الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله سبحانه وتعالى لم يخاطب النبي باسمه إطلاقاً لأنه سيّد الأنبياء:
أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس والأخير إن شاء الله تعالى من سورة الممتحنة، ومع الآية الثانية عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)﴾
أيها الأخوة الكرام؛ نقف عند كلمات هذه الآية كلمةً كلمة، فالله سبحانه وتعالى لم يخاطب النبي باسمه إطلاقاً لأنه سيّد الأنبياء، قال:
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)﴾
قال:
﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)﴾
سورة مريم
﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)﴾
وليس في القرآن الكريم كلُّه قوله: يا محمَّد، لم يخاطب الله النبي صلى الله عليه وسلَّم باسمه إطلاقاً، خاطبه بصيغتين:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)﴾
تعظيم النبي وتوقيره جزءٌ من الدين:
أما ذكر اسمه خبراً، فقال:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)﴾
هذا مما يتميّز به النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا نستنبط منه؟ أن تعظيم النبي وتوقيره جزءٌ من الدين، وجزءٌ من ديننا أيضاً أن نعرف نبيّنا، وأن نعرف مكانته ومقامه عند الله، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلَّم قوله:
(( عن عبد الله بن عمرو: إذا سَمِعْتُمُ المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ، وصلُّوا عليَّ فإنَّهُ من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرًا ثمَّ سلوا اللَّهَ لي الوسيلةَ فإنَّها منزلةٌ في الجنَّةِ لا تنبَغي إلَّا لعبدٍ من عبادِ اللَّهِ أرجو أن أكونَ أنا، هوَ فمن سألَ لي الوسيلةَ حلَّت لَه الشَّفاعةُ. ))
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَلَا فَخْرَ. ))
[ سنن الترمذي: حسن صحيح ]
ونحن أتباع النبي، نحن أتباع سيِّد الأنبياء والمرسلين، إلا أن العلماء لهم عند هذه التبعية رأي دقيق هو أن الذين ينتمون إلى النبي عليه الصلاة والسلام ينتمون إليه على طريقتين؛ انتماء تبليغ، وانتماء استجابة، فكل إنسانٍ ولد من أبوين مسلمين بلغته السنَّة، بلغه القرآن فهو من أمَّة التبليغ، أما الذي استجاب لله وللرسول إذا دعاه لما يحييه فهو من أمَّة الاستجابة، وكل الميزات التي ذكرها الله عزَّ وجل لأمَّة محمَّد إنما هي أمَّة الاستجابة لا أمَّة التبليغ، أي كل الميزات التي مُنِحَت لأمة النبي عليه الصلاة والسلام لمن يتَّبع النبي:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
دليل محبة النبي الكريم اتباعه وتطبيق سنته:
دعوى المحبَّة لا تُقبَلُ إلا بالدليل، دليلها اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والإنسان دائماً يميل إلى الإعجاب بعقله وإيمانه، ولا يرضى عن رزقه، هذا الإعجاب إعجاب موهوم، لا تظنَّن أنك على حق إن لم تُطبِّق سنَّة النبي، لا تتوهَّم أنك تحبُّ الله عزَّ وجل إن لم تتبع النبي، لا تظننَّ أنك من أمة محمدٍ عليه الصلاة والسلام ما لم تكن مستجيباً لأمر الله ونهيه، أما أمة التبليغ فمثلها مثل بقية الأمم.
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ هذه دعوى، يا سعدَ بن أبي وقَّاص، إذا قلنا: "يا سعدُ- على أنه مفرد عَلَم-لا يغرَّنك أنه قد قيل خال رسول الله، فالخلق كلُّهم عند الله سواسية ليس بينه وبينهم قرابةٌ إلا طاعتهم له".
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
الله تعالى خاطب النبي عليه الصلاة والسلام تشريفاً له بالنبوّة والرسالة:
حينما تعتقد أنه لا نسب، ولا عُزْوَةَ، ولا جماعة ترفعك إلى الله إلا طاعتك له عندئذٍ وضعت يدك على جوهر الدين، فلذلك هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ :
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ إذاً خاطب الله النبي عليه الصلاة والسلام تشريفاً له بالنبوّة والرسالة، ولم يخاطبه باسمه كما خاطب بقية الأنبياء.
آياتٌ كثيرة يخاطب الله بها الأنبياء بأسمائهم:
في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة يخاطب الله بها الأنبياء بأسمائهم: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ .
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)﴾
إذا كان الله سبحانه وتعالى يرفع قدر النبي إلى هذا المستوى.
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
إذا كان الله تعالى رفع مقام نبيّه إلى أعلى مقام فنحن المؤمنين من باب أولى أن نعظِّمه، وأن نوقِّره، وأن نصلي عليه.
صعد المنبر عليه الصلاة والسلام فقال: آمين، فصعد الدرجة الثانية فقال: آمين، فصعد الدرجة الثالثة فقال: آمين، وخطب ونزل، فلمَّا نزل سأله أصحابه: يا رسول الله علامَ أَمَّنت؟ قال:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ، ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ . ))
[ سنن الترمذي: إسناده حسن: هداية الرواة ]
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)﴾
جزءٌ من الدين أن نعرف النبي عليه الصلاة والسلام:
الله عزَّ وجل يتجلَّى على قلب النبي تجليّاً يفوق كل تجلّ، أنتم إذا أردتم تجلي الله عزَّ وجل فاذكروا النبي، اتصلوا به، إن قرأت سيرته ذكرته، وإن صلّيت عليه ذكرته، وإن ذكرت شمائله صليت عليه، العبرة أن نتعرَّف إلى هذا النبي الكريم، إن أخطر إنسانٍ في حياتنا هو رسول الله لأنه القدوة التي جعلها الله لنا أسوةً، إنه الإنسان المعصوم بمفرده من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره وأحواله، فلذلك ينبغي أن نخصِّص وقتاً من وقتنا لمعرفة رسول الله، وأن نربِّي أبناءنا على حبِّ رسول الله، لا ينبغي أن نقول لهم: أحِبُّوا رسول الله، هذا كلامٌ لا معنى له، ينبغي أن نعلِّمهم شمائله، رحمته، وعدله، محبَّته، إنصافه، إخلاصه، تواضعه، تياسره، هكذا، إذاً جزءٌ من الدين هو أن نعرف النبي عليه الصلاة والسلام.
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)﴾
ينبغي أن نعرف الرسول، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ .
مقام النبي عدم الانقطاع عن الله إطلاقاً:
بالمناسبة النبوّة مقام والرسالة مقام، النبوة مقام معرفة، والرسالة مقام تبليغ، ما كل نبيٍّ برسول، أما كل رسولٍ فنبي، مرَّةً حينما مرَّ سيدنا الصدِّق في الطريق فرأى حنظلة يبكي فقال: "ما لك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة، قال: لمَ يا أخي؟ قال: لأننا نكون مع رسول الله ونحن والجنَّة كهاتين فإذا عافسنا الأهل ننسى-سيدنا الصديق من شدَّة تواضعه قال: أنا كذلك يا أخي انطلق بنا إلى رسول الله"-كلَّماه، فقال عليه الصلاة والسلام الآن دققوا:
(( عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قالَ: ثُمَّ جِئْتُ إلى البَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ المَرْأَةَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بالحَديثِ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما فَعَلَ، فَقالَ: يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ولو كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كما تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، حتَّى تُسَلِّمَ علَيْكُم في الطُّرُقِ. وفي رواية : كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَديثِهِمَا. ))
معنى ذلك أن مقام النبي عدم الانقطاع عن الله إطلاقاً، موصولٌ بالله دائماً، مقام المؤمنين ساعةٌ وساعة، الصِّدّيقون ثلاث وعشرون ساعة اتصال وساعة فتور، كلَّما قلت ساعات الاتصال زادت ساعات الفتور، لا أقول ساعات المعصية لأن المؤمن مستقيم، إلا أنه ساعة إقبال وساعة فتور، ساعةٌ وساعة، أما الأنبياء فاتصال دائم: ((أما نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم)) .
تنزل الرحمات على من كان في مجلس علم مع إخوةٍ مؤمنين:
يوجد استنباط آخر من هذا الحديث أنك إذا كنت في مجلس علم مع إخوةٍ مؤمنين أطهار طيّبين مقبلين على الله عزَّ وجل فالرَّحمات تتنزَّل على المجلس لأنه:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ. ))
حفَّتهم الملائكة أي وفِّقوا في أعمالهم، غشيتهم الرحمة أي شعروا بسعادةٍ لا توصف، نزلت عليهم السكينة أي الطمأنينة، سعادة، وطمأنينة، وتوفيق، هذا إذا جلست في بيتٍ من بيوت الله تدرس أو تتدارس كتاب الله، كما قيل: إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني، وحُقّ على المزُور أن يكرم الزائر.
العلم يحتاج إلى مداومة ومثابرة:
هناك ملاحظة أتمنَّى أن تكون واضحةً لديكم؛ هناك أناسٌ يتعلَّمون العلم بشكلٍ عشوائي على الصدَف، أي حضِر عقد قِران يسمع كلمة من خطيب الحفل، هذه الكلمات وهذا الحضور المُتَقَطِّع هذا لا يصنع إيماناً، وأوضح مثل: لو أن إنساناً اقتنى مجلَّة طبيَّة، وقرأ مقالات طبيَّة، وله أصدقاء أطبَّاء هل يُصبِحُ طبيباً؟ مستحيل، ما لم ينل الشهادة الثانوية بمجموع معيَّن، وما لم يدخل كليَّة الطب، ويدرس في السنة الأولى علوم عامَّة؛ تشريح، وفيزيولوجيا، وعلم أمراض، وعلم أدوية، ثم يدرس سنتين أو ثلاث تطبيقات عملية، لا يكون طبيباً، شهادة ثانوية بمجموع عال جداً، دراسة منهجية، كتب مقرَّرة، أساتذة كبار، امتحانات ليكون طبيباً، أما الثقافة العشوائية سمع خطبة في زمانه، حضر كتاباً فألقى الخطيب كلمة مؤثِّرة، حضر درس علم بزمانه، فهذا لا يصنع إيماناً، العلم يحتاج إلى مداومة، إلى مثابرة، إلى تراكم، القناعات إذا تراكمت ولَّدَتْ طاعات لله عزَّ وجل.
تقريباً ومن باب التوضيح افرض أن الشهوات وزنها خمسة كيلو- قوَّة-شهوة المرأة، شهوة المال، شهوة العلو في الأرض، هذه الشهوات قِوى فاعلة في الإنسان، وحضرت خطبة خمسة غرامات، الشهوات خمسة كيلو، خطبة ثانية عشرة غرامات، ليس من الممكن أن تحاول أن تستقيم حتى تصبح قناعاتك خمسة كيلو، تَحرَّك الميزان، دخلت بصراع، أفعل لا أفعل، أفعل هذا، لا لن أفعل هذا، عندما تستوي قناعاتك مع شهواتك تدخل في الصراع الإيجابي، أما إذا كنت قد طلبت العلم طلباً كثيراً، وصار عندك قناعات عالية جداً، دخلت في الأعماق-أي لا تعصي الله لو قُطِّعْتَ إرباً إرباً، لا تعصي الله ولو أُعطيت كل شيء-لو كانت الدروس طارئة وغير منتظمة، لقاءات غير محدَّدة، استماع نصف إصغاء، هذا لا يصنع إيماناً قوياً يقف أمام الشهوات، الشهوات قِوى كبيرة جداً، مثلاً صخرة وزنها عشرة أطنان تسقط من السماء ما الذي يوقِفُها؟ هل يوقفها طبق ورق؟ لا، إنها أقوى من ذلك، فقناعات هشَّة، مقاومة هشَّة، إيمان ضعيف، عدم يقين، هذا لا يحجز الإنسان عن شهواته، فلذلك العلم يحتاج إلى مداومة، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظنَّ أنه قد علِم فقد جهِل.
النبوَّة مقام معرفة أما الرسالة فمقام تبليغ:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ النبوَّة مقام معرفة، أما الرسالة فمقام تبليغ، والنبي عليه الصلاة والسلام نبيٌّ، ورسولٌ، وسيّد الأنبياء، وسيد المرسلين، وسيد ولد آدم، وسيد المخلوقات أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ تعلمون أنَّ إذا تفيد تحقُّق الوقوع، أما إنْ فتفيد احتمال الوقوع، والدليل قال تعالى:
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾
ما معنى إذا جاء نصر الله والفتح؟ أي أن نصر الله سيأتي لا محالة، مجيئه حَتْمِيّ، أما إذا قال الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾
أي قد يأتي وقد لا يأتي، إن تفيد احتمال الوقوع بينما إذا تفيد تحقُّق الوقوع، ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ ، يجب أن توازن بين امرأةٍ تابعةٍ لزوجها ولو كان كافراً، ولو كان فاسقاً، ولو كان منحرفاً، تقول: هكذا يريد زوجي ماذا أصنع أنا؟ وبين هؤلاء النساء المؤمنات الطاهرات اللواتي تركن أزواجهن والتحقن بالنبي عليه الصلاة والسلام.
استقلال المرأة في دينها وإيمانها عن زوجها:
إخوتنا الكرام؛ ينبغي أن تعلموا أن المرأة مساويةٌ للرجل تماماً فيما يتعلَّق بالدين، وهي مستقلَّةٌ في إيمانها وفي دينها استقلالاً، وهي مساويةٌ فيما يتعلَّق بأمر إيمانها ودينها للرجل مساواة تامَّة، وهي مستقلَّةٌ في أمر دينها وإيمانها عن زوجها، وأكبر دليل:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)﴾
الله جعل صدِّيقة عند أكفر كفَّار الأرض، قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾
جعل زوجته صدِّيقة، وكان جبَّاراً طاغياً ومع ذلك لم يستطع أن يحملها على الكفر، لماذا أراد الله ذلك المثل؟ ليكون مثلاً للبشرية جمعاء، المرأة مستقلَّةٌ في أمر دينها وإيمانها عن زوجها-لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق-هؤلاء النساء اللواتي تركن أزواجهن المشركين الكفَّار والتحقن بالنبي عليه الصلاة والسلام، المرأة حينما تقول: هكذا يريد زوجي، هذا كلام غير مقبول، وكم من زوجٍ كانت هدايته على يدِ زوجته! كم من زوجةٍ وقفت موقفاً حازماً أمام انحراف زوجها وفي النهاية حملته على طاعة الله! يجب أن نقضي على هذه التفرقة أن هذه امرأة، هذه نظرة جاهلية لأن الإسلام لم يفعل هذا، الإسلام عدَّ المرأة صنو الرجل، شقيقة الرجل، النساء شقائق الرجال، لها مهمَّةٌ أخرى، بل إن امرأةً جاءت النبي عليه الصلاة والسلام قالت: "يا رسول الله ذهب الرجال بكل الخير، ماذا بقي لنا؟ قال عليه الصلاة والسلام: اعلمي أيتها المرأة -هذا كلام النبي ولا ينطق عن الهوى، ولا يجامل، ولا يحابي، لا يتكلَّم إلا بالحق-قال: اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعُّل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله" .
والجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام، أي أعلى مرتبة في الإسلام الجهاد، والمرأة التي تُحسِنُ تبَعُّل زوجها كالمجاهدة في سبيل الله، هذا كلام النبي، وهذه امرأةٌ تركت زوجها لأنه كافر، ولأنه مشرك، والتحقت بالنبي عليه الصلاة والسلام، معنى ذلك أنها مستقلَّةٌ في أمر دينها عن زوجها.
لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق:
مرَّة امرأة سألت أحد رجال الدين: إن زوجي يجبرني على أن أذهب معه إلى البحر، وأن أكون مع أصدقائه، قال لها هذا العالم: لا تطيعيه لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
لا تجد امرأة تقول: هكذا يريد زوجي، إذا أمركِ بالمعروف فعلى العين والرأس، أما إذا أمركِ بمعصية؛ أن تستقبلي أصدقاءه، أن تخرجي أمامهم، أن تكوني معه في انحرافاته، فلا تُعفَى المرأة من الحساب والعقاب إذا أطاعت زوجها في معصية، أبداً، لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، سحرة فرعون قال لهم فرعون:
﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)﴾
إلى آخر الآية.
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)﴾
فالإنسان ينبغي ألا تأخذه في الله لومة لائم، ينبغي ألا يطيع مخلوقاً ويعصي الخالق.
ذكرت لكم مرَّةً كيف أن والي البصرة كان عنده الحسن البصري، وهو من كبار التابعين، وقد جاءه توجيهٌ من يزيد- الخليفة-هذا التوجيه ربما لو نفَّذه لأغضب الله عزَّ وجل ورضي عنه يزيد، قال: ماذا أصنع؟ أخاف إن عصيت الأمر أن يغضب عليَّ يزيد وأخاف إن أطعته أن يغضب عليَّ الله عزَّ وجل؟ أجابه الحسن البصري إجابةً تُكتَب بماء الذهب، قال: إن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
وأنت قس على هذه القاعدة ألف موضوع، لا تُطِعْ مخلوقاً وتعصي الخالق، لأن الخالق يعصمك منه، لكن المخلوق لا يعصمك من الخالق، ما الذي يمنع الخلايا أن تنمو نمَّواً عشوائياً بلا سبب؟ شاب في مقتبل العمر في أي مكان في جسمه يمكن أن تنمو الخلايا نمّواً عشوائياً، هذا مرض ليس له دواء، ما الذي يمنع؟
مساواة المرأة للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية:
إذاً: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ المرأة مساويةٌ للرجل تماماً، مساويةٌ للرجل تماماً في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، لكن المرأة لها خصائص نفسية وجسمية واجتماعية، وللرجل خصائص نفسية وجسمية واجتماعية وعقلية، كل طرفٍ خصائصه كمالٌ في حَقِّه، وقد ضربت على هذا أمثلة كثيرة منها إن المركبة المُعَدَّة لنقل البضائع نقص مكان الركَّاب كمالٌ فيها لأنها معدَّةٌ في الأصل لنقل البضائع، والمركبة المُعدَّة لنقل الركَّاب نقص مكان البضائع كمالٌ فيها لأنها مُعدَّةٌ لنقل الركَّاب، فما كل نقصٍ نقصاً، النقص هو الكمال، فالمرأة صُمِّمَت لتكون زوجةً وأمَّاً ترعى أولادها، فقد أعطاها الله من العاطفة الشيء الكثير، أعطاها القلب الكبير، أعطاها المشاعر المرهفة، أعطاها الحُب، أعطاها العطف، أعطاها الاهتمام، والرجل لأنه خُلِق ليكسب الرزق أعطاه الله ضعفاً في عواطفه ونماءً في عقله وملكاته، فصفات الرجل العقلية والجسمية والنفسية والاجتماعية كمالٌ فيه، ومعينةٌ على أداء مهمَّته، وصفات المرأة الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية كمالٌ فيها، ومعينةٌ على أداء مهمَّتها، المرأة مساوية للرجل وأية نظرةٍ أخرى نظرة جاهلية الإسلام منها بريء.
امرأةٌ جاءت النبي وهي تكره زوجها، قال: لو تراجعيه؟ فقالت له، ودققوا في قولها: أتأمرني؟ لأنه النبي، لو أمرها لنفَّذت، قال: لا إنما أنا شفيع، قالت له: لا حاجة لي به ، تركها على حرِّيتها.
المرأة لها مكانة كبيرة جداً، وكلَّما الإنسان ارتقى إيمانه يكرِّم المرأة، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الخيرية المطلقة في أن تكون خيّراً لأهلك، قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأِهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأِهْلِي. ))
لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له:
إذاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ إلا أن النبي كان يمتحنها لعلَّها جاءت النبي كراهيةً لزوجها، لعلَّها شاءت أن تنتقل من مكانٍ إلى مكان، لعلَّها ولعلَّها، أما إذا أرادت بهجرتها الله والرسول والدار الآخرة فقد قبلها النبي وأكرمها أيما إكرام.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ يبايع فعل مضارع من بايَعَ، بايَعَ أي تعاهد على أداء ما عليه، بايعته على كذا أي واثقته وعاهدته، ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دينَ لمن لا عهد له، فالعهد هنا هؤلاء المؤمنات بايَعْنَ رسول الله من دون أن يصافحهن، تقول السيدة عائشة: "والله ما مَسَّت يد النبي يدَ امرأةٍ منهن" ، "إني لا أصافح النساء" ، النبي قدوة، وأبعد الناس عن التأثُّر بالنساء هو رسول الله ومع ذلك ما مسَّت يده يد امرأةٍ قط، المبايعة إبرام العهد، عقد العهد على طاعة الله عزَّ وجل.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(12)﴾
الشيء المُلْفِتَ للنظر أن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ذكر أركان الدين، ركن إيجابي وأركان سلبيَّة، فالإيجابي: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ لأن الدين كلَّه توحيد، والحقيقة أن الإنسان حينما يؤمن أن لهذا الكون خالقاً فهذا إيمان عادي جداً لا يقدِّم ولا يؤخِّر ولا يرفع، لو أن أهل الأرض جميعاً سألتهم إلا المكابرين، إلا قلَّة قليلة جداً جداً ممن ركبت رؤوسها، لو سألت أهل المشرق والمغرب: من خلق السموات والأرض؟ لقالوا: الله الذي خلقهن، حتى إن الذين يعبدون الأصنام يقولون:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
فالإيمان بالله خالقاً هذا لا يقدِّم ولا يؤخِّر، هذا قاسم مشترك بين معظم البشر، ولكن الإيمان المعوّل عليه هو التوحيد، أن تؤمن أن الله خالق هذا إيمان بالخالق، وفعَّال أي إله، أن تؤمن أنه في السماء إلهٌ وفي الأرض إله، وأن الأمر كلَّه بيد الله.
﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)﴾
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
لن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت به إلهاً فَعَّالاً:
أن تؤمن أنه:
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
أن تؤمن أن الله:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾
أن تؤمن:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
أن تؤمن أنه:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
أنت لن تستقيم على أمره إلا إذا آمنت به إلهاً فَعَّالاً، الأمور كلها بيده، أنت بشكل طبيعي في أي مكان أنت فيه تتجه وتُعظِّم وتتقرَّب ممن تعتقد أن الأمر بيده، تدخل إلى دائرة فيها مئة موظَّف، لا تبذل ماء وجهك ولا ترجو إلا لمن بيده حقّ التوقيع بالموافقة، مع الموافقة وقَّع لك، هذا الذي ترجوه، وهذا الذي تطرق بابه، وهذا الذي تسأله، وهذا الذي قد تتضعضع أمامه، أما أن تسأل حاجباً، أن تبذل ماء وجهك أمام موظَّف ليس في إمكانه أن يوقِّع لك فهذا نوع من الجنون، أنت إذا علمت أن الله بيده كل شيء، أدق شيء وأكبر شيء، سعة الشريان في قلبك بيد الله، يضيق، يتسع، أي خلية في جسمك وأي قطرة في دمك بيد الله عزَّ وجل، ووسع كل ما فوق ذلك ممن حولك، ممن فوقك، ممن تحتك، الكون كله؛ السماوات والأرض والمجرَّات، والأمطار والرياح، والرزق، والأقوياء والضعفاء كلُّهم بيد الله، إذا آمنت أن الله بيده الأمر كلُّه عندئذٍ تعبده وتتوكَّل عليه، فلذلك جاء في الآية أن أعظم شيء في الإيمان ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ﴾ أنت بحاجة ماسَّة إلى طبيب، فإذا اتجهت إلى المستشفى وجدت الطبيب، أما إذا اتجهت إلى طريقٍ معاكس فقدت الطبيب، فالإنسان لا يمكن أن يرحمه الله إلا إذا وَحَّده، إذا أشرك انتهى.
من يتجه إلى الله عز وجل فكل شيء يُحل:
كنت أضرب أمثلة كثيرة أنه من الممكن لي أن أركب القطار المتجه إلى حلب، ولي فيها مبلغٌ ضخمٌ جداً، يمكن أن أرتكب مجموعة مخالفات في القطار، أما القطار فيتجه نحو حلب، وسأصلها في الوقت المناسب، وسأقبض المبلغ، قد أجلس في قاطرة أو مقطورة من الدرجة الثالثة وبطاقتي من الدرجة الأولى، هذا خطأ، وقد أجلس بعكس اتجاه القطار فأصاب بالدوار، هذا خطأ ثان، وقد أجلس مع شبابٍ غير منضبطين فأنزعج من صحبتهم، هذا خطأ ثالث، وقد أتلوّى جوعاً ولا علم لي أن في القطار مطعماً، هذا خطأ رابع، أما القطار فيسير باتجاه حلب وسأقبض المبلغ، أما الخطأ الذي لا يُغتفر فأن أركب قطار درعا، هذا الشرك.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾
أنت حينما تتوجَّه إلى الله كل شيءٍ يُحَل، أما حينما تتوجَّه إلى غيره فلا شيء يُحَل أبداً، انتهى كل شيء، طريق مسدود، عبد فقير ضعيف لئيم جاهل تتجه إليه، تمحضه ودَّك، تمحضه اهتمامك، تبذل ماء وجهك أمامه وهو ضعيفٌ مثلك، هذه هي المشكلة.
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً:
لذلك: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ وَحَّدن الله، لا معبود بحقٍّ إلا الله، لا إله إلا الله، لا معطي ولا مانع إلا الله، لا معزَّ ولا مذلَّ إلا الله، لا خافض ولا رافع إلا الله، لا قابض ولا باسط إلا الله، لا رازق إلا الله، لا حافظ إلا الله، إذا آمنت هكذا فهذا هو الإيمان، لذلك التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء.
الناس يؤخذون من مأخذين؛ المال والمرأة:
إذاً أول شيء بالإيمان عدم الشرك، التوحيد.
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
﴿وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ شيء يلفت النظر السرقة والزنا، السرقة للمال، والزنا شهوة، شهوتان تُحَرِّكان العالم كله، شهوة المال، وشهوة المرأة، وحينما يعافى الإنسان من هاتين الشهوتين، وحينما يُحَصِّن نفسه من هاتين الشهوتين، فقد ملك تسعة أعشار دينه، نقطتا ضعفٍ في الإنسان هما: المال والمرأة، فإذا حصَّن نفسه منهما، يُحصَّن موضوع المال بالكسب الحلال، ويُحصَّن موضوع المرأة بغضِّ البصر والبعد عن كل المزالق؛ لا خلوة، ولا مشي في طريق موبوء، ولا صحبة الأراذل، ولا مطالعة أدب رخيص، ولا متابعة عمل فنّي رخيص، ولا إطلاق بصر، إذا حفظت نفسك من موضوع المال الحرام والمرأة الحرام أحرزت تسعة أعشار دينك.
الناس يؤخذون من مأخذين، الكبار الكُهول العريقون في جمع المال يؤخذون من كسب المال، والشباب يؤخذون من المرأة، فالشاب أكبر خطر عنده المرأة، والذي تزوّج وانتهى أمره وقَنِعَ بزوجته هذا عنده خطر ثان هو كسب المال، لذلك لو أخذت مئة حكمٍ شرعي لا أبالغ إذا قلت إن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلِّقةٌ بالمال والنساء، أبداً، اقرأ القرآن كلَّه، أحكام كسب المال وإنفاق المال، أحكام المرأة؛ زواج، طلاق، غض بصر، تسعة أعشار الأحكام الفقهية متعلقةٌ بالمال والنساء، هنا الآية: ﴿عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ .
قبل أن نتابع هذا الموضوع: ﴿عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ يوجد شرك جلي، وشرك خفي، الجلي اذهب إلى الهند تجدهم يعبدون بوذا من دون الله، إله، صنم كبير في كل معابدهم، هذا اسمه: شرك جلي، أما في بلاد المسلمين فلا تجد الشرك الجلي، لكن تجد الشرك الخفي، الشرك الخفي كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه. ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن شداد بن أوس ]
(( الشِّركُ أخفى في أمَّتي من دَبيبِ النَّملِ علَى الصَّفا في اللَّيلةِ الظَّلماءِ وأدناهُ أن تُحبَّ علَى شيءٍ منَ الجَورِ، أو تُبْغِضَ علَى شيءٍ منَ العَدلِ، وَهَلِ الدِّينُ إلَّا الحبُّ في اللَّهِ والبُغضُ في اللَّهِ؟ قالَ اللَّهُ تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. ))
إنسان مستقيم نصحك غضبت منه، إنسان منحرف أعطاك مالاً كثيراً أحببته، إن أحببت منحرفاً على ماله فقد أشركت، وإن أبغضت ناصحاً على صوابه فقد أشركت، في الحالة الأولى أشركت هذا الإنسان الذي أعطاك من ماله وهو منحرف فأحببته، في الحالة الثانية عندما رفضت النصيحة أشركت نفسك مع الله: ﴿عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ ولا شيء قليل أبداً، لهذا قال الله عزَّ وجل:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
﴿وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ﴾ طبعاً العين تزني وزناها النظر، الزنا مستويات-ألا يسرقن- ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجَّةً بعد الإسلام، ﴿وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ لا في بطونهن، ولا بعد ولادتهن.
هناك معنى آخر حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)﴾
قد يُقتل الطفل في بطن أمِّه بالإجهاض، وقد يُقتل بعد الولادة بالوأدِ، وقد يُقتَل الطفل حينما نبعده عن طريق الحق وندفعه إلى الباطل لأن الفتنة أشد من القتل.
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾
الموءودة تدخل الجنَّة لأنها قُتِلت قبل التكليف، أما الفتاة الشابَّة التي أطلق أبوها لها العِنان فخرجت كما تشاء، والتقت بمن تشاء، وسهرت مع من تشاء، وانحرفت كما تشاء، فهذه الفتاة التي أطلقها أبوها، ولم يؤدِّبها بأدب الإسلام، ولم يحملها على طاعة الواحد الديَّان، هذا الأب تُدْخِله قبلها إلى النار، ﴿وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ القتل في البطن إجهاض، وبعد الولادة وأد، وحينما يكبر الابن أو البنت ولا يوجِّهُهُ الأبُ أو الأم فينحرف انحرافاً خطيراً هذا أشدُّ من القتل لقوله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ ، ﴿وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ المرأة في الجاهلية كانت تحمل ابناً وتنسبه لزوجها وهو ليس منه، تحمله بيديها: ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ أي الزنا.
معصية رسول الله مقيَّدة بالمعروف لأنه لا ينطق عن الهوى:
﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ المعروف هو الشرع الإلهي، المعروف هو الدين، المعروف هو العمل الصالح، المعروف ما أَقَرَّته الفطرة، فالمعصية معصية رسول الله مقيَّدة بالمعروف لأنه:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
أقواله تشريع، أفعاله تشريع، إقراره تشريع، أحواله تشريع: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ المعصية في المعروف، أما لو أن النبي أكل طعاماً معيناً، وأكل مؤمن طعاماً آخر فهذه ليست معصية في معروف، تجد إنساناً قد يكون مزاجه أو جسمه لا يتناسب مع الطعام، قد لا يحتمل الدهن مثلاً، النبي أكل الدهن، فإذا إنسان لم يأكل الدهن يكون قد عصى النبي؟ لا، المعصية هنا المقصود بها في معروف، فيما جاء به من الشرع الحكيم، فيما جاء به من السنَّة المطهَّرة، فيما جاء به من الإقرار، مما أقرَّه أصحابه عليه.
دين المرأة تابعٌ لها ومن اختيارها ومشيئتها مستقلَّةٌ عن مشيئة زوجها:
﴿فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي أن المرأة:
(( عن عبد الرحمن بن عوف: إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرَها، وحفِظت فرجَها، وأطاعت زوجَها، قيل لها ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ. ))
[ السخاوي: البلدانيات : خلاصة حكم المحدث : حسن ]
طاعة زوجها ربع دينها: ((إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرَها، وحفِظت فرجَها، وأطاعت زوجَها، قيل لها ادخُلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شئتِ)) فهؤلاء المؤمنات بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ﴿عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أرأيتم إلى تكريمٍ يفوق هذا التكريم؟ أرأيتم إلى أن المرأة صنو الرجل؟ أرأيتم إلى أن دين المرأة تابعٌ لها ومن اختيارها، ومشيئتها مستقلَّةٌ عن مشيئة زوجها.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)﴾
هذا اسمه في البلاغة: رَدُّ العجْزِ على الصَدْرِ، الآية الأولى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ .
الفارق بين المؤمن والكافر أنّ المؤمن يُدخل الآخرة في حساباته والكافر لا يدخلها:
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)﴾
لا تتولَّ إنساناً غضب الله عليه، لا تقم معه علاقة، لا تمحضه ودَّك، لا تقم معه علاقةً حميمة، لا تزوِّجه لأنه من نوع آخر، من طينة أخرى، لا تُخالطه مخالطةً حميمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ أي الآخرة ليست في حساباتهم، الحقيقة يوجد فارق كبير جداً بين المؤمن والكافر، أبرز فارق بينهما أن المؤمن في كل حركةٍ وسكنةٍ، وعطاءٍ ومنعٍ، وغضبٍ ورضا، وصلةٍ وقطعٍ، في كل أحواله يُدخل الآخرة في حساباته، ماذا سأقول لله إن فعلت كذا؟ يسعى للآخرة، أما الكافر فالدنيا هي كل همِّه، مبلغ علمه، منتهى آماله، محطُّ رحاله، الدنيا هي كل شيء ولا شيء غير الدنيا.
يقين الكافر أن الذي يموت لا يعود:
لذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ الآخرة ليست في حساباتهم، لا يريدونها، لا يرجون رحمة الله، لا يسعون إليها: ﴿كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ الذي يموت هل يعود إلى الدنيا؟ مستحيل، الكافر توجد عنده يقينيات، أحد يقينيات الكفَّار أنه إذا مات الواحد لا يرجع، انتهى، فكما أن هذا الكافر موقن أن الذي يموت لا يعود كذلك هؤلاء الذين: ﴿غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ أن يرجعوا.
أيها الأخوة الكرام؛ هذه سورة الممتحنة فيها مبادئ كبيرة جداً متعلِّقة بالإيمان، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بها، وأن نعمل من خلال أحكامها وتوجيهاتها، لأن القرآن ما لم يُعمل به فلا يرقىَ بالإنسان إلى الله عزَّ وجل، ربّ تال للقرآن والقرآن يلعنه، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وعلامة إيمانك أنك تسعى لتطبيق ما جاء في هذا الكتاب.
الملف مدقق