- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (016)سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع عشر من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(77)﴾
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
لا يعلم الغيب إلا الله :
لو أن الآية: وغيب السماوات والأرض لله، شيء، وأن يقول الله عز وجل:
قال تعالى :
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)﴾
وقال سبحانه :
﴿
لا تصدق أحداً من بني البشر أنه يعلم الغيب، لا تصريحاً، ولا تلميحاً، ولا إشارة، ولا بأي طريقة كانت
إذًا علاقتك مع مَن يعلم الغيب وحده :
فأنت إذاً علاقتك مع مَنْ؟ مع من بيده غيب السماوات والأرض، مع من بيده مقاليد السماوات والأرض، مع من بيده الخير والشر، مع من بيده الرزق، مع من بيده الحياة والموت.
طبيب كريم ذكر لي قبل يومين أن شابًا في الواحدة والثلاثين يحلق لحيته في البيت، ويمزح مع زوجته، فوقع في الحمام، فإذا هو ميت، من يعلم الغيب؟ من يعلم أن هذا الشاب سيموت بعد ساعة؟ أليس في ذهن الشاب آمال طويلة؟ قد يرجو أن يغير بيته، أن يغير عمله، أن يترك وظيفته، أن يعمل عملاً حراً، أن يدير تجارة عريضة، أن يذهب إلى البلاد الفلانية، أن يمضي الصيف في المكان الفلاني، أليس هذا في ذهنه؟
لذلك اتقِ من بيده غيب السماوات والأرض، أطع من بيده غيب السماوات والأرض، ارجُ من بيده غيب السماوات والأرض، خف ممن بيده غيب السماوات والأرض، يا موسى خف ثلاثاً؛ خفني، وخف نفسك، وخف من لا يخافني
وكلام رسول الله في القرآن:
﴿
الذي يسافر هل يرجع؟ ذهب إنسان إلى بلد فتوفي في المطار، عندما هبطت الطائرة ودخل إلى قاعة المسافرين، وجلس على كرسي وقع فمات، إذا سافرنا هل نعود؟ وإذا خرجنا من بيوتنا هل نرجع؟ وإذا نمنا هل نستيقظ؟ وإذا استيقظنا هل ننام على هذا السرير؟ وإذا عمّرنا هذا البيت هل نسكنه؟ وإذا أخذنا هذه الشهادة هل نستخدمها؟ وإذا خطبنا هل ندخل؟ وإذا دخلنا هل ننجب؟ وإذا أنجبنا هل نرى أبناءَنا كباراً؟ وإذا رأيناهم كباراً هل نزوجهم؟ وإذا زوجناهم هل نرى أولادهم؟
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ(55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56) ﴾
إذا كانت علاقتك بالله طيبة فلا تخشَ في الناس لومة لائم، من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
بشكل أو بآخر؛ لو أنك تملك قطعة من الذهب ثمينة، لو قال الناس عنها جميعاً: إنها تنكاً، هل تصبح تنكاً، أم تبقى ذهباً؟ الذهب ذهب، والتنك تنك، وإذا كان معك قطعة من المعدن الرخيص، وأوهمت الناس أنها ذهب، وصدقوك، هل تصبح هذه ذهباً؟ لا، علاقتك مع نفسك، وعلاقتك مع الله.
(( وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ))
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ :
(( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ. ))
من خلال مجموعة قصص سمعتها من طبيب دُهشت ؛ أن الإنسان بينه وبين الموت شعرة، قال لي: كهرباء القلب إذا اضطربت يتوقف القلب، في ثانية واحدة يصبح من أهل القبور، وقد يكون تخطيطه جيداً، ولا يشكو شيئاً، وهو في أوج صحته، وأوج قوته، أجهزته كلها تعمل بانتظام، وهو في ريعان الشباب، تضطرب الكهرباء في القلب، فيقف القلب، فيموت الدماغ، فتشخَص عيناه، وانتهى الأمر، اقلب صفحة، انتهى، أصبح خبراً بعد أن كان رجلاَ، كان رجلاً فصار خبرًا على الجدران.
أمرُ الساعة بين الكاف والنون :
كن فيكون، زُل فيزول، ومن حِكم الله عز وجل أن هذا الإنسان الشديد، العتيد، القوي، الجبار، المتكبر، حياته متوقفة على أسبابٍ تافهة جداً، فلو أن نقطة من الدم تجمدت في شرايين الدماغ لمات، يقولون: سكتة دماغيه، لو أن شريانًا في الدماغ فرعياً انفجر يموت الإنسان فوراً، لو أن الشريان المغذي للقلب سُدَّ يضطرب القلب، ويموت الإنسان.
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنمـا من يتقي الله البطل
***
أمد الله في حياتنا جميعاً، ورزقنا أعمالاً طيبة نلقى الله بها.
و في الحديث:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ : مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ. ))
ولكنها الحقيقة، بين الإنسان وبين الموت ثانية واحدة، لا أريد أن أذكر أمثلة، الأمثلة كثيرة جداً.
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ(83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ(84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ(85) فَلَوْلَا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ(86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(87) ﴾
هل تستطيعون أن تُرجِعوها؟
هذا كلّه دليلٌ على قدرة الله :
﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ﴾
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144) ﴾
إذاً الموت قاسم مشترك بين جميع الخلق.
﴿
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
المولود يخرج من بطن أمه جاهلاً :
أحدث نظرية في علم نفس الطفولة تؤكد هذه الآية، الإنسان لا يعلم شيئاً، الإنسان مزود بمنعكس واحد، هو منعكس المَصِّ، لولا هذا المنعكس لمات جوعاً، الآن وُلد، أعطِ ولدًا إصبعا من أصابعك يحكم شفتيه حولها، ويشفط الهواء من حولها! ألقِمْه ثدي أمه يرضع! غير هذا المنعكس، الإنسان لا يعلم شيئاً، فعلماء الذرة الكبار، علماء الفيزياء، علماء الكيمياء، علماء الطبيعيات، علماء التشريح، علماء الطب، علماء الفلك، علماء الرياضيات، علماء الجيولوجيا، علماء التاريخ، علماء الجغرافية، علماء اللغة، علماء الفلسفة، قادة العالم الكبار، علية القوم، هؤلاء كانوا لا يعلمون شيئاً، لحكمة بالغة.
تروي بعض القصص أن شاباً عالماً درّس في بغداد، وتحلق حوله الناس، وأُعجبوا به، واستفادوا من علمه، فأثار هذا غيرة بعض العلماء؛ فحسدوه، أراد بعضهم أن يحضر مجلسه ليسفّهه أمام تلاميذه، فبعد أن انتهى الدرس وقف هذا العالم المشهور، وقال: يا فتى من أين هذا العلم؟ ما سمعنا به، من أجل أن يصغره، ويحجّمه، ويظهر للناس أن هذا الكلام بدعة، من أين هذا العلم؟ ما سمعنا به، فما كان من هذا الشاب إلا أن قال لهذا العالم المشهور: وهل حصّلت العلم كله؟ سؤال، فإذا قال: نعم، وقع في غلط شنيع.
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وربنا عز وجل يقول:
﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ ۚ كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ
فاضطر هذا العالم إلى أن يقول: لا، سأله: هل حصلت العلم كله؟ قال له: لا، قال له: إذاً هذا الذي تكلمت به للناس من الشطر الذي لا تعرفه، إن كنت قد حصّلتَ شطر العلم، فهذا العلم من الشطر الذي لا تعرفه.
فربنا عز وجل قال:
إذا كنت في كل حال معي فعن حمل زادي أنا في غنى
فأنتم هو الحق لا غيركـم فيـا ليت شعري أنا من أنا
***
كن مع الله تر الله مـعك واترك الكل وحـاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنـعه؟ ثم من يعطي إذا ما مـنعك؟
كنت لا شيء وأصبحت به خير شيء بشراً قد طبعك
انظر إلى سنيِّ طفولتك، هل كنت تعرف شيئاً؟ الآن صرت إنساناً تقول: أنا، قل: الله تفضّل علي، بعد أن تطور الأمر بك، وتعلمت، وتثقفت، ونلت الشهادات العليا، وجلست في مجالس العلم، تقول: أنا؟!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ
المحجوب عن الله عز وجل يرى نفسه، يرى علمه، والذي يرى فضل الله عليه لا يرى نفسه شيئاً.
بعدها يجعل الله للإنسان سمعا وبصر وقلبا أدوات للتعلم :
عليك بشكر النِّعم :
الإنسان من أجل أن يعرف نعمة الله عليه ليتصور أنه لا عينين له، أو لا عين له؛ الألوان لا معنى لها، الأثاث بالبيت لا معنى له، جمال الأثاث لا قيمة له، جمال الطبيعة لا قيمة له، جمال الأزهار لا قيمة له، جمال الأطفال لا قيمة له، إذاً العين، السمع، والبصر والفؤاد، هذه من نعم الله الكبرى.
﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(79) ﴾
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ
ماذا تعلم عن عالَم الطير :
هل درست عن الطير شيئاً؟ قال بعض العلماء: إنَّ أرقى طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطير! فالطائرة مثلاً يجب أن تؤدي جهداً كبيراً جداً بأقل وزنٍ ممكن، هذا مبدأ الطائرة؛ لذلك وقود الطائرة يزيد عن مئة وخمسين طناً تستهلكها في خمس عشر ساعة! وزن وقودها كوزنها بالضبط! وزن الطائرة الكبيرة مئة وخمسون طناً، ووزن وقودها كذلك، إذاً فهي مُهيَأة أن تقوم بجهد كبير جداً، في الوقت نفسه أخف وزن ممكن هو وزن الطائرة، تُنتقى من معادن متينة، وخفيفة، هذا هو الطائر، عظامه كلها مفرغة من أجل خفة الوزن، ولأنه يبذل جهداً عالياً فإن رئتي الطائر تصل أصداغها إلى كل مكان في جسمه، فالهواء الذي يستنشقه الطائر يصل إلى كل مكانٍ في جسمه من أجل تبريد العضلات، لأن الطائر يطير ما يزيد عن ست وثمانين ساعة طيراناً مستمراً! قلب الطائر قلب عجيب، يضخ للجناحين دماً يعادل دم جسم الطائر كله، على كلٍّ بنية الطائر، عضلات الطائر، أجنحة الطائر، رئة الطائر، رأس الطائر، أجهزته شيء يأخذ بالألباب.
وأتمنى في درس قادم إن شاء الله أن أوسّع لكم في بنية جسم الطائر .
الله هو الذي زوّد الطير بصفات كثيرة :
هل تعلم كيف يهتدي الطائر في طيرانه ؟
العلماء وضعوا نظريات كلها باءت بالإخفاق، ظنوا أن الطائر يهتدي بأشعة الشمس، فإذا به يهتدي ليلاً إلى هدفه، ظنوا أن الطائر يهتدي بتضاريس الأرض، فلما طار فوق البحر اهتدى إلى هدفه، ظنوا أن الطائر يهتدي بشيء مغناطيسي، كلما طرحوا نظرية جاءت التجارب تؤكد عكسها، ولا يزال اهتداء الطائر إلى عشه قاطعاً مسافات شاسعة لا يزال هذا لغزاً يحير العلماء!! بعضهم طرح نظرية ربما كانت أقرب ما تكون إلى الصواب، أن الطائر يهتدي بالساحة المغناطيسية الأرضية، لا الشمس، ولا التضاريس، ولا الضوء، ولا شيء من هذا القبيل.
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ (80) ﴾
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا
البيت سكنٌ وراحة :
البيت نعمة :
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ. ))
معك مفتاح بيت، دخلت إلى البيت، خلعت الثياب، أخذت حماماً سريعاً، استلقيت على فراشك، نسيت تعب النهار، هذا البيت من نعم الله الكبرى، لك بيت خاص، من أجل أن تعرف قيمة المأوى الخاص لو أنك اضطررت أن تسكن مع أناس أسبوعاً، تضيق بهم ذرعاً، تشعر أن حريتك مقيدة، تريد أن تنام في الوقت الذي تشاء فلا تقدر، الناس ساهرون، لا تعرف قيمة المأوى المستقل إلا إذا كان لك مأوى مستقل، هذه نعمة كبرى، إذا دخل الإنسان بيته فليقل: الحمد لله رب العالمين.
بيوت جلود الأنعام خفيفة في الحلّ والترحال :
الصوف والوبر والشعر للأثاث واللباس :
معنى : وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ
﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ
﴿
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَانًا
الجبال مصدّات وظلال :
تجد هذا البلد دافئاً فيه مصدٌّ كبير للرياح، سلسة الجبال الغربية مصدّات للرياح، المدن التي خلف سلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية مختلفة، أما طقس حمص فطقس آخر، رياح عاتية، وهناك فتحة على البحر، القنيطرة لها طقس خاص، مناخ خاص لأنها مفتوحة على البحر، أما مدن الداخل التي تقع إلى جانب الجبال فتُعَدُّ هذه الجبال أكناناً، اصعد إلى جبل قاسيون في أيام رياح عاتية، انتقل من طرف إلى طرف فإنك ترى الطقس يختلف اختلافاً كبيراً، إن كانت الرياح غربية، وانتقلت إلى سفحه الشرقي فكأنه ليس هناك رياح إطلاقاً، وإن كانت الرياح شرقية، وانتقلت إلى سفحه الغربي فكأن الرياح معدومة.
إذاً:
الثياب تقي من الحرّ :
الثياب تقي من البرد أيضا :
﴿ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(82)﴾
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
ليس على النبي إلا البلاغ :
أنت مُبلِّغٌ .
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ﴾
﴿
﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ(83)﴾
يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ
هذه النعم من ينكرها؟ ماذا بقي عليك؟ أن تشكرها، أن تشكر الذي أنعم بها عليك، أن تشكر الذي منَّ بها عليك، لذلك عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي. ))
قيل من هم آل البيت؟ قال: كل تقي من آل البيت
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ(84)﴾
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
النبي يشهد يوم القيامة أنه بلغ الرسالة فلا حجّة لأحد :
هذا الذي بلغكم رسالات الله فيشهد عليكم، ألم تبلغهم؟ نعم يا رب قد بلَّغتُهم .
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)﴾
﴿ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ(85)﴾
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُون
الظالم يوم القيامة لا يخفّف عنه العذاب ولا يؤخَّر :
أقول مثلاً: هذا الذي ارتكب جريمة قتل، وحوكم، وحُكم عليه بالإعدام، وصُدِّق الحكم، وسِيق إلى حبل المشنقة، هو يصعد درج المشنقة إن شاء أن يبكي فليبكِ، وإن شاء أن يضحك فليضحك، وإن شاء أن يتوسل فليتوسل، وإن شاء أن يرجو فليرجُ، وإن شاء أن يسكت فليسكت، وإن شاء أن يستعطف فليستعطف، لابد من تنفيذ الحكم فيه، هذا انتهى أمره ، هذا كله بعد فوات الأوان، كنت فكِّرْ قبل أن تقدم على الجريمة.
﴿ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ(86)﴾
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ
لا ينفع البراءة من الشركاء يوم القيامة :
يتوهم الكافر أنه إذا أشار إلى الشركاء الذين عبدهم من دون الله فإن هذا سيخفف عنه العذاب، يا رب، هؤلاء الذين عبدناهم من دونك، عذِّبهم، تقول: لا، أنت لماذا عبدتهم؟ أنت لماذا اتخذتهم شركاء؟
﴿
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
إنه يوم الاستسلام :
استسلموا، أحياناً المجرم يستسلم، يا ترى يعدمونه خلال أيام؟ بعد أسبوعين؟ بعد سنتين؟ يا ترى أيحكمون عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة؟ أشغال شاقة ثلاثين سنة، انتهى أمره، مستسلم، ليس له قوة على أن يتكلَّم أي كلمة، يصورونه يضع رأسه في الأرض، مستسلم، هذا حال صعب.
﴿
الكافر يعذَّب ويزاد له في العذاب :
الذين كفروا يعذَّبون، أما إذا صَدُّوا عن سبيل الله فيُعذَّبون عذاباً آخر، يُعذَّبون لأنهم كفروا، ويعذَّبون لأنهم صدوا غيرهم عن الدين.
﴿
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ
لكلِّ أمة شهيد عليها يوم القيامة :
يخاطب الله سبحانه وتعالى النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً له:
القرآن تبيان لكل شيء فاتبعوه :
مثلاً: لو شاهدت إشارة تشير إلى أن هناك تحويلة في الليل، وأنت مسرع، يضعون إشارة؛ انتبه بعد ألف متر يوجد تحويلة على اليمين، تكفي إشارة وحدة، أحياناً يضعون إشارتين، أحياناً يضعون أربعًا؛ ألف متر، سبعمئة وخمسون، خمسمئة، مئتان وخمسون، بعد ذلك سهم على اليمين، أنت مسرع بالليل؛ هذه تبيان، أول إشارة، والثانية، والثالثة، والرابعة، لئلا تقع في الخطر.
القرآن هدى ورحمة وبشرى للمسلمين :
أما في الدرس القادم إن شاء الله فسوف نفسر قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)﴾
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه، اللهم ألزمنا سبيل الاستقامة لا نحيد عنها أبداً، واهدنا إلى صالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.