وضع داكن
02-05-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الممتحنة - تفسير الآيات 06-09 الولاء والبراء والاتباع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

إبراهيم عليه السلام والذين معه أسوةٌ حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر:


أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة الممتحنة، ومع الآية السادسة وهي قوله تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

أيها الأخوة؛ هذه الآية تأكيدٌ لآيةٍ سابقة.

﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

هذه الآيات، أو هذه الآية الطويلة التي أكَّدتها الآية التي بين أيدينا اليوم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ﴾ في إبراهيم عليه السلام والذين معه أسوةٌ حسنة، أي قدوةٌ حسنة، ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ .
 

الولاء والبراء من لوازم الإيمان:


بيّنت لكم أيها الأخوة أنّ في حياة المؤمن شيئين أساسيَّين من لوازم الإيمان، الولاء والبراء، فما لم يوالِ المؤمن المؤمنين، ما لم ينضم المؤمن إلى المؤمنين، ما لم يتعاون المؤمن مع المؤمنين، ما لم يحب المؤمن المؤمنين فلا ولاء له، وما لم يتبرَّأ من الكافرين، ما لم يبتعد عنهم، ما لم ينسلخ منهم، ما لم يُنْكِر عملهم فليس مؤمناً، لا تكون مؤمناً إلا بالولاء والبراء، أن توالي أولياء الله، وأن تبتعد عن أعداء الله.
لا أقول لك أن تكون هجومياً ولكن ابتعد عنهم، لماذا؟ لأن الماء الصافي العذب الزلال والماء الملوّث إذا اختلطا من المتضرر؟ الماء الصافي لأنه يتلوّث، أما الماء الملوّث فهو في الأصل ملوّث، يستفيد، تخفُّ حدَّة تلوّثه، أما الخطورة على الماء الصافي، فالمؤمن ما لم يكن نقياً، بعيداً عن الشبهات، بعيداً عن مزالق الشهوات، ما لم يكن بعيداً عن مواطن المعصية، لا ينجو، لذلك لا مؤاثرة في الخير والخير كلُّه في المؤاثرة، أن تؤثر إنساناً لئلا يغضب، لئلا يحزن، على طاعة الله إنك لست مؤمناً، لا تؤثر أحداً في طاعة، أما حينما تكون مطيعاً لله فلك أن تؤثر الناس جميعاً بدنياك، إنَّك إن ضَحّيت بدنياك من أجل الآخرين فأنت تداريهم، والمداراة من أخلاق رسول الله، ورد : "بُعِثت بمداراة الناس" .
 

المداراة والمداهنة:


أما أن تبذل دينك من أجل الآخرين فأنت تداهنهم، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يُداهن:

﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)﴾

[ سورة القلم ]

لا تداهن لكن دارِ، رأس الحكمة مداراة الناس، بُعِثت بمداراة الناس. 
فالولاء والبراء، أي ممكن أن تنضوي في أي عمل، وأن تكون علاقتك مع أصحاب العمل علاقةً محدودة بالعمل، أما العلاقات الحميمة، الزيارات المختلطة، الرحلات الطويلة، الشراكة الاندماجية مع أهل الدنيا فإنهم يلوِّثونك، فلذلك الولاء والبراء، لابدَّ من أن توالي ولابدَّ من أن تتبرَّأ، الولاء أن تعطي لله، وأن تمنع لله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله، وأن تغضب لله، وأن ترضى لله، وأن تعفو لله، وأن تنتصر لله، هذا الولاء، والبراء أية جهةٍ متفلِّتةٍ، غير منضبطةٍ، عاصيةٍ ينبغي أن تبتعد عنها لأنها تؤذيك من دون أن تؤذيها، هي لا تتأذّى، هكذا هي، أما هي فتؤذيك، إذا أخرجتك عن طاعتك حجبتك عن ربك، أنت كل قيمتك باتصالك بالله، كل ثمار الدين لا تقطفها إلا بالاتصال بالله، فإذا واليت أهل الدنيا وحملوك على معصيةٍ، أو على تقصيرٍ، أو على شبهةٍ، أو على مزلقٍ، حجبوك عن الله، حملوك على معصيةٍ فحجبوك عن الله، حينما تُحجَب عن الله فقدت كل ثمار الدين، هم في الأصل محجوبون، هم في الأصل منقطعون، لم يتأثَّروا إطلاقاً، لكنهم جرَّوك إلى ما هم عليه، لذلك لابدَّ من البراء، ولابدَّ من الولاء، لا يكمل إيمان عبدٍ حتى يحبّ لله، وحتى يبغض لله، وحتى يعطي لله، وحتى يمنع لله، فلذلك سيدنا إبراهيم موقفه سليم:

﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)﴾

[  سورة الشعراء ]

 

الأسوة الحسنة هي الدليل القطعي على واقعية هذا الدين:


إخواننا الكرام؛ أكثر المتفلتين، أكثر الساهين، أكثر الغافلين، ولاؤهم مرتبطٌ بمصالحهم، وبراؤهم مرتبطٌ بمصالحهم، يوالون أهل الكفر إن كانت هناك مصلحةٌ بينهم وبينهم، ويتبرؤون من أهل الإيمان إن لم يكن منهم شيءٌ يعود عليهم بالخير، فلذلك أحد خصائص المؤمن أن يوالي وأن يتبرَّأ، أن يوالي المؤمنين وأن يتبرَّأ من الكافرين، الآية اليوم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الحقيقة الأسوة الحسنة هي الدليل القطعي على واقعية هذا الدين، لأن الدين أفكار، أما حينما ترى نبياً، إنساناً مثلك، بشراً مثلك، في أعلى مستوى أخلاقي فهو حجَّةٌ علينا، لأن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، إلا أن الناس اليوم ماذا يقولون؟ لمجرَّد أن تطلب منهم أن يقيموا شرع الله يقول لك: يا أخي أنا لست نبياً، من قال لك إنك نبيّ؟ ولا واحد بالمليار، ولا ذرَّة غبار على نعل أحد الأنبياء، من قال لك إنك نبيّ؟ ولكن حينما نقول: لابدَّ من أن نعطي حقنةً لمريض، إنَّ أعلى طبيبٍ في الأرض يجب أن يعقِّمها، وإن أدنى ممرض في الأرض يجب أن يعقِّمها، توجد أشياء ثابتة:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)﴾

[  سورة هود ]

أمور الاستقامة ليس لها علاقة بالنبوّة أو غير النبوّة، إن أطلقت البصر سلكت في طريق الزنا، لأن كل خطوةٍ تقود إلى أختها، أخي أنا لست نبياً، من قال لك إنك نبي؟ إنك مأمورٌ أن تفعل ما يفعله الأنبياء، الأنبياء قدوة لنا.

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾

[ سورة الأحزاب ]

فالنبي أيها الأخوة الكرام، أقلُّ مهمَّةٍ جاء بها التبليغ، لكن أكبر مهمَّةٍ جاء بها الأسوة. 
 

النبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ لنا وأسوة:


أنت أمام قُرآن متحرِّك، الكون قرآنٌ صامت، القرآن كون ناطق، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقرآنٌ متحرِّك، فيجب أن نقتدي برسول الله، يجب أن نعرف سيرته، يجب أن نعرف سنَّته، لأن الله ما قَبِل أن ندَّعي حبَّه إلا بالدليل، والدليل اتباعه، نبينا عليه الصلاة والسلام قدوةٌ لنا وأسوة، وإبراهيم عليه السلام قدوةٌ لنا وأسوة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ الخطاب لنا ﴿فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ أجمل تعقيب هذا التعقيب، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ لكل الناس؟ لا، ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ ، لمن كان يرجو الدنيا من أسوته؟ فلان الفلاني، ذو الحجم المالي الفلاني، تجد أهل الدنيا إذا دخلوا على رؤساء الدنيا، أي مثلاً كبار التجَّار، كبار الصناعيين، تجده انتهى، ذاب تعظيماً لهم، لأن هدفه الدنيا، فإن رأى إنساناً في الدنيا متفوّقاً هو قدوته، يشرب الخمر ليست مشكلة، لا يصلّي، يريد أن يكون مثله، أنت لا تتخذ أسوة من بني البشر إلا في نطاق طموحاتك، إنسان طموحاته تجارية من أسوته الحسنة؟ التاجر الفلاني، إنسان طموحاته صناعية من أسوته الحسنة؟ الصناعي الفلان، إنسان طموحاته علميَّة من أسوته؟ الدكتور الفلاني، يقول لك: يحمل بورد، يحمل أعلى شهادة في العالم، له ثمانون مؤلَّفاً، له شهرة واسعة، فأنت قل لي من أسوتك أقل لك من أنت، أنت تسعى لتقليد من؟ من هو الذي أمامك دائماً؟ أنت لك شخصية هي أنت، لك شخصيةٌ تكونها، وشخصيةٌ تكره أن تكونها، وشخصيةٌ تتمنّى أن تكونها، الشخصية التي تتمنَّى أن تكونها من هي؟ إذا كانت هذه الشخصية من أهل الدنيا فأنت من أهل الدنيا، إن كانت من أهل الفن الرخيص فأنت من أهل الفن الرخيص، إن كانت هذه الشخصية لاعب كرة فأنت في هذا الحقل.
 

المؤمن شرُفت نفسه بمعرفة الله عز وجل:


الله عزَّ وجل قال عن النبي الكريم:

﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)﴾

[ سورة النجم ]

أنت في أي أُفُقْ؟ الأنبياء لهم أفق، المؤمنون لهم أفق، أولياء الله لهم أفق: عن الحسين بن علي بن أبي طالب:

(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها. ))

[  صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

قل لي من قدوتك أقل لك من أنت، قل لي من أسوتك أقل لك من أنت، قد تجد إنساناً يركب سيارة فارهة يقدر ثمنها بأربعة وعشرين مليوناً، تجده ذاب، ليتني مثله، هكذا قال أهل الدنيا عندما خرج قارون بزينته.

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾

[ سورة القصص ]

الآن يقولون: هنيئاً له، إنه فوق الريح، يده تطول كل شيء، يلعب بالمال لعباً، إنه لو طحن المال وأكله لا ينتهي، يتكلَّم وهو ذائب ذوباناً، هذا من قدوته؟ أهل الدنيا.

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)﴾

[ سورة القصص ]

 

لن تكون مؤمناً إلا إذا كان الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما:


إلى أين أنتم ذاهبون؟ صدِّقوني أيها الأخوة لا تكون مؤمناً إلا إذا كان الله ورسوله أحبَّ إليك مما سواهما، لا تكون مؤمناً إلا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم دائماً في مخيّلتك، كيف كان يعامل زوجاته؟ كيف كان يعامل أولاده؟ كيف كان يعامل إخوانَه؟ كيف كان يعامل جيرانه؟ كيف كان في بيته؟ كيف كان مع أصحابه؟ كيف كان يتنظَّف؟ كيف كان ينام؟ كان يضع يده تحت خدِّه الأيمن ويستلقي، كيف كان يدعو؟ كلَّما كنت مؤمناً جعلت النبي قدوةً لك، لذلك الآية دقيقة جداً، الأولى والثانية والثالثة، آية النبي: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ إن كنت ترجو الدنيا وزينتها لك قدوةٌ غير النبي عليه الصلاة والسلام، إن كنت ترجو مناصب الدنيا ورِفعتَها لك قدوةٌ غير النبي عليه الصلاة والسلام، إن كنت ترجو ملاذَ الدنيا وشهواتها لك قدوةٌ غير قدوة النبي عليه الصلاة والسلام، تريد صحناً  -ستالايت-على الفور، أما إذا كان الله ورسوله أحبَّ إليك ممن سواهما، وكان النبي الكريم وصحابته الكرام وأولياء الله العاملون هم قدوتك فهنيئاً لك، لذلك الله عزَّ وجل يقرر ويقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ أي دخلت إلى البيت فوجدت فيه مشكلة، عندما دخل النبي عليه الصلاة والسلام ورأى زوجته عائشة رضي الله عنها أصابها ما يُصيب النساء من الغيرة، فأمسكت طبقاً أرسلته السيدة صفية وكسرته، فقال عليه الصلاة والسلام: "غضِبَت أمكم غضِبَت أمكم" ، لم يفعل شيئاً، هذه المشكلة امتصها، هكذا، الآن أكثر الأزواج بعد أن يتزوّج يبحث عن العيوب التي في زوجته فيلقيها على مسامعها من أجل أن يهدم الحبَّ بينهما، ما هي العيوب في أقربائها يلقيها على مسامعها، النبي لم يفعل هذا، قالت له السيدة عائشة مرَّةً: كيف حبَّك لي؟ قال: كعقدة الحبل ، عقدة متينة، فكانت تقول له من حينٍ لآخر: كيف العقدة؟ فيقول: على حالها.
أنت بإمكانك أن تقيم بيتك على أساس من الحب والوئام والود وأنت الرابح الأول، وبإمكانك بحمق وبسفه وبعدم حكمة أن تجعل بيتك جحيماً، هذا يقال وهذا يقال، فيمكنك الانتقاد لأتفه الأسباب، يمكن أن تتجاهل بعض الأخطاء فتعلو عند الله، فالقضية قضية قدوة. 
 

من كان يرجو الله واليوم الآخر فهو حكماً يقتدي برسول الله:


يجب أن تقرأ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، النبي لم يتميز على أصحابه أبداً، وإذا لم تتميز على من حولك فأنت سيِّدهُم، وأنت أحبُّ الناس إليهم، فالعبرة أن المشكلة نحن في عيد المولد، نحن في ذكرى المولد يجب أن نعرف سيرة النبي، ويجب أن نستنبط منها المواعظ والحكم، ويجب أن نجعله قدوة لنا وأسوة في كل شؤون حياته، لأنه الإنسان الكامل الذي حقَّق الكمال البشري كلَّه، يوجد إنسان واحد حقَّق الكمال البشري كلَّه هو رسول الله، وما خلق الله بني البشر في الأصل إلا ليكونوا على شاكلة النبي، وليكون النبي قدوة لهم، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ أي أنت لا يمكن أن تتخذ النبي وصحابته الكِرام قدوة لك إلا إذا كنت ترجو الله واليوم الآخر، لا يمكن أن تتخذ النبي أسوةً حسنةً وقدوةً لك إلا بشرط أن ترجو الله واليوم الآخر، لذلك هناك علاقة اسمها علاقة ترابطيّة، إن كنت ترجو الله واليوم الآخر فأنت حُكْمَاً تقتدي برسول الله، وإن كنت تقتدي برسول الله دائماً فأنت حُكْمَاً ترجو الله واليوم الآخر، أنا أطمئنك، كل واحد منَّا يتَّبع النبي في أقواله وأفعاله، وفي حركاته وسكناته، وفي إقامته وسفره، وفي سروره وفي حزنه، كل واحد منَّا يفعل ما يفعله النبي فهو حُكْمَاً وقطعاً ممن يرجو الله واليوم الآخر، وإذا كنت ترجو الله واليوم الآخر فأنت قطعاً تتخذ النبي أسوة لك، هذا شيء أساسي. 
 

المؤمن الصادق إذا قرأ شيئاً عن رسول الله أو عن صحابته تذوب نفسه إعظاماً لهم:


أنا قلت أن هناك شيئين أساسيين وهما: البراء والولاء، والقدوة الآن، توجد موضوعات كُبرى في الدين، هذه ركائز الإيمان، فلان مؤمن، أنت إذا قلت: فلان مهندس هل هو لا يعلم ما المثلَّث؟ لا يعلم ما الخط المستقيم؟ لا يعلم تحمُّل الإسمنت؟ مستحيل، لأن هذه بديهيات الهندسة، إذا قلت: إنسان يحمل لسانس في اللغة العربية، هل من الممكن ألا يعلم ما حركة الفاعل؟ إذاً هو كذَّاب، حركة الفاعل لا تعرفها؟ إنسان يحمل لسانس في الرياضيات لا يعرف الضرب والجمع والتقسيم والطرح؟ هذا مستحيل، هذه بديهيات، بديهيات المؤمن الولاء والبراء، بديهيات المؤمن الأسوة الحسنة، من أسوتك؟ من قدوتك؟ تقلِّد من؟ تتجه أنظارك إلى من؟ تعظِّم من؟ تذوب أمام من؟ المؤمن الصادق إذا قرأ شيئاً عن رسول الله أو عن صحابته الكِرام تذوب نفسه إعظاماً لهؤلاء الرجال، أما أهل الدنيا فتذوب أنفسهم على لاعب الكرة الفلاني، الممثل الفلاني، المغنّي الفلاني، ذائبون في حبِّهم، قل لي بمن تقتدي أقل لك من أنت، هذه الآية الأولى.
 

من يكفر بالله فالله غني عنه:


﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ يتولَّى عن أن يكون النبي قدوة له، يتولَّى أي يدير ظهره لهذه السنَّة، ولهذه السيرة، ولهذا الإنسان العظيم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله غنيٌّ عنكم. 

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))

[ صحيح مسلم ]

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ يتولَّى عن أي شيء؟ يتولَّى عن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلَّم قدوةً له، الآية هنا يتولَّى عن أن يكون إبراهيم عليه السلام ومن معه قدوة له في الولاء والبراء، إذاً يوالي الكفَّار ويبتعد عن المؤمنين، تولَّى عن أن يكون هذا النبي العظيم قدوةً له، خيراً إن شاء الله.
 

الله عز وجل غني عنا لكن لا يعاملنا إلا معاملةً نحمده عليها:


﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ غنيٌّ عنك وعن ولائك وعن برائك، وغنيٌّ عن طاعتك، وغنيٌّ عن عملك، ومع أنه غنيٌّ عنك لا يُعاملك إلا معاملةً تحمده عليها، هذا معنى غنيٌّ حميد، إذا كان هناك إنسان غني عن الآخر قد يسيء إليه، غنيٌّ عنك ولا يعاملك إلا معاملة تحمده عليها، ليس هو غنياً منتقماً، إنه غنيٌّ حميد، هو مستغن عنك، أحياناً الإنسان يخدمك لأن له علاقة معك، له مصلحة معك، أما إنسان يخدمك وليس له مصلحة معك أبداً فهذا موضوع كبير جداً، إنسان يقدِّم لك كل شيء وهو غنيٌّ عنك هذه بطولة، أكثر الناس بالحاسَّة السادسة مصلحته مع فلان، تجد في تصرفاته معه احتراماً، وإكراماً، ومداراة، ومودَّة، أما متى تكون المودَّة في أعلى مستوياتها؟ المودَّة والإكرام؟ إذا كنت غنياً عنه، غنياً عنه وتقدِّم له كل شيء، هذه أخلاق الله عزَّ وجل: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ غنيٌّ لكن لا يعاملنا وهو غنيٌّ عنَّا إلا معاملةً نحمده عليها.
 

عداوة المؤمن عداوةٌ طارئة لا عداوةٌ أصيلة:


أيها الأخوة؛ مرَّة ثانية وقد ذكرت هذا في الدرس الماضي أنَّ عداوة المؤمن عداوةٌ طارئة لا عداوةٌ أصيلة، المؤمن الصادق إنساني وربَّاني، ربَّاني يستمد كل توجيهاته من الله، لا يوجد عنده مصدر آخر آمر، لا توجد تقاليد، ولا عادات، ولا لباقة، ولا أدبيّات، ولا اجتماعيات، هذه كلَّها كلمات ما أنزل الله بها من سلطان، يتحرَّك وفق توجيهات الله، لذلك في بعض الأحاديث:

(( عن ابن مسعود: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت. ))

[ أخرجه البخاري ]

هذا الحديث يُفهَم فهماً وله فهمٌ آخر، من بعض معاني هذا الحديث أي إذا كنت لا تستحي من الله في هذا العمل افعله ولا تعبأ بأحد، مثلاً لو إنسان له زوجة لا تُنجِب، أو زوجة مريضة، هو يستحي أن يتزوّج بأخرى، وهذا الشيء من حقَّه إلا أنه بدأ يمنةً ويسرة، صار له علاقات، وصار له عشيقات، أما اجتماعياً فله زوجة واحدة، لا، تزوج امرأةً ثانية وفق منهج الله وكن مستقيماً.
شيءٌ آخر؛ أي شيء إذا كان الله راضياً عنه افعله ولا تعبأ بأحد، إذا لم تستحي من الله في هذا العمل إذا كان وفق منهج الله افعله ولا تعبأ بأحد، أما أن نعصي الله سرَّاً من أجل الحفاظ على مكانتنا أمام الناس فإن هذا شركٌ كبير، لذلك ليس في حياة المؤمن عداوةٌ دائمة، عداوات المؤمن طارئة، المؤمن لا يكره أحداً، إن كرِه الكافر كرِه عمله فقط، لا يوجد عنده حقد، الحقد من صفات المقطوعين عن الله، الأحقاد الدفينة من صفات غير المؤمنين، الأحقاد الثابتة من صفات المتفلِّتين، أما المؤمن فلا يحقد، أما النبي عليه الصلاة والسلام فيبكي لشقاء الكافرين: 

(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثلَهَا قَطُّ، قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثيرًا» قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «فُلانٌ». فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} .))

[ صحيح البخاري ]

أي إذا أحد الأشخاص وَجَّه لك كلمةً قاسية، أو دفعك بصدرك، وأُتيح لك أن تنال منه، قد تفعل فيه الأفاعيل، أما أن يذهب النبي إلى الطائف، وأن يُكذَّب، وأن يُسْخَر منه، وأن يُضرَب، ثم يأتي جبريل ليقول له: لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، فيقول: 

(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا».  ))

[ صحيح البخاري ]

أنت عندك إمكانية أن تحبَّ الكافر؟ أن تحبَّه لأنه إنسان، وأن تكره عمله لأنه كافر، هذا حال المؤمن، لا يوجد حقد.
 

المؤمن لا يحقد أبداً:


﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

إذا غلب على ظنِّك أن عفوك عنه يقرِّبه من الله، يعفو ويصفح ولا يحاسِب، لأن الحقد غير موجود، وهذا من أخصِّ خصائص المؤمنين. 
مثلاً إنسان يرتكب كل المعاصي جِهاراً، رأيته في المسجد تائباً، إن لم تشعر أنه أقرب الناس إليك، وأنك تتمنَّى أن تقدِّم له روحك فأنت لست مؤمناً، قبل يوم كان شارب خمر، منحرف الأخلاق، مغتصباً أموالاً ليست له، فلمَّا رأيته تائباً منيباً إن لم تشعر أنه أقرب الناس إليك، إن لم تتمنّ أن تعطيه كل شيء فأنت لست مؤمناً، هكذا المؤمن، لهذا قال الله عزَّ وجل:

﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

عِكْرِمَةُ بن أبي جهل من ألدِّ أعداء رسول الله، ناصبه العِداء عشرين عاماً، ولمَّا دخل النبي مكَّة أَهْدَرَ دمه ولو تعلَّق بأستار الكعبة، ثم إنه جاء تائباً مُسْلِمَاً، فصار أقرب الناس إلى النبي، وفي بعض المعارك نزل عن فرسه ودخل بين صفوف الكفَّار، فقال له سيدنا خالد: ارأف بنا يا عكرمة، فقال له: دَعْك عنّي يا خالد لك مواقف مع رسول الله أنا أُكفِّر عن ذنوبي السابقة.
إنسان عنده من الحقد ما لا سبيل إلى وصفه يقول: آه لولا أطفالٌ صغار أخشى عليهم العَنَتْ، لولا ديون ركبتني لا أُطيق سدادها لذهبت وقتلت محمَّداً وأرحتكم منه، هذا نفسه حينما أسلم قال عنه عمر: دخل عمير والخنزير أحبّ إليَّ منه وخرج من عنده وهو أحبُّ إليَّ من بعض أولادي، هذا المؤمن، لا يحقد أبداً، يتألَّم من عمل الكافر، يتألَّم من الكذب، يتألَّم من أكل المال بغير حق، يتألَّم من الكِبر، أما حينما تؤمن فانتهى الأمر: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً﴾ بناءً على هذه الآية لا تيأس من هداية أحد. 
 

الصلْحَة بلمحة:


والله أيها الأخوة؛ أُنَاسٌ كثيرون في عُمرِ هذه الدعوة، هذه الدعوة عمرها عشرون عاماً، أناسٌ كثيرون أكثر من عشرين أو ثلاثين إنساناً يقول بعضهم لي: أستاذ ليس هناك معصيةٌ تعرفها إلا ارتكبتها؛ شرب خمر، على زنا، على قِمار، على ارتياد نواد ليلية، على إنكار، ثم لمَّا تاب إلى الله توبةً نصوحة صار كالملائكة، لا تيأس، لا تيأس من هداية أحد، المؤمن نفسه طويل، وحينما ترى إنساناً متفلِّتاً، بعيداً، تائهاً، شارداً، قد عاد إلى صفِّ المؤمنين، وانضوى تحت لوائهم، وأحبَّهم، وتاب إلى الله، يدخل على قلبك من السرور ما لا سبيل إلى وصفه، لا تيأس، عندي عشرات بل بضع عشرات من الحالات:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾

[ سورة الزمر ]

إنسان مسرِف على نفسه في المعصية، الصلْحَة بلمحة: لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد، أي أجمل شيء قاله النبي في هذا الموضوع، قدَّم صورة إنسان يركب ناقته يقطع بها الصحارى، عليها زاده وشرابه، أراد أن يستريح قليلاً، جلس تحت ظلّ نخلةٍ ليستريح، فاستيقظ فلم ير الناقة، وهو في قلب الصحراء، أيقن بالهلاك، جلس يبكي ثم يبكي ثم يبكي إلى أن أدركه النعاس فنام فأفاق فرأى الناقة، من شدَّة فرحه اختلَّ توازنه فقال: يا رب أنا ربُّك وأنت عبدي، الشاهد: 

(( عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دَويّة مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه –الشاهد-فاللهُ أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده. ))

[ رواه مسلم ]

هذا وصف النبي. 
 

كل إنسان مطلوب لرحمة الله عز وجل:


أنت حينما تتوب إذا قال العبد: يا ربِّ وهو راكع، قال: لبيك يا عبدي، إذا قال العبد: يا ربِّ وهو ساجد، قال: لبيك يا عبدي، أما إذا قال العبد: يا رب وهو عاصٍ، فقال الله له: لبيك، ثم لبيك، ثم لبيك، أي: 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». ))

[  صحيح البخاري ]

هذا وصف النبي، حديثٌ صحيح، أي أن الله ينتظر منك بادرة، ينتظرك.
يا داود لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطَّعت أوصالهم من حبّي، ولماتوا شوقاً إليّ، يا داود هذه إرادتي بالمعرضين فكيف إرادتي بالمقبلين؟ ! أنت مطلوب، مطلوبٌ لرحمة الله، الله ينتظرك. 

إلى متى وأنت في اللذات مشغول             وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

[ البوصيري ]

* * *

وجدناك مضطراً فقلنا لك ادعُنـــا         نُجبك فقل هل أنت حقاً دعوتنـا؟

دعوناك للخيرات أعرضت نائيــاً         فهل تلق من يحسن لمثلك مثلنـا؟

فيا خجلي منه إذا هــو قال لـــــي         أيا عبدنــــــا ما قــــرأت كتابنـا؟

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى؟         أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا؟

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

إلى متى وأنت في اللذات مشغول             وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

[ البوصيري ]

* * *

تعصي الإله وأنت تظهر حبــه             ذاك لــعمري في المقال بديـعُ

لو كان حبك صادقــاً لأطعتـــه             إن الــــمحب لمن يحب مطيع

[ الشافعي ]

* * *

هذه الآية الكريمة:

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾

[  سورة الحديد ]

إلى متى؟! لمَ لا تتوبوا توبةً نصوحاً؟ لمَ لا تصطلحوا مع الله عزَّ وجل؟
 

الحلم سيد الأخلاق:


﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(7)﴾

[ سورة الممتحنة ]

كلمة: ﴿وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾ الإنسان مُهَيَّأ للهدى، مصمَّم ليهتدي إلى الله، فطرته تدعوه إلى الهدى، عقله يدعوه إلى الهدى، واقعه يدعوه إلى الهدى، النقل الصحيح يدعوه إلى الهدى، أحياناً تنشأ مشكلة تضطرَّه إلى الهدى، فأنت لا تيأس مهما رأيت عداوةً، وانحرافاً، وبعداً، وتفلُّتاً، واستخفافاً، واستهزاءً، كن حليماً، كاد الحليم أن يكونَ نبيَّاً، الحلم سيد الأخلاق. 
 

على المؤمن ألا يفكِّر أن ينتقص من المؤمنين ولا أن يطعن بهم ولا أن يعاديهم:


يوجد شيءٌ آخر دقيق جداً.

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

لو كان هناك إنسان غير ملتزم؛ لا يصلِّي، لا يغضُّ بصره، لا يتحرَّى الحلال في دخله، لكنه لا يعادي المؤمنين، لا يُسَفِّههم، لا ينتقص منهم، لا يطعن فيهم، يقول: والله أنتم أحسن منّي لكن أنا لا أقدر أن أمشي مثلكم، له موقف ود، موقف إكبار، موقف مسالم الحد الأدنى، لا يفكِّر أن ينتقص من المؤمنين، ولا أن يطعن بهم، ولا أن يعاديهم، قال: هذا لابدَّ من أن تُحسِن إليه، من أن تصله.
توجد نقطة دقيقة جداً؛ مجموعة ممن يعملون في فنٍّ رخيص في بلد عربي تابوا إلى الله، واستقاموا على أمره، وصلح أمرهم، زميل لهم طرق بابهم فاستقبلوه، عاش معهم رأى من إخلاصهم، من استقامتهم، من طهرهم، الإنسان التائب إنسان آخر، الحقيقة عندما يتوب الإنسان توبة نصوحة بالتعبير الدارج قلبَ مئة وثمانين درجة، كان له ميول، كان له اهتمامات، كان له أصحاب، صار إنساناً آخر، فأنت إن كان لك صديق قديم، أنت هداك الله، وتاب عليك، وقرَّبك، وأكرمك، وفتَّح لك قلبك، ونوَّر لك عقلك، وتجلَّى على قلبك، وأسعدك، ووفَّقك، زارك صديق قديم متفلِّت، إذا لم تستقبله، وتكرمه، وتطلعه على حالك الجديد كيف تغريه بالهدى؟ إنسان لا يعاديك قال: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ لا قاتلك، ولا هاجمك، ولا انتقدك، ولا سَفَّهك، ولا حقد عليك، بالعكس قال لك: أنت أحسن منّي، أنا مقصِّر، أنا ليس لدي إمكانية لأكون مثلك، أرجو أن يتوب الله عليَّ، طبعاً هذا الإنسان غير ملتزم، هذا يجب أن تصِله، أن تكرمه، أن تعينه على الشيطان، أن تكون عوناً له على الشيطان لا أن تكون عَوْنَاً للشيطان عليه، إذا جافيته، ابتعدت عنه، خاصمته، هاجمته، انتقدته، وبَّخته، صغَّرته أمام الناس، قلبته إلى عدو، هذا غلط، أما إذا كان يعاديك فهذا موضوع ثان، أما هذا فلا يعاديك، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ .
 

حاجة الدعوة إلى الله إلى حكمة بالغة:


أحياناً يكون في البيت أخوان، أخ ملتزم وأخ متفلّت، لكن متفلّت ولسانه مضبوط، أنت فاسق، أنت كافر، أنت كذا، زدته كفراً وفسوقاً وعصياناً، لا، نحترمك ولك هيبة عنده، أنت تغاضى عن بعض أغلاطه، أحسن إليه، اجلس معه، آنسه، بيّن له، اخدمه أحياناً تملك قلبه، لن يُفتَح العقل قبل القلب، إن فتحت قلبه بإحسانك أصغى إليك، فتح عقله لبيانك، فالدعوة تحتاج إلى حكمة بالغة، إنسان مؤنس، عفو، لطيف، حكيم، لا يرفض الناس، لا يستعلي عليهم، ليس فوقهم، لا يملي إملاءً، يحاور حواراً، الحوار فيه كرامة، الإملاء فيه استعلاء، فيه موقف متغطرس، كثير من المؤمنين أنا أعرف هذا كثيراً عندما تاب رأى نفسه فوق الناس، بدأ يعمل نفسه وصياً على الناس، يوزِّع ألقاباً، وهذا فاسق، وهذا آخرته إلى جهنَّم، من أنت؟ أنت عليك أن تكون أخاً كريماً لكل الناس، الآية دقيقة جداً، المسلمون لا يطبِّقونها، المسلمون أحياناً يعادون أناساً مؤمنين مثلهم لا لشيء إلا لأنهم من جماعةٍ أخرى، كم هم متخلِّفون؟ لا لشيء إلا لأنهم من جماعةٍ أخرى، وكأن الإسلام جماعاتٍ جماعات، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾ أن تكونوا لهم بررة، أن تحسنوا إليهم، وتقسطوا إليهم، أن تكونوا منصفين معهم:

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)﴾

[ سورة الممتحنة  ]

إنسان يخطِّط لإطفاء نور الله، يخطِّط للإفساد بين المؤمنين، يخطِّط لتفلت المؤمنين من دينهم، يخطِّط لإضعاف المسلمين، هذا لا ينبغي أن تعطيه ولاءك، الآن أكثر شبابنا يذهب إلى البلاد الغربية كل علمه، وثقافته، وذكائه، واختصاصه يضعه على طبقٍ من ذهب ليقدِّمه لأعداء الأمَّة، أين ولاؤك للدين؟ تغريه بعض الأمور، تغريه حياة راقية بمفهوم العصر، يقول لك: بيت رخيص، مركبة رخيصة، بلاد خضراء، كل شيء موجود، علاقات واضحة جداً، يضع كل خبرته، وكل علمه، وكل إمكاناته لخدمة أعداء المسلمين، هؤلاء الذين يقاتلونكم ويخرجونكم من دياركم ينبغي ألا تواليهم، وألا تكون في خدمتهم. 
 

المجتمع ثلاثة أصناف:


من الملاحظ أننا في الولاء والبراء لم نخرج عنهما من أول آية وهي قوله تعالى: 

﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)﴾

[ سورة الممتحنة ]

المؤمن إذا كان راقياً في معاملاته، برقيه، وذكائه، وحكمته، وطيب نفسه، وكرمه يجلب هؤلاء الحياديين، يوجد في المجتمع ثلاثة أصناف؛ مجتمع مؤمن، ومجتمع كافر، وهناك فئة حيادية لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، إنهم مع شهواتهم، لكن لا يوجد عنده موقف معاد للمؤمنين، ولا يوجد عنده موقف معاد للكافرين، فحكمة المؤمن وذكاؤه وإنصافه وإحسانه تجعل هذا الحيادي ينضم للمؤمنين، وأحياناً حمق الإنسان المقصِّر وعدم دقَّته في كلامه يجعل هذا الإنسان ينضم لهؤلاء.
يوجد شخص حيادي، كل حكمتك يجب أن تكون من أجل أن تضمَّه إليك، أما إذا قيّمته تقييماً سيئاً، وقسوت عليه في القول، ونبذته، انضمَّ للآخرين، للطرف الآخر، يوجد طرف لا يغيّر، هناك طرفٌ الكفر مترسِّخ فيه، هذا لا يغيّر، ويوجد مؤمن، نحن جهودنا كلّها مع الطرف الحيادي، هذا الذي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، هذا إذا كنت أنت حكيماً، كاملاً، منطقياً، عميقاً في تفكيرك، لطيفاً في معاملتك، سخيّاً في إنفاقك تستطيع أن تجلب هذا الطرف، هذا الإنسان حيادي إليك. 
 

الأمر والنهي في القرآن الكريم:


إذاً هناك نهيٌّ وهناك عدم نهيٍّ، لا ينهاكم، إنما ينهاكم: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ :

﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)﴾

[ سورة الممتحنة ]

ظالمون لأنفسهم، إذاً نَخْلُصُ من هذا الدرس إلى أن من أخصِّ خصائص المؤمن الولاء والبراء والاتباع، أن تتبع النبي الكريم في أوامره، وأن تتبع عما عنه نهى، وأن تقلِّده في سيرته، وأن توالي المؤمنين، وأن تتبرَّأ من الكافرين، وألا تكون سبباً في فتنة كافر، ألا تعطي الكافر حجَّةً فيكفر بسببك، ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وكل ما في القرآن الكريم يجب أن تبعده عن مناسبة وروده، وأن تعمِّمه على كل العصور والأمصار، هذه نماذج متكرِرة، أحياناً الإنسان يقرأ القرآن بعقلية خاصَّة أن هذا كتاب الله حدَّثنا عن شيء وقع في عهد النبي وانتهى الأمر، قلبه إلى كتاب تاريخ، هذا كتابٌ أمرنا الله أن نقرأه، وأن نتعبَّده به، ويمثل كل حالات المجتمع؛ يوجد مؤمن ملتزم، كافر مترسِّخ في كفره، ويوجد حيادي، هذا الحيادي بذكاء المؤمنين، وحكمتهم، وإكرامهم له، وتواضعهم، وإنصافهم يضمُّونه إليهم، وبتصرُّفات غير ملتزمة، بكبر، باستعلاء، بألفاظ قاسية يحملونه على أن ينضمَّ للطرف الآخر، فكل واحد يجب أن يسعى لتقريب هؤلاء الذين بينَ بين إليه، بإحسانه، وإكرامه، ومنطقه، وتسامحه حتى ينتشر هذا الحق بين كل الخلق.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور