- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (038)سورة ص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله سبحانه وتعالى يُعزّي النبي عليه الصلاة والسلام ويواسيه ويطمئنه:
أيها الأخوة الأكارم؛ مع الدرس الثاني من سورة ص، ومع الآية الثانية عشرة، بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله عز وجل:
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)﴾
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يُعزّي النبي عليه الصلاة والسلام، معنى يُعزيه بمعنى أنه يطمئنه، بمعنى أنه يؤنسه، فأنت يا محمد لست وحدك المُكذَّبُ، أقوام كثر أتوا قبل قومك وكذَّبوا رسلهم كما كذبك قومك، لست أنت وحدك المُكذَّبْ فالأنبياء الذين جاؤوا قبلك كُذِّبوا كما كُذِّبت.
الإنسان أحياناً حينما تأتيه مشكلة، وهذه المشكلة متكررة يرتاح، لا لأن هذه المشكلة ليست مشكلة ولكن هذا من سنة الله في خلقه، منذ أن خلق الله الإنسان هناك كفر وإيمان، وبين الكفر والإيمان معركة أزلية أبدية في أي عصر، الناس رجلان مؤمن غرّ كريم، وفاجر لئيم، وبين المؤمن والفاجر معركة مستمرة، أي حدث يفسره المؤمنون تفسيراً نابعاً من إيمانهم، ومن تدينهم، ومن عقيدتهم، والحادث نفسه يفسره الكفار تفسيراً نابعاً من لؤمهم، ومن بعدهم، ومن جفوتهم، ومن حرصهم على الدنيا، فالإنسان يجب ألا يتفاجأ إذا دعا إلى الله وعارضه المعارضون، ما ينبغي أن يُفَاجأ إذا تمسك بأهداب الدين وانتقده المنتقدون، ما ينبغي أن يُصْعق إذا سلك طريق الإيمان، وأقام من حوله من أهل الدنيا حوله النكير، هذا وضع طبيعي جداً، المؤمن الصادق يوطن نفسه على أن الحق والباطل لا يلتقيان، ولا يتهادنان، ولا يمكن للباطل أن يتوافق مع الحق، الحق حقّ والباطل باطل، لكن الحق واحد، والباطل متعدد:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
بين الكفر والإيمان معركة أزلية أبدية في أي عصر:
الخط المستقيم واحد، بين نقطتين لا يمر إلا خط مستقيم، المستقيم الآخر يأتي فوقه تماماً، فالحق واحد، لو جلست مع المؤمنين في شتى العصور، لو أُتيح لك أن تجلس مع مؤمنين من مختلف العصور، من مختلف الأمكنة، من مختلف الأزمنة، من بيئات متنوعة، من مستويات مختلفة، مؤمن غني، مؤمن فقير، مؤمن مثقف ثقافة عالية، مؤمن غير مثقف، مؤمن مدني، مؤمن ريفي، مؤمن من أسرة عريقة النسب، مؤمن من أسرة ضعيفة النسب، الإنسان المؤمن له صفات، وله قيم، وله طباع، وله أخلاق، كلها تصب في حقل الإيمان، بينما الكافر له منطلقات، وله تفكير، وله طريقة في التعامل، وله قيم، وله تصورات، كلها تصب في حقل البعد عن الله عز وجل.
ما يجمع أهل الكفر جميعاً أنهم انقطعوا عن الله عز وجل واتبعوا الشهوات:
لذلك هذه الكلمة:
﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)﴾
هذا قانون ثابت، واليوم:
﴿ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ(13)﴾
ما الذي يجمع بين هؤلاء الأقوام جميعاً؟ أنهم انطلقوا من شهواتهم، حينما انطلقوا من شهواتهم كذبوا بالحق، لأن الحق يحدّ من شهواتهم، كذبوا الحق واتبعوا شهواتهم، لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
صفات دقيقة:
﴿ الَّذِينَ
﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)﴾
في شك من القيم الثابتة، في شك من العقيدة الصحيحة، دائماً في تشكك، يقول لك:
لَستُ أَدري وَلِماذا لَستُ أَدري لَستُ أَدري
* * *
سمة الشك من سمات أهل الكفر، سمة الصد عن سبيل الله من سمات أهل الكفر، سمة يبغونها عوجاً من سمات أهل الكفر، فيجمعهم جميعاً أنهم انقطعوا عن الله عز وجل واتبعوا الشهوات:
المؤمنون في كل زمان ومكان لهم صفات واحدة والكفار لهم صفات واحدة:
من لوازم هذا الاتجاه:
﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)﴾
كأن الله عز وجل يبين أن كل هؤلاء الأقوام انطلقوا من منطلق واحد، انقطعوا عن الله عز وجل، وانقطاعهم عن الله عز وجل جعلهم يتبعون الشهوات، أو اتباعهم الشهوات جعلهم ينقطعون عن الله عز وجل، إما أن تجعل اتباع الشهوات سبباً وترك الصلاة نتيجة، أو أن تجعل ترك الصلاة سبباً واتباع الشهوات نتيجة، أو أن تقول: هناك علاقة ترابطية بين اتباع الشهوات وبين ترك الصلوات، هؤلاء الأقوام كلهم جمعهم الكفر، وقد ورد:
معنى الأحزاب:
هذا الجمع:
معنى أولئك الأحزاب: أي هؤلاء الذين كانوا ملء السمع والبصر، هؤلاء الذين كانوا أسياد الدنيا، هؤلاء الذين كانوا مسيطرين، هؤلاء الذين كانت كلمتهم نافذة في كل بقاع الأرض، هؤلاء دمرناهم،
العقاب لا للتكذيب بل للانحراف:
﴿ إنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)﴾
أي ما منهم واحد إلا وقد كَذب الرسل، وحينما كَذب الرسل استحق العقاب من الله عز وجل، معنى ذلك أن التكذيب يتبعه الانحراف، والانحراف يتبعه العقاب، فالعقاب لا للتكذيب بل للانحراف، الإنسان إذا كذب نبي الله عز وجل، ومن لوازم تكذيب رسول الله عليه الصلاة والسلام عدم اتباع منهجه، والإنسان إذا لم يتبع منهج النبي ولا اتبع منهج القرآن سوف يأخذ ما ليس له، ويعتدي على الآخرين، لذلك الله عز وجل يعاقبه،
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
الأحداث وحدها تنبئك بالأخبار، ممكن أن تستخلص حقائق من أحداث متعددة، والإنسان مع نفسه إذا أراد أن يستقرئ حوادث من أقوام متباينة شيء، وإذا أراد أن يستقرئ الحوادث من قوم واحد شيء، وبإمكانه أن يستقرئ الحوادث من حياته الشخصية شيء آخر، أي أنت لا تبتعد كما يقولون، كلما أقبلت على الله عز وجل شعرت بالتوفيق، شعرت بالسعادة، كلما ابتعدت عن الله عز وجل شعرت بالقلق، شعرت بالتعسير، فالتيسير والتعسير، الإقبال والإدبار، التوفيق وعدم التوفيق، هذه مشاعر متناقضة، فأنت ألا تستطيع أن تستنبط من حوادثك اليومية أنك اليوم صليت الفجر في جماعة، وقرأت القرآن، وأقبلت على الله عز وجل، إذاً يومك يوم آخر فيه التوفيق، فيه الراحة، فيه الطمأنينة، فيه الاستقرار، فيه قوة الحجة، فيه سداد الرأي، فيه الحكمة البالغة، وحينما فاتتك صلاة الفجر في جماعة خرجت من بيتك لا تلوي على شيء، في ضياع، في قلق، في حمق أحياناً، ألا يمكن أن تستقرئ حينما أكلت المال الحلال بارك الله لك فيه، وحينما أكل الإنسان مالاً حراماً أتلفه الله، حينما اعتززت بالله أيدك الله ونصرك، حينما تعتز بغير الله يقهرك ويخذلك.
صفات الكفر:
إذاً استقرئ أنت، يمكن أن تستقرئ الحقائق من الحوادث التي تجري معك شخصياً، أنا كنت أعبر عن هذا بالتعبير الشائع: عندما الإنسان يفهم على الله عز وجل يقطع نصف الطريق، أي لماذا فعل الله بك كذا؟ لأنك فعلت كذا، لماذا وُفِّقتَ؟ لأن نيتك كانت طيبة، لماذا جاء التعسير؟ لهذه المخالفة، لماذا نشب خلاف في البيت؟ لأن البصر قد أُطْلق في الحرام، لماذا سعدت في البيت؟ لأن هناك غضاً للبصر، ألا يمكن أن تستقرئ بين كل موقف تقفه وبين النتائج قاعدة؟ هذا هو المؤمن، فكره جوّال دائماً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
أوصاني الله بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا و الغضب، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعطي من حرمني، و أعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكراً، وصمتي فكراً، ونظري عبرة.
مشكاة المصابيح للتبريزي بألفاظ قريبة مما ذكر، وقال: رواه رزين.ويؤيده ما جاء في مسند الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط
آيات قرآنية تؤكد أن الإنسان إذا كذب سوف يجد العقاب:
أما هؤلاء الذين يكذبون كما كذب الذين من قبلهم، هؤلاء الذين ينحرفون كما انحرف الذين من قبلهم، هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله كما صدّ آخرون عن سبيل الله من قبلهم، هذا ماذا ينتظرهم؟ ينتظرهم العذاب أيضاً:
﴿
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾
ألا تستنبطون من كل هذه الآيات، ومن كل هذه الحوادث حقائق أن الإنسان إذا كذب سوف يجد العقاب، مهما كان قوياً، مهما كان جباراً، مهما كان عنيداً، مهما كان متعجرفاً، العجرفة والصَّلَف والكبر والقوة أولئك الأحزاب وقد دمرهم الله عز وجل:
دلائل ساقها الله تعالى تبين أن الأقوياء في الأرض مهما علا شأنهم يدمرهم الله تعالى:
﴿ وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ(15)﴾
مثلاً: لو أن هناك رافعة على أساس الجذب المغناطيسي الكهربائي، سطح من الحديد محاط بوشيعة فيها تيار كهربائي، هذه الرافعة يمكن أن تحمل عشرات الأطنان من الحديد، إذا أراد العامل على هذه الرافعة أن يُسْقِط الأحمال كلها ما عليه إلا أن يضغط زراً أو مفتاحاً يقطع التيار عن هذه الرافعة، فإذا كل هذه الأحمال تقع فجأة.
من باب التقريب الله عز وجل، الأقوياء في الأرض مهما علا شأنهم، هؤلاء الأقوياء في المشرق كيف تفككت عراهم؟ وكيف انهارت أبنيتهم؟ وكيف أصبحوا شذرَ مذر؟ وكيف أصبحوا مضغة في الأفواه؟ وكيف تداعت هذه القلاع التي ما يظن أن تتداعى؟ هذا من الدلائل التي ساقها الله عز وجل، قال:
من معاني كلمة فواق:
1 ـ الإنسان دائماً بقبضة الله عز وجل:
(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))
على الله الأمر سهل جداً، الإنسان قد يطغى، قد يتكبر، لكن هو في قبضة الله عز وجل، قلبه بيد الله، يقول لك: سكتة دماغية، أحياناً وفاة بلا سبب، الإنسان ضعيف جداً، حياته متوقفة على عمل عشرات الأجهزة، وعشرات الغدد، وعشرات المراكز العصبية، وعشرات الدسامات، وعشرات المراكز المتوازنة، فالإنسان المعجزة أن يكون سليماً.
2 ـ ربنا عز وجل يأخذ الكفار بضربة واحدة ليس في أثنائها راحة إلى أن يقضي عليهم:
أحياناً الإنسان ضربة وتريحه ضربة، أما عندما ربنا عز وجل يأخذ هؤلاء الكفار ضربة واحدة ليس في أثنائها راحة أبداً إلى أن يقضي عليهم.
المعنى الأقرب للمنطق: ما لها من فواق أي ما لها من إعادة، صيحة واحدة، كلمة واحدة للتأكيد، ضربة واحدة ما لها من فواق، ومع كل هذا فالكفار دائماً يستهزئون.
الكافر يخاف بعينه لأنه عطل فكره أما الإنسان العاقل فيخاف بفكره وعقله:
ذكرت لكم في الدرس الماضي أن الكافر يخاف بعينه، لأنه عطّل فكره إذاً يخاف بعينه، أما الإنسان العاقل فيخاف بفكره وعقله، الإنسان العاقل يتوقع الشيء قبل مجيئه، لكن الإنسان الجاهل، المعنى المناسب:
مرة باخرة غرقت في البحر الأحمر، إنسان راكب درجة أولى في غرفة خاصة بالباخرة فجأة وجد نفسه في أعماق البحر، الإنسان ضعيف يركب طائرة يقول لك: وقد مات جميع ركابها؛ بخبر من ثلاث كلمات، ثلاثمئة وخمسون راكباً وقد مات جميع ركابها، يحترقون، ولا يبقى لهم أثر إطلاقاً إلا الصندوق الأسود الذي فيه تسجيلات آخر مكالمة، باخرة تجدها في أعماق المحيط أصبحت، فيها خمسة آلاف أو ستة، القصة معروفة عندكم باخرة وهي التيتانيك قيل عنها إنها لا تغرق، وقال بعض الحمقى: إن القدر لا يستطيع أن يغرقها، لأنها مصممة تصميماً عجيباً، من أشهر البواخر في أول رحلة لها من أوروبا إلى أمريكا، كان على ظهرها أثرياء العالم، أثاثها ومسابحها وملاهيها الليلية ونواديها الليلية والرقص والموسيقا والمطاعم والغرف والأجنحة، كل الحضارة في هذه الباخرة، وفي أول رحلة لها اصطدمت بجبل ثلجي شقّها شطرين فغاصت، هذا ردّ السماء للأرض، فالإنسان أحياناً يركب باخرة أو طائرة أو سيارة، أحياناً ينهار منزل، ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾..الإنسان ضعيف، ما انهار بيته ولكن مرض، الله عنده آلاف الأدوية، أمراض.
العاقل هو الذي يفكر في منهج الله حتى إذا جاء العذاب شعر أنه في مأمن ومنجاة:
ومع كل هذا هؤلاء قالوا:
﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ(16)﴾
القِط هنا النصيب، أي عجل نصيبنا من العذاب، أين العذاب؟ هذا قول استهزاء:
صبر النبي على قول المكذبين وعلى تصديهم للحق بأمر من الله:
﴿
الله عز وجل يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصبر على قول هؤلاء المكذبين، على أقوالهم، على تخرصاتهم، على استهزائهم، على صدهم للحق:
أيها الأخوة الكرام؛ قبل أن نمضي في الحديث عن قصة هذا النبي الكريم، وفي الحديث عن نبي يأتي بعده سيدنا سليمان، هاتان القصتان تتمحوران حول محور واحد، ما هو هذا المحور؟ المؤمن بشكل عام له نشاطان: نشاط في العبادة، ونشاط في العمل الصالح.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين