- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (016)سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن عشر من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90) ﴾
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ
قيمة الأمر من قيمة الآمِر :
أيها الإخوة المؤمنون، قيمة الأمر من قيمة الآمر، فكلما كان الذي يأمرك عظيم الشأن، رفيع القدر، قوياً، غنياً، كان أمره كذلك، فلذلك هذه الآية مُصدَّرة بلفظ الجلالة:
الأمر القرآني يقتضي الوجوب :
والأمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وقد يتوهم بعض الناس أن أوامر الله سبحانه وتعالى هي الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هذه أركان الإسلام، ولكن كل أمر في كتاب الله عز وجل يقتضي الوجوب، على وجه الإلزام، ولا خيار لك في ذلك.
﴿
ما هو العدل ؟
فلذلك الزوج له حقوق، والزوجة لها حقوق، والعدل يقتضي أن تعطي الزوجة زوجها حقوقه، وأن يعطي الزوج زوجته حقوقها: أن يطعمها مما يأكل، أن يلبسها مما يلبس، ألا يضرب الوجه، ولا يهجر في الفراش، من حق الزوج على زوجته، أن تحفظه إذا غاب عنها، وأن تنفذ أمره إذا أمرها، أن تطيعه إذا أمرها، وألا تمتنع عنه، وأن لا تخرج إلا بإذنه، وأن تحفظ ماله، هذا هو العدل، من حق الابن على أبيه؛ أن يحسن تربيته، وأن يوفر له حاجاته ـ ضمن إمكانات الأب ـ ومن حق الأب على ابنه؛ أن يرد الجميل بالجميل، أن لا يناديه باسمه، أن لا يمشي أمامه، أن لا يستسبه ـ أن يسبّب له السباب ـ هذا من حق الأب على ابنه.
لا تقوم الحياة إلا بالعدل :
الحياة لن تقوم إلا بالعدل، وأي مجتمع مهما كان قوياً حينما يلقي عرض الطريق بقيم العدل، فإن هذا المجتمع لابدَّ من أن ينهار، بقاء المجتمعات مرهون بالعدل، بقاء الأفراد مرهون بالعدل، صحة العلاقة بين اثنين أساسها العدل، حق الأخ الأكبر على إخوته الصغار كحق الأب على أبنائه، هذا هو العدل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا. ))
حق المتعلم على المعلم أن يصبر عليه، وأن يتواضع له، وأن يكون رحيماً به، وأن يأخذ بيده كلما عثر، حق الأجير على صاحب العمل؛ أن يقبض أجره قبل أن يجف عرقه، أن يأخذ ما يستحق، ألاّ تكلفه مالا يطيق، حق صاحب العمل على الأجير، أن يكون أميناً، صادقاً، ألاّ يؤذيه بالعمل، ألاّ يهمل، ألاّ يقصر، ألاّ يعتدي، حق الجار على جاره؛ إن استقرضك أقرضته، وإن استنصرك نصرته، وإن مرض عدته، وإن أصابه خير هنّأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات شَيّعته، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجب عنه الرياح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فاهدِ إليه منها، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك، إلا أن تغرف له منها، حق الجار على جاره، والأربعون دارًا كلهم جيران؛ شرقاً، وغرباً، وشمالاً وجنوباً، وارتفاعاً ..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)﴾
حق الأخ على أخيه؛ ألاّ يحقره، ألّا يغشه، ألّا يحتال عليه، أن يحفظ ماله، أن يحفظ عرضه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ. ))
حق الأخ على أخيه؛ أن تعامله كما تعامل نفسك، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، هذا هو العدل، كل مشكلاتنا، كل متاعبنا، كل مآسينا بسبب ترك مبدأ العدل، لو أن الزوج عَدَلَ مع زوجته، وعدلت هي مع زوجها.
(( انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ))
أي: يعدل الجهاد في سبيل الله. ما شكت امرأة زوجها، ولا شكا زوج امرأته.
﴿
هذا هو العدل.
حق الأمير على رعيته أن يطيعوه في غير معصية لله عز وجل.
وحق الرعية على أميرهم، قال سيدنا عمر رَضِي اللَّه عَنْه يمتحن أحد الولاة:
(( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ))
حقوق الناس أمر عظيم يقصم الظهر :
أيها الإخوة المؤمنون، مع سيدنا عمر الحق في أن يقول:
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هو لو تأملتم بالحقوق المترتبة عليكم، وأنا معكم لوجدتموها شيئًا يقصم الظهر، هل أديت حقك تجاه زوجتك؟ هل كنت متعسفاً في استعمال حق الزوج؟ هل دللتها على الله عز وجل؟ أم استمتعت بها وكفى؟ هل عرّفتها بخالقها؟ لها حق عليك، خدمتك، وحبست نفسها من أجلك، أفلا ينبغي أن تعرفها بربها؟ أفلا ينبغي أن تقودها إلى الجنة؟ هل أديت حق أولادك؟
الحقوق شيء مخيف يوم القيامة؛ يوم تقف بين يدي الله عز وجل، ماذا فعلت في حق أمك؟ هل عاملتها؟ هل كافأتها بإحسانها إحساناً؟ أم التفتّ إلى زوجتك ونسيتها؟ ورأيتها عبئاً ثقيلاً؛ شيئاً قديماً؟ ليتها تموت ونرتاح منها! أهذا هو حقها عليك؟!
هل عرفت حق أبيك؟ تأكل ما لذَّ وطاب، وأبوك محتاج إلى الدرهم والدينار، ولا تزوره إلا أياماً قليلة بالشهر أو بالعام؟ تقول له: أنا مشغول، أنسيت يوم كنت صغيراً؟ محتاجاً إليه؟
امرأة جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
(( تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ))
من فوق سبع سماوات. مرة عمر رَضِي اللَّه عَنْه وهو راكب بغلته مر بهذه المرأة فنزل عن دابته تأدباً معها، ووقف معها طويلاً تكلمه، فقيل له: أتكلم امرأة ضعيفة؟ فقال: كيف لا أكلمها؟ وكيف لا أستمع لها، وقد استمع لها الله من فوق سبع سماوات ؟
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ))
وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هو؛ لو ظلمت مجوسياً، لو ظلمت ملحداً، لحاسبك الله حساباً عسيراً، أليس هو عبداً لله؟
(( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ))
من قال لك: إنه يباح لك أن تفعل ما تفعل مع من لم يكن من دينك؟ أهذا هو الدين؟
(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ))
(( من غش فليس منا. ))
إطلاقاً، ولو غششت أي إنسان، هذا هو العدل.
إذا ضاق العدل اتّسع الإحسان :
رجل من عامة الناس يسكن أحد أحياء دمشق القديمة -هذه القصة قديمة جداً- له جار إمام مسجد، معروف بالتقى والصلاح، هذا الإمام رأى رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، قال: يا فلان، بلغ جارك فلانًا أنه رفيقي في الجنة، من هو هذا الشخص؟ شخص من عامة الناس، لا يُؤبَه له، إن حضر لم يُعرف، وإن غاب لم يُفتقَد، فذهب إليه ليبلغه البشرى، دخل إلى بيته، وقال: لك عندي بشرى من رسول الله، والذي نفس محمد بيده لا ألقيها على مسامعك حتى تقول لي ماذا فعلت مع ربك حتى بشرك النبي عليه الصلاة والسلام أنك رفيقه في الجنة؟ فأبى، ثم أبى، فلما ألح عليه قال: وَاللَّهِ تزوجت امرأة، وفي الشهر الخامس من الزواج كانت في شهرها التاسع من الحمل، فكان بإمكاني أن أطلقها، وبإمكاني أن أسحقها، وبإمكاني أن أفضحها، جئت بقابلة سراً وولدتها، وحملت المولود تحت عباءتي، وذهبت به إلى المسجد، وانتظرت حتى ينوي الإمام، دخلت، ولم يرني أحد، وضعت المولود خلف الباب، ونويت الصلاة، فلما انتهت الصلاة بكى المولود، تحلق الرجال حوله، دخلت بينهم، وكأن الأمر لا يعنيني، قلت: ما هذا؟ قالوا: تعال انظر، لقيط وُضع هنا، قال: هاتوه، أنا أكفله، فأخذه، وأعاده إلى أمه، وسترها، فقال عليه الصلاة والسلام في الرؤيا: أبلغ جارك فلانًا أنه رفيقي في الجنة، هذا إحسان، وليس عدلاً، العدل أن تطلقها.
الإحسان أنت مأمور به، مأمور به تماماً، أقمت دعوة إخلاء على المستأجر، وصدر قرار بالإخلاء، والمستأجر لا يقوى أن يستأجر بيتاً آخر، ليس له الحق أن يأخذ منك شيئاً، أعطيته مبلغاً من المال كي يدبر أمره به؛ هذا إحسان.
المحسن محمود عند الله ممدوح في القرآن :
الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
الله عز وجل بعظمته، بقوته، بكمالاته مع المحسن ..
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128) ﴾
﴿
علامة إحسانك :
من الإحسان إِيتَاء ذِي الْقُرْبَى حقوقهم :
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ
الفحشاء :
من يجعل بينهم هوة كبيرة، من العداوة والبغضاء، الفحشاء كل شيء تمجّه الفطرة السليمة، كل شيء ينكره المجتمع الإنساني، في أي زمان ومكان، قيمة مطلقة، أي إنسان، من أي لون، أو أي عرق، أو أي دين، يأبى ذلك، من يقابل الإحسان بالإساءة، هذه فحشاء، من يسيء إلى أمه وأبيه، هذه فحشاء، من يخون زوجته هذا فحشاء، العمل الفاحش؛ الذي تمجه الطبيعة البشرية، وتسري أنباؤه في الناس باشمئزاز شديد، واحتقار كبير، وترفع بليغ.
المنكَر :
إذا كنا في عصر انقلبت فيه القيم عندئذٍ المنكَر ما أنكره الشرع، أن يدخل الإنسان في مجتمع مليء بالكاسيات العاريات، المائلات، المميلات، ويسمى إنساناً لبقاً، لطيفاً، مهذباً، يمتع عينيه بهن؟! يعتدي عليهن اعتداء معنوياً، ويسمى لطيفاً، مهذباً، لبقاً، حضارياً، مثقفاً! المنكر ما أنكره الشرع.
﴿
فالفحشاء تدور مع الأعراف، والتقاليد، والعادات، ولكن المنكر يدور مع أحكام الشرع .
﴿
البغي :
(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ ـ أي الزنا ـ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ. ))
قبل أيام قرأت أن كل عشرة مصابين بمرض الإيدز في العالم الغربي، منهم تسعة شاذون أخلاقياً، وواحد موزع بين النساء العاهرات، وبين مدمني المخدرات، متى ظهرت الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم؟
هذا مرض جديد لم يكن في الأسلاف، يهدد العالم الغربي الآن، يعد في العالم الغربي العدو الأول، هكذا قال بعضُ ساستهم، مرض الإيدز العدو الأول، ما أسبابه؟ الفحشاء، أما دقة الحديث فقوله:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) ﴾
أحاديث عظيمة فافهموها واعرفوا قدْرها :
أيها الإخوة المؤمنون، دققوا في هذا الحديث، النبي عليه الصلاة والسلام حديثه كما يصفه علماء الأصول وحي غير متلو، لقوله تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
لذلك أمرُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام يقتضي التطبيق، والوجوب.
﴿
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ، وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا، وَلَهَا، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا، وَطَغَى، وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ. ))
تخيل نفسه عظيماً، واختال على الناس، النبي الكريم مر على أحد الأشخاص يضرب غلامه، أحياناً الإنسان يتجبر على غلام عنده، على صانع، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ:
(( كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قَالَ : فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. ))
(( بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ، وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا، وَلَهَا، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا، وَطَغَى، وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ. ))
شيء مخيف أن تنطبق إحدى فقرات هذا الحديث على واحد منا
هذه هي علة النهي عن هذه الأشياء : يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(6) ﴾
يوم تقف البنت يوم القيامة تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى تدخل أبي قبلي، لأنه أطلقني هكذا، لأنه لم يرعَ حقي، لم يعلمني، أطلقني على سجيتي، أنا جاهلة، فجئت إلى هذا المكان لأحاسَب عن أعمالي كلها، وكان أبي هو السبب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.