسان هو الذي ماتت منه القيَم، وخَفَتَ في نفسه صوت الضمير، فإذا فعل معصيةً، أو ارتكب مخالفةً، أو وقع في انحطاطٍ معيَّن يظن أنه يُحسن صنعاً، لهذا ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
أي الإنسان مفطور فطرةً بحيث لو اتقى الله لعرف أنه يتقي الله، ارتاحت نفسه، اطمأنَّ قلبه، ولو أنه ارتكب معصيةً لشعر أنه قد عصى، شعر أنه قد فجر، هذا من فضل الله علينا، من أكبر النِعَم على بني البشر أن الله فَطَرهم فطرةً عالية بحيث لو فعلوا معصيةً، أو ارتكبوا إثماً، أو أساؤوا، أو أوقعوا الضرر بالناس لشعروا بانقباض، هذا معنى:
الشيطان لا يُفسد إلا من هو فاسدٌ في الأصل:
أنت مخيَّر، والشيطان ليتكلَّم ما شاء، لكن ليس له عليك من سلطان، لا يستطيع الشيطان أن يفعل معك شيئاً إلا أن يوسوس، وأنت بهذه الوسوسة تُمتحن، فإما أن تستجيب لها، وهذا من اختيارك، وهذا من ضعف نفسك، وهذا من حبِّك للمعصية، وهذا من رغبتك في اقتراف الإثم، وإما ألا تستجيب فيخنس، وسمّي الوسواس الخنَّاس، لمجرَّد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يخنس الشيطان، فالشيطان ضعيف جداً لا يملك إلا أن يوسوس، الوسواس الخنَّاس لا يحتمل أكثر من كلمة أعوذ بالله، لا يحتمل أكثر من كلمة خَسِئْتَ يا شيطان، وانتهى الأمر، لكن من كان في نفسه مرض، من أراد المعصية، من أراد الإغواء، من أراد الخروج عن منهج الله يتوافق خروجه مع وسوسة الشيطان، أنا أعتقد من خلال آياتٍ كثيرة أن الشيطان لا يستطيع أن يُضِلَّ أحداً.
﴿ قَالَ قَرِينُهُ
هو كان في ضلال بعيد، عملية توافق، الشيطان وسوس، الذي يستجيب لوسوسته على شاكلته، الذي يستجيب لوسوسته هو الذي يرغب بهذا العمل، والدليل الشيطان يوسوس لمئة إنسان، المؤمن لا يستجيب له والفاسق يستجيب.
دعونا من الشيطان، رفيق سوء في مدرسة، في هذا الصف طلاب تربيتهم راقية، رفقاء السوء لا يستطيعون أن يفعلوا معهم شيئاً، لكن رفيق السوء من الذي يُغويه؟ من كان على شاكلته، من كان عنده استعداد للغواية، من كان عنده استعداد للتشرد، من كان عنده استعداد لاقتراف المعاصي، فيجب أن تعتقد أنه لا يستطيع أحد أن يضلَّ أحدًا، يجب أن تعتقد أن أحداً لا يستطيع أن يغوي أحداً، يجب أن تعتقد أن أحداً لا يستطيع أن يُفسد أحد، لا يفسد الشيطان إلا من هو فاسدٌ في الأصل، ولا يغوي إلا الغاوي، ولا يدفع إلى ارتكاب الإثم إلا الآثم،
الغفلة باب عظيم يدخل منه الشيطان:
أحياناً إن لم ينظِّف الإنسان بيته تنظيفاً تاماً فهناك حشراتٌ مزعجة، هذه الحشرات لها وظيفة، وظيفة الردْع، الإنسان إذا ترك نفسه بلا تعلُّم، بلا طلب علم، بلا إيمان، فالشيطان جاهز، الشيطان له دور أنك إذا لم تطلب العلم، ولم تسعَ إلى الله سعياً حثيثاً فقد يظهر قصورك الشيطان، الذباب أحياناً يظهر قصور أهل البيت في تنظيفه، لمجرَّد أن يبقى على المائدة بعض الطعام، أو بعض المواد السكريَّة، أو بعض المواد الدهنيَّة تجد الذباب جاء، مجيء الذباب دليل على أن هناك خَلَلاً في هذا البيت، وهناك تقصيرًا في نظافته، إذاً: هذا التوافق توافق عجيب، والإنسان حينما يغفل يأتي الشيطان، حينما يغفل يوسوس، حينما يغفل يدفع إلى المعصية، فله دور سلبي، وله دور إيجابي، الدور الإيجابي أنك إذا أردت أن تكون في منجاةٍ منه دائماً فاعتصم بالله، واستعذ بالله، وأقم على طاعة الله،
وظائف الشيطان:
الشيطان له مهمَّتان: ما بين يديك يقول لك: أنت شاب الآن، هذا المال بإمكانك أن تنفقه وتستمتع به، أنت يجب أن تُعبِّر عن حاجاتك الأساسيَّة، يدعوك إلى المعصية، فإذا خفت من حساب الله عزَّ وجل يقول لك: الله غفورٌ رحيم، يا أخي لا تدقِّق، لا تتزمَّت، هذا كلام العوام، الشيطان له دوران؛ أن يأمرك بالمعصية، وأن يطمئنك إلى أن الله لن يحاسبك، أنت مسلم تنالك شفاعة النبي، غداً تتوب، بعد غدٍ تتوب، هذه ليست معصية، قضيَّة خلافيَّة، هناك من أفتى بها، فدور الشيطان أن يأمر بالمعصية، وأن يطمئِن من الحساب الدقيق الذي سيحاسبه الله عزَّ وجل، هذا معنى قوله:
إما أنه يدفعك إلى معصية ويخفِّف عن كاهلك أعباء العقاب، أو أنه يزيِّن ما بين يديك وما خلفك أي ما بعد ما بين يديك.
قانون الهلاك:
﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
معنى:
إذا كانت شهوات الإنسان مستعرة، وإيمانه ضعيفاً أو معدوماً، وبصيرته منطمسة، والطريق فيه مفاجآت، وفيه التواءات، وفيه مطبَّات، فالهلاك محقَّق، هذا معنى:
الآن لو أن أحداً قال لك: فلان ركب مركبة، انطلق بها في منحدر شديد، وفي نهاية هذا المنحدر مُنعطفٌ شديد، ومكبحه مُعَطَّل، أنت لم تشاهد الحادث فتقول: التدهور محقَّق، مادام الانطلاق سريعاً، والطريق هبوطه شديد، وينتهي بمنعطف حاد، والمكبح لا يعمل، فالحادث حتمي، هذا قانون، القضيَّة سهلة، الله وضع قوانين.
العقل بغير هدئ من الله مآله الضلال:
﴿
لم تكن بصيراً، كنت أعمى، فمعنى هذا أن الإنسان إذا أعرض عن ذكر الله صار أعمى، ومعنى هذا عقل الإنسان كعينه تماماً، كيف أن هذه العين لو كانت اثنتي عشرة درجة على اثنتي عشرة، هو طبعاً أعلى درجة في العين عشر درجات، ولكن هناك حالات بلوحات الفحص حرف في آخر سطر إذا عرفت جهته يقول لك: اثنتا عشرة على عشر، لو أن العينين تتمتَّعان بأعلى درجة رؤية، وأدق درجة، لكن لا يوجد ضوء، لا يوجد نور، لا ترى شيئاً بهما على دقَّتهما، كذلك العقل لو كان هناك عقل ذكي جداً، إذا لم يكن فيه نور إلهي وهدى من الله فالعقل قد يضل، وهذه أوروبا أمامكم، الأسرة انتهت، بنهاية هذا القرن يوجد عشرون مليون مصاب بالإيدز، كل دقيقة يموت إنسان، أين عقلهم؟ ضلوا، هداهم عقلهم إلى أن الشهوة هي إلهُهُم، هداهم عقلهم إلى أن الدنيا هي كل شيء، هداهم عقلهم إلى أن المتعة هي كل شيء في حياة الإنسان، فالعقل من دون هدى من الله يضل، أمم كثيرة جداً قدَّمت إنجازات حضاريَّة يعجز العقل عن تصوُّرها، ولكنَّها في المستوى الآخر الأخلاقي في الوحول وفي الحضيض، معنى هذا أن العقل يحتاج إلى نور من الله عزَّ وجل، إذاً هذه الأمم
الكافر ضالٌّ في نفسِه مضلٌّ لغيره:
﴿
الكافر مشكلته ليس ضالاً فحسب، لكنَّه ضالّ مضل، وليس فاسداً فحسب، بل هو فاسد مُفْسِد، وليس مُنحرفاً فحسب، بل هو منحرف ويدعو للانحراف، فهؤلاء الكفَّار
معاني قوله تعالى: وَالْغَوْا فِيهِ:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)﴾
أي ما من كلمةٍ تَصْدق على
أو لا تسمعوا لهذا القرآن، وائتوا بكلامٍ آخر لينشغل الناس به، هناك قرآن وهناك غناء، هناك شِعر لا يقدِّم للإنسان شيئاً، إما أن تأتي بكلام من أجل أن تشغب على القرآن، من أجل أن تصرف الناس عن القرآن، وإما أن تحاول أن تؤوِّل القرآن تأويلاً غير صحيح، إما أن تفجِّره من داخله، وإما أن تُعَطِّله، وإما أن تُشاغِب عليه، أحياناً كثيرة نحن نرغب ألا نُسمع الناس هذا البث، نشوِّش عليه تشويشاً، فالكافر ماذا يفعل؟ يشوِّش على القرآن بأن يأتي بأشياء مناقضة له.
القرآن يقول: الإنسان أصله من آدم وحواء، يقول: لا، الإنسان أصله قرد هكذا قال داروين، هذه النظريَّة تشوِّش على الكتاب تفسيره لبدء الخلق، القرآن يقول لك: الآجال محدودة، لا، هذا الدواء يطيل العمر، القرآن يقول: غضوا أبصاركم، يقول: لا، هذا جمال استمتع به، أنت إنسان عندك حاجات، فالكافر دائماً يأتي بنظريات، وبتعليلات، وبتوجيهات تناقض القرآن الكريم، فهذا معنى قوله:
أشقى الناس من يقف في خندق معاد للدين:
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ(27)﴾
هذا وعيدٌ من الله عزَّ وجل، الإنسان ليتحرَّك ما شاء له التحرُّك، أما أن يقف في خندقٍ معادٍ للدين فهذا من أشقى الناس، لأن هذا الدين دين الله، والله سبحانه وتعالى يقصم أعداءه، الإنسان يتحرَّك لكن أن يجعل نشاطه في معاداة الدين، معاداة هذا الكتاب الكريم، معاداة أهل الحق، معاداة الدعاة الصادقين، هذا من أشقى الناس.
للباطل جولة ثم يضمحل:
﴿ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(28)﴾
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وللباطل جولةٌ ثمَّ يضمحِل، وكلكم يعلم أن البشريَّة مهما ابتعدت عن الدين لابدَّ من أن تعود إليه، لأنه ملاذها في النهاية، وقد أتى على الناس وقتٌ تألَّقت فيه المبادئ الوضعيَّة، وأعرضوا عن دين الله عزَّ وجل، لكن هذه المبادئ الوضعيَّة ما لبثت أن انهارت، واضمحلَّت، وظهرت تناقضاتها، وأصبحت تدوسها الأقدام، ولم يبقَ أمام الناس كحلّ لما هم فيه، وكخلاصٍ لمحنتهم إلا أن يعودوا إلى الله عزَّ وجل.
عذاب الله للمؤمنين المقصِّرين عذابٌ رَدْعِيّ وعذابه للكفَّار عذاب قصم وإنهاء:
أما قوله تعالى:
﴿
ألا ترون أيها الإخوة إلى الكوارث التي تقع من حينٍ لآخر، ولاسيما في بلادٍ كفرت بربِّها، وانحرفت انحرافاً شديداً؟ البلاد التي تحتضن الانحرافات الأخلاقيَّة، ترعى كل المعاصي، فيها قلاعٌ عتيدة تُرتكب فيها المعاصي، هذه البلاد تارةً أصيبت بالزلازل، وتارةً أصيبت بالانهيارات أو الحروب الأهليَّة، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
التاريخ المعاصر مليء بالعذاب الشديد الذي يصيب الكفَّار، أما الذين يدَّعون الإيمان أيضاً لا ينجون من عذاب الله، لكن عذاب الله للمؤمنين المقصِّرين عذابٌ رَدْعِيّ، بينما عذاب الله للكفَّار عذاب قصم وإنهاء.
جهنَّم أبديَّة أيَّامها لا تعد:
أما يوم القيامة:
﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا
أي استمتع عشر سنوات بالمعاصي، الأيام التي عاشها تُعد، والمباهج التي نَعِم بها تُعد، لكن جهنَّم أبديَّة لا تعد، أيَّامها لا تعد، إذاً:
الجحود بآيات الله أول طريق الكافر:
﴿ ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)﴾
الحقيقة الجحود بالآيات أول الطريق، جحد بالآيات أي لم يؤمن بالله عزَّ وجل من خلال جحوده بالآيات، إن لم يؤمن بالله عزَّ وجل، هو عنده شهوات متقدة انطلق وراء شهواته، من لوازم اتباع الشهوات الطغيان، لأن الشهوة عمياء، شهوة من دون منهج، شهوة من دون قرآن طبعاً طاغية، الطغيان معه ظلم والظلم مصيره العقاب الأليم. إذاً:
الحقيقة الله ذكر أول الذنب، أما البقيَّة فواضحة، جحد بالآيات فارتكب المعاصي والموبقات، وطغى وبغى، ونسي المبتدا والمنتهى فاستحق هذا العذاب الأليم الأبدي السرمدي.
إنه مشهدٌ عظيمٌ:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ(29)﴾
في يوم القيامة هناك مشكلة ثانية، هي أن الإنسان يصبُّ كل حقده على الذي كان سبباً لضلاله، وقبل قليل ذكرت لكم أن أحداً لا يستطيع أن يُضلَّ أحداً، لكن توافق رغبات، لكن توافق ميول، لكن الإنسان بساعة من ساعات ألمه الشديد يتكلَّم كلاماً لا معنى له،
في الدرس القادم إن شاء الله تعالى ننتقل إلى صورةٍ أخرى، هنا هؤلاء القرناء كيف يوسوسون، وكيف يدفعون الإنسان إلى المعصية، وكيف يتخلون عنه يوم القيامة، لكن المؤمنين لهم شيءٌ آخر، لهم ملائكةٌ:
﴿
وشتَّانَ بين وسوسة الشيطان وبين إلهامات الملك. هذا المقطع الثاني إن شاء الله تعالى نأخذه في الدرس القادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين