- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (038)سورة ص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
النبي الكريم ليس مسؤولاً عن هداية الناس ولكنه يهدي إلى الحق:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس السادس والأخير من سورة ص، ومع الآية الكريمة الخامسة والستين وهي قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)﴾
أولاً: يوجد آيات تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
أي يا محمد دعوتك تُفضي إلى صراط ينتهي إلى الجنة،
﴿
وفي آية ثالثة:
﴿
أي لست مسؤولاً عن هدايتهم أو عدم هدايتهم، ولن تستطيع هدايتهم، لكنك تهدي إلى الحق، وهذه الآية:
﴿
﴿
إذاً ليس عليك هداهم ، أي يا محمد لست مسؤولاً عن هدايتهم، أو عن عدم هدايتهم، لا إن اهتدوا أنت السبب، كما قال عليه الصلاة والسلام:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾
من أعظم الذنوب أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم:
لكن يا أيها الأخوة الأكارم؛ في اللحظة التي تعتقد فيها أن الله أجبرك على أعمالك فسدت عقيدتك، وافتريت على الله، وقلت على الله ما لا تعلم، ومن أعظم الذنوب، هناك الكفر، وهناك الشرك، وهناك النفاق، وهناك المعصية، وهناك الفجور، وهناك الإثم، وهناك العدوان، وهناك الفحشاء، وهناك المنكر، كل هذه الذنوب أعلى شيء يأتي في أعلاها: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، إنك إن قلت على الله ما لا تعلم أبعدت الناس عن الله عز وجل، وإن قلت ما هو حقيق بكماله، وحقيق بجلاله، قربتهم منه، لذلك لأن يأتي الإنسان كبيرة أهون من أن يقول على الله ما لا يعلم ، لأنك إذا قلت على الله ما لا تعلم سددت الطريق إلى الله عز وجل، ونفرت الناس عن حضرة الله.
الإنسان مخير:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾
أغرقه، كيفما تحركت? إن تنفست، إن شربت، إن أكلت، إن اضطجعت، إن نمت، ألا تنام على فراش من صوف؟ من خلق الصوف؟ ألا تأكل طعاماً؟ من خلق الطعام? ألا تتنفس هواء؟ من صمم الهواء بهذا التركيب? ومن ثبت هذه النسب؟ ومن جعل النبات يأخذ غاز الفحم السام ويطرح الأوكسجين؟ ومن جعل الحيوان ومنه الإنسان يأخذ الأوكسجين ويطرح غاز الفحم؟ من؟
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *
بالتوحيد خلاصنا جميعاً:
يا أيها الأخوة الأكارم؛ خلاصنا جميعاً، نجاتنا جميعاً، راحتنا جميعاً، سعادتنا جميعاً بالتوحيد، الشرك يمزق النفس، الشرك يُحمِّل النفس ما لا تحتمل، الشريك يبعثر الطاقات، الشرك يشتت:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
أي نهاية علمك ألا ترى مع الله أحداً أبداً، هذه الأسماء التي تسمعها، وهذه القوى التي تراها، وهذه الأحداث التي تشاهدها، وتلك الأزمات التي تمر بها، يجب أن تعلم علم اليقين أنه لا إله إلا الله الواحد القهار، لا شريك له، لا إله معه، لا راد لحكمه، لا مُعَقِّب على حكمه، لا راد لفضله، لا مانع لما أعطيت، لا معطي لما منعت، لا رافع إلا أنت يا رب، لا خافض إلا أنت، لا معز إلا أنت، لا مذل إلا أنت، لا شافي إلا أنت، لا منجي إلا أنت، هذا هو التوحيد.
نهاية العلم التوحيد:
الإيمان ينتهي بك إلى التوحيد فإذا وحّدت فقد استرحت وأرحت، لذلك قيل: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، نهاية العلم التوحيد ألا ترى مع الله أحداً:
﴿
اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، لكن التوحيد يحتاج إلى جهد، إلى جهد في معرفة الله من خلال خلقه، ومن خلال كونه، آياته القرآنية، ومن خلال أفعاله، فإذا تعمقت في الإيمان ووصلت إلى عقيدة صحيحة قطعية يقينية أنّ في الكون حقيقة واحدة هي الله، وأنّ أي شيء يقربك من هذه الحقيقة هو الخير المحض، وأنّ أي شيء يبعدك عن هذه الحقيقة فهو الشر المحض، الصلاة تقرِّب، الصيام يقرّب، العمرة تقرّب، الحج يقرّب، غض البصر يقرّب، الكسب الحلال يقرِّب، ضبط اللسان يقرّب، الغيبة تُبعِد، النميمة تُبعد، إطلاق البصر يُبعد، المال الحرام يُبعد، الإنفاق في معصية يُبعد، في الكون كله حقيقة واحدة، لكنك ترى وتسمع آلاف الأسماء، وآلاف الأقوال، وآلاف المعتقدات، وآلاف الحركات، هذا الذي تراه كما قال سيدنا هود:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
أهمية التوحيد:
بشكل أو بآخر، وحوش كاسرة، مفترسة، مخيفة، كلها مربوطة بأزمّة، بيد جهة، هذه الجهة فيها كل الكمال، فيها العدل والإنصاف والرحمة، فأنت علاقتك مع من؟ إن جعلت علاقتك مع هذه الوحوش فالقضية صعبة جداً، تعيش حياة الخوف، والقلق، والنفاق، والتمزق، والتبعثر، والتشرذم، أما إذا جعلت علاقتك مع هذه الجهة التي تملك هذه الوحوش فتستريح وتريح، هذا هو التوحيد، تجاوزت هذه القوى الظاهرة إلى من أعطاها القوة، تجاوزت هذه المتحركات إلى من حركها، تجاوزت هذه المكونات إلى من كوّنها، تجاوزت هذه المخلوقات إلى من خلقها، تجاوزت هذه الأحداث إلى من أحدثها، هذا هو التوحيد، لذلك أنت بالتوحيد سعيد، أنت بالتوحيد مطمئن، لأن علاقتك مع جهة واحدة، أحياناً يقول لك: تجارتي مريحة جداً، لماذا؟ خير إن شاء الله، يقول لك: أنا لي زبون واحد، مرتاح معه، كل بضاعتي يأخذها ويدفع لي ثمنها نقداً بدون مماطلة، التجارة مع إنسان واحد مريحة جداً، لكن مئتا زبون هذا كذاب، وهذا يدفع، وهذا لا يدفع، شيء متعب، أي هذا مثل من واقع التجار، موظف له خمسة أو ستة رؤساء هذا قال له: سافر، وهذا قال له: لا تسافر، هذا قال: بكِّر وهذا لا تبكِّر، هذا أرسله إلى البيت، أين كنت؟ والله أرسلني فلان، لماذا لم تقل لي؟ يتمزق هذا الموظف، أما إذا موظف له مدير واحد شيء مريح جداً انتهت كل مشاكله، علاقته مع واحد، لذلك التوحيد لماذا هو مريح؟ لأن كل مشاكلك مع جهة واحدة، لا تحتاج إلى أن تحلف له يميناً، لأنه يراك، فالإله يعرف، ولا يريد وصلاً، دفعت يا ربي للجامع، أعرف أنك دفعت، كنت مضغوطاً فصبرت، عرف ذلك، يعلم السرّ وأخفى، يعلم ما تُبدي وما تخفي، يعلم ما تُعلن وما تضمر، يعلم دوافعك الحقيقية تماماً، الأهداف الدقيقة، هناك شيء تعلنه أنت غير صحيح، الشيء الصحيح هذه الرغبات الباطنة التي تُحَرك الأفعال يعلمها الله عز وجل، فعندما الإنسان يوحد يرتاح، لا يخاف أحداً، ولا يرجو أحداً، ولا يُنافق، ولا يُجامل، ولا يتملق، ولا ترتعد فرائصه من تهديد هُدد به، ولا ينام مغموماً من وعيد وعد به، لأنه: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضـا
وابشر بخيـــــر عاجـــل تنسى به ما قد مضــــى
فلرب أمـــــــــر مسخط لك في عواقبه رضـــــا
ولربما ضاق المضـيــــق ولربما اتســـع الفضـــا
الله يفعــــــل ما يشـــــاء فلا تـــــــــك معترضــا
الله عـــــــوّدك الجمـــيل فقس على ما قد مضـى
* * *
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
* * *
آيات قرآنية تؤكد على التوحيد:
أنا أؤكد على التوحيد،
﴿
أخوة يوسف ماذا فعلوا؟ أرادوا به كيداً، أرادوا أن يلقوه في غيابة الجب وقد ألقوه ليموت ويستريحوا منه، فقال له ربنا سبحانه وتعالى:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
سيدنا موسى، فرعون قال: أنا سأذبح كل أبناء بني إسرائيل، هذا الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره، والله غالب على أمره.
جوهر الدين أن تفهم كل شيء من خلال لا إله إلا الله عندئذ لا تقهر ولا تتمزق:
يا أخوة الإيمان؛ إذا علمت أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أصبحت علاقتك مع الله، أما إذا علمت أن زيداً ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وعُبيداً ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، هذا هو التمزق، هذا هو الشرك، هذا هو الشرك الذي يشلّ الإنسان، الذي يمزقه،
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
لا يوجد إلا الله عز وجل، افهم كل شيء من خلال لا إله إلا الله، عندئذ لا تُقهر، ولا تتمزق، ترى أن الإله بيده كل شيء، وعليك أن تعبده وكفى، عليك أن تطيعه، وعليك أن تنتظر الخير منه، هذا هو جوهر الدين،
الله عز وجل يُكْثر على الإنسان الوسائل كي يعرفه ويقبل عليه:
لا أعتقد أن واحداً من أخواننا الحاضرين إلا وله مع الله خبرات في هذا الموضوع، هذه لأنني فعلت كذا، وهذه لأنني أخطأت هذا الخطأ، وهذا لأنني تجاوزت حدي، فحينما تشعر أن إلهاً كريماً رحيماً يلاحظ أعمالك، ويرقب أعمالك، وهو لك بالمرصاد، ويعالج، ويضيِّق، ويشدِّد، ويُكرم، ويشجِّع، عندئذ هو رب العالمين.
خطر في بالي مثل يقرب هذا المعنى معنى الربوبية، مدير ثانوية مثلاً يوجد نظام داخلي كل طالب غاب أسبوعين يُفْصل، هذا المدير طلب الدوام، ما تكلم للطلاب كلمة، لم ينصحهم، ما حذرهم، ما أنذرهم، إلا أنه عنده قوائم الدوام، فكلما رأى طالباً تجاوز غيابه خمسة عشر يوماً أصدر قراراً بفصله، هذا عدل، وهذا تطبيق للنظام، ولا يحاسب المدير على ذلك، لكن هناك مدير رحيم فضلاً عن أنه حازم، غاب الطالب يوماً واحداً استدعاه، طلب منه تقريراً أو وليه، وشدّد عليه، وكتَّبه تعهداً حتى لا يكررها، خلال سنة لم يدع طالباً أن يغيب أسبوعين، يُعالجه من أول الأمر، فهذا بالإضافة إلى أنه مدير حازم هو مربٍّ حكيم، فربنا عز وجل لم يعطنا الاختيار وتركَنا نغلط ثم عند الموت حاسبنا إلى جهنم، ليس هكذا، بل إنه من أول غلطة هناك حساب، يوجد حساب، يوجد تحذير، يوجد إنذار، يوجد تبشير، يوجد معالجة، يوجد تضييق، يوجد تشديد، يوجد إكرام أحياناً، أحياناً عن طريق رؤيا مخيفة، عن طريق رؤيا سارة، عن طريق صديق أمين، صادق، مخلص، عن طريق داعية، عن طريق خطيب مسجد، عن طريق كتاب تقرؤه، أي الله عز وجل يُكثر عليك الوسائل كي تعرفه وكي تقبل عليه، هذه هي التربية.
لذلك:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)﴾
العزيز هو الفرد الذي يحتاجه كلُّ مخلوق في أي شيء، أدق تعريف للعزيز: يحتاجه كل شيء في كل شيء، ليس هناك غيره، كل شيء في كل شيء، لا يُنال جانبه، أمره هو الغالب، لكنك إذا عدت إليه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه العزيز الغفار، إن عُدْتَ إليه قَبِلك.
الإنسان كائن معقد جداً إذا سار على منهج الله عز وجل يستقر ويسعد نفسياً:
﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)﴾
أنا في طريقي كنت في عقد قران، وفي طريقي إلى هذا المسجد قلت كلمة نبأ عظيم؛ إنسان جمّع كل أمواله واشترى بها أرضاً ليشيد عليها بناءً ويربح منها، يمسك جريدة ويقرأ أخباراً منوعة، أخبار رياضية، أخبار سياسية، أخبار اقتصادية، إقلاع الطائرات، وصول البواخر، أسعار العملات، أخبار كثيرة، أما قرأ خبراً مقداره سطر واحد فقفز من مجلسه، قرأ أن هناك قرار استملاك الأرض، هذا نبأ عظيم، هذا خبر ليس ككل الأخبار، مثلاً المؤمن شعر أن هذا القرآن، أحياناً الإنسان بحكم العادة يحضر خطب الجمعة، يحضر مجالس علم، إذا حضر عقد قران يسمع كلمة خطيب الحفل، يقول لك: يا أخي والله إنها كلمة لطيفة، إذا كان الدين بالنسبة لك قضية ثانوية، نشاط اجتماعي من جملة نشاطاتك الاقتصادية والثقافية والترفيهية أيضاً أنت لك أخوان، لك جامع، القضية أخطر من ذلك، سعادتك كلها تتوقف على علاقتك بهذا الدين، علاقة تصديق وتطبيق إذاً تسعد، علاقة عدم تصديق وعدم تطبيق تشقى، فقل: هو نبأ عظيم، الإنسان أحياناً يكون ببعثة، ومعلقاً آمالاً وبنى أحلاماً على نيل الشهادة، أحياناً تأتيه رسالة عادية: أُلغي إيفادك عُد إلى البلد، هذه رسالة غير عادية، يتلقى مئات الرسائل من أهله، سؤال وجواب، وسؤال عن خاطره وعن صحته وعن سعادته وأحواله ومجاملات وسلام وكلام هذه رسائله، أما هذه رسالة خطيرة ألغت إيفاده، هذا نبأ عظيم.
أنا أضرب أمثلة، إذا كنت ترى الدين أنك تفهمه فهماً خطيراً، الدين مصيري، سعادتك الأبدية مبنية على هذا الدين، استقرارك النفسي، صحتك النفسية في الدنيا، توظيفك في العمل، أنت كائن معقد جداً، هناك ضغوط كثيرة، يوجد عواطف، يوجد انفعالات، يوجد إغراءات، يوجد نشاطات، يوجد صراعات، أنت ككائن معقد جداً إذا سرت على منهج الله عز وجل تستقر نفسياً، تسعد، شعور المؤمن قال له: والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، فهذا النبأ عظيم، ستبنى عليه سعادتك في الدنيا والآخرة، يُبنى عليه استقرارك، يُبنى عليه زواجك، يُبنى عليه معاشك، ُبنى عليه رزقك،
النبأ العظيم:
لذلك لا تظن أن إنساناً سمع خطبة جمعة، حضر مجلس علم، قرأ صفحة من القرآن، القضية خطيرة جداً، الله عز وجل يضعك عند مسؤولياتك، يضعك عند مهمتك في الدنيا، فالإنسان:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
* * *
يقولون: إن الكاتب العظيم تقرأ قصته فلا تنام الليل، أما الكاتب التافه فتقرأ قصته وتتثاءب وتنام، عالَجَ موضوعاً خطيراً بعمق شديد، وضعك عند مهمتك،
﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)﴾
ما جاء به النبي من عند الله إنما وصله عن طريق الوحي:
كأن النبي عليه الصلاة والسلام، أو إن الله عز وجل أمر النبي أن يُبلِّغ الناس أن هذا الذي أقوله عن الله عز وجل هو وحي ليس من عندي، والدليل:
﴿
هذا الحوار الذي جرى بين حضرة الله عز وجل وبين الملائكة حينما أعلمهم بخلق مخلوق مُكرَّم عليه، وحيد، مخلوق، أمر الملائكة أن تسجد له، وإبليس رفض أن يسجد، وقال: أنا خير منه، هذا الحوار، وهذه المحاجة، وهذا التساؤل، وهذا الموضوع بكامله من أين جاء به النبي؟ كيف عرفه؟ عن طريق الوحي،
الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان عقلاً وهذا العقل بإمكانه أن يصل إلى الله:
﴿
إن حرف نفي، أي ما يوحى إليّ:
والآن ربنا جلّ جلاله يحدثنا عن قصة خلق العالم، وقبل أن نأتي على تفصيلاتها لابدّ من مقدمة قصيرة، هو أن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان عقلاً، وهذا العقل بإمكانه أن يصل إلى الله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، وهذا العقل بإمكانه أن يصل إلى أن هذا الكلام كلامه عن طريق الإعجاز، وبإمكانه أن يصل إلى أن هذا الذي جاء بهذا القرآن رسوله، فبالعقل تؤمن بالله خالقاً ورباً ومسيِّراً، تؤمن به واحداً وموجوداً وكاملاً، تؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، تؤمن بنبوة الأنبياء والكتب السماوية، كل هذا بالعقل، لكن العقل بمثابة ميزان له طاقات تَحُد من قدرته، هذا الميزان تقدر طاقته القصوى بعشرين كيلو، أو ثلاثين، فهناك موضوعات لا يستطيع العقل معرفتها بذاته مستحيل، كيف بدأ الله العالم؟ ما كان، الله عز وجل قال:
﴿
الإيمان لا يصح إلا بالعقل لا بالتقليد:
الإنسان لم يكن موجوداً، كل شيء عجز العقل عن إدراكه أخبره الله به، إذاً في الإسلام معقولات ومنقولات، يقين استدلالي ويقين إخباري، شيء يجب أن تفكر به، فإن لم تفكر به لا يُقبل منك، الإيمان بالله بالعقل، ولو قَلدت به لم يقبل منك، لو قُبِل التقليد بالإيمان لأصبحت كل الفرق الضالة على حق، يقول لك: ما ذنبي أنا قلدْتُ فلاناً؟! الإيمان لا يصح إلا بالعقل لا بالتقليد، فالإيمان بالعقل، الإيمان بالله، وبرسالة أنبيائه وبأنبيائه بالعقل، لكن الموضوعات التي يعجز العقل عن إدراكها لأنها فوق طاقته، العقل أساسه الاستدلال، أساسه شيء مادي أمامه يستنبط منه شيئاً مغيباً عنه، الأقدام تدل على المسير، والماء يدل على الغدير، والبعرة تدل على البعير، أَفسماء ذات أبراج وأرض ذات فِجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟ هذا الاستدلال العقلي، فالعقل من شيء مادي إلى شيء مغيب عن الإنسان، هناك شيء ظهرت عينه وأثاره مثل نار تشتعل أمام عينيك، وفوق النار دخان، فهذه النار ترى عينها بعينك، وترى آثارها بعينيك؛ اللهب والدخان، هذا اليقين الحسيّ، لكن رأيت جداراً ومن فوق الجدار دخان تقول: لا دخان بلا نار، هذا اليقين الاستدلالي، لا دخان بلا نار، لكن جاءك رجل وهو صادق عندك مئة بالمئة وقال: نشب حريق في المكان الفلاني، أنت لا رأيت النار ولا آثارها لكنه أخبرك أن هناك حريقاً، فأول يقين يَقين حسي، ثاني يقين يقيْن استدلالي، ثالث يقين يقيْن إخباري، فيما يتعلق بذات الله اليقين إخباري، فيما يتعلق بأصل الكون وقصة الحياة الدنيا وبدء الخليقة اليقين إخباري، فيما يتعلق بعد الموت اليقين إخباري، فيما يتعلق بالكائنات غير المرئية كالجن والملائكة اليقين إخباري، هذه تسميها مسموعات، تسميها أخباراً، تسميها يقيناً إخبارياً، تسميها إيماناً تصديقيّاً، الأسماء كلها ذات مسمى واحد، أما المعقولات التي أنت مكلف أن تعقلها بذاتك، ولا يقبل منك أن تقلد بها، إذاً الإيمان فيه معقول وفيه منقول، فيه استدلال وفيه تصديق، فيه تأمل وفيه مسموع.
قصة خلق العالم:
الآن ربنا عز وجل يحدثنا عن قصة خلق العالم، لو أنت قرأت شيئاً آخر خلاف هذا الشيء لك جواب واحد، ربنا عز وجل قال:
﴿
كلكم يعلم أن المَلَك رُكِّب من عقل بلا شهوة، المَلَك مخلوقات نورانية تسبِّح الله دائماً، لم تُكلّف، ليس فيها شهوات، والحيوان ركِّب من شهوة بلا عقل، المَلَك ليس له حساب والحيوان ليس له حساب لأنه لم يكلف.
الإنسان إذا عرف الله واستقام على أمره أصبح فوق الملائكة:
الإنسان رُكِّب من عقل وشهوة، فإن سما عقله على شهوته سما فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، الإنسان حينما ينقطع عن الله عز وجل يرتكب من الجرائم، في فرنسا قبل أيام ظهرت رغبة أن يُعاد العمل بالحكم بالإعدام شنقاً، السبب أن هناك شباباً يغتصبون فتيات صغيرات ثم يقتلونهن، مجرم اغتصب ثلاث فتيات وعمرهن ست سنوات ثم قتلهن،عندما ينقطع الإنسان عن الله عز وجل يصبح مجرماً كبيراً، يمكن أن يدمر أمة من أجل مصالحه الشخصية، وعندما يرتقي الإنسان يسبق الملائكة بكثير، لذلك:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
ما من مخلوق يلحق الإنسان إذا عرف الله، أما الذي أعرض عن الله عز وجل فأحقر مخلوق خير منه، النبي الكريم حدثنا عن رجل له جار، سافر هذا الجار وأوصاه بزوجته فخانه بها، كلبه قتله، فلما بلغ النبي القصة قال: خان صاحبه والكلب قتله، والكلب خير منه، فعندما ينقطع الإنسان عن الله، ويتبع شهوته، أصبح مجرماً كبيراً دون الحيوان، فإذا عرف الله واستقام على أمره أصبح فوق الملائكة، فربنا عز وجل خاطب الملائكة:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
أي هذا المِفْصَل، لولا المِفْصَل لا تستطيع أن تأكل إلا كما تأكل الهرة، يجب أن تنبطح على الأرض وتلعق الصحن ليس هناك غير هذه الطريقة، إذا ألغينا هذا المفصل، لو أن الإنسان يمشي على أربع لما أمكن أن يبني الحضارة، أما طلاقة يديه جعلت هذه الحضارة، إذاً: الإنسان يداه طليقتان ويمشي على رجلين،
السرّ في هذه النفخة أنها من روح الله عز وجل:
في الرأس، في الدماغ، في العينين بمحجرين تقيهما كل خطر، في هذا الأنف فوق الفم إذا كان الطعام فاسداً الأنف يعطي إنذاراً، هذا اللسان، هذا البلعوم في أحسن تقويم، قال:
﴿
لكن من طين، انظر إلى تمثال من الشمع يضعه بائعو الأقمشة في محلاتهم التجارية، وانظر إلى إنسان من لحم ودم، تجد فيه حياة، انظر إلى وردة طبيعية تفوح بالرائحة وانظر إلى وردة اصطناعية من ورق أو بلاستيك، أين الثرى من الثريا؟! قال:
ربنا عز وجل حينما أعطى الإنسان عقلاً وشهوة كرَّمه وكلفه وجعله خليفته في الأرض:
الإيمان انصياع لله عز وجل والكفر استكبار:
﴿
إبليس ليس مَلَكاً، هذا اسمه استثناء منقطع، إذا قلت: حضر الطلاب كلهم إلا المدرس، المدرس ليس طالباً، لكنه اجتمع مع الطلاب في وجوب الحضور، فحضروا ولم يحضر، فالاستثناء منقطع، معنى استثناء منقطع أي ليس المستثنى منه من جنس المستثنى، أي ما بعد
﴿
الإيمان انصياع لله عز وجل، والكفر استكبار، قال:
أكبر عقوبة ينالها مخلوق أن يبعد عن رحمة الله:
﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ
أي أنت أكبر من أن تنصاع لهذا الأمر؟
﴿
لذلك قالوا: أربع كلمات مهلكات؛ أنا ونحن ولي وعندي، (أنا) قالها إبليس فأهلكه الله، و(نحن) قوم الملكة بلقيس:
﴿
فانهار ملكها، وقال قارون:
﴿
أنا عندي كذا، أنا حجمي المالي كذا، أنا أملك كذا، أنا أفعل كذا، هذه كلمة مُهلكة، وفرعون قال:
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ
إذاً أربع كلمات مهلكات: أنا ونحن ولي وعندي.
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)﴾
أي أكبر عقوبة ينالها مخلوق أن يُبْعد عن رحمة الله.
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
آيات قرآنية تبين اللعنة التي أصابت إبليس وكل من تبع إبليس:
أكبر مكافأة لمخلوق أن يتجلى الله عليه، إذا تجلى الله عليه أنساه كل شيء، إذا تجلى الله على قلب المؤمن، إذا شعر المؤمن أن الله يحبه، وأنه بعين الله، وأن الله يحفظه، هذا الشعور لا يوصف، الشعور الآخر شعور الطرد من رحمة الله، اللعنة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا
﴿
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)﴾
هذه اللعنة أصابت إبليس وأصابت كل من تبع إبليس، كل من استجاب لإبليس، وائتمر بأمر إبليس، واستجاب لوسوسة إبليس عليه لعنة الله:
﴿
فإذا استجبت وخفت وتركت طاعة الله عز وجل حفاظاً على مصالحك فعلى هذا الإنسان اللعنة من الله، لأن إبليس ملعون، وكل من تبعه ملعون.
مهمة إبليس رئيس الجن:
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)﴾
معنى هذا أن إيمان إبليس بالله ليس منجياً، غير كاف.
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)﴾
لذلك إبليس منذ أن خلقه الله وإلى يوم الدين هو حيّ، حياته مستمرة، هذا طلبه من الله، لكن الجن يموتون ويتزوجون، أما إبليس رئيس الجن فحياته مستمرة.
﴿
أنا مهمتي يا رب:
﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)﴾
هؤلاء لا أستطيع أن أفعل معهم ذلك، هؤلاء حينما اعتصموا بك، وأطاعوك، واستعاذوا بك، وأخلصوا لك، انتهت مهمتي معهم.
﴿
إبليس لا يغوي إلا الغاوي ولا يزين المعصية إلا لمن يحب المعصية:
إذاً إبليس لا يغوي إلا الغاوي، لا يزين المعصية إلا لمن يحب المعصية، لكن المؤمن في حرز حريز، وحصن منيع، المؤمن حينما يطيع الله عز وجل أبعد عنه سلطان إبليس، حينما يطيع الله عز وجل أبعد عنه وسوسته.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)﴾
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)﴾
الدين مغروز في فطرتنا وما هذا الكتاب إلا ليذكرنا بالدين:
﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)﴾
الله جلّ جلاله لا يقول إلا الحق، هو حق ولا يقول إلا الحق.
﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)﴾
الإسلام دين الفطرة من دون تكلف، من دون تصنع، المنطق يدل على الله عز وجل، العقل يدل عليه، الفطرة تدل عليه، الحوادث تدل عليه، القرآن يدل عليه، الراحة النفسية لها علاقة بالإيمان، أحياناً تشعر أنها دعوة متكلفة فيها شدّ ومطّ، تجد الأفكار فُلْسفت فلسفة غير طبيعية، الأفكار كلها مؤوَّلة، هذه دعوة باطلة، كل شيء فيه تكلف، فيه تزوير، فيه تأويل، هذه دعوة باطلة، الحق لا يحتاج إلى تأويل، ولا إلى تزوير، ولا إلى كذب، ولا إلى صخب وضجيج، الحق هو الفطرة، الحق هو العقل، الحق هو الواقع، الحق هو ما يألفه الناس، ما يرتاح له الناس.
لذلك:
﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)﴾
الدين مغروز في فطرتنا، وما هذا الكتاب إلا ليذكرنا بالدين،
البطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان:
كما أقول لكم دائماً: قضية الإيمان ليست على النحو التالي، ليست أن تؤمن أو لا تؤمن، لا، قضية الإيمان متى تؤمن؟ لأنه لابدّ من أن تؤمن ولكن بعد فوات الأوان، فالبطل ليس الذي يؤمن، الذي يؤمن في الوقت المناسب، أما فرعون فقد آمن في الوقت غير المناسب، أيُّ مخلوق سوف يؤمن لكن بعد فوات الأوان، إذاً بطولتك أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن وأنت شاب، وأنت صحيح، وأنت شحيح، وأنت قوي، وأنت غني، فكرك مُتَّقد، عضلاتك مفتولة، الدنيا مُقبلة عليك، هذا وقت الإيمان، ليس بعد الثمانين ليس هناك شيء.
أحدهم قال لي: الدولاب ماسح والعداد قالب، أي أمره منته، ليس في هذا الوقت تؤمن، لم يعد هناك شيء، ليس هناك شيء تخاف منه أو تخاف عليه أساساً، ملَلْتَ الحياة، مللت الأكل والشرب، مللت النزهات، كله مللت منه، الآن تريد أن تؤمن؟ يجب أن تؤمن وأنت شاب لأن ريح الجنة الشباب،
(( عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ. ))
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ(88)﴾
أي ولسوف تعلمون، هذه فيها تهديد، إذا الحق لم يعجبك الآن أطل بالك، سوف ترى، سوف ترى أن هذا الذي ذُكِّرت به هو الحق، هناك جنة، وهناك نار، وهناك نار أبدية، وهناك حساب، وهناك صراط مستقيم، وهناك قبر، وهناك عذاب في القبر.
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
هذه آية في أصل عذاب البرزخ، القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، يوجد موت الموت حق، وعذاب القبر حق، والجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والحوض حق، وكل ما ورد في هذا القرآن حق، فهنيئاً لمن عرف الحق قبل يوم الحق، إذا عرف الحق قبل يوم الحق يستعد لهذا اليوم، فإذا كذبه فسوف يعرفه ولكن بعد فوات الأوان،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين