- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (037)سورة الصافات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع عشر والأخير من سورة الصَّافَّات، ومع الآية الواحدة والسبعين بعد المائة.
ربنا جل جلاله يقول:
﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ(173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ(174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ(175)﴾
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ
1 ـ مِن سننِ الله الجارية: نصرة الأنبياء:
من عادة البيان الإلهي أنه في ختام السوَر يقرر الله جل جلاله سُنَنَاً وقوانين، فربنا عزَّ وجل يقول: يا محمد إن نصرناك على أعدائك فهذه سُنة الله في خلقه، هذه سنة الله القديمة، أن تُنصَر على أعدائك، أن تعلو كلمة الله، أن ينتصر دين الله، أن تكون العاقبة للمؤمنين، ليس هذا شيئاً جديداً، إنما هو قانونٌ قديم، منذ أن خلق الله الكون هذه كلمته، وهذه سُنَنُهُ، وهذه طريقة تعامله مع عباده، فلابد من أن تنتصر، أنت مع الحق والحق هو الغالب، الباطل له جولة؛ ولكن الحق هو المنتصر في النهاية، منها تطمين، ومنها تأكيد.
2 ـ لابد من كشفِ قوانين الدين:
3 ـ مَن كان مع الحق كان المنتصرَ:
وهذا أيضاً يفيدنا الآن، فهذا قانون الله عزَّ وجل، دائماً إذا كنت مع الحق فأنت المنتصر، إذا كنت مع الله فالله معك، إذا كنت مع شرع الله، فشرع الله يحميك من الهلاك، إذا آثرت رضوان الله عزَّ وجل وفقك الله لما يحب ويرضى، فيجب أن نفهم أن في هذا القرآن قوانين حتمية الحدوث، حتمية النتائج، فإذا قدَّمت المقدمة قطفت الثمن، وأيّ إنسانٍ يأخذ بهذه القوانين يحصِّل هذه النتائج، هذا الذي يُستفاد من قوله تعالى:
4 ـ إما الخضوع لله طواعية أو الخضوع لسننه الكونية قهرًا:
الله عزَّ وجل يمتحن، قد يرخي الحبل، قد يسمح للكافر أن يصول ويجول، ولكن إلى حين، ثم هو في قبضة الله عزَّ وجل، كما قال الله عزَّ جل حينما تحدث عن فرعون وعن سيدنا موسى، قال:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)﴾
الله حرَّم الخَمر، ودولٌ كثيرة لا تؤمن بالله إطلاقاً، قبل عامٍ أو عامين صدر فيها قرارات حرَّمت فيها الخمر، فأنت إما أن تطبِّق هذا الشرع عبوديةً لله، واستسلاماً له، وإما أن تعود إليه مقهوراً، بحكم التجارب والوقائع، والآن هناك انكماش عن الرذيلة لا حباً بالله، ولا حباً بطاعة الله، ولا تعبيراً عن طُهر، لا، ولكن خوفاً من مرض الإيدز، والذين زاروا بعض البلاد الغربية أخبروني بأنّ أحياء بأكملها كانت بؤرة فسادٍ أُغلقت، حمَّامات أغلقت خوفاً من انتقال هذا المرض، فالإنسان إما أن يطبِّق أمر الله عزَّ وجل تعبّداً، وبهذا يرقى، وإما أن يطبقه مقهوراً خوفاً أو رجاءً أو ما شاكل ذلك، ولكن:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾
مرة ذكرت أن عالمةً في منظمة الصحة العالمية كتبت مقالةً عن الذين يصابون بمرض التراخوما في العالم، لا في عامٍ واحد، لا، خمسمائة مليون، وهذه أمراض القذارة، وأن هذه الأمراض تكاد تقلُّ نسبتها أو تنعدم في الدول الإسلامية، لسبب الوضوء فقط، فخمسمائة مليون إصابة بالتراخوما في العالم الثالث، البلاد الملتزمة بشرع الله عزَّ وجل في منجاةٍ من هذا المرض، هذا قانون ربنا عزَّ وجل، معناه أن الوضوء شيءٌ أساسيٌ سَنَّهُ الله لنا.
الذي أريد أن أقوله لكم هو: أن هذا المنهج من عند خالق الكون، فمهما ابتعدت عنه فلابد من أن تعود إليه، وروعة المؤمن أنه عرف الله في وقتٍ مبكر، أما الذين شردوا عن دين الله عزَّ وجل فلابدَّ من أن يعودوا إلى هذا الدين في وقتٍ ما، لكن يعودون إليه صاغرين، مقهورين، بعد أن تسقط من أيديهم كل أوراقهم، وكل معطياتهم، وكل ما كانوا يتوهمونه أنه حق..
﴿
هذا قانون ربنا عزَّ وجل، هذه كلمات الله، ولا مبدل لكلماته، ولما يقرأ الأخ القرآن الكريم فمن حسن توفيقه في فهم كتاب الله أن يضع يده على هذه الآيات التي تعطي معنى القوانين.
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(33)﴾
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى
﴿
إذا قرأت القرآن فحاول أن تضع يدك على قوانينه، على سُنَنِ الله الثابتة، هذه مفاتيح؛ مفاتيح النجاة، مفاتيح السعادة، مفاتيح الرُقِيّ، مفاتيح الفوز، مفاتيح الفلاح.
إذاً: ربنا عز وجل يبيِّن أنه سبقت كلمته، قانونٌ أزليٌ، واقعٌ، أبديٌ
معنى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ
قال بعض المفسرين: سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين بالسعادة في الدارين.
وأضاف بعضهم، وهذه إضافةٌ رائعة: ولمن اتبعهم، فرب الكون، خالق الكون يطمئنك أنني سأسعدك إذا اتبعت رضواني، هل فينا واحدٌ لا يتمنى أن يكون سليماً سعيداً؟ السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في الأرض، فسبقت كلمتنا لهم بالسلامة والسعادة، لهم ولأتباعهم، لأن الفعَّال هو الله عزَّ وجل، لأنه لا يقع شيءٌ في الأرض إلا بإرادة الله عزَّ وجل.
لذلك قال بعض المفسرين: لم يُقتَل أحدٌ من أصحاب الشرائع، الأنبياء معهم رسالات، الأنبياء الذين يحملون رسالات الله عزَّ وجل، هؤلاء لم يُقتَلوا أبداً، لأن قتلهم يعني أشياء كثيرة، شاءت مشيئة الله أن يرسلهم برسالة، إذاً: هم معصومون، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ
أي لا يستطيع أحدٌ أن يُنهي حياتك يا محمد، لأنك مرسل من قِبَلِنَا، لا يستطيع أحدٌ مهما علا في الأرض أن ينهي حياتك
(( إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا. ))
اتصال دائم، وهذا مقام النبي، وما سوى النبي فساعةٌ وساعة:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ، يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً. ))
إذا الشيء الثاني:
معرفة قوانين الله والتعامل معها سببٌ للسعادة:
أيها الإخوة، أتمنى على الله جلَّ جلاله أن يوفقنا جميعاً إلى معرفة قوانينه، كما قلت قبل قليل: إذا عرفت القانون فهو مفتاح السعادة، مفتاح السلامة، كشفت قانون الله عزَّ وجل، كيف أسعد؟ بطاعة الله، كيف أسعد في بيتي؟ بتطبيق منهج الله في اختيار زوجتي، كيف أسعد في عملي؟ بتنفيذ أمر الله في البيع والشراء، كيف أسعد بصحتي؟ بتنفيذ السُنة النبوية الشريفة، قوانين كلها، فإذا وضعت يدك على قوانين الله عزَّ وجل، بل إذا قرأت القرآن، وحاولت أن تكتشف القوانين، القرآن عَبَّرَ عنها بكلمة: (كلمة).
﴿
أي أن كلماته فوق المكان والزمان، والظروف والأحوال، في كل عصر، في كل مِصر، في كل وقت، في كل زمان، قوانينه هي هي، ما علينا إلا أن نتمسَّك بها.
النصر المطلَق: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ
﴿
وعد إلهي بالاستخلاف والتمكين والتطمين، استخلافٌ وتمكينٌ وتطمينٌ، وعلى العباد أن يعبدوه فقط،
المؤمن معه حُجة على كل شيء:
إذاً:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)﴾
ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه، والمؤمن يعرف من هو؟ وما قيمته؟ هو المخلوق الأول، المخلوق المكرَّم، الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وأبدع صُنعه، منحه نعمة العقل، سخَّر له الكون، أنزل له التشريع، أرسل له الأنبياء، أعطاه حريَّة الاختيار، أودع فيه الشهوات، أعطاه فيما يبدو قوةً يتحرَّك بها، ويحقق بها اختياره، منحه فطرةً تكشف له خطأه، إذا عرف الإنسان هذا كله تحرَّك في هذه الدنيا تحركاً صحيحاً، لذلك استشعِروا معي قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ(54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55)﴾
فليس هناك شعور ينتاب المؤمن أعلى من أن يشعر أن الله راضٍ عنه، وأن الله معه، وأنه يؤيِّده، وأنه ينصره، وهذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ
معهم بالنصر، والتأييد، والحفظ، والرعاية.
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾
تجده يتحرك في طرق مسدودة تنتهي به إلى الهلاك، يُعطي قيمةً لأشياء تافهة زائلة، وينسى أبرز ما في الحياة الدنيا، لا يملك نظرية متكاملة في خلق العالم، وفي فلسفة الوجود، وفي فلسفة المعرفة، وفي فلسفة الحياة الدنيا، وفي فلسفة الإنسان، ولأن هذا القرآن من عند خالق الكون، فقد بيَّن لنا ما كان في عالم الأزل، وما سيكون في عالم الأبد، وسر وجود الإنسان على الأرض، بيَّن لنا من هو الخالق، من هو الرب، من هو المسيِّر، من هو المعبود بحق؟ هذا كله في القرآن.
فهل من الممكن لإنسان لم يقرأ القرآن أن يكتشف التفسير الكامل، الصحيح، الجامع، المانع، للكون؟ لا يعرف، قد يرى أن الدنيا هي كل شيء، هذا أكبر ضلال، قد يرى أن الموت نهاية الحياة، ولا شيء بعد الموت، هذا نهاية الضلال، قد يرى أن المال كل شيء، نهاية الضلال، قد يرى أن القوة هي كل شيء، هي الضلال بعينه، فحينما يركّز الإنسان بأشياء زائلة وتافهة وصغيرة الحجم فهذا هو الضلال المبين، أما حينما تتعرف إلى الله عزَّ وجل فإنك تعطي لكل شيءٍ حجمه الحقيقي، المال قوام الحياة؛ ولكن لا أعبده من دون الله، لا أضحي بديني من أجله، هناك منظومة قيَم أتحرك من خلالها.
﴿
إبراهيم نبيٌ عظيم، وكل من اتبع إبراهيم، وكل من اتبع النبي الكريم معه حُجة، عندما تتعلم اللغة العربية مثلاً، ويكون أمامك إنسان يقرأ نصاً، لا تكشف أخطاءه إلا إذا كنت عالماً باللغة، فإن لم تكن عالماً باللغة تثني على قراءته، أما إذا كنت متمكناً تكشف كل أغلاطه، فإذا عرفت الله عزَّ وجل وعرفت منهجه، لو جلست مع إنسان شارد عن الله ربع ساعة تكشف الخلل في تفكيره، تكشف الزَّيف في معتقداته، تكشف عقائده الفاسدة، تكشف أن كل علاقاته غير الصحيحة، علاقات كلها جهل.
ضربت مرة مثلاً: هناك ضوء على لوحة السيارة يتألَّق إذا انتهى الزيت في المحرك، هذا ضوء خطِر جداً، لو تألَّق يجب أن تقف فوراً، وإلا يحترق المُحرك، لو اعتقد إنسان أن هذا الضوء إذا تألَّق فليسلِّيك في الطريق مثلاً، وليؤنس وحشتك، هذا اعتقاد خطير جداً، قد تحرق محرك السيارة وأنت لا تدري، فما هو الجهل؟ قد يظن الناس أن الجهل ألا تعرف، لا، فالجهل أن يكون الذهن محشواً بعلاقاتٍ كلّها فاسدة، علاقات مغلوطة.
أدِّ الذي عليك واطلب من الله التوفيق والنصر:
إذاً:
اسأل سؤالاً آخر: ما الذي قصَّر فيه المسلمون؟ هل بيتهم إسلامي؟ هل بيعهم وشراؤهم إسلامي؟ هل خروج نسائهم كما يرضى الله عزَّ وجل؟ هل كسبهم للمال وفق الشرع تماماً؟ هذا الذي أتمنَّاه على كل إنسان؛ أن يسأل نفسه: ما الذي علي؟ علي أن أؤدي الذي علي، ثم أدعو الله بالذي لي، اللهم نصرك الذي وعدتنا، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، أدِّ الذي عليك، وبعد أن تؤدي كل ما عليك قل: يا رب نصرك الذي وعدتنا، بعد أن تؤدي كل ما عليك قل: ربنا إننا كما قال أحد الأنبياء، إني مغلوبٌ فانتصر يا رب لدينك، لا يحق لك أن تطالب بالنصر والتأييد والحفظ قبل أن تؤدِّي الذي عليك.
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ
1 ـ المؤمن متميِز عن غيره:
أي يجب أن يفترق المؤمن عن الكافر، يجب أن يكون المؤمن صارخاً في إيمانه، علاقاته كلها وفق الشرع، أي أن كل حركاته وسكناته يتميَّز بها على الكافر، أما إذا كان هناك اختلاط، والأماكن التي يرتادها الكافر يرتادها المؤمن، المقاصف التي يجلس بها الكافر يجلس بها المؤمن، الموائد التي لا ترضي الله يقبع عليها المؤمن والكافر، هناك اختلاط، في التجارة الأساليب التي لا ترضي الله التي يمارسها الكفار يمارسها المؤمنون، فما بقي شيء، فأين:
المؤمن متميز، في كل علاقاته، في حركاته، في سكناته، حتى في أفراحه، إذا الأفراح في أماكن لا ترضي الله عزَّ وجل، في اختلاط، عُرس مختلط، والأسر مسلمة، ويقولون: الله لا ينصرنا؟ فماذا تفعلون؟ إذا في بعد عن الله عزَّ وجل بحيث لا يبدو للمراقب أن هذا مسلم، مثله مثل الآخرين، فلابد من التمايز للمؤمن في بيعه وشرائه، وفي بيته، وفي عاداته، وفي أفراحه، وفي أتراحه.
مثلاً: الآن في الأعراس هناك آلة تصوير، هؤلاء النساء كلُّهن كاسيات عاريات في الأعراس، كيف تسمح أسرةٌ مسلمةً أن تصور المدعوات وهن بأبهى زينة، وهذا الفيلم يطبع عليه عشرات النسخ، ثم يُشاهد في البيوت، وهذه المرأة التي تبدو في الطريق محجبة قد رآها الأجانب كلهم بأبهى زينة، أين الإسلام؟
أيعقل أن يكون المسلمون تحت رحمة مصمم أزياء يهودي فرنسي، فكلما صمم أزياء معينة لهثوا وراءه ليقلدوا آخر صرعات العصر، أهذا هو الإسلام؟
قال: "يا رب عصيتك، ولم تعاقبني! قال له: عبدي كم عاقبتك ولم تدر".
لما يقصر الإنسان فالله عزَّ وجل يؤدِّب، حتى تظن أنه تخلَّى عنك، هو لم يتخلّ عنك، ولكن يؤدِّب، ويشدد، ويضيِّق، إلى أن تقول: يا الله، إلى أن تقول: يا الله تبنا إليك، عدنا إليك، رجعنا إليك، رجعنا إلى شرعك، رجعنا إلى قرآنك، رجعنا إلى سُنة نبيك، فلابد من العودة إلى الله، ولابد من الصلح مع الله، وإن لم يكن في بداية الحياة فلن ينفعنا في نهايتها..
﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18)﴾
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ
لكن
2 ـ لابد من الابتعاد عن الأماكن التي تليق بالمسلم:
3 ـ حَتَّى حِينٍ
﴿
قال بعض العلماء: إن تأويل القرآن في هذه الآية معناه تحقُق الوعد والوعيد، الله وعد الفاسق بالعقاب، وعد المُرابي بتدمير المال، وعد المؤمن بالحفظ، فكل وعود الله عزَّ وجل، تُحقَّق في الدنيا، لذلك تأويل القرآن أن يقع الوَعد والوعيد، قال: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ حتى حين يأتي أمر الله فيستحق المؤمن النصر والتأييد، ويستحق الكافر الخَذلَ والخِزي والعار، حتى حين مجيء وعد الله عزَّ وجل، الله أعطى الإنسان خياراً، أعطاه فرصة، لو جاء العقاب بعد المعصية مباشرةً لألُغِي الاختيار، يعصي الإنسان، وبعد المعصية هو في بحبوحةٍ طويلة، لعله يتوب، فإذا انتهى الوقت الكافي كي يتوب ولم يتُب، الآن يأتي الهلاك.
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ
الطريق الصاعد صعبٌ على راكب الدرَّاجة، وفيه حفر، وفيه أكمات، وفيه غُبار، وفيه أتربة؛ لكنه ينتهي بقصرٍ منيف فيه كل شيء، لكن رحمةً بهذا الراكب وُضِعت لوحةٌ بيانيةٌ تفصيلية، ذُكِر عند مفترق الطرق: هذه الطريق النازلة تنتهي بهذه الحفرة السحيقة، وهذه الطريق الصاعدة تنتهي بهذا القصر المنيف، وإذا أردت أن ترى بعينك ذاك المنظار، لوحة ومنظار، انظر، فهذا الذي رفض أن يرى، ورفض أن يقرأ، وسار في الطريق الهابطة، انسجاماً مع راحته الجسدية، ومع تمتُّعه بالمناظر الخلاَّبة، فأنت إذا أبصرته، أو بيَّنت له لم يستفد، ولكن سوف يبصر، أنت بيّن له قبل فوات الأوان فإن لم يستجب هو سيرى بعد فوات الأوان، أنت بيِّن له قبل فوات الأوان، لأنه سوف يرى كل شيء بعد فوات الأوان، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)﴾
﴿ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ(175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ(176)﴾
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ
هذا استعجال المستهزئ: متى يا سيدي؟ دع الله يبعث العذاب، الكافر يستهزئ بوعيد الله عزَّ وجل، لكن لو أن وعيد الله جاء، فماذا أقول ؟ يصيح كالكلاب، إذا جاء العذاب، ونحن نسمع ونرى حينما تأتي بعض المصائب من زلزال، من فيضان، من براكين، ترى أن الناس في ذهول، وفي فزع وخوف لا يُتصوَّر، قال:
﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ(176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ(177)﴾
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ
الإنسان كل يوم يستيقظ صباحاً، كل واحد له طريقة في استيقاظه، هذا يستيقظ ليصلي الفجر، يشرب فنجاناً من القهوة، يقرأ الجريدة أحياناً، يسمع أخباراً، ربما يجلس مع أهله لطعام الفطور، وهو سعيد ومسرور، وأحياناً يكون منزعجاً كثيراً في الصباح، لو تلقى خبراً سيّئاً في الليل عن صحته، أو عن وضعه المالي، أو عن وضع عمله التجاري، أو عن وضع أهله صار الصباح صباحًا آخر، نعمل لك قهوة؟ لا، لا أريد، هو تعيس مكتئب لا يريد قهوة، ولا طعاماً، ولا كلاماً، لديه متاعب كبيرة جداً، ليس كل صباح مثل الآخر، هناك صباح سيّئ جداً، وهناك مساء سيّئ جداً، أما إذا كان مع الله عزَّ وجل، كان مع منهج الله، إن شاء الله كل صباحه خير، فهذه الكلمة: صباح الخير تعني دلالتها هذا المعنى.
استيقظ الإنسان، الحمد لله صحته طيبة، أولاده بوضع جيد، أهله، مستقبله واضح، أما إذا عصى، وأكل مالاً حراماً، واعتدى، وظلم، وطغى، وبغى، وتجبَّر فله صباح مزعج جداً، فبعض الإخوة الأكارم يذكرون لي عن وضع مرضى غير مؤمنين، انهاروا انهياراً كاملاً، أصبح كالطفل الصغير، وله مكانة كبيرة في المجتمع، طارئ عارض على صحته جعله كالطفل لا يلوي على شيء، هذه:
(( احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ))
قال له:
ألا تحب أن يحفظك الله عزَّ وجل؟ ألا تحب أن يكون لك خريف عمر مشرق؟ تزداد علماً، ونورانيةً، ومكانةً، ورفعةً، وقُرباً، وشأناً، وعطاءً، ودعوةً، الزم أمر الله عزَّ وجل، لئلا يكون صباحٌ لا يرضي.
قال:
﴿ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ(177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ(178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ(179)﴾
الله أعاد الآيتين مرة ثانية..
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ(181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(182)﴾
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
سبحان ربك؛ أي مهما تفكرت في ذاته فهو أعظم مما تتصوَّر، تنزَّهت ذاته وأفعاله وصفاته عن كل نَقص، هذه معنى سبحانك؛ وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، سبحان الله، كل شيءٍ تظن أن الله هكذا هو فوق ذلك، وهذا معنى قولنا: الله أكبر، أكبر مما عرفت.
اجعل لربك كــل عـــز ك يســتقر ويثـبــــــت
فإذا اعتززت بمن يـمو ت فـإن عـزك ميــــت
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
والحمد لله رب العالمين