- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (041)سورة فصلت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
كلمة الآيات في القرآن الكريم إذا أُطلقت تعني الآيات التي تدل على وجود الله:
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس التاسع من سورة فصِّلت، ومع الآية الأربعين، وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40)﴾
أيها الإخوة؛
والآيات أحياناً تأتي على أنواع ثلاث: آياتٌ كونيَّة، وآياتٌ قرآنيَّة، وآياتٌ تكوينيَّة أي أفعال الله عز وجل، آياته الكونيَّة خلقه، وآياته التكوينيَّة أفعاله، وآياته القرآنيَّة كلامه، خلقه وأفعاله وكلامه هذه كلها آياتٌ تدلُّ عليه.
معنى الإلحاد في آيات الله:
﴿
الإلحاد في الآيات الطعن بها، أو ردُّها، أو عدم اعتمادها دليلاً على ما تدلُّ عليه، هذا المعنى الأول.
والمعنى الثاني: حَرْفُهَا عن مرادها، أو تأويلها على غير ما يريد الله سبحانه وتعالى، أو الحذف منها، أو الإضافة عليها، الكافر أحياناً إما أنه يردُّ هذا الدين رداً مباشراً، وإما أنه يخشى ألا ينجح في هذه المحاولة فيحاول أن يفجِّره من داخله، فردُّ هذه الآيات رداً مباشراً هو الطعن بها، أو عدم قبولها، أو الاستخفاف بها، أو عدم قبول ما تدل عليه، هذا
المفاد أن الكافر إما أن يرد هذه الآيات، وإما أن يؤوِّلها تأويلاً لا يرضي الله عزَّ وجل، لنأت ببعض الأمثلة.
مثالٌ للإلحاد في آيات الله:
عندما قال ربنا عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
فالمقيم على الربا يؤوِّل هذه الآية على غير ما يريد الله سبحانه وتعالى، يقول: أنا لا آكل الربا أضعافاً مضاعفة، أنا آكله بنسبٍ قليلة، فهذا تأويلٌ لا يرضي الله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
والقرآن مثان، أي كل آيةٍ تنثني على أختها فتفسِّرها، فإذا التبس الأمر في هذه الآية فالآية الثانية توضِّحها.
إذاً الكافر إما أن يردَّ هذه الآيات رداً مباشراً، وإما أن يؤوِّلها تأويلاً لا يرضي الله عزَّ وجل، على كل رَفَضَ الحق، إما رفضه بشكلٍ وقح، أو بشكلٍ فيه مداراة.
مرَّةً ثانية:
لا يخفى على الله شيءٌ:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إن الله سبحانه وتعالى يعلم سرَّهم وجهرهم، أي الإنسان حينما يعلم أن الله يعلم حُلَّت مشكلته مع الله، لأنه إذا أيقن أن الله يعلم لابدَّ من أن يستقيم على أمر الله.
إذا علمتَ أن الله يعلم فلابد من أن تستقيم:
ربنا عزَّ وجل يقول:
(( ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان : ن عبد الله عز وجل وحده بأنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم، فإن الله عز وجل لم يسألكم خيرها ولم يأمركم بشرها، وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان. ))
لمجرَّد أن تعلم أنك تحت المراقبة، وأن الله مطلعٌ عليك، مطلعٌ على ظاهرك وعلى باطنك، على سرِّك وعلانيَّتك، على خلوتك وجلوتك، لمجرَّد أنك موقنٌ أن الله مطلعٌ عليك لابدَّ من أن تلتزم أمره، وأن تبتعد عما نهى عنه، وقد سُئل أحد العارفين بالله وهو الإمام الجنيد: من الولي ؟ فقال هذا الإمام الكبير:
مرَّةً ثانية، أيها الإخوة، وهذا من باب التأكيد والتوضيح، إذا أيقنت أن الله يعلم وسيحاسب لا يمكن بحسب فطرتك، وبحسب عقلك أن تعصيه، فإذا وصلت إلى اليقين القطعي أن الله يعلم، وأنه سيحاسب، لاشك أنك مستقيمٌ على أمره، لن يفلح العاصي مهما كان ذكياً، لابدَّ من أن يدفع ثمن معصيته باهظاً.
المؤمن يأتي يوم القيامة آمنًا:
﴿
الظاهر أن الله سبحانه وتعالى يقول: أفمن يُلقى في النار خيرٌ أمن يدخل الجنَّة أيهما أفضل؟ فربنا سبحانه وتعالى عَدَلَ عن قوله أمن يدخل الجنَّة إلى قوله:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2)﴾
فهذا يوم الفزع الأكبر المؤمن يأتي آمناً يوم القيامة، أي هل من سعادةٍ تفوق أن تكون أيها المؤمن آمناً يوم الفزع الأكبر؟ يوم ينخلع قلب الناس خوفاً وإشفاقاً من عذابٍ أليم، ويأتي المؤمن آمناً يوم القيامة، أي هل يستوي إنسان سوف يُلقى في النار وإنسان سيأتي يوم القيامة آمناً ليدخل الجنَّة؟ كأن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية قال:
إذاً كل إنسان يعصي الله عزَّ وجل فهو مدموغٌ إما بالحمق والجهل، وإما بالكفر والانحراف.
موازنة بين حالتين متضادتين:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا
قال: هذا استفهام تقريري، ومعنى كونه تقريرياً أي أن من يلقى في النار لا يستوي مع من يأتي يوم القيامة آمناً، هذا معنى الاستفهام التقريري، من يلقى في النار لا يستوي أبداً مع من يأتي يوم القيامة آمناً، وهذا المعنى تؤكِّده آياتٌ كثيرة.
﴿
﴿
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
هذه الموازنة بين حالتين متضادتين، من يأتي آمناً أو من يأتي خائفاً، من يلقى في النار أو من يدخل الجنَّة، من يعامل بالإكرام والإحسان ومن يعامل بالعقاب الأليم والعذاب الأبدي، قال: أين عقلكم أيها البشر؟ أيستوي هذا مع هذا ؟ طبعاً الإلقاء في النار سببه المعصية في الدنيا، وأن تأتي يوم القيامة آمناً سببه أن تستقيم على أمر الله في الدنيا، فالثمن في متناول اليد، أي هذه النتيجة المخيفة أنت السبب فيها، وهذه النتيجة المُسعدة أنت الذي اخترت هذا الطريق، فالأمر باختيارك، إما أن تختار جنةً عرضها السماوات والأرض، وأن تأتي الله آمناً يوم القيامة مكرَّماً، وإما أن يعصي الإنسان ربَّه فيستحق دخول النار إلى أبد الآبدين.
الآية التالية تفيد الاختيارَ وتفيد التهديدَ:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا،
الأمر بيدكم، أي خيرك منك وشرّك منك..
﴿
موضوع التشاؤم، التفاؤل، ليس لي حظ، حظّي قليل، كل هذا كلام فارغ.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
الأمر واضح.
العجيب أن الحياة قصيرة، ووقتها محدود، والطاعات بيد الإنسان أن يفعلها، وفي إمكانه أن يفعلها، ومتاحة لكل البشر، والمعاصي حالات سقوط وحالات انحطاط وقذارة، فالناس حينما يقبلون على الطاعات يسعدون في الدنيا والآخرة، وحينما يقعون في السيئات يشقون في الدنيا والآخرة، أين عقل الناس؟ هل من شهوةٍ أودعها الله في بني البشر ليس لها قناةٌ نظيفة يسلكها الإنسان؟ لا، لكن الناس بوسوسةٍ من الشيطان يندفعون إلى المعاصي، ويجتنبون الطاعات فيستحقون عذاب جهنَّم يوم القيامة،
والمعنى الثاني أنتم مخيَّرون، طريق الجنَّة معروفٌ لديكم، وطريق النار معروفٌ لديكم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:
(( حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِه. ))
(( عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن أنظَرَ مُعسِرًا أو وضعَ لهُ وقاهُ اللهُ مِن فَيْحِ جهنَّمَ، ألا إنَّ عملَ الجنَّةِ حَزنٌ بِرَبوةٍ ثلاثًا ألا إنَّ عملَ النَّارِ سَهلٌ بسَهوةٍ، والسَّعيدُ مَن وُقيَ الفِتنَ، وما مِن جرعةٍ أحبَّ إلى اللهِ من جَرعةِ غَيظٍ يكظِمُها عبدٌ ما كظَمها عبدٌ للَّهِ إلَّا ملأَ جوفَه إيمانًا. ))
طبعاً عمل الجنَّة يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى كُلفة، إنه ذو كلفة، لكنه في مقدور الإنسان، وعمل النار هو سهوٌ واسترخاءٌ وإعطاء النفس ما تشتهي،
إلغاء الاختيار إلغاء للتكليف:
مرَّةٌ ثانية أيها الإخوة، لو ألغينا الاختيار الذي تؤكِّده هذه الآية لألغينا التكليف، ألغينا الثواب، ألغينا العقاب، ألغينا الجنَّة والنار، ألغينا المسؤوليَّة، ألغينا جوهر الدين، هذا ما قاله الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه حينما قال:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾
﴿
﴿
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾
حينما يشتطُّ عقل الإنسان فيعتقد أن الله قد أجبره على هذه المعاصي فقد وقع في شرّ عمله، أي ما من عقيدةٍ تشُل الإنسان وتقعده، وتوقعه في سوء الظن بالله عزَّ وجل، وتجعله كتلةً هامدة كعقيدة الجَبْرِ، أن تعتقد أن الله أجبرك على فعل المعاصي، وأنها مقدَّرةٌ عليك، ولا سبيل إلى الخلاص منها، هذه عقيدة أهل الضلال، هذه عقيدة المشركين،
طريق الجنة معروف وسبيلها واضح:
طريق الجنَّة معروف؛ طاعة الله عزَّ وجل، والتقرُّب إليه بالأعمال الصالحة، وطريق النار معروف؛ معصية الله عزَّ وجل، والتقرُّب منها بالموبقات والمعاصي، والبشر على اختلاف أنواعهم، ومشاربهم، وأجناسهم، وألوانهم، وأعراقهم لا يزيدون على رجلين؛ رجل منضبط بالشرع، محسن إلى الخلق، سعيد في الدنيا والآخرة، ورجل متفلِّت من الشرع، مسيء إلى الخلق، شقي في الدنيا والآخرة، الأمور بسيطة ومضغوطة، عن ابن عمر:
(( الناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله. ))
أخطر شيء في حياتك أن تحسن الاختيار، اختر أن تكون مؤمناً، الإيمان يحتاج إلى تفكُّر في خلق السماوات والأرض، يحتاج إلى معرفة أمر الله، يحتاج إلى حضور مجالس العلم، يحتاج إلى الذكْر، يحتاج إلى الطاعة، يحتاج إلى الأعمال الصالحة، الإيمان معرفة الله عزَّ وجل وطاعته، والتقرُّب إليه، أما أن تعطي النفس شهواتها، أما أن تعطي نفسك ما تريد عندئذٍ لابدَّ من أن تقع في العدوان، ومع العدوان هناك العقاب الأليم، فتجد حياة الكافر من مصيبةٍ إلى مصيبة، ومن مطبٍ إلى مطب، ومن أزمةٍ إلى أزمة، ومن معضلةٍ إلى مُعضلة. وحياة المؤمن من إكرامٍ إلى إكرام، من سعادةٍ إلى سعادة،
ملخص الآية:
الآية صارت:
أحياناً الإنسان يخفي شيئاً عن بعض الجهات الماليَّة، والشيء الذي استورده أُرسلت نسخة منه إلى الماليَّة، وبسذاجة يخفيه، هو مضبوط، فإذا كُشِف أمره ندم على فعله، هذا مثل بسيط من حياتنا الواقعيَّة، فأعمالك مضبوطة ولابدَّ من الحساب، هذان المعنيان يكفيان للاستقامة على أمر الله، وأنت مخيَّر،
كتاب الله عزَّ وجل كتابٌ ممتنعٌ عن التقليد لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿
الذكر هو القرآن الكريم ﴿لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ كلمة عزيز لها عدة معان، من معانيها أن هذا الكتاب لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله، شيءٌ نادر، عزيز، أي ممتنع عن أن يحاكى، عن أن يُقلَّد، عن أن يُؤتى بمثله، هذا المعنى الأول.
وكلمة عزيز لها عدة معان في اللغة، أن الشيء إذا أصبح نادراً صار عزيزاً، إذا كان هذا الشيء يصعب الوصول إليه صار عزيزاً، فصار الكتاب كتاب الله عزَّ وجل ليس كمثله كلامٌ آخر،
كتاب الله لا يُنقَض بمرور الأيام:
قال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ
أي لا يمكن أن يأتي كتابٌ آخر ينقض ما فيه من قبل، كما أنه لا يمكن أن يأتي بعده كتابٌ آخر ينقض ما فيه، وهذه النقطة واضحة جداً، ما من كتابٍ على وجه الأرض ألَّفه بشر إلا وبعد حينٍ ظهرت حقائق تناقض ما فيه، كل كتاب له عُمر، ما من كتابٍ على وجه الأرض ألَّفه بشر إلا وبعد حينٍ ظهرت حقائق تناقض ما فيه، لابدَّ له من تعديل، وهذه حقيقة ثابتة.
العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح:
لكن كتاب الله عزَّ وجل منذ أن أنزله الله عزَّ وجل وإلى الآن وإلى قيام الساعة لا يمكن أن تظهر حقيقة علميَّة تناقض آياته، لماذا؟ لأن الحقائق العلميَّة هي استنباطاتٌ من الواقع، من خَلَق هذا الواقع؟ هو الله عزَّ وجل، وهذا كلامه فالمصدر واحد، الكون كلُّه من خلق الله، من قنَّن قوانينه؟ الله سبحانه وتعالى، من سنَّ سُنَنَهُ؟ الله سبحانه وتعالى، من بيَّن العلاقات فيما بين مكوِّناته؟ الله سبحانه وتعالى، وهذا كلامه، لذلك يجب أن تطمئن إلى أن النقل الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع العقل الصريح أبداً، العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح، لأن العقل الصريح مقياسٌ أودعه الله فينا، وأن الواقع هو من خَلق الله، وأن هذا القرآن كلام الله، وأن الفطرة التي فُطرنا عليها هي من صنع الله عزَّ وجل، لذلك هناك من يقول: إنه لابدَّ من تطابق العقل والنقل والواقع والفطرة، الحق ما جاء به النقل، وأكَّده الواقع، وارتاحت إليه الفطرة، وأقرَّه العقل، أبداً هذا الحق، هذا الحق الذي قامت من أجله السماوات والأرض.
أنت عندما تعتقد اعتقادًا صحيحًا حقيقيًا حينما تؤمن بالحق أي آمنت بالواقع، وآمنت بالمنطق، وآمنت بالفطرة، وآمنت بالقرآن، هذا هو الحق، كلمة حقّ تعني النقل والعقل والواقع والفطرة، لا يمكن للواقع أن يظهر خطأ في القرآن، مستحيل، الواقع من خلق الله، وقوانينه قنَّنها الله عزَّ وجل، سُنَنه سنَّها الله عزَّ وجل، وهذه النفس لا ترتاح إلا للحق، إلا لما في القرآن، هكذا فُطرت.
﴿
طبيعة النفس هكذا، لا ترتاح إلا لما جاء في القرآن الكريم.
النفس لا ترتاح ولا تنسجم إلا بما جاء في القرآن الكريم:
لذلك إخواننا الكرام، المؤمن حينما يتوب إلى الله عزَّ وجل - ولست مبالغاً في هذا القول-ـ يشعر كأن جبالاً قد أُزيحت عن كاهله، لأنه وجد نفسه، ارتاحت فطرته، اطمأنَّ عقله، انسجم الواقع مع العقل مع الفطرة مع النقل، هذا الحق، الحق الذي قامت من أجله السماوات والأرض، والذي دعا إليه الأنبياء السابقون ونبيُّنا عليه الصلاة والسلام، الحق هو الله، الكون من خلقه، والقرآن كلامه، والفطرة هو الذي فطرنا عليها، والواقع هو الذي خلقه، هذا الانسجام بين الواقع والفطرة والعقل والنقل هو أجمل ما في الحق، ليس في حياة المسلم اثنيْنيَّة، لا يوجد ازدواجيَّة، لا يوجد تناقض، لا يوجد تنافر، لا يوجد تباعد، لا يوجد تشتُّت، لا يوجد تمزُق، الإنسان أحياناً يتمزَّق يقول لك: شيء يحيِّر، إن اقتنعت بهذا الرأي نقضت هذا الرأي، وإن اقتنعت بهذا الرأي نقضت هذا الرأي، إن أرضيت زيداً أغضبت عبيداً، أي أصعب ما في الحياة هذا التمزُّق، لكن أجمل ما في الدين ذاك الانسجام.
في حياتك لا يوجد اثنينيَّة أبداً، دنياك وآخرتك واحدة، مهنتك وعبادتك واحدة، تعبد الله في مهنتك، في حرفتك، في نصح المسلمين، وتعبده ثانيةً في مسجدك، إن عملت وكسبت الرزق لأهلك فأنت في عبادة، وإن أتيت المسجد واستمعت إلى درس العلم فأنت في عبادة، فالعبادة واحدة.
إذاً:
الله تعالى حكيم حميد:
الحق واحد، هذه الحقيقة الوحيدة في الكون حقيقة الذات الإلهيَّة تتبدَّى في الكون إبداعاً، وقدرةً، ورحمةً، وجمالاً، ولطفاً، وخبرةً، وغنًى، وتتبدَّى في القرآن إعجازاً، وتتبدَّى في أفعاله حكمةً ورحمةً، أفعاله كأقواله كخلقه، وأنت مخلوقٌ من مخلوقات الله عزَّ وجل، أي أروع ما في حياة المسلم هذا الانسجام في عقله، بين عقله وعاطفته، بين حاجاته وقيَمِهِ، بين دُنياه وآخرته؛ تضاد، تنافر، تشتُّت، تمزُّق، تبعثر، كل هذه الأمراض التي يعانيها الناس المؤمن معافاً منها، هذا معنى
معنى الحكمة أن كل شيءٍ وقع على نحو ما وقع لو لم يقع على نحو ما وقع لكان هذا نقصاً في حكمة الله عزَّ وجل، الشيء إذا وقع على خلاف ما وقع يُعد هذا نقصاً في حكمة الله عزَّ وجل، ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ وحميد أي يُحمد على أفعاله كلِّها، لذلك المؤمن حينما يؤمن أن أفعال الله سبحانه وتعالى حميدة، أي يحمده عليها كل مخلوق، يستقبل القضاء والقدر بكل رضا.
لذلك مرَّةً كان أحد الرجال يطوف حول البيت، وكان يقول:
الآية التالية تسليةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿
هذا تسليةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام، أي هذا شأن الرسالة.
﴿
أي النبي يتمنَّى هداية الخلق، والشيطان يتمنَّى إضلالهم:
﴿
فالله سبحانه وتعالى يُسَلِّي نبيَّه، يسرِّي عنه بهذه الآية، أي:
المعنى الثاني: أي ما سأقوله لك يا محمد قلته لمن قبلك، ماذا قال الله له? قال:
معاني قوله تعالى: جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ:
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾
الآية دقيقة جداً،
ثم يقول الله عز وجل– يوجد معنى ثالث- أول معنى: النبي عربي والقرآن أعجمي، لو أن الله جعل بعضه عربياً وبعضه أعجمياً لقالوا: معقول أن يأتي قرآن واحد بعضه عربي وبعضه أعجمي؟
طلبوا أن يكون أعجمياً ثم طلبوا أن يكون عربياً ثم عجبوا أن يكون أعجمياً وعربياً في وقت، ثم عجبوا أن يكون النبي عربياً وأن يكون كلامه أعجمياً.
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
وإذا كنت بعيداً عن الله أبعدتك المعاصي والآثام عندئذ تُنادى من مكان بعيد، عندئذ يكون هذا القرآن عمى على الظالم، قال تعالى:
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
وقال تعالى:
القرآن هدى للضال وشفاء للمريض:
تعريف القرآن الكريم للمؤمن هدى وشفاء، لا يوجد عنده مشكلة فكرية إلا ولها حل في القرآن الكريم، القضايا الكبرى الاعتقادية القرآن أجاب عليها، أي سؤال كبير كبير القرآن أجاب عنه، وأي مرض نفسي القرآن شفاه، فالقرآن هدى للضال وشفاء للمريض،
﴿
المعاصي تعمل حجباً كثيفة فإذا الإنسان لم يفهم القرآن فليتهم نفسه، لا يتهم القرآن الكريم، القرآن واضح كالشمس، والآية دقيقة جداً، كلما اقتربت من الله ازداد فهمك لكتاب الله.
معاني القرآن الكريم تحتاج إلى قرب من الله واستقامة على أمره:
لذلك يوجد آية وإن كانت هي من المشترك اللفظي، قال:
﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾
من معاني هذه الآية أن الإنسان غير الطاهر، المشرك، المتلبس بالمعاصي لا يستطيع أن يمس معاني هذا القرآن الكريم، هذه الآية ليست نهياً، لو أنها نهي لقال الله عز وجل: لا يمسسه، اللا ناهية والفعل المضعف فُكّ تضعيفه، لكن الله قال: لا يمسه، هذه اللا نافية أي الآية تنفي أن غير الطاهر يستطيع أن يمس المصحف، أن يمس كلام الله بالفهم، والتدبر، والوعي.
هذا من بعض معاني الآية، ومن معانيها الظاهرة أن غير المتوضئ ينبغي ألا يمس القرآن، المعنى الظاهري، إذاً معاني القرآن الكريم تحتاج إلى قرب من الله، والقرب أساسه العمل الصالح والاستقامة على أمره، والاستقامة والعمل الصالح أساسه الإيمان به من خلال خلقه، هذه الآية أعطتنا قانون فهم القرآن الكريم:
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)﴾
والحمد لله رب العالمين