وضع داكن
23-12-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الممتحنة - تفسير الآيتان 04-05 الولاء و البراء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعن ا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

من أخصّ خصائص المؤمن أن يوالي أهل الإيمان و يتبرَّأ من أهل الكفر والعصيان:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثاني من سورة الممتحنة، ومع الآية الرابعة وهي قوله تعالى:

﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)﴾

[ سورة الممتحنة ]

أيها الأخوة الكرام؛ الآية الرابعة في سورة الممتحنة تشيرُ إلى موضوعٍ خطيرٍ جداً في حياة المؤمن، موضوع الولاء والبراء، من أخصّ خصائص المؤمن أن يوالي أهل الإيمان وأن يتبرَّأ من أهل الكفر والعصيان، ما لم يوالِ وما لم يتبرَّأ تتداخل الأفكار، تتداخل المشارب، يختلط السلوك، دون أن يشعر يرى نفسه مع أهل الدنيا، مع المتفلِّتين، فلابد من الوقاية، نبعٌ صافٍ، عذبٌ زلال، إن أردنا أن نحافظ على صفائه لا نسمح بمصبات عليه، فإذا سمحنا بالمصبات عليه كانت مياهه مالحةً سوداء.
 

الولاء والبراء:


موضوع البراء والولاء، المؤمن يوالي أهل الإيمان، لا يقيم علاقةً حميمةً إلا مع أهل الإيمان، لا يرتاح إلا لأهل الإيمان، لا يتعامل إلا مع أهل الإيمان، لا يأكل طعامك إلا تقي، لا تُصاحب إلا مؤمناً، لأنك بأخيك تتقوى، عن طريق أخيك تزداد إيماناً، تزداد اطمئناناً، تزداد تألُّقاً، يطمئنك وتطمئنه، يشجعك وتشجعه، يدعمك وتدعمه، يُصَبِّرُكَ وتُصَبِّرُه، يكشف لك بعض الحقائق وتكشف له ، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة  ]

لو أن مؤمناً صاحب أهل العِصيان لمال إلى الدنيا، كره طاعة الله، استمرأ المعصية، غفل عن ذكر الله، شيئاً فشيئاً هو معهم وعلى شاكلتهم، يشقى بشقائهم، وينحرف انحرافهم، ويقلق قلقهم، لذلك المؤمن لا يوالي إلا مؤمناً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)﴾

[ سورة الممتحنة ]

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)﴾

[ سورة المجادلة ]

 

من صالِح المؤمن أن يكون مع المؤمنين:


هنا في هذه الآية: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الأسوة هي القُدوة، هذه الأسوة في أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ﴾ أي نحن ما علاقتنا بهذه الآية؟ إنسان إذا صاحب المؤمنين اقتبس من علمهم، إذا صاحب المؤمنين اقتبس من أخلاقهم، إذا صاحب المؤمنين قَرَّبوه إلى الله عزَّ وجل، حَسَّنوا له الحسن، قَبَّحوا له القبيح، شجَّعوه على الاقتراب من الجنة، أبعدوه عن النار، نوَّروا عقله، طمأنوا قلبه، أعانوه على طاعة الله، ثَبَّطوا عزيمته على معصية الله، فلذلك مِن صالحك كمؤمن أن تكون مع المؤمنين، والدليل قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة  ]

أمر إلهي، وكل أمرٍ في القرآن الكريم ما لم تقم قرينةٌ على عدم الوجوب هو واجب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ .
 

الحمية الاجتماعية من ألزم لوازم المؤمن:


أما لو جلست في أماكن أهل الفِسق والفجور، في متنزَّهاتهم، في مقاصفهم، لو قبِلت سلوكهم، لو عذرتهم فيما هم فيه، لو أقمت علاقاتٍ حميمةً معهم، لو سافرت معهم، لو تعاملت معهم تعاملاً اندماجياً، لو شاركتهم، لرأيت نفسك شيئاً فشيئاً تميلُ إليهم، وشيئاً فشيئاً تبتعد عن دينك، لأن هناك نقطة دقيقة جداً، أنت نقطة هنا مكان وهنا مكان، فكلما اقتربت من هذه النقطة ابتعدت حكماً عن هذه النقطة، كلما اقتربت من أهل الفسق والفجور ابتعدت حكماً عن أهل الإيمان، كلما اقتربت من المعصية ابتعدت عن الطاعة، فلذلك من خصائص الإيمان، من ألزم لوازم المؤمن أن يوالي المؤمنين، وأن يبتعد عن أهل الكفر والفسوق.

﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)﴾

[ سورة الكهف ]

أي آوِ إلى بيت الله، آوِ إلى بيتك أحياناً، ابتعد عن مواطن الفِتَن، لا تصاحب إلا مؤمناً، لو صاحبت إنساناً متفلتاً لحدَّثك عن مغامراته، وعن انحرافاته، ولعلك في ساعة ضعفٍ تتمنى أن تكون مكانه، لعلك في ساعة غفلةٍ تلتمس العُذْرَ أن تكون معه، فلذلك الحمية الاجتماعية من ألزم لوازم المؤمن، هذا موضوعٌ فصَّل فيه العلماء اسمه: الولاء والبراء، أن توالي أهل الإيمان، وأن تتبرأ من أهل الكفر والعصيان. 

  خصومة المؤمن مع الكافر خصومة عقيدة وانحراف فقط:


أيها الأخوة الكرام؛ سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، أنت في الصلاة تقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد كما صلَّيت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، الله عزَّ وجل جعل هذا النبي العظيم قدوةً لنا قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ .
 لكن أيها الأخوة، هناك نقطة دقيقة جداً: لا يمكن أن تكره الكافر والعاصي والفاجر لذاته، إنما تكرهه لعمله، والدليل أنه في اللحظة التي يتوب إلى الله، ويصطلح معه، هو أقرب الناس إليك، إن كانت هناك عداوةٌ، عداوة عقيدة، عداوة انحراف لا عداوةٌ شخصية، لأن المؤمن حينما يصطلح خصمه المنحرف مع الله يصبح أقرب الناس إليه.
ذكرت في الدرس الماضي أن عمر بن الخطاب الخليفة العظيم، الصحابي الجليل، عملاق الإسلام لما رأى عمير بن وهب متوشحاً سيفاً قال: هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً، قيَّده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي وقال: "يا رسول الله هذا عدو الله عمير جاء يريد شراً" -القصة تعرفونها وذكرتها كثيراً- طبعاً حينما أسلم عمير على يد رسول الله، يقول عمر: دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي، لا توجد في الإسلام عداوة دائماً، هناك عداوة مؤقَّتة، هناك عداوة أساسها الانحراف، أساسها الكفر، أساسها التقصير.
 

لا تصاحب من لا ينهضك إلى الله حاله ولا يدلُّك على الله مقاله:


لذلك: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ﴾ أنت ليس شرطاً أن تقول لمن حولك من العصاة، والتائهين، والشاردين، والمنحرفين، والذي لا يصلون، ولا يأتمرون بأمر، ولا ينتهون عن نهي، ليس شرطاً أن تقول هذا الكلام ولكن انسحب، ابتعد عن الفجور، عن أماكن الفجور، عمن يفجرون، عن المنحرفين ابتعد واسلم بدينك، نحن في أمَسِّ الحاجة إلى حميةٍ اجتماعية من أجل أن نحافظ على سلامة عقيدتنا، وعلى صفائنا، وعلى استقامتنا، يجب أن تقيم علاقةً مع المؤمنين، يجب أن تصحب المؤمنين.
كل أخ من أخواننا الكرام في جاهليته قبل أن يهتدي إلى الله له أصدقاء، له معارف، هؤلاء إن استطاع أن يؤثّر فيهم ليبقَ معهم، ذكرت في الدرس الماضي أن الضابط في هذا الأمر لعبة شدّ الحبل، إن أمكنك أن تشدَّهُم إليك ابقَ معهم وخذ بيدهم إلى الله واحداً واحداً، لأن الله يسأل العبد عن صحبة ساعة، أما إن شعرت أنهم أقوى منك، ويمكن أن يشدُّوك إليهم فعندئذٍ ابتعد عنهم، ولُذ بالمؤمنين، ولا تصاحب من لا ينهضك إلى الله حاله، ولا يدلُّك على الله مقاله، الجماعة رحمة والفرقة عذاب:

(( عن عمر بن الخطاب : أُوصيكُم بأصحابي ثمَّ الَّذينَ يلُونَهم، ثمَّ يَفشو الكَذبُ، حتَّى يَحلِفَ الرَّجلُ ولا يُستَحلَفَ، ويشهدَ الشَّاهدَ ولا يُستشهَدَ، ألا لا يخلوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان ثالثَهُما الشَّيطانُ، عليكُم بالجماعَةِ، وإيَّاكُم والفُرقةُ؛ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ، وهوَ معَ الاثنينِ أبعَدُ، مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلَيلزمُ الجماعةَ، مِن سرَّتْهُ حَسَنَتُه، وساءَتْهُ سيِّئتُهُ، فذلِكُم المؤمِنَ. ))

[ صحيح الجامع: حكم المحدث: صحيح ]

(( ما من ثلاثةٍ في قريةِ ولا بَدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصلاةُ إلا قد استحوذَ عليْهِمُ الشيطانُ، عليكَ بالجماعةِ فإنَّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنمِ القاصيةَ. ))

[ حديث حسن عن أبي الدرداء  ]

 

حرص المؤمن على مجالس العلم لأنها مجالس الرحمة:


إخوتنا الكرام؛ الإنسان حينما يأتي بيتاً من بيوت الله، يأتي بنية صافية، بنية أن يفتح الله عليه، بنية أن يرحمه، بنية أن يطمئنه، أن يثبِّته، أن ينوَّرَ قلبه، أن يزداد علماً، أن يزداد قرباً، إذا أتيت بيتاً من بيوت الله، وحينما دخلت هذا البيت قلت:

(( عن أبي حميد أو أبي أسيد الساعدي  إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ، وإذا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ. ))

[ صحيح مسلم ]

فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب لك، يطمئنك، يقول عليه الصلاة والسلام حينما سأله الصدِّيق رضي الله عنه ومعه حنظلة، سيدنا حنظلة صحابي جليل رآه الصديق يبكي في الطريق قال: "مالك يا حنظلة؟ قال حنظلة: نافق حنظلة، قال: ولمَ يا أخي؟ قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين فإذا عافسنا الأهل ننسى، قال: يا أخي أنا كذلك، انطلق بنا إلى رسول الله فلما انطلقا إلى رسول الله وحدَّثاه الحديث قال: أما أنتم يا أخي فساعةٌ وساعة، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم" :

(( عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قالَ: ثُمَّ جِئْتُ إلى البَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ المَرْأَةَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بالحَديثِ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما فَعَلَ، فَقالَ: يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ولو كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كما تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، حتَّى تُسَلِّمَ علَيْكُم في الطُّرُقِ. وفي رواية : كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَديثِهِمَا.))

[ صحيح مسلم  ]

معنى ذلك أنك في مجلس العلم أنت أقرب إلى الله من أي وقتٍ آخر، لذلك أنت بحاجة إلى شحن، حينما تأتي خطبة الجمعة، حينما تجلس في مجلس علم تُشحن روحياً، تُشحن فكرياً، تُشحن نفسياً، تنطلق إلى عملٍ صالح، لو أن هذا الشحن لم يكن منتظماً لضعف مصباحك وتهت في طريقك، فلذلك حينما تأتي إلى بيت الله لا تريد إلا طلب العلم الملائكة تضع أجنحتها لك رضاً بما تصنع: 

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ. ))

[ صحيح مسلم ]

لذلك المؤمن يحرص على مجالس العلم لأنها مجالس الرحمة، لأن في هذه المجالس تتنزَّل رحمة الله عزَّ وجل، في هذه المجالس تَغْشَى الناس السكينة، في هذه المجالس تحف الناس الملائكة، أي أنت بعد المسجد في حفظ الله:

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾

[ سورة الرعد ]

هذا الحفظ من أمر الله، بأمرٍ من الله يحفظونه، لأن الناس هم في مساجدهم والله في حوائجهم، "كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك -لا تكلف نفسك أن تقول لي ماذا تريد، أعرف ماذا تريد- كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد"

ليس من الحكمة أن يندمج الإنسان مع أهل الكفر والعصيان:


لذلك هذه الآية: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ هؤلاء المنحرفون، هؤلاء الفاسدون، هؤلاء التائهون، هؤلاء الشاردون، لو جلست معهم، وآنستهم، وأثنيت عليهم، وجاملتهم، لا يتوبون إلى الله، يقولون: فلان من أهل الإيمان هو معنا ليلاً نهاراً، ما ذكر شيئاً، أنت حينما تجلس معهم، وتقيم معهم علاقات حميمة، وتثني على ذكائهم، ولباقتهم، وفهمهم، وتتقرَّب إليهم نفاقاً، أنت تحول بهذا بينهم وبين أن يتوبوا إلى الله، أما حينما تقف موقفاً ذكياً، حينما تعتذر عن أن تجلس معهم، حينما تبتعد عنهم يبحثون عنك هم عندئذ، فلذلك ليس من الحكمة أن تندمج مع أهل العصيان، أساساً لو أنَّك اندمجت معهم لجرّوك إليهم، إما باحتفالاتهم، أو بسهراتهم المختلطة، أو بما يشاهدونه من خلاعةٍ وانحطاط، تكون معهم، تمزح مزحهم، تأكل مما يأكلون، تختلط معهم، انسحبت إليهم وأنت لا تدري.
 

على الإنسان أن يقيم حاجزاً بينه وبين أهل الفسق والفجور:


لذلك: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ ليس شرطاً أن تقولها بلسانك، لا يوجد داع، انسحب، ابتعد: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ يجب أن تقيم حاجزاً بينك وبين أهل الفسق والفجور، أما إذا عادوا إلى الله، إذا تابوا إليه، إذا اصطلحوا معه فيجب أن تهبهم روحك، يجب أن تُعْطيهم كل ما عندك من ود، ومن صلة، ومن محبة، لأن كل عداوةٍ بين إنسانين عداوةٌ مؤقتة، لو أنهما اصطلحا مع الله لكانا أقرب إنسانين إلى بعضهما: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ لأن أهل الكفر لا يعبدون الله، يعبدون ما دون الله، معبودهم شهوتهم، معبودهم هواهم، معبودهم الدِرهم والدينار، معبودهم فرجهم، معبودهم بطنهم: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ. طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّع».))

[ صحيح البخاري ]

يعبدون الشهوات، يخضعون لها، يذوبون أمامها، يؤلهونها، هي آلهتهم من دون الله عزَّ وجل: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ .
 

تحرر المؤمن من أسر الشهوات يرفعه عند الله عز وجل:


لا شيء يرفع المؤمن كهذا التحرر من أسر الشهوة، الكافر، المنافق، العاصي، عبدٌ لشهوته، ذليلٌ أمامها، خاضعٌ لها، مثلاً ورد: "من تزوَّج المرأة لجمالها أذلَّه الله، من تزوَّجها لمالها أفقره الله، من تزوَّجها لحسبها زاده الله دناءةً، فعليك بذات الدين تربت يداك" ، فالإنسان حينما يعبد شهوته من دون الله يسقط من عين الله، لهم صغارٌ عند الله:

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)﴾

[  سورة الكهف ]

أما حينما يتحرر من شهوته، ما الذي جعل يوسف عليه السلام أنه حينما دعته امرأةٌ، امرأة العزيز ذات منصبٍ وجمال قال: معاذ الله، إني أخاف الله رب العالمين.

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

[  سورة يوسف ]

﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ أي انسحابك من المجلس كأنك قلت: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ دعوة مختلطة إن اعتذرت عنها، كأنك قلت: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ دعوة إلى طعام يوزَّع فيه المشروب، إذا اعتذرت عن هذه الدعوة كأنك قلت: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ دعوة إلى حفلة لا تُرْضي الله عزَّ وجل كأنك تقول: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾ أي ابتعادك عن مجلس فسقٍ، أو فجورٍ، أو انحرافٍ، أو كذبٍ، هذا الابتعاد هو نفسه كأنك تقول: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ .
 

الكفر بالطاغوت أساس الإيمان بالله عز وجل:


لا يمكن أن تؤمن بالله إلا أن تكفر بالطاغوت.

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

[ سورة البقرة ]

أي إذا كنت تُعظم أهل الكفر، ترى ذكاءهم، إنجازاتهم، مخترعاتهم، مجتمعاتهم، أوضاعهم، رفاههم، بيوتهم، مركباتهم، تجارتهم، إذا كنت معجباً بها، ذائباً في تعظيمها، موالياً لهم، من هَوِي الكفرة حُشِر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً، الإنسان أحياناً في غفلةٍ يعيش لحظته يقول لك: هذا البلد مريح مثلاً، الأمور ميسَّرة، المركبات رخيصة، البيوت بالتقسيط، بلد كله أخضر مثلاً، وغفل عن الفسق والفجور، وعن أن أولاده لابد من أن ينحرفوا، وأنه لا يستطيع أن يردع ابنته عن صديقٍ لها ينام معها، ماذا يفعل؟ حينما تتقدم به العمر ويرى مصيره المشؤوم يدخل على قلبه كآبة تنسيه الحليب الذي رضعه من ثدي أمه، قيل: إذا أردت إنفاذ أمرٍ فتدبر عاقبته، أخوةٌ كثيرون يحدِّثونني عن المآسي التي يعيشونها في بلاد الغرب، لا يستطيع أن يمنع ابنته من صديقٍ لها يعلم علم اليقين أنه يزني بها، لا يقدر، هكذا الحياة هناك، أما حينما تؤْثِرُ الله ورسوله، وتؤثر بلداً تقام فيه شعائر الدين، تؤثر بلداً تستطيع أن تقيم أمر الله فيه، فهذا هو العقل، وهذا هو الذكاء، من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله. 
 

من يعتقد أن الصلاح والكمال في جهةٍ كافرة فالطريق إلى الله مسدود:


أقول لكم هذه المقولة: لو أن إنساناً سافر إلى بلدٍ غربي وتزوج من هناك، هناك متاعب لا تُحْصَى سوف تنتظره؛ من تربية أولاده، من فسوق أولاده، من انحرافهم، والحقيقة الأساسية أن الإنسان مهما بلغ من نجاح الدنيا يشقى بشقاء أولاده، كن أغنى الناس، كن أرقى الناس، كن أعلم الناس، كن أقوى الناس، يشقى الإنسان بشقاء أولاده لأنهم امتداده، لأنهم منه، فإن شقوا شَقِي بشقائهم، ذكرت هذا لأن الذي يوالي أهل الكفر والعصيان، هم ملء سمعه وبصره، يثني عليهم، على ذكائهم، على تقدمهم، هم يبنون مجدهم على أنقاض الناس، يبنون حياتهم على موت الناس، يبنون غناهم على إفقار الناس، يبنون أَمْنَهُم على إخافة الناس، هؤلاء وحوش، لذلك من نعم الله الكبرى أننا قبل خمسين عاماً أو قبل أربعين عاماً كان الغرب متألِّقاً أمام عيون الناس، ولكنه الآن كُشِف على حقيقته، ظهرت وحشيَّته، ظهر حقده، ظهر تناقضه، هذا من نِعَمِ الله علينا أن حقيقة الغرب كُشِفت لنا تماماً، وما دمنا نعتقد الصلاح والكمال في جهةٍ كافرة فالطريق إلى الله مسدودة.
 

الناس جميعاً كَشَفوا حقيقة الغرب وأزاحوا عن وجهه القناع الكاذب:


أما الآن:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

[ سورة البقرة ]

مئات الألوف يموتون ظلماً لا أحد يتحرك، بضعة أشخاص يُقتلون بحادث تجتمع الدول كلها من أجل أن تندد بهذا الحادث، هذا مكيالٌ واحد؟ يكال كل شيءٍ بمكيالين، هذا الحقد، هذا الانحياز يظهر جلياً، لذلك من الإيجابيات لما يجري أخيراً أنّ كل الناس كَشَفوا حقيقة الغرب، أزاحوا عن وجهه القناع الكاذب: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ ، ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ هذا هو موقف المؤمن.
 

على الإنسان أن يُبلّغ وعلى الله الباقي:


 ما دام هناك شرك، ونفاق، وانحراف:

﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)﴾

[ سورة الممتحنة ]

قال: هذا وضع استثنائي.

﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)﴾

[  سورة التوبة ]

تَوَهَّم إبراهيم عليه السلام أو ظنّ أن أباه سيسلم، سيؤمن معه: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ ، ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ سيدنا إبراهيم سَلَّمَ الأمر لله، أي أنت عليك أن تُبَلِّغ وعلى الله الباقي:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)﴾

[ سورة القصص ]

﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)﴾

[  سورة الشورى ]

مضمون الدعوة حق، أما أن يحمل النبي عبء هداية الناس فهذا فوق طاقته، إنك لا تستطيع أن تهديهم لَّأنهم مخيَّرون، ولست مسؤولاً عن عدم هدايتهم لأنهم محاسبون، أما أنت مكلفٌ أن تبلغهم، وحينما تبلغهم تنتهي مهمتك. 
 

أكبر جريمةٍ يرتكبها المسلم أن يُقَصِّر أو يكذب أو يخلف الوعد:


أيها الأخوة؛ أما أخطر آيةٍ في هذه السورة هي هذه الآية: 

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)﴾

[ سورة الممتحنة ]

المسلم معروف أنه مسلم، عند الناس مسلم، محسوبٌ على المسلمين، هذا المسلم إذا أساء، إذا كذب، إذا احتال، إذا لم يَصْدُقْ، إذا غَشَّ الناس، إذا أَخْلَفَ وعده، إذا لم ينجز عهده، ماذا يقول الكافر؟ الدين باطل، الدين ليس له أصل، الدين خرافة، الدين أفيون الشعوب، الدين ضلالات، الدين غيبيَّات، الدين حالة ضعف للإنسان، لأن الكافر ما رأى ذلك الإنسان العظيم، رأى إنساناً تافهاً، كاذباً، مُتناقضاً، دَجَّالاً، فما الذي حمل الكافر على كفره؟ ما الذي جعله كافراً؟ ما الذي تثبّت من كفره؟ سلوك هذا المسلم المُقَصِّر، لذلك أكبر جريمةٍ يرتكبها المسلم أو المؤمن أن يُقَصِّر، أو أن يكذب، أو أن يخلف الوعد، أو أن يحتال، أو أن تكون له شخصية ازدواجية، لذلك يعطي الكافر حجة يتمسك بها، يقول لك الكافر: هذا هو الإسلام، هذا دَجَل.
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يا رب احفظنا عن أن نكون سبباً لكفر كافر، أنت محسوب على المسلمين، أنت مظنة صلاح، مظنة استقامة، مظنة صدق، مظنة وفاء، مظنة عَفاف، مظنة ُطْهر، هكذا المؤمن، فلو رأى الكافر كذباً أو انحرافاً أو احتيالاً أو غشاً يصدر من إنسان يصلي أعطيته الدليل على أن الدين باطل، أعطيته مستمسكاً، يقول: هذه حقيقة الأديان إنها خرافة: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ .
 

الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم:


إذا دعوت إلى الله بمضمونٍ سطحي، خُرافي، منامات، كرامات، شطحات، كلام سطحي، غير متماسك، متناقض، بأسلوب غير علمي، غير تربوي، غير سليم، أو دعوت إلى الله بمضمونٍ عميق، وأسلوبٍ علمي، لكن هذا المدعو اكتشف أنك لست صادقاً فيما تقول، أنت في واد ودعوتك في واد، إنَّك لا تطبِّق ما تقول، إنك تمتهن الدين، إنك تجعل الدين مطيةً للدنيا، هذا المدعو إن رأى ضحالةً، أو سذاجةً، أو خرافةً، أو ضَعفاً، أو تناقضاً، أو رأى أسلوباً غير علمي وغير تربوي، أو رأى عدم مصداقيةٍ في الدعوة، فرفض هذه الدعوة وتفلت منها واحتقرها قال: هذا الكافر لا يكون عند الله مبلَّغَاً، ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة، وكان الذي دعاه بهذه الطريقة سبب فتنته، وسبب انحرافه، أي قبل أن تكذب وأنت المسلم، وأنت مظنة الهُدى والصلاح، وأنت مظنة المنهج الإلهي، قبل أن تكذب عُدّ للمليون لأن الآخرين إذا ضبطوا عليك كذبةً لم يصدقوك في شيء، ما الذي جعل النبي صادقاً عند الناس حينما جاءه الوحي؟ لأنهم قبل الرسالة ما جرَّبوا عليه كذباً قط، أبداً، فأنت أحياناً لا تنتبه، أنت مُصلّ، تصلي في البيت، طُرِقَ الباب، فتح ابنك، قال: يا بابا فلان، تقول له: يا بني قل له إن أبي ليس موجوداً، هل عرفت ماذا فعلت؟ ارتكبت جريمة، لأنك علمته الكذب، ولأن هذا الطفل ربط بين صلاتك والكذب، الذي يصلي يكذب، فإذا رأى إنساناً لا يكذب ولا يصلي عَظَّمَهُ واحتقرك، قبل أن تكذب عُدَّ للمليون، قبل أن تحتال، قبل أن تغش في البضاعة، قبل أن تخلف وعداً، أنت على ثغرةٍ من ثُغَرِ الإسلام فلا يؤتين من قبلك، إيَّاك كل الذي تقوله يسقط في الأرض، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، لو ألقيت ألف محاضرة في الصدق وكذبت مرةً واحدة أهْدَرت كل هذه المحاضرات، نحن الآن أيها الأخوة لا نحتاج إلى فكر، الفكر موجود، الكتب تملأ البيوت، بالأشرطة كل شيء موجود، نحتاج إلى إنسان ملتزم، إنسان تشتد إليه العيون، إنسان يطبق ما يقول، لا تأخذه في الله لومة لائم، هذه هي المشكلة: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ .
 

على المؤمن ألا يعطي الكافر حجة أن الإسلام دين فوضى وعدم انضباط:


ألا نكون نحن سبباً في كفر الناس، يجدون تخلفاً، لا يوجد نظام، يوجد فوضى، تجد المسلم فوضى، مواعيده غير صحيحة، كلامه غير صحيح، ليس منضبطاً، حساباته كلها غلط، يقول لك: اتركها لسيدك، توكل ساذج، عدم انضباط، عدم إتقان العمل، أخطاء فاحشة، تجد إنساناً كافراً؛ مواعيد، دقة، صدق، الكفَّار ما الذي جعلهم يقيمون على كفرهم؟ احتقارهم للمسلمين، ما الذي جعلهم يعتزُّون بكفرهم؟ انحراف المسلمين أمامهم، أي هؤلاء الذي في الغرب حينما يأتي إنسان، وهذا معروف من بلاد إسلامية ويبحث عن الزنا، وعن الانحراف الأخلاقي، وعن الخمر، يلهث وراء شهواته كالخنزير، وهو ينتمي إلى بلاد إسلامية، أتعتقد أن أهل أوروبا يُعظّمون إسلامنا؟ إطلاقاً، الكذب، والفجور، والجنس، والانحراف، والخمور، والمخدرات، أما حينما يرون إنساناً مستقيماً، صاحب عقيدة صحيحة، قوي الحُجَّة، منضبطاً، عفيفاً، فهذا الذي يشدُّهم إلى الدين، هذه أخطر آية في الدرس: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لا نعطي الكافر حجة أنك أنت على حق ونحن على باطل، لا نعطيه حجة أن الدين باطل، الدين غير صحيح، نظام غير صالح للحياة، فلذلك الناس لا يعبؤون بما في الكتب، يعبؤون بما في المجتمع، كم من إنسان أسلم في بلاد الغرب فلما جاء إلى بلادنا صُعِقْ، هذا هو الدين؟ كان يقول بعضهم: الحمد لله الذي أسلمنا قبل أن نراكم، لو رأيناكم لما أسلمنا، طبعاً: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لا تَعْط الكافر حُجَّة، لا تخلف وعدك، فالنبي عليه الصلاة والسلام رأى أماً توهم ابنها أن في يدها تمرة:

(( دعتني أمِّي يومًا ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قاعدٌ في بيتِنا فقالت: ها تعالَ أعطيكَ؟ فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أردتِ أن تعطيهِ؟ قالت: أعطيهِ تمرًا، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إنَّكِ لو لم تعطِه شيئًا كُتبت عليكِ كَذِبة. ))

[ حديث حسن عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ]

المؤمن لا يكذب: 

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب. ))

[ صحيح عن ابن مسعود ]

إنه إن كذب أو خان لم يبق مؤمناً، ((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب)) .
 

الإسلام لا ينمو بالكلام ينمو بالأعمال:


أخ كريم ذهب إلى بلاد الغرب في دورة تدريبية، الذي لفت نظر الناس ورعه، أمانته، استقامته، يقسم بالله العظيم وهو صادق أن الأسرة التي سكن فيها أسلمت كلها. 
كنا مرة في الحج رأينا رجلاً من أوروبا الغربية يطوف حول الكعبة، سألنا عنه فإذا هو من ألمانيا الغربية، ما الذي جعله يسلم؟ شاب من هذا القطر سكن عنده في البيت، وفي البيت فتاةٌ جميلة، تمنى أن يلمح والد الفتاة هذا المستأجر الطالب ينظر إلى ابنته، أبداً، ما هذا الإنسان؟ من جِبلَّة أخرى؟ من طبيعة أخرى؟ ناقشه، حاوره حتى أسلم، هل تصدق أنّ غضّ بصر شاب كان سبب إسلام شخص ألماني، الإسلام لا ينمو بالكلام، ينمو بالأعمال، ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لا تعط الكافر حجة أن ديننا باطل، لا تكذب، لا تغش، لا تحتال، لا تكن لك شخصية مزدوجة، كن واضحاً، الوضوح أكمل بكثير من الأسلوب المنحني، كن واضحاً. 
 

المؤمن حينما يقصر أو تزِلُّ قدمه يستحق تأديب الله له:


﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هناك معنى ثان: يا رب لا نكن عصاةً لك فتسلِّط علينا الكفار فيفتنون في تعذيبنا، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾

[ سورة النساء ]

فإذا جعل علينا لهم ألف سبيلٍ وسبيل فنحن إذاً مُقَصِّرون، فهؤلاء حينما يسيطرون على مؤمنين ضعاف ماذا يقولون؟ نحن على حق، ولو لم نكن كذلك لما كنا أقوى منكم، القوة تعطي وهم كبير جداً.
المعنى الثاني لهذه الآية أن المؤمن حينما يقصر، أو حينما يتأخَّر، أو حينما تزِلُّ قدمه يستحق تأديب الله له، ماذا يكون؟ ربنا جلَّ جلاله يسلِّط عليه كافراً يعذبه، أولاً: الكافر فُتِن في تعذيبه، فُتِن في النيل منه، والكافر حينما كان أقوى من المؤمن وقد سلَّطه الله عليه يتوهم أنه على حق، يُفتن الكافر مرتين، المرة الأولى يتوهم أنه على حق بدليل أن الله سلَّطه على المؤمن، يقول لك: لو كنت على حق لما كنت ضعيفاً أنا أقوى منك، لو كنت على حق لما مكنني الله منك، الإنسان حينما يُقَصِّر يستحق تأديب الله.

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

[ سورة القصص  ]

الكافر يعتقد أنه مادام أقوى من المؤمن، ما دام مُسَلَّطاً عليه، مادام متمكناً منه، فهو على حق والمؤمن على باطل، اعتقد الكافر خطأ مرتين أنه بهذا التسليط على حق، وأن هذا المؤمن أمامه ذليل، أمامه مُحْتاج، أمامه متضعضع، فلو كنت على حق لما كنت هكذا، أنت أوهمت الكافر أنت حينما قصرت، وحينما عصيت، وحينما زلت القدم وتمكّن الكافر منك أوهمته أنك على باطل، بدليل سيطرته وضعفك أمامه، إذاً فُتِنَ بك، رآك ضعيفاً فتمكن منك، فتوهم أنه على حق واحتقر حقك أنت، هذه الفتنة الثانية: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ .
 

من استقام على أمر الله استحق نصره:


القصد أن تستقيم على أمر الله حتى تستحق نصر الله، أن تستقيم على أمر الله حتى لا يستطيع كافرٌ أن يصل إليك، ولا أن يُسلط عليك، ولا أن ينال منك، حتى يشعر أنه هو ضعيف أمامك، أنت قوي بطاعتك لله: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ هذا الموضوع الأخير له ذيل، أنا أعلم علم اليقين أن أُناساً كثيرين تركوا المساجد، تركوا حلقات العلم لإساءةٍ من صديقٍ لهم من روَّاد المسجد، يقول لك: هكذا فعل معي، كذب علي، خانني، غدر بي، هذا هو المسجد؟ هذا هو الحق؟ أُناسٌ كثيرون أعرفهم والله سبب تركهم للمساجد، ولحلقات العلم، ولجماعات المؤمنين أن واحداً أساء إليهم في تعامل تجاري، في قرض لا يؤَّدى، في وعد لا يوفى به، قالوا: ما هذا؟ ما هذه التربية؟ هكذا الإسلام؟ رأى معه حُجَّة، ترك المسجد ترفعاً، من سبّب له هذه القطيعة مع الله؟ المسيء، المسيء حينما يسيء يرتكب جريمةً وهو لا يشعر. 
 

الكذب عار وجريمة:


إخواننا الكرام؛ دققوا في هذه المقولة: ألف تصرُّف ذكي، مخلص، حكيم يشدون إنساناً إلى الحق، تصرف واحد أحمق يقطعونه عن الحق، ألف تصرف ذكي حكيم مخلص يشدونك إلى الدين؛ تصرف أحمق واحد متناقض فيه احتيال، فيه كذب، فيه غدر يقطعك عن الله وعن الدين، شيء خطير، فلذلك:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾

[ سورة يس ]

أنت أسأت من أجل أن تربح مئة ليرة زيادة، حلفت يميناً كاذباً أمامه، وكان سعرك أعلى من السوق كله، رأى إنساناً في المسجد يغدره بالسعر، يضحك عليه، ويكذب عليه، فترك المسجد، عندما تركه أصبح معه حجة يقول: كلهم كاذبون، كلهم دجالون، فبدأ ينحرف، وبدأ يتفلت، الآن تفلته ومعاصيه كلها في صحيفة الذي حمله على ترك المسجد، وأنت لا تدري، كلها في صحيفة الذي حمله على ترك المسجد، من أجل مئتي ليرة، أو من أجل خمسمئة ليرة، ضَحَّيْتَ بأخٍ لك، أما إذا كنت مؤمناً إيماناً حقيقياً لا تضحي بأخيك ولا بمليون ليرة، أن تربح إنساناً مؤمناً أفضل من أن تربح الدنيا كلها، فلذلك تجد أحياناً أكثر شي أن هذا من إخواننا نرفع السعر، بعد يومين يسأل عن السعر يجد أنه دفع بالمئة ثلاثين زيادة، لأنه هو استسلم، هذا من إخواننا، من رواد المسجد، معقول يكذب عليّ؟ كذب عليه، أخذ سعراً غير معقول، ما هذا؟ هذا الدين؟ هؤلاء هم المؤمنون؟ هذه معاملتهم؟ هذا غدرهم؟ ترك ومعه أمام الله حجة يقول: كلهم كاذبون، هذه مشكلة كبيرة جداً.
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لا تسبب قطيعة إنسان عن الله، لا تسبب قطيعة لإنسان مع الله بسببك، لا تخيِّب ظن الناس بالدين، واحد من الصحابة أثناء الهجرة قبض المشركون عليه، فقال لهم: والله لو أطلقتموني لن أحاربكم أبداً، صدقوه، وأطلقوا سراحه، ذكر هذا للنبي وسُرَّ سروراً عظيماً، بعد سنتين أو ثلاث هناك غزوة فانخرط مع النبي، فلما رآه النبي قال له: "ارجع أنت ألم تعاهدهم؟!" ارجع أنت عاهدتهم، الدين كله قيم، لو أن الصحابة الكرام فهموا الدين كما نفهمه نحن، نحن نفهمه لكن على أساس أنه شعائر، صلوات، صوم، زينة، مولد، منشدون، طَرَبْ، عزائم، ولائم، بطاقات دعوى، مكتبة فخمة، لكن لم نفهمه التزاماً، صدقاً، أمانة، عفة، الدنيا كلها تحت قدمك من أجل أن تَفي بوعدك، قيل: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كمل مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحَرُمت غيبته" ، هذا الذي نسعى إليه، فلذلك لا تُخَيِّب ظنّ إنسان بالإسلام بسبب معاملتك، لا تخيِّب ظنّ إنسان بالدين من معاملتك، لا تبع دينك بعرض من الدنيا قليل، لا تكذب مهما كلف الأمر، لا تقل: الكذب ملح الرجال، هذا كلام الشيطان، الكذب عار، جريمة، النبي كان إذا كشف من أحدٍ كذباً قاطعه، أبداً: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور