- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (037)سورة الصافات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأول من سورة الصافات:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا(1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا(2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا(3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ(4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِق(5)﴾
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
أيها الإخوة، هذه العبارة أو هذه الصيغة:
1 ـ الحكمةُ من قسم الله بالآيات الكونية:
هذا قسم، وقد بيَّنت لكم من قبل أن الله عزَّ وجل إذا أقسم بذاته فمن أجل أن يلفت نظرنا إلى هذه الآيات.
وشيءٌ آخر، ربنا جل جلاله مرةً يقول:
﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)﴾
ومرةً يقسم فيقول:
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)﴾
فإن لم يقسم فبالنسبة إلى ذاته، وإن أقسم فبالنسبة إلينا، وإذا أقسم بمخلوقاته فهذا يعني لفت نظرنا إلى هذه الآيات، فنحن أمام ثلاث آيات:
2 ـ الصافات هم الملائكة:
فبعض التفاسير تبيِّن أن الصافات هي الملائكة تصفُّ أجنحتها امتثالاً لأمر ربها، وهي تزجُر الكفار والعصاة عن معاصي الله عزَّ وجل.
3 ـ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا
وقد يقول قائل: نحن لم نشاهد الملائكة، والجواب: أن إخبار الله جل جلاله يرقى إلى مستوى الرؤية، لأنه إخبار خالق الكون، والدليل قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل(1)﴾
مَنْ مِنَ الناس ممن أُنزِل عليهم القرآن، أو ممن عاصروا نزوله، أو ممن جاؤوا بعده رأوا أصحاب الفيل؟ ولكن إخبار الله يرقى إلى مستوى الرؤية.
إذاً: يمكن أن نفهم من هذه الآيات أن الملائكة التي خلقها الله عزَّ وجل للتسبيح، والحمد، والعبادة، وقد أوكل إليها مهامَّ عظيمة، فهي تارةً تنتظر أمر الله لتنفِّذَهُ، وتارةً تزجر الشياطين أو العصاة عن المعاصي، وتارةً تتلو على الأنبياء الذكر الحكيم، وقد أخبرنا الله عن هذه المخلوقات، وإخبار الله كما قلت قبل قليل يرقى إلى مستوى الرؤية.
ولكن القرآن أيها الإخوة حَمَّاُل أوجه، ولا يستطيع أحدٌ أن يحصر آيةً بمعنى محدود، لأن كلام الله لا نهاية لمعانيه.
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)﴾
والقرآن كما وصفه الإمام عليٌ كرم الله وجهه: حمّال أوجه، فبعضهم قال: الصافَّات كل شيءٍ يصطفّ، الطير صافَّات، كما وصفها الله عزَّ وجل، وكل شيءٍ يزجر، وكل شيءٍ يتلو الذكر الحكيم.
4 ـ الصافات هي السحب:
وبعضهم قال: الصافَّات هذه السحب التي اصطفَّت إلى جانب بعضها بعضاً، والزاجرات تلك الرياح التي تسوق السحب إلى مواقع القَطْر،
5 ـ الصافات هم المجاهدون في ساحة المعركة:
وبعضهم قال: المجاهدون إذا اصطفُّوا صفاً واحداً ليقتحموا العدو، وليزجروه، وهم يذكرون الله حتى في أثناء لقائهم مع العدو، فهذا أيضاً يُقْبَل.
6 ـ الصافات هم الدعاة إلى الله:
وبعضهم قال: الدعاة إلى الله الذين يصطفُّون لعبادة الله، ويزجرون العصاة عن المعاصي، ويتلون على الناس ذكراً.
وعلى كلٍ، فهناك الصافات، والزاجرات، والتاليات، وإن شئت أن تقول: هي الملائكة، فهناك أكثر من قولٍ في هذا الموضوع، وإن شئت أن تقول: هي السحب قد اصطفت، والرياح قد زجرت، ولسان حال السحب والرياح تتلو علينا شيئاً عن عظمة الله عزَّ وجل، فهذا صحيح، وإذا قلت: هي الطير، وإذا قلت: هم المجاهدون، وإذا قلت: هم الدعاة، وعلى كلٍ القرآن مطلقهُ على إطلاقه، وفيه إيحاء، فقد يوحي المعنى غير التفصيلي بمعانٍ كثيرة يستنبطها كل فريقٍ بحسب اهتمامه.
جواب القسم: إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ
والذي يعنينا من هذه الآيات، على أي شيء هذا القسم؟ فما موضوع القسم؟ وما المُقْسَمُ عليه؟ قال:
1 ـ التوحيد أمانُ العبيد:
﴿ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾
فالذي يحملك على المعصية هو الشرك، والذي يدعوك إلى الخوف هو الشرك، والذي يدعوك إلى التبعثُر والتشتت هو الشرك، والذي يجمع كل طاقاتك في بؤرةٍ واحدة هو التوحيد، والذي يطمئنك هو التوحيد، والذي يرفع معنوياتك هو التوحيد، والذي يجعلك تعيش عزيز النفس، فلا تخاف أحداً؛ بل تخاف الله جلَّ جلاله هو التوحيد، لذلك يكاد أن يكون علم التوحيد أَجَلَّ علوم الدين، إنك إذا عرفت أن أمرك كله بيد الله، ارتاحت نفسك مما سواه، واتجهت إلى الله، إذا عرفت أن أحداً لا يستطيع أن يفعل معك شيئاً؛ لا عطاءً ولا منعاً، لا إكراماً ولا إهانةً، لا إحساناً ولا إساءةً..
﴿
إذا أدركت حقائق التوحيد دخلت في عالم الطمأنينة، عالم الحرية، عالم العِزَّة، عالم الثقة، عالم الإشراق، فلذلك كيفما أردت فسِّر هذه الآيات، إنها آياتٌ دالةٌ على عظمة الله، والإيمان بالملائكة إيمان إخباري هكذا أخبرنا الله، عن ظاهرة الأمطار والسحب التي هي مصدر الرزق..
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22)﴾
هذه آية.. والذين..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
آية، والذين يعلمون العلم، آية.. وعلى كلٍ فهذا كله يؤكد:
﴿
فالله جل جلاله ما دعاك إلى عبادته إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله راجعٌ إليه.
الخالق والرب والإله:
بالمناسبة هذه المصطلحات: الخالق الذي خلق، والرب الذي ربَّى، والتربية في أدق معانيها إمداد؛ أي إمدادٌ بما تحتاج، كإمدادٌ النفس بما تحتاج من تربية، تربية نفسية، وتربية عقلية، وتربية شعورية، وتربية مادية، الله رب العالمين، فالله خالق إذ هو خلق، والله ربٌ يربي هذه النفوس.
كنت أمشي في الطريق فسمعت رجلاً يصيح بأعلى صوته إثر مشكلةٍ أو مشادةٍ حول يتيمٍ، فقال كلمة هزت مشاعري، قال:
وأنت أيها الأخ الكريم إذا رأيت إنساناً ضعيفاً فلا تستهن بضعفه، فله رب يأخذ بحقه، وإن رأيت إنساناً مقطوعاً، كما لو تزوَّجت امرأةً ليس لها أهلٌ كُثُر، وليسوا أقوياء، لا تقل: هذه مقطوعة، فلها رب، والرب ينتقم، فالله رب العالمين.
أما الإله ارتقينا، الخالق خلق، والرب أمد، وربى كل أنواع التربية، من تربيةٍ جسميةٍ، إلى تربيةٍ عقليةٍ، إلى تربيةٍ نفسيةٍ، إلى تربيةٍ شعوريةٍ، لكن الإله هو الذي تعود الأمور كلها إليه، الأمر راجعٌ إليه، الأمر بيده، وبيده ملكوت كل شيء.
أيها الإخوة، أنا أقول لكم هذا المثل المتكرر على هذا المعنى: إذا دخلت إلى دائرةٍ حكومية، وأنت في أمسِّ الحاجة إلى أخذ موافقةٍ على السفر، فإن قيل لك: هذه الطوابق الثلاث على ما فيها من موظفين، ورؤساء دوائر، وكَتبة، وحُجَّاب، ورؤساء أقسام، ومعاون مدير عام، لا يستطيع أحدٌ أن يكتب لك مع الموافقة إلا إنسان واحد، إنه المدير العام، فبربك هل تتجه إلى أحدٍ غيره؟ هذا شأنك مع بني البشر، وهذا شأنك من أجل موافقة سفر، فكيف لو علمت أن كل أعضائك بيد الله، وأن كل أجهزتك الدقيقة بيد الله، وأن عمل كل الأعضاء الخطيرة بيد الله، فمن يستطيع أن يُحْكِمَ دَسَّام القلب؟ من يستطيع أن يبقي هذه الأوعية مرنة؟ ومن يحفظ لك أجهزة التصفية؟ من يضمن لك ألا تنمو هذه الخلايا نمواً عشوائياً، فإذا هو مرض خبيث؟ من يضمن لك ألا يفقد الإنسان بصره؟ قل اللهم مالك الملك، الله هو الذي يملك كل هذه الأعضاء والحواس.
الله وحده المستحق للعبادة:
إذاً: الإله هو الذي بيده كل شيء، وما دام كل شيءٍ بيده فينبغي أن تتجه إليه وحده بالعبادة، انظر لهذه العلاقة، ما دام الأمر كله راجعاً إليه، إذاً: هو المعبود، فمن المعبود منطقاً وعقلاً؟ الذي ترجع الأمور إليه.
في هذا المثل البسيط البسِيط: من أجل موافقة تدع كل الناس، وكل الطوابق، وكل رؤساء الأقسام، حتى معاون المدير، وتدع كل الحُجَّاب، وتتجه إلى إنسانٍ واحد بإمكانه أن يكتب لك مع الموافقة، أو مع عدم الموافقة، فكيف إذا علمت أن الأمر كله بيد الله؟ هذا هو التوحيد.
أيها الإخوة الأكارم، ولولا التوحيد لعاش الناس في شقاءٍ كبير، قلت لكم منذ حين: إن مرض القلق هو الذي يأكل أكباد الناس، القلق هو الخوف من المجهول، فالخوف من المرض مرض، والخوف من الفقر فقر، وتوقُّع المصيبة مصيبة، لذلك ربنا عزَّ وجل يقول لك: انظر إلى هذه السماوات وما فيها من آيات، وهذا السحاب من يسوقه؟ إلى بلدٍ ميت فيحيي به الأرض بعد موتها؟
﴿ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ
ليس في الكون إلا إلهٌ واحد، وإن الذي يدير هذه الكواكب والمجرَّات، والذي يسوق لك السحب الماطرة والمُمطرة هو الذي يرزقك..
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ
إذاً:
معصية العبدِ ربَّه من ضعف توحيده:
أقسم لك ولا أبالغ إنك لا تعصي الإله لإرضاء زيد ـ وقد تكون كلمتي قاسية ـ إلا لأنك ترى زيداً أقوى من الله، كيف تعصي خالق الكون، وتطيع زيداً أو عبيداً؟ إذاً: هناك ضعفٌ في الإيمان، ضعفٌ كبير في الإيمان، حينما تُرضي إنساناً، وتعصي خالقاً، وهذا الإنسان ماذا يملك؟! لماذا تقول في الصلاة: الله أكبر؟ معنى الله أكبر أي أكبر من كل شيء، رأيت الله أكبر كل شيءٍ، ولذلك تستهين أنت بكل شيء، فماذا فعل سحرة فرعون؟
﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنّ َأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71)﴾
استمع إلى قول السحرة، وقد عرفوا الله.
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73)﴾
متى يَغُش الإنسان؟ لضعفٍ في توحيده، ولأنه ما تحقق من اسم الرازق، يرى أنه إذا غش يضاعف أرباحه، ونسي أن الله هو الرزَّاق، ولا رازق سواه، ومتى يُنافق الإنسان؟ لضعفٍ في توحيده أيضاً، فإذا علم أن كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرِّب أجلاً فإنه لن ينافق.
فمن أين تأتيك العِزَّة؟ من التوحيد، ومن أين تأتيك الجُرأة؟ من التوحيد، ومن أين يأتيك الحرصُ على طاعة الله؟ من التوحيد، ومن أين يأتي النفاق؟ من ضعف التوحيد، ومن أين تأتي المعاصي؟ من ضعف التوحيد، ولذلك: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد نهاية العلم.
﴿
أمر في القرآن، وكل أمرٍ يقتضي الوجوب
التوحيد لا يأتي بجلسةٍ واحدة، ولا بكتابٍ تقرؤه، ولا بخطبةٍ تسمعها، إنه لا يأتي إلا من متابعة البحث، من الإصرار على معرفة الله، لأنه ليس هناك في الكون إلا الله، وأي شيءٍ قرَّبك منه فهو حق، وأي شيءٍ أبعدك عنه فهو باطل، أي شيءٍ قرَّبك من الله الذي لا إله غيره فهو عملٌ صالح، وأي شيءٍ قطعك عنه فهو عملٌ سيئ، وهذه كُلِّيَات الدين.
وهناك سؤال قبل أن تتحرك، وقبل أن تخطو خطوةً، قبل أن تقول كلمةً، قبل أن تُمضي هذه السهرة، السؤال هو: هل هذا النشاط يقربني أم يبعدني؟ إذا كان يقرِّبك فافعله، وإن كان يبعدك فدعه، لأن كل السعادة عند الله عزَّ وجل، وكل الأمن والطمأنينة عند الله عز وجل، وكل الفوز والفلاح، والنجاح عند الله، وكل الخسارة، والخيبة والخزي والعار إذا كنت بعيداً عن الله.
أيها الإخوة الأكارم، هذه حقيقة أتمنى عليكم أن تستوعبوها، إذا اعتقدت لحظةً واحدة أنه بإمكانك أن تسعد بعيداً عن الله فهذا هو الجهل الأكبر، إنك لا تسعد إلا به، ولا تسعد إلا بطاعته، لا تسعد إلا بتطبيق منهجه لا تسعد إلا بالإقبال عليه، لا تسعد إلا بالعياذِ به، لا تسعد إلا أن تلوذَ بحماه، فلا ملجأ منه إلا إليه
العناية الربانية بالأنبياء:
حينما أوحى الله جل جلاله لأم موسى قال لها:
﴿
أمر
﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ
وقد رأى فرعون في المنام أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه، فقال القضية سهلة جداً: أنا سأقتل أطفال بني إسرائيل جميعاً، ما لكم من إلهٍ غيري، هكذا يقول، فهذا الطفل الذي سيقضي على ملكه ربَّاه في قصره، انظر:
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ
أيها الإخوة الأكارم، والله قصص القرآن فيها من البيان، وفيها من العمق، وفيها من الدلالات، وفيها من الاستنباطات ما يحار فيها الإنسان، فالذي سيقضي على ملكه رباه في قصره وهو لا يدري.
سيدنا يوسف ألقوه في الجب، وما علموا أن الله معه، وسوف يخرج من هذا الجب، ويدخل قصر العزيز، وسيكون في وقتٍ لاحق عزيز مصر، وسيأتيه أخوته خاضعين، قالوا:
﴿ قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90)﴾
فما مؤدى هذه القصص؟ مؤدَّاها أن تثق بالله، أن تكون معه، أن تكون مع أمره، مع نهيه، مع منهجه، مع قرآنه، ولا تخشى أحداً، ولا تخاف في الله لومة لائم إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله، أي إنسان تطيعه وتعصي الله، لو أراد الله أن يؤدِّبك أو أن يعالجك، لا يستطيع هذا الذي عصيت الله من أجله أن يخلِّصك، لكنك إذا لُذْتَ بالله وأرضيته، وأغضبت مخلوقاً، فإن الله يمنعك منه، ويحول بينك وبينه.
وقفت عند كلمة:
﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ(65)﴾
ماذا قال؟ لخص الله عزَّ وجل دعوة الرُسل كلها بكلمة، قال:
﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)﴾
آياتُ التوحيد تطمئِن المسلمَ:
يا أيها الإخوة الأكارم، والله الذي لا إله إلا هو، إن آيات التوحيد تقع في النفس موقعاً مريحاً، إن أردت آيةً ترتاح لها، وتنام ملء عينيك ؛ ولا تخشى أحداً، ولا تخشى تهديداً، لا تخشى وعيداً، ولا توعُّداً، وإذا أردت أن تنام مرتاح البال فوحِّد، وحِّد يا موحِّد، أو قل: لا إله إلا الله، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، الله بما تعملون بصير.
هناك صناعات غذائية فيها مواد كيماوية تجعلها رائجة أكثر، لكنها تؤذي الأجسام، فالمؤمن يجب أن يبحث عن مرضاة الله عزَّ وجل:
﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ
أي أعرفُ ما تعملون، أُقَدِّرُ عملكم، فإذا وضعت سعراً معتدلاً لهذه السلعة حتى يتيسَّر على المسلمين شراؤها، الله عزَّ وجل يعلم ذلك، قل: حسبي الله ونعم الوكيل، وقل:
﴿
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ
﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ
ألا تجعلك كل هذه الآيات تطمئن إلى أن الأمر كله بيد الله؟ تنام عندئذٍ قرير العين، تنام مرتاح البال، تُحِسُّ بعزتك، وأن الله الذي أمرك أن تعبده ما سلمك إلى أحدٍ أبداً، ويقول لك: عبدي، كل أمرك راجعٌ إلي، فاعبدني وحدي، الذي أمرك أن تعبده ما سلَّمك إلى أحد، أما هذا الذي يمتلئ قلبه خوفاً، يقول لك: يا أخي، أنا أمري بيد فلان، وإذا غضب فلان علي أوقع بي الأذى والضُر، ونقلني إلى مكان بعيد، ومنعني من الدراسة، وفعل بي كذا وكذا!! هذا هو الشرك بعينه، يقول الناس تارةً: إذا لم نغش لا نربح، ولا نعيش، وعندنا أولاد!! أين الله؟ هذا هو الشرك، لا تعيش إلا إذا غششت الناس! يقول لك: إن وضعت هذا المال في البيت دخل علي السارقون وقتلوني، ما الحل إذاً؟ أن تثمِّرَهُ عن طريق الربا!! فهل هذا هو الحل؟ إذا أطعت الله عزَّ وجل، وبحثت عن سبيلٍ صحيح لتثمير المال، عندئذٍ تأتيك الأخطار، فإذا عصيته فأنت في أمنٍ وبحبوحة، أهذا منطق؟! الله عزَّ وجل آمر، وهو آمر خالق، والآمر الخالق ضامن، قد يكون الآمر من بني البشر غير ضامن، كأن يقول لك الطبيب: خذ الدواء الفلاني، هو غير متأكدٍ منه، أو غير منتبهٍ لبعض الزوايا الأخرى في جسمك، فيحدث ضرٌ، هو أمرك، وهو ضرك، قد يقع ذلك، لأنه بشر، وكل بني آدم خطاء، أما آمر يأمرك بشيء، ولا يضمن لك النتائج، هذا مستحيل، ولكن الله آمر ضامن، فما أمرك أن تستقيم على أمره إلا ليكرمك، وما أمرك أن تخاف منه إلا ليطمئنك، إن خفت من الله خافك كل شيء، وإن لم تخف من الله أخافك الله من كل شيء، وفرقٌ كبير بين أن تخاف كل شيء؛ وبين أن يخافك كل شيء، فرقٌ كبير بين أن تهاب كل شيء؛ وبين أن يهابك كل شيء، ذلك هو المؤمن، انظر إلى قوله تعالى:
﴿
هكذا الآية:
﴿
وكأن الكفر يسحقه سحقاً، لكنك إذا اهتديت فالهدى يرفعك إلى أعلى عليين، يرفعك نفسياً، ويرفعك مادياً، ويرفعك عقلياً.
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
من هو الإله الواحد؟ قال: هو نفسه
الرب خالق الكون بما فيه:
هو الذي يحرِّك المجرات، فما هذه المجرات؟ بُعد إحدى المجرات ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، علماً بأن الضوء يقطع ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية، فكم يقطع في الدقيقة، والساعة، واليوم، والسنة؟ بأربع سنوات بُعد أقرب نجم ملتهب؟ بأربعة آلاف سنة بُعد نجم القطب؟ مليون سنة بُعد المرأة المسلسلة؟ وهناك مجرة تبعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، الله هو الذي يحرك هذه المجرات، لكن نحن كيف عرفنا بُعدها؟ وصلنا ضوءها.
أيها الإخوة، لقد كانت في موقعها قبل ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، والآن وصلنا ضوءها، فأين هي الآن؟ لا يعلم إلا الواحد الديان؟ الذي يسيِّر المجرَّات هو الذي يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء، الذي يسيِّر هذه المجرات هو الذي يحرك هذه الذرات، فما هي الذرات؟ ألوفُ ألوف الملايين من الذرات على رأس دبوس، وكل ذرة لها نواة، وكهروب، ومدار أول، ومدار ثانٍ، ومدار ثالث، فإن دخلت في الصِّغَر فشيء لا يصدق، وإن اتجهت إلى أشياءٍ كبيرة فشيء لا يُصدَّق، لذلك:
بلد كإندونيسيا تحوي أربعة آلاف جزيرة، ولكل جزيرةٍ نبع ماءٍ يتناسب مع مساحتها ومع سكانها، وعلماً أن كل الأمطار التي تهطل على هذه الجزيرة لا تكفي لغزارة هذا النبع، إذاً لابدَّ من تمديداتٍ تحت سطح البحر إلى جبالٍ شامخة في القارة الأسيوية، وهذه التمديدات من أجراها؟ الله عزَّ وجل هو
إذا تجوَّل الإنسان داخل غابة صنوبرية، يحس بانتعاش عجيب، لأن غابة الصنوبر أعلى أنواع الأشجار التي تطرح الأوكسجين، إذا مشيت في غابة الصنوبر فكأنك تضع كمَّامة أوكسجين على أنفك، الله جعل الأشجار أشجاراً تزيينية جميلة جداً، وجعلها نافعة جداً، ولذلك يُنصح المصابون بالربو بأن يقيموا في جبال مكسوَّة بالصنوبر، فمن جعل هذا النبات يأخذ غاز الفحم، ويعطيك الأوكسجين من أجل هذا التوازن؟
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ
فمن الذي خَزَّنَ المياه؟ ومن أجرى الأنهار؟ ومن فجّر الينابيع؟ ومن صفّى هذا الماء، يقول لك: تحلية كل لتر تكلف ستة ريالاً، ستة بثلاثة عشر ليرة، أي حوالي مائة ليرة سورية، تحلية كل لتر تكلف مائة ليرة سورية، كم تكلف تحلية ماء الفيجة؟ إنه تحلية ربنا، وهي مياه معدنية كذلك، حيث إن مياه التحلية مياه مقطرة لا تصلح للشرب، ولابدَّ من أن تخلط بمياه الآبار كي نأخذ بعضاً من المعادن المنحلَّة فيها.
قيل: إن الإنسان بحاجة إلى عنصر اليود بمقدار خمسة، وقبلها ستة أصفار بعد ذلك فاصلة (0,0000005) أي خمسة بالمليون، وإذ نقص هذا اليود عن هذه النسبة الضئيلة جداً أصيب الإنسان بأمراض أخطرها أمراض الغدة الدرقية، حيث يضعف استقلاب الإنسان، فمن الذي أودع بالماء هذه المعادن؟ هو الله جل جلاله، رب العالمين.
وهذا الطفل الصغير يولد وليس في حليب الأم حديد، فيودع الله في طحاله كمية حديد تكفيه عامين إلى أن يأكل أنواع الطعام، من فعل هذه؟ إنه ربنا. وهذا القلب من فتح بين الأذينين ثقباً كشفه عالم اسمه بوتال فسمي باسمه، ثقب بوتال، فالطفل وهو في بطن أمه ليس هناك تنفُّس، هناك رئتان، وأنف، وخيشوم، وقصبة هوائية، وبلعوم ولكن لا يوجد هواء، إذاً لا يتجدد الدم من حيث الأوكسجين وهو في الرحم، والله فتح ثقباً بين الأذينين حتى ينتقل الدم من أذين إلى أذين، وبعد الولادة ـ كما قال لنا أستاذ طبيب حينما كنا في التعليم الثانوي ـ قال: تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، فيد من تصل إلى وسط القلب؟ الآن عملية القلب المفتوح تكلف مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف، وقد قال لي طبيب كريم جرَّاح قلب من إخوتنا: ينشرون القفص الصدري، ويحضرون كلابات، ويفتحون الصدر، ويحقنون القلب بمادة باردة لكي يهدأ ويسكن، ثم يصلون الشرايين بقلب صناعي، ويفتحون فتحة بالقلب، أربعة وخمس ساعات بهذا القلب، لكي يغلق هذا الثقب ـ ثقب بوتال ـ مئات ألوف الأطفال الذي يأتون، تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يد من هذه؟
لي صديق عنده بنت ثقبها لم يسد، تحتاج نصف ساعة لصعود ثمانين درجة، تتعب مباشرة، ويزرق لونها، لأن القلب عندما يضخ الدم بدل أن يذهب إلى الرئتين يختصر المسافة، ويأتي للأذين الثاني، فسبب كل نشاطك وكل حيويتك وتورد وجهك أن الثقب مسدود، من الذي سده لك؟ يد من؟
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ
﴿
كجهة.
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) ﴾
كنهايات عظمى ودنيا، وهناك:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ
لأن في كل يوم هناك شروق.
أتمنى على الله أن أنقل ما في نفسي حول هذه الكلمة:
1 ـ المطيع لغير الله جعل الإله إلهين اثنين:
الذي يطيع إنساناً، ويعصي الله جعل الإله إلهين، الإله وهذا الشخص الذي يطيعه، فالمشكلة هي توحيد الألوهية، فأنت حينما تخشى جهةً غير الله فقد أشركت، وهنا الكلمة:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)﴾
أما الشيء اللائق بك، باللغة الدارجة ـ حوينتك ـ (خسارتك) أن تربط نفسك بجهة غير الله عزَّ وجل، ومرة ثانية (حوينتك) أن تضيع شبابك لغير الله عزَّ وجل، تفني شبابك، وعمرك، وتستهلك ذهنك لغير الله عزَّ وجل، وهذه الطاقات، وهذا الذهن، وهذه الأعضاء، هذه الأجهزة، تستهلكها في معصية الله، لأن كل هؤلاء لا ينفعونك.
أنت شاب، وأنا أرى أمامي شباباً كُثُراً، وكل مستقبلك بيد الله، زواجك، وعملك، وجسمك، فهل يعرف أحد ماذا يوجد في جسمه؟ قد يأتي مرض عُضال لإنسان في سن مبكرة، فإذا كنت مع الله فالله جل وعلا يطمئنك.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾
كلمات مطمئنات، والله عند المؤمن أمن، وطمأنينة، وثقة، وشعور بالتفوق، ولو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، فخالق الكون يطمئنك، ومن عادة الناس إذا كانت لأحدهم صداقة مع شخص، لو كان شرطياً في مخفر، تجده يمشي بالعرض، يقول لك: فلان صاحبي، وأنت تمشي مع خالق الكون، مع الذي بيده ملكوت كل شيء، مع الذي بيده أمر عدوك، وأمر خَصْمك، مهما كان خصمك شديداً وقوياً، هو بيد الله عزَّ وجل.
﴿ إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ(29)﴾
ألا تطمع أن تكون مع هذا الخالق العظيم؟!
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ
ولكن بشرط فقط
2 ـ كن مع الله ولا تُبال بأحَدٍ:
أيها الإخوة، إذا لم يكن الله مع إنسان تخلى عنه أقرب الناس له، الذي أفنى حياته من أجله، زوجته تسيء إليه، وتهينه في آخر حياته، وإذا كان الله معك يجعل عدوك في خدمتك، العدو اللدود، أنا لا أريد أخاً قانعا بالدين، أريد أخاً يعيش الدين، أريد أخاً يقول لي: كلام الله حق، والله حينما اصطلحت مع الله، وحينما تبت إليه، وحينما راجعت حساباتي كلها، وحينما عاهدت الله على طاعته انقلبت حياتي رأساً على عقب، شعرت بطعم الإيمان، وذُقت حلاوته، وذقت حلاوة القُرب، وشعرت بمعنى التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فلا تخف في الله لومة لائم، قل: الحمد لله وكفى.
﴿
اقرأ القرآن، احفظ هذه الآيات التوحيدية عن غيب، لأنها مطمئنة، ولا سيما ونحن نعيش أيها الإخوة في عصر مخيف، كيفما تحركت تحس بقوى مخيفة تتربَّص بنا الدوائر، كأن العالم كله يحارب الإسلام، فأنت حينما تطمئن إلى أن الله بيده الأمر كله تشعر براحة كبيرة.
فهذا الإعصار الذي حدث في بلاد آمنة، مطمئنة، غنية، قوية، تتحكم بالعالم كله، هل نجت من عذاب الله؟ سرعة الرياح ثلاثمائة كيلو متر، فأصابت ما أصابت، وقد بلغت الخسائر ثلاثين مليار دولار، قدر نفقات حرب الخليج، أصابت البلاد، ودمَّرت الأبنية، والطائرات، واليخوت، والقوارب، والسيَّارات، والأشجار، مليون مشرَّد في الطريق، من يمنعنا من الله؟
مهما كنا أقوياء، مهما كنا أغنياء، مهما كنا متمكنين في الأرض، فهذه آية من آيات الله العظمى، آية من آيات الله، يهلكنا الله بالرياح، ويهلكنا بالأمطار، بالأمراض، مرض الإيدز، هذا المرض يبلغ عدد المصابين به إلى سنة ألفين أرقاماً فلكية، إنه شيء مخيف، فأنتم تلاحظون بأعينكم أن آيات الله تترى، متتابعة، ولا ينجينا من عذاب الله إلا أن نكون على منهجه، إلا أن نطيعه..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنا منحنا في الرضى من أحبنا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنابنـــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــا
فالذي عمّر بناء هو يسكن مطمئناً، زلزال شدته خمسة رختر يجعل البناء بالأرض عاليه سافله، أين أصبح البلاط، والرخام، والسيراميك، والألمنيوم، والشرفات؟ أين ذهب؟ هناك الكثير من الزلازل، فمرة زلازل، ومرة فيضانات، ومرة حروب أهلية، ومرة أمراض وبيلة، ومرة أمطار حامضية، نرى بأعيننا، والأخبار تترى، ولا ينجينا إلا طاعة الله عزَّ وجل، والإله عظيم وعادل، لا يأخذ إنساناً بجريرة آخر.
﴿
وعندما تستقيم لك معاملة خاصة، ولو كنت واحد..
﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ(36)﴾
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
﴿
﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(61)﴾
أنت استقم وانظر، فالله ينجيك من كل هم، من كل غم، من كل ضائقة، من كل عدو، لكن الحقيقة أننا ابتعدنا عن الله، واعتمدنا على غيره، فأذاقنا الله ضعف الحياة وضعف الممات، إذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني، لكن ربنا عزَّ وجل يطمئننا، قال:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ(5)﴾
لعل الله جل جلاله يجعل هذه الضائقة التي تعُم المسلمين لخيرهم، ولمصلحتهم، ولمستقبلهم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.