- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (037)سورة الصافات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس السادس من سورة الصَّافَّات، ومع الآية الخمسين:
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(50) ﴾
ولكن أريد أن أعود مرة ثانية إلى الآية التي كانت محور الدرس السابق، لأني شعرت أن فيها معاني عظيمةً لم نأتِ عليها كلها، فربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)﴾
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
مَن رأى أنّ الأمر بيد غير الله فقد استكبر عن كلمة التوحيد:
الإله هو المعبود، من الذي ينبغي أن تعبده؟ مَن بيده كل شيء، حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إذاً: لا يُعْبَد إلا من كان الأمر كله بيده.
إذا اعتقدت الفتاة أنها إن لم تسفر، وإن لم تبدِ محاسنها فلن تتزوج، هذا الاعتقاد مخالفٌ، لأن الأمر كله بيد الله، وأن التزويج بيد الله، وأن الحياة الزوجية السعيدة بيد الله، فكلما اعتقد الإنسان أنه إذا فعل شيئاً مخالفاً لشرع الله يسعد به، ويربح به، ويغتني به، ويرتقي به، فهو استكبر عن
إذا اعتقد التاجر أنه إذا روَّج بضاعته عن طريق إعلانٍ لا يرضي الله عزَّ وجل، لا تروج البضاعة إلا بهذه الطريقة، فيستخدم أسلوباً مخالفاً للشرع، إنه استكبر عن
فحينما تتوهم إنك إذا فعلت هذا مخالفاً لأمر الله تسعد، أو تغتني، أو تزداد قوتك، أو يزداد مالك، أو تزداد مكانتك، فهو استكبارٌ عن قول: لا إله إلا الله، لأن كلمة:
الآية عميقة جداً، ولها مدلولات كثيرة جداً، إن اعتقدت أن القوة وحدها تستطيع أن تتفوق بها على عدوك، القوة فقط، ازدد قوةً تنتصر على عدوك، فإنك عندئذٍ استكبرت عن قول
إن اعتقدت شيئاً خلاف ما ورد في القرآن والسُنة فقد استكبرت عن أنه
إن طرقت أبواب الأسباب، ورأيتَها وحدها تحقق لك النتائج فقد استكبرت عن قول:
لو أن هناك معبوداً غير الله لاختلف الأمر، ولكن الله عزَّ وجل يقول لك: لا إله غيري، لا معبود يستحق العبادة إلا أنا، عليك أن تعبدني، أن تطيعني، وإيَّاك أن تطيع سواي، لذلك فالقرآن الكريم كله لُخِّصَ في قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110)﴾
إن اعتقدت أن هذا الدواء يطيل العمر خلافاً لقوله تعالى، فأنت استكبرت عن قول
إذا اعتقدت أن زيداً ينفعك، وعليك أن تطيعه في معصية، استكبرت عن قول
إذا اعتقدت أنك إن لم ترضِ زوجة فلان القوي، ولم تصافحها فإنه يغضب منك زوجها، وسوف يقصيك عن عمله، فأنت عصيت الله من أجل أن تبقى في عملك، إنك استكبرت عن قول
إذا اعتقد كما يعتقد الباعة أنه بالغش، والتدليس، والكذب تروج بضاعتك، وتبيعها وتربح، فقد استنكفت عن قول
إذا فسرت الأحداث الكبرى تفسير أرضياً، ولم تقبل تفسير الله لها، فقد استكبرت عن قول
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)﴾
الله هو الإله ولا إله غيره، سيدنا موسى قال له الله سبحانه:
﴿
أنا الله الذي تبحث عني
أردت من هذه العودة السريعة إلى الآية أن يتضح لدى كل أخ كريم على مستوى التصور، على مستوى الاعتقاد، على مستوى السلوك، على مستوى الدقائق، على مستوى التفاصيل، على مستوى الجُزيَّئات، على مستوى الأسباب، إذا اعتقدت أنك إذا خالفت منهج الله عزَّ وجل؛ تربح، وتغتني، وتقوى، فقد خرجت عن مفهوم هذه الكلمة، كلمة الإسلام الأولى
رزقُ أهل الجنة معلوم لا ينازعهم فيه أحدٌ:
في الدرس الماضي تحدثنا عن أن أهل الجنة، وهم في الجنة يتنعمون، وقد وصف الله لنا طرفاً من نعيمهم:
﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ(41)﴾
أي لهم رزق ثابت، لا يعتريه النُقصان، لا يخشى صاحبه أن يفقده، مهيَّأ له تهيئة تامة، ليس هناك من ينازعه عليه، ليس هناك قلق من أن يفقده صاحبه.
﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ(41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ(42)﴾
1 ـ الفواكه والإكرام:
والفاكهة كما تحدَّثنا قضية تكريم أكثر منها غذاء، الإنسان يقتات بالطعام والشراب، ويُكرَّم بالفاكهة.
﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ(42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(44)﴾
2 ـ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ
الإنسان يكون مرتاحاً، وقد تناول الطعام الشهي، وشرب الشراب اللذيذ، وجلس يسمرُ مع إخوانه الذين هم في مستواه.
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)﴾
3 ـ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ
المعين الذي لا ينقطع..
﴿ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46)﴾
أي أن هذه الكأس فيها كل اللذات، وقد انتفت عنها كل المكارِه..
﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47)﴾
خمر الجنة لا تغتال العقل، ولا تُقطَع عنهم:
يغتال العقل، يثمل، ويسكر، ويغيب عقله عنه.
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ(51)﴾
حوار أهل الجنة في الجنة:
1 ـ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
الإنسان لا يخلو في عمله، من بين أقربائه، من بين جيرانه، مِمَن يقاربه في السن، من أبناء لِداته كما يقولون، أنه على غير شاكلته، لا يعتقد بما تعتقد، بل يعتقد أن الدنيا هي كل شيء، يعتقد أن الدنيا كلها مال، أن الدنيا كلها ملذات، فهذا الذي تعيش معه أحياناً بحكم جوارك، بحكم عملك، سواء أكان جاراً، زميلاً، قريباً، قد يكون ابناً، وقد يكون أباً، قد يكون أخاً، قد تكون زوجة
2 ـ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ
كان لي صاحب، هذا القرين يقول مستهزئاً، مستخفاً، متعجباً، ساخراً:
﴿ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ(52)﴾
باللغة الدارجة: (أأنت قابضها؟)، وأن هناك بعد الموت جنة، وهناك حساب، كل هذا عقلك صغير! ليس هناك إلا الدنيا، الغني هو السعيد، والفقير هو الشقي، القوي هو السعيد، والضعيف هو الشقي، فهو لا يرى إلا الدنيا، الدنيا مبلغ علمه، ومنتهى أمله، يرى أن الغني هو الذي يسعد فيها، وأن القوي هو الذي يسعد فيها، وأن الفقير إنسان شقي، شقي وانتهت الحياة بالموت، وانتهى كل شيء، مع أن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)﴾
بلا حساب، أي أنَّ هذا عاش فقيراً محروماً، وهذا عاش غنياً مُتْرَفاً، ويأتي الموت، وينهي حياة الفريقين بلا حساب؟! الغني لا يُسأل عن ماله من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه؟ والفقير لا يُعطى نظير فقره في الدنيا وصبره على فقره، ما يغطي له ذلك في الآخرة؟!
﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(31)﴾
هناك عدلٌ، وتسوية حساباتٍ، وهناك يوم الدين، يوم الجزاء، فلذلك الكافر لا يرى إلا الدنيا، يرى أنها كل شيء، ومن أجل أهدافه الخسيسة يسلك أقذر الطرق، هدفٌ خسيس هو المال أو القوة، فمن أجل هدفه الخسيس يسلك أقذر طريق؛ بالكذب، والتدجيل، والخداع، والنفاق، والتزوير، والضغط أحياناً، ليس عنده شيءٌ محرَّم، هدفه الكبير أن يبلغ الدنيا.
هذا القرين كلما سمع أقوال الصالحين، أقوال المؤمنين، كلما سمع أقوال القرآن الكريم تتلى عليه، سخر منها، واستخف بها وقال:
﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ(53)﴾
3 ـ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ
فهل أنت تظن أنَّ هناك حساباً؟ بعد أن يكون الإنسان قد مات، ولحمه تفسخ، والعظم أصبح كالرميم، وانتهى كل شيء، أيُّ حسابٍ هذا؟ فهذا غرق في الباخرة، وهذا مات في الطائرة، يقول لك: مات جميع ركابها، فأين هم الآن؟ لم يعد لهم أثر، فاعتقاد الكافر أن الموت نهاية كل شيء.
فهذا الأخ الكريم المؤمن في الجنة، يحدث إخوانه الذين معه، يحدثهم عن قرين كان في الدنيا وكان كافراً، كان مكذباً بالآخرة، مكذباً بالدين، يرى أن المال كُل شيء، ويرى أن القوة كلُ شيء، فقال هذا الصديق لإخوانه في الجنة:
﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ(54)﴾
4 ـ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
هل تحبون أن تروه؟ قال تعالى:
﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ(55)﴾
5 ـ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ:
سواء الجحيم يعني في وسطها.
الإنسانُ بين رحمة الله في الدنيا وعدلِه يوم القيامة:
النقطة الدقيقة: أنك في الدنيا قد تحققت من اسم الله القوي، الأرض وزنها كم طناً؟ فمن يحركها؟ الله عزَّ وجل قوي، وهذا تراه في الدنيا، الله عزَّ وجل غني، وهذا تراه في الدنيا، إذا أعطى أدهش.
سمعت من هذه السنة أنَّ الأرض عندنا قد غلَّت من القمح ثلاثة ملايين طن، واستهلاكنا مليون واحد، أعلى إنتاج للقطن في العالم كان عندنا، إذا أعطى أدهش، الفواكه كثيرة جداً، والله عزَّ وجل تراه غنياً في الدنيا.
﴿
معدل الأمطار في الشام منذ ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة، مئة وثمانون ميليمتراً، أما في هذه السنة فثلاثمائة وأربعون، الآبار تفجَّرت، والأنهار سالت، فالله عزَّ وجل ترى قدرته في الدنيا، ترى غناه في الدنيا، ترى جماله من خلال خلقه، انظر إلى بعض الورود يتجلَّى الله فيها باسم الجميل، انظر إلى العواصف والبحار إذا هاجت باسم الجبَّار، ترى جبروته، ترى جماله، ترى لطفه أحياناً، أحد الركاب سقط من طائرة على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم، الطائرة انفجرت واحترقت، عند مكان الانشطار سقط أحد الرُّكاب، فنزل على منطقةٍ في جبال الألب تغطيها غابات الصنوبر، كما تغطيها خمسة أمتار من الثلج، فخمسة أمتار من الثلج مع مرونة الأغصان، نزل واقفاً على قدميه، سقط من ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم، ونزل واقفاً عل قدميه..
وإذا العناية لاحظتـك عيونُها لا تخشَ من بأسٍ فأنت تصانُ
وبكل أرض قد نزلت قفارها نم فالمخاوف كلهن أمـــــــان
أنت ترى في الدنيا لطفه، ترى قدرته، ترى غناه، ترى جماله، ترى رحمته.
في الهند جبال في قمتها نبع، بعض الوعول تعيش في قمم الجبال، فمن أجل أن يَتَيَسَّر لها ماؤها فجَّر الله لها نبعاً في قمة جبل، وإخواننا الفيزيائيون يعرفون أن النبع الذي يتفجَّر في قمة جبل لابدَّ له من خزانٍ في جبلٍ أعلى منه، قد يكون على بعد مئات الكيلو مترات مجرى هذا النبع من خزان في جبل آخر بعيد، رحمته ظاهرة، فالأدلة على رحمته، وعلى لطفه، وعلى حنانه، وعلى قوته، وعلى غناه، وعلى جماله شيء لا يحصى.
لكن عدالته، لا تبدو بشكلٍ واضحٍ كالشمس كما تبدو يوم القيامة، في الدنيا قد تجد كافراً لكنه قوي، هو كافر لكنه غني، يسخر من كل الأديان، ويزداد غنىً، هذا ممكن، مثل هذه الظواهر تحيِّرك، ولكنك إذا أردت أن ترى عدالة الله جلَّ جلاله، وأن ترى اسم الحق متحققاً، فلن ترى هذا الاسم جلياً واضحاً كما تراه يوم القيامة.
فكل هؤلاء الذين كذَّبوا الرسل، وانحرفوا، وطغوا، وبغوا، وأجرموا، واختالوا، وتعجرفوا، وتغطرسوا، واستخفوا بالأديان، وسخروا منها وكذبوها، وسخروا بالأنبياء، وادَّعوا الألوهية هم لأنفسهم، لن ترى ذلهم وهوانهم واضحاً وضوح الشمس إلا يوم القيامة، بإمكانك أن تنظر إليهم في أية لحظة.
أنت مع من عشت في الماضي؟ لك صديق بالمقعد مثلاً كان فاسقاً، كان فاجراً، كان زانياً، كان يشرب الخمر، كان يسخر منك، ومن دينك، ومن عقيدتك، ومن سخافاتك على حد زعمه، بإمكانك أن تراه يوم القيامة أين هو؟ استنباطاً من هذه الآية:
آكلو الربا، شاربو الخمر، الزناة، الذين يكسبون أرزاقهم من إفساد أخلاق الشباب، يبحثون عن بضاعةٍ رائجة ولو كانت أفلاماً رخيصة، يبحثون عن ربحٍ وفير، ولو كان مقهى تُقدَّم فيه المشروبات المحرمة، يبحثون عن المال بأية وسيلة، ولا يعبؤون بالدين، ولا بحرمة الدين، ولا بنهي الله عزَّ وجل، يقول لك: حلال على الشاطر، مثل هؤلاء الناس إذا تفقَّدهم المؤمنون رأوهم في سواء الجحيم، ربنا عزَّ وجل رحمةً بنا ينقل لنا مشهداً حيَّاً من مشاهد يوم القيامة، يبدو أنه بإمكانك أن تراه، وبإمكانك أن تخاطبه.
الآن يتبجَّح أهل الغرب أنهم اخترعوا
﴿ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ(56)﴾
6 ـ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
والله كنت ستهلكني، ألقيت لي الشبهات، سخرت من أفكاري، سخرت من عقيدتي، قلت لي: هذه أفكار كلها غيبيَّات، هذه أفكار تجاوزها الزمن، نحن في عصر العلم، نحن في عصر المادَّة، كان يقول: الشيء الذي لا نراه لا نؤمن به مثلاً، فهذه إذاً أقوالك، ونظرياتك، وفلسفتك، وزخرفة كلامك، وحيلك.
﴿ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ(56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(57)﴾
7 ـ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ
لولا أني اعتصمت بالله عزَّ وجل، لولا أنني أطعته، لولا أنني اخترت رضاه لأرديتني، ولأهلكتني، ولكنت الآن معك.
أيها الإخوة الأكارم، إن مما يضاعف سعادة المؤمن في الجنة أن يرى مصير من لم يؤمن، إن مما يضاعف سعادة المؤمن في الدنيا أن يرى مصير الكافرين.
أضرب مثلاً من الدنيا للتقريب: لو أن شريكين اقترح أحدهما أن يتَّجر ببضاعةٍ ممنوعة قانوناً، فالشريك الأول رفض، وقال: أنا لا أوافق، قال الآخر: توافق أو لا توافق فالربح كثير، فقال الآخر: أنا لا أوافق، فإذا كنت مُصِرّاً فافصم هذه الشركة، فَصَمَا الشركة وتَخَالَصا، والذي اقترح التجارة الممنوعة قانوناً اشترى وباع، ثم أُلقِي القبض عليه، وأُودِع في السجن، فذهب شريكه الأول ليزوره في السجن، أليست سعادة الأول بقراره الحكيم تتضاعف حينما يرى شريكه في السجن يُعَذَّب، وقد صودرت أمواله كلها، ودفع الثمن باهظاً، إذا رآه وهو في مكانه الذي يستحقه تضاعفت سعادته، لا شماتةً، لا والله، ولكن شكراً لله عزَّ وجل على قراره الحكيم، وعلى حزمه المتين، وعلى موقفه الصُلب، لولا أنني وقفت هذا الموقف الصُلب، وهذا القرار الحكيم لكنت معك الآن، لو بقينا شركاء لكنت معك الآن.
إذاً: الإنسان في الدنيا يحتاج إلى موقف صُلب، يحتاج إلى عقيدة متينة، يحتاج إلى يقين ساطع، يحتاج إلى إرادة قوية، يحتاج إلى أن يؤمن أنه لا إله إلا الله، وأن يلزم أمر الله عزَّ وجل.
﴿ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ(56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ(58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(59)﴾
8 ـ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ(58)إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
الآن يسخر من قرينه الذي كان يسخرُ من مقولاته، كان يقول قرينه: ليس هناك إلا الموت، وما بعد الموت لا شيء، ولا عذاب، ولا حساب، ولا جنة، ولا نار، كلها أقوال خرافية، أنا لا أؤمن بها، قال له صاحبه: فما قولك الآن؟
﴿
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وأنت في الجنة، وأنت تتقلَّبُ في نعيمها، وأنت مع الحور العين، وأنت في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وأنت مع إخوانك المؤمنين على سررٍ متقابلين، وأنت في هذا النعيم المقيم، وأنت في جنَّة رب العالمين..
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)﴾
هذا الملك العظيم.
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21)﴾
الفوز الحقيقي يوم القيامة:
أنت فرحٌ بزوجة جميلة جداً
أنت فرِح بهذا المعمل، لديه حماية جمركية
أنت فرح بهذا المحضر الذي ربحت فيه ثلاثمائة بالمائة
أنت فرِح بهذه الشهادة العليا، لا يوجد غيرها بالكمبيوتر
فكلما فرح الإنسان في دنياه بشيء من زخارفها ليذكر قول الله عزَّ وجل:
مر معنا بالدرس الماضي أن أقلّ جزاءٍ على العمل الصالح عشرة أمثال، وأعلى جزاء على العمل السيئ، مثل واحد، أقله عشرة أمثال، وأكثره:
﴿
سبعمئة، إلى سبعة آلاف..
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61)﴾
نشاطك، وقتك، عضلاتك، ذكاؤك، طاقتك، فكرك، اهتمامك، وقتك لمثل هذا
إن الإنسان لم يُخلق ليعبد إنساناً مثله، خُلق ليعبد الله، لم يُخلق لعمارة الدنيا فقط، خلق لجنةٍ عرضها السماوات الأرض.
قد تجد شخصاً يعتني بتأثيث بيت، وكأنه سيعيش مئة ألف عاماً، ليلاً ونهاراً، يحاسب على أدق العيوب، يُقيم أعظم الخصومات، إلى أن يجهز هذا البيت، يقولون لك: بعد خمسة أيام مضت توفي، الإنسان كم يكون خاسراً لو ضيَّع دنياه، ولم يجعلها مطيةً للآخرة، فأنا أشعر ـ سبحان الله! ـ بهاتين الآيتين:
النبي عليه الصلاة والسلام مرة وزع شاةً، يبدو أن السيدة عائشة اشتهت أن تأكل منها، فوزَّع، ووزع حتى لم يتبقّ منها إلا قليل، فقالت:
الذي وزعناه بقي، وسنسعد به، أما الذي سنأكله هو الذي سيذهب،
أنا أتمنى على الله وعليكم، أتمنى عليكم أن تعيش هاتين الآيتين في نفوسكم طوال الأسبوع:
﴿
الجانب الآخر من يوم القيامة:
هذا المقام الكريم، في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، حورٌ عين، ولدان مخلَّدون، فواكه وهم مكرمون، اطلب تُعْطَ، أي خاطرٍ يخطر على بالك تجده أمامك، قال:
﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ(66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ(67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ(68)﴾
مفارقة كبيرة، صورتان متناقضتان، قمة النعيم، وقمة التكريم، وقمة الأمن، وقمة الرضا، وقمة السرور، وقمة السعادة، إن كانت بالله، أو كانت بما خلق الله لك في الجنة:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾
﴿ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ(162)﴾
1 ـ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
أو هذه الشجرة التي تنبُت في أصل الجحيم،
2 ـ طعام أهل جهنم: شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64)طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ
مُفزِعة، مرارة على شَوْك، على منظر قبيح، اجمع في هذه الشجرة كل السيِّئات، اللون كريه، الطعم كريه، المِجَس كريه، شوك، وطعمٌ كالصبر.
3 ـ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَِ
4 ـ شراب أهل جهنم: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ
يريد أن يشرب، قال:
﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ
هذا كلام خالق الكون، فلا مجال للواحد منا أن يأخذ القضية كوصف أدبي، لا، فهذا كلام خالق الكون..
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ
يقول بعضهم: نحن صدقنا الله عزَّ وجل؛ لكن صحتنا أغلى من مصيرنا بالآخرة،
وإذا صدقت الطبيب فيما يحذرك منه، مثلاً: شخص يملك بيتاً في الدور الرابع، كساه في خمس سنوات، بعد ما انتهى تجهيزه قال له الطبيب: بعه فوراً، فهذا لا يناسبك، فهذا التعب، وهذا الديكور، وهذا الجبصين، في اليوم الثاني يعرضه للبيع، معنى ذلك أنه صدّق الطبيب، صدقه تماماً، أفلا تستحي من الله أن تصدق الطبيب دون أن تصدق الله عزَّ وجل؟ فلذلك هذا كلام خالق الكون.
يا إخوان، قبل أن تقترف مخالفة، قبل أن تقترف معصية، قبل أن تقصِّر بواجب، قبل أن تدع ما أمرك الله به، فكر ملياً هذا كلام خالق الكون، أهذا النعيم المقيم، أهذه الجنة بحورها العين، بولدانها المخلَّدين، بطعامها، بشرابها، بكل ما فيها من نعيمٍ مقيم، بالتكريم، بالسعادة، بالسرور..
﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ(66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ(67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ(68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ(69)﴾
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ
لا حُجّةَ بالتقاليد وعادات الآباء:
هنا محط الشاهد، يقول بعض الناس: هكذا ربينا، فانظر كيف ربيت؟ لعلك تربيت على خلاف الشرع، هكذا نشأنا، هكذا عادتنا، هكذا تقاليدنا، هكذا يريد أبي، من أبوك؟ هل أبوك مُشرِّع؟ أبوك على العين والرأس، ولكنه ليس مشرعاً، الله عزَّ وجل قال:
﴿
الأب يُحْسَن إليه، أما إذا أجبرك على معصية فلا طاعة عندئذٍ، لا طاعة لمخلوق.
أمّ سيدنا سعد قالت له: "إن لم تكفر بمحمد فسأموت جوعاً"، قال لها:
﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ(69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ(70)﴾
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ
مثلما قال الشاعر الجاهلي يلتزم سيرة الآباء ولو كانوا أهل ضلال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
لا يكن أحدكم إمَّعة، أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّن نفسك على أن تحسن إن أحسنوا، وعلى أن تحسن إن أساؤوا.
﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ(69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ(70)وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ(71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ(72)﴾
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ
الله تعالى أنذر الناسَ بجميع أنواع النذر:
القرآن نذير، والنبي نذير، والأمراض نذير، والمصائب نذير، وموت الأقارب نذير، وسن الأربعين نذير، والشيب نذير، والله عزَّ وجل ينذر وينذر إلى أن يأتي الوقت المعلوم..
﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ(73)﴾
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ
هؤلاء الذين أنذرناهم انظر إلى عاقبتهم، انظر إلى مصيرهم.
أيها الإخوة الأكارم، هذا قرآنٌ كريم، وهذا كلام رب العالمين، وهذا وصفٌ صادق لما سنكون عليه، فإما إلى جنةٍ يدوم نعيمها، وإما إلى نارٍ لا ينفد عذابها، فالإنسان عليه بطاعة الله، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
مرة قلت لكم قصة: كان الحسن البصري من كبار التابعين، عند أحد ولاة يزيد بن معاوية ـ على ما أعتقد ـ فجاء أمر من يزيد إلى هذا الوالي، يبدو أن هذا الأمر لا يرضي الله عزَّ وجل، وقع الوالي في موقفٍ حرج، إن نفَّذ هذا الأمر أغضب الله، وإن لم ينفذ هذا الأمر أغضب يزيد، شيء صعب، وكان بجانبه الحسن البصري قال له: ما قولك يا إمام؟ قال له كلمة هذه يجب أن نحفظها جميعاً:
إذا آثرت جانب الله، فالله يحميك من كل الناس، أما إذا آثرت جانب الناس، فهؤلاء الذين آثرتهم وعصيت ربك لا يحمونك من أحد، فعلاقتك مع الله، حتى لو أن الإنسان جاء النبي عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، المعصوم، جاء في خصومة، فعرض وجهة نظره بلسانٍ طليق، وحجةٍ قوية، وبيانٍ ساطع، فالنبي حكم له وهو ليس محقاً، لا تنجو من عذاب الله، حتى لو أن النبي حكم لك، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ. ))
أنا أنبهك يا أيها الأخ الكريم: لا تعتمد إلا على الله، ولا تثق إلا بالله، ولا تُرضي مخلوقاً بمعصية الله، مهما كبُر هذا المخلوق، مهما أعطاك من المغريات، مهما طمأنك، لأن هذا الإنسان الذي أطعته، وعصيت الله عزَّ وجل لا يمنعك من الله، ولكنك إذا آثرت جانب الله فهو يمنعك من هذا الإنسان، ولذلك: راجع عاداتك وتقاليدك كلها راجعها، أتقول لي: أبي، وهكذا نشأنا، وهكذا ربينا، انظر إلى الشرع، وإذا لم أظهرْ أمام النساء في العرس تغضب أمي، أما أنت فقل لها كما قال الصحابي:
هذا موقف الصحابي، لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، ربنا عزَّ وجل بيَّن أن أحد أسباب هلاكهم الطاعة العمياء، التقليد الأعمى، كلمة تقاليد، عادات، أعراف، يا أخي هكذا ربينا، لا نقدر، وأنا استحي، أتخشون الناس والله أحق أن تخشوه.
﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(74)﴾
هؤلاء لهم حديث آخر في الدرس القادم إن شاء الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ(75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)﴾
والحمد لله رب العالمين