- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (026)سورة الشعراء
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
كل شيء مخلوق هو خير مطلق ولكن الخطأ في سوء الاستخدام :
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الحادي عشر من سورة الشعراء.
في الدرس الماضي وصلنا إلى قوله تعالى:
إليكم مثلاً تقريبياً: لو وضعنا السكر في الطعام، في الطبخ، فهذا الطعام لا يؤكل، مع أن الطبخ ثمين جداً، والسكر ثمين، إذا وضعنا الملح في الشاي، الشاي لا يُشرب، إذا وضعنا مسحوق التنظيف مع الطعام فالطعام لا يؤأكل، فحينما نسيء استخدام هذه المواد نقع في شر مستطير، أي الشر لا وجود له في الأصل، الكون خيرٌ مطلق، ولكن الشر ناتج عن جهلٍ في استعمال الأشياء، عن جهلٍ في التعامل مع الأشياء، عن جهلٍ في طريقة استخدام الأشياء، هذا هو الشر.
هؤلاء قوم لوط خالفوا سنة الله في خلقه، ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(7)﴾
أي عدوان، هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان جعل لها قناةً نظيفةً تجري فيها، بشكل أعم، ما من شهوة أَوْدَعها الله في الإنسان إلا وخلق لها طريقةً نظيفةً مثاليةً يقرها المجتمع، ويقرها الله عز وجل لتفريغ هذه الشهوة، والحديث اليوم عن شهوة الجنس، فهؤلاء الذين خرجوا عن الطريق الصحيح، الذين خرجوا عن الأسلوب الصحيح وقعوا في العدوان، لأن هذه المرأة حينما خُلقت خُلِقت لتشكل مع الرجل أسرة نافعة، أي السعادة كل السعادة حينما يحقق الإنسان سنة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الزواج، فهذه زوجةٌ طاهرةٌ، وفيةٌ، صادقة، ثمرة هذه العلاقة أولادٌ، يعرفون أمهم وأباهم، ينشؤون في بيت إسلامي، فيه التوجيه، فيه العلم، فيه الأخلاق، هذا هو التخطيط الإلهي.
قلت لكم سابقاً: إن امرأة تعمل في المسارح سئلت: ما شعورك وأنت على خشبة المسرح؟ قالت وهي صادقة: شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور، إن الحبّ يجب أن يبقى بين الزوجين، وفي غرفٍ مُغلّقة، هذه هي الفطرة، حينما أودع الله في الإنسان شهوة المرأة جعل لها نظاماً دَقيقاً دقيقاً، القرآن الكريم طافح بالآيات التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة، نظام الأسرة، نظام الخِطبة، نظام العَقد، نظام الشهود، نظام الإرضاع، نظام الطلاق، هذه كلها ضافية في القرآن الكريم، أحكام كثيرة ضافية تنظم علاقة الرجل بالمرأة، أما حينما يسلك الإنسان لتفريغ شهوته طريقًا لم يخلق له، طريقا شاذاً، فقد وقع في شرٍّ خطير، لأن الإنسان حينما ينحرف، أو حينما يعتدي، والانحرافُ والاعتداءُ هما شيءٌ واحد لأنه:
﴿
الانحراف يسبب شعوراً بالكآبة، لأن الله سبحانه وتعالى فطر الإنسان فطرةً عالية، قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا
فإذا فعل الإنسان شيئاً يُرضي الله عز وجل، ويُدَّعم الخير في المجتمع، ويسبب سعادة الآخرين، إذا فعل الإنسان هذا الشيء شعر بسعادة وطمأنينة، واستقرت نفسه، فإذا أفسد أخته في الإنسانية، أو إذا اعتدى على أعراض الناس، فقد حطمهم، وحطم نفسه.
إنكار لوط عليه السلام على قومه مخالفتهم للفطرة :
لذلك ربنا سبحانه وتعالى هذه المعصية الكبيرة جعل قوم لوط عبرةً للناس
تهديد قوم لوط نبيّهم بإخراجه من الديار :
الأصل البراءة من المعصية وبغضها وإنكارها :
ما كان من سيدنا لوط إلا أن قال:
(( إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ؛ كان من شهِدَها فكرِهَها كمن غاب عنها ، و من غاب عنها فرضيَها كان كمن شهِدَها. ))
أي من واجب المؤمن إذا رأى معصية أن ينكرها حتى ينجو من عذاب الله، ما معنى قول الله عز وجل:
﴿
أي إذا وقعت المعاصي من أناسٍ وسكت الباقون، لم ينكروا لا بقلوبهم، ولا بألسنتهم، ولم يغيروا هذا المنكر بأيديهم، فقد عمّ هؤلاء جميعاً بلاء الله عز وجل، لأن سكوتك عن إنكار المنكر دليل أنك رضيت به، من هنا ورد: " الذنب شؤم على غير صاحبه، إن ذكره فقد اغتابه، وإن رضي به شاركه في الإثم، وإن عَيَّره ابتلي به ".
من استقام على أمر الله جعل الله له معاملة خاصة :
﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ
إذا كنتَ في مجتمع فاسق، إذا كنتَ في مجتمع فاسد، واستقمتَ على أمر الله استقامة تامة، فالله سبحانه وتعالى جعل لك معاملة خاصة، لك طريقة خاصة عند الله عز وجل تنجو بها من عقاب الآثمين، اذكر هذه الآية في نفسك:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبـنا فإنا منحنا بالرضـــا مَن أحبنا
ولُـذْ بحمـانا واحتــــمِ بجنابنــــــا لنحميـك مما فيه أشرار خلقنا
* * *
إذاً ربنا عز وجل حدثنا عن سيدنا يونس حينما وقع في اليم والتقمه الحوت قال:
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
انتهت قصة سيدنا يونس، وجاء التعقيب الذي جعل هذه القصة قانوناً شاملاً:
تعظيم حرمات الله :
استمعوا أيها الإخوة الكرام إلى هذه الآية الكريمة:
﴿ ذَلِكَ
العلماء قالوا: ما معنى تعظيم حرمات الله؟ أو بالأصل ما هي حرمات الله؟ قال العلماء: حرمات الله مغاضبه، أيْ الشيء الذي إذا فعلناه غضب الله عز وجل، الطلاق مثلاً إذا طلق الرجل امرأته من غير شبهة، من غير سبب، يهتز له عرش الرحمن، الشيء الذي يُغضبُ الله عز وجل، الشيء الذي إذا فعلته غضِب رب السماوات والأرض، وإذا غضب الله على إنسان فقد انتهى هذا الإنسان:
﴿
إذا كان قوم لوط خاطئين، وإذا كانوا منحرفين، فاسدين، معتدين، تجاوزوا الحدود، فما موقف المؤمن إذاً؟ موقف المؤمن تعظيم حرمات الله، حرمات الله مغاضِبُه، أي الأشياء التي إذا فعلناها غضب الله علينا، وحرمات الله ما نهى الله عنه، ما معنى تعظيمها؟ ترك ملابستها، لكن المؤمن لا يدع المعصية فقط، يجعل بينه وبين المعصية هامشَ أمان، نهر عميق له شاطئ زَلِق، فالحكمة تقتضي أن أدع بيني وبين النهر مسافة كبيرة، نسميها: هامش الأمان، لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
هناك حدود لله عز وجل، إذا اقتربت منها جذبتك إليها، كيف أن بعض التيارات الكهربائية، بعض الأسلاك الكهربائية التي يجري فيها تيار يزيد عن آلاف الفولطات، إن هذا التيار يشكل حوله ساحة مغناطيسية، بحيث إن الإنسان إذا اقترب منه جذبه التيار وأحرقه، لذلك يضعون مسافةً واسعةً حول أسلاك الكهرباء ذات التوتر العالي، هذه المسافة هي هامش الأمان، وأنت أيها المسلم لابد من أن تضع بينك وبين حرمات الله أي مغاضِبَه هامش أمان، الزنا يُغضب الله عز وجل، الله عز وجل قال:
﴿
أي أن تصاحب زانياً، أن تسهر سهرة مختلطة، أن تذهب إلى أماكن مشبوهة، أن تتجول في طرقات فيها نساء كاسيات عاريات، أن تقرأ أدباً رخيصاً، هذا كله اقتحام لهامش الأمان، هذه منطقة خطرة ربما جذبتك إلى الزنا، لذلك ما حَرُمَ فعله حَرُمَ استماعه، وحرُم النظر إليه، وحرُم الحديثُ عنه، ما حَرُم فعله - هذه قاعدة أصولية- ما حرم فعله حرم استماعه، ما حرم فعله حرم النظر إليه، ما حرم فعله حرم الحديث فيه، هذا هامش الأمان،
تعظيم حدود الله وأوامره:
بعضهم قال: حرمات الله، ما وَجَب القيام به وحَرُم التفريط فيه. وبعضهم قال: حرمات الله ما وجب حفظه واحترامه، ربنا عز وجل قال:
(( الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ؛ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ. ))
أول شيء: ومَن يعظم حرمات الله، هناك شخص يرى أن أمر الله عز وجل شيء عظيم، بينما إنسان آخر يستخف بهذا الأمر، كما أقول دائماً: هان الله عليهم فهانوا على الله، الإنسان أحياناً يهون الله عليه، يهون أمره عليه، لا يبالي أكان كسبه من حلال أم من حرام، لا يبالي أصلّى أما لم يُصَلِّ، لا يبالي أصدق أم كذب، لا يبالي أخان أم أخلص، لا يبالي أَفعلَ ما يرضي الله أم فعلَ ما يسخطه، أي هان الله عليه، كيف يهون الله على إنسان؟ إذا هانت أوامره عليه؛ فإذا هان الله عليك هُنْتَ على الله، وحينما ترى المسلمين بأعداد كثيرة يزيدون عن ألف مليون، وليست كلمتهم هي العليا فالتفسير سهل جداً: هان الله عليهم فهانوا على الله:
﴿
القضية إمّا على مستوى جماعي، أو على مستوى فردي، فإذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر ما لله عندك، إذا أردت أن تعرف ما لك عند الله فانظر ما لله عندك، هل أمْره عظيم عندك؟ لذلك قالوا: مِن تعظيم الأمر والنهي أن تطيع الله عز وجل لا خوفاً من عقوبته، ولا طمعاً في ثوابه، ولا مراءاة لخلقه، هذا الذي يعظّم أمر الله ونهيه، يطيع الله عز وجل لا طمعاً في ثوابه، ولا خوفاً من عقوبته، ولا مراءاةً لخلقه، إنَّ الله عز وجل يستحق العبادة، جاء في الأثر: لو لم أخلق جنةً ولا ناراً أمَا كنت أهلاً لأَنْ أعبد؟ فأن تعبد الله من دون طمع بما عنده في الجنة، ومن دون فزع لما ينتظر العاصي من عذاب، ومن دون أن ترائيِ أحداً من خلق الله، إذا فعلت هذا فأنت ممن تعظّم أمر الله ونهيه، أما إذا أردت بأمر الله منفعتك الدنيوية، أو خفت من عقاب أليم، أو أردت أن يمدح الناس استقامتك، فهذا التعظيم لأوامر الله تشوبه شائبة كبيرة.
الفرق بين الزلفى وبين حسن المآب والزيادة :
شيء آخر؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى عن أحد الأنبياء:
﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ
ما الفرق بين الزلفى وبين حسن المآب؟
فلو شاهدَتْ عيناك مِن حســـننا الذي رأوه لمـا وليت عنا لغيرنا
* * *
هذه الزُّلفى، وأمّا حسن المآب فيعني الجنة.
آية ثانية:
﴿
الزيادة: القرب من الله عز وجل، وفي بعض التفاسير النظر إلى وجه الله الكريم.
القرب من الله عز وجل، القرب له ثمن واضح جداً، يقول سبحانه وتعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
باب الله مفتوح، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( رُبَّ أشعَثَ أغبَرَ ذي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لهُ لَو أقسَمَ علَى اللَّهِ لأبرَّهُ. ))
باب الله مفتوح، ثمن الدخول العمل الصالح، والعمل الصالح يرفعك:
﴿
لذلك هناك من يريد الله ويريد ما عنده، وهناك من لا يريد الله ولا يريد ما عنده، وهناك من يريد ما عند الله، هذا الذي يتاجر بالاستقامة، يتاجر بها، الاستقامة من أجل أن يرزقه الله رزقاً كثيراً، أي يبحث كلّ استقامته معلولة بعلل تجعلها ليست خالصة لوجه الله عز وجل.
من تعظيم أمرِ الله تعظيمُ آياتِه :
شيءٌ آخر؛ من تعظيم أمر الله تعظيم آياته، مثلاً: سئل الإمام مالك رَضِي اللَّه عَنْه هذا السؤال:
(( ينزلُ اللهُ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ ، فيقولُ: من يدعوني فأستجيبُ له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرُني فأغفرُ له. ))
كيف يغضب الله عز وجل؟ كيف يرضى؟ كيف يرحم؟ كيف يضحك؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل. ))
فكلمة العجب، وكلمة الضحك، وكلمة الرضا، وكلمة الغضب، وكلمة العلم، والإرادة، والسمع، والبصر:
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا
كل هذه الكلمات التي وصف ربنا بها نفسه يجب أن تقف موقف الإمام مالك، الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإذا أردت أن تسأل كيف يعلم الله عز وجل؟ كيف يرى؟ كيف يسمع؟ هذا السؤال يقودك إلى ذات الله، والبحث في ذات الله خطر جداً، النبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن أن نخوض في ذات الله، وقد ورد: " تفكروا في المخلوقات، ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا "، فمن لوازم العبودية هناك موضوعات خارج الخط الأحمر، هذه محظورٌ على العبد أن يخوض فيها، لأن الخوض فيها مزلة قدم، وهلاك محقق، لذلك من تعظيم كلام الله أن تقف عند الأوصاف التي وصف بها نفسه مِن دون تعطيل، أو من دون تجسيم، أوضح لكم ذلك: العصمةُ النافعة في هذا الموضوع أن تصف الله عز وجل بما وصف نفسه قال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾
هكذا قال الله عز وجل، كيف؟ لا أعلم، فيجب أن تثبت أسماء الله وصفاته من دون تشبيه، ويجب أن تنفي عن الله عز وجل كل ما يُشبه مخلوقاته، يجب أن تثبت من دون تشبيه، ويجب أن تنفي من دون تعطيل، ويجب أن تقول: ليس كمثله شيء، هذه صفة الموحد، لذلك أهل السنة والجماعة لا يشبهون، ولا يعطلون، لا يجسدون، ولا يعطلون، الآية لا نعطلها، لما قال ربنا عز وجل: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ هذه لا تعطّلها، لكن أيضاً لا نشبه الله عز وجل بمخلوقاته، أهل السنة والجماعة لا يشبهون ولا يعطلون، هذا الموقف المعتدل، كل ما وصف الله به نفسه تؤمن به كما جاء في القرآن، وكما جاء في سنة النبي العدنان، من دون زيادة ولا نقصان، هذا الموقف المعتدل، هذا من تعظيم أمر الله.
أول تعظيم: أن يكون خالصاً من الطمع، والخوف، والمراءاة، والتعظيم الثاني: ألا تجسد، وألا تعطل، وأن تؤمن بما وصف الله نفسه، وبما وصف النبي ربه جل وعلا، من دون زيادة ولا نقصان، أنت إنسان لا يمكن أن تحيط بالواحد الديان، مستحيل، إذاً قف في حدود الأدب، وكن في حد النص.
من تعظيم حرمات الله الأدب مع الله :
شيء آخر يتعلق بالأدب مع الله عز وجل، من تعظيم حرمات الله، قوم لوط استخفوا بأوامر الله، وخرقوا الحدود، فأهلكهم الله عز وجل، قال العلماء: إذا استقام الإنسانُ على أمر الله، وعمل صالحاً ارتقت نفسه في سلم المعرفة، فإذا اتصل بالله عز وجل شعر بالسرور، وتجلى الله عليه باسم الباسط، أي تجده مسروراً، لكنْ هنا مزلقٌ خطير، ما هو هذا المزلق؟ المزلق الخطير أن يكون مع الانبساط جرأة، جرأة تخرجك عن عبوديتك، فإذا الإنسان سُرَّ، صلى قيام الليل، تجلى الله على قلبه، بكى بكاءً شديداً، ذابت نفسه محبة لله، لا ينبغي أن يقوده هذا الانبساط إلى الجرأة على الله عز وجل، مِن أخطار الانبساط الجرأة، أحياناً تقرِّبُ إنساناً وتكرمه فيتطاول عليك بعد ذلك، يتكلَّم كلمةً زائدة يتجاوز بها حده، أمّا كلما قرّبته يزداد أدباً هذه أعلى درجة في العبودية لله عز وجل، فالإنسان بحالات التقريب الإلهي لا ينبغي أن يتكلم كلمة مع خلق الله، لا ينبغي أن يحتقر خلق الله، لا ينبغي أن يدِلّ على الله بعمله، لا ينبغي أن يتيه على الناس باستقامته، بإقباله، بصلاته، بحفظه لكتاب الله، بأعماله الصالحة الكبيرة التي مَنَّ الله بها عليه، فمِن تمام الأدب مع الله أن الله عز وجل إذا تجلى عليك باسم الباسط أي إذا كنت في حالة الانبساط لا ينبغي أن يقودك الانبساط إلى سوء الأدب مع الله عز وجل.
هناك أشخاصٌ ينجذبون، يقول لك: سبحاني، هذه كلمة فيها سوء أدب مع الله، ما أعظم شأني، أي بساعة الإقبال الشديد، بساعة الغيبوبة غاب عن الوعي، فقال: سبحاني، ما أعظم شأني ! هذا الانبساط قاده إلى الجرأة.
من تعظيم حرمات الله أن السرور بالاتصال بالله يحمل الإنسان على الشعور بالأمن :
من تعظيم حرمات الله أن السرور بالاتصال بالله عز وجل قد يحملك على الشعور بالأمن، أمنٌ معه راحةٌ ومعه كسل، أي عَمِلَ أعمالاً صالحة، اتصل بالله اتصالاً شديداً، فاسترخى، شعر بالأمن، لذلك قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قبل أن يموت كلمات شَكَّ تلامذته في أحواله، قبل أن يموت كان يقول: " كلا بعدُ، كلا بعدُ، كلا بعدُ، قالوا: ما هذا؟! كأنهم خافوا على إيمانه، ثم توفاه الله عز وجل، رآه أحد تلامذته، قال: يا سيدي ماذا فعل الله بك؟ وما قولك: كلاّ بعدُ؟ فقال: جاءني الشيطان، وقال لي: لقد دخلت الجنة، فقلت: كلا بعدُ حتى يُخْتَم عملي " هناك شخص يعمل أعمالاً صالحة، يلازم مجالس العلم، فيكتفي، يقول: أنا ضمنت الجنة، مَن قال لك ذلك؟ يجب ألا تأمن، لا تأمن إلا إذا دخلت الجنة، ما دمت في الدنيا فأنت في دار ابتلاء، ما دمت في الدنيا فهناك أخطار، مادمت في الدنيا فهناك مزالق، لذلك عن أنس بن مالك:
(( كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ. ))
من تعظيم حرمات الله عزوُ الفضل إليه سبحانه :
الشيء الأخير؛ من تمام الأدب مع الله عز وجل أنك إذا أكرمك الله بعمل طيب، إذا أكرمك بحال طيب، إذا أكرمك بقلب سليم، إذا أكرمك بتجلٍّ كبير، إذا أكرمك بإقبال شديد، فلا ينبغي أن تعزو هذا إليك، أنا أخي جهودي الكبيرة الجبارة في هذه السنوات الماضية قادتني إلى هذا الحال الطيب، لا، هذا من فضل الله عليك:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
وقال سبحانه:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
لذلك من سوء الأدب مع الله أنك في ساعات الإقبال تنسى أن هذا من فضل الله عليك، تعزوه إلى قدرتك، إلى استقامتك، إلى بطولتك، هذا من سوء الأدب مع الله، فالذي ساقنا إلى هذا المَوْضِع هو أن قوم لوط لماذا عصوا ربهم؟ استخفّوا بالله عز وجل، استخفّوا بأمره، استهزؤوا بقوانينه، لم يعبؤوا بوعده ولا بوعيده، ففعلوا خلاف ما أمر؛ وخرجوا عن مقتضى حال بني البشر، وأساؤوا، وتجاوزوا الحدود، واعتدوا فأهلكهم الله عز وجل، أمّا المؤمن فالحالة الصحيحة عنده أنه يعظم حرمات الله
وثاني أنواع التعظيم: أن تقف في آيات الكتاب الكريم عند الحدود التي قالها الله عز وجل، من دون تجسيد ولا تعطيل.
والشيء الثالث: ألا يقودك الانبساط إلى الجرأة، وألا يقودك السرور إلى الأمن، وألا يقودك الشهود إلى أن تعزو هذا إليك.
مَن والى قومًا فهو منهم :
عاقبة قوم لوط :
(( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم. ))
وكلكم يقرأ، ويسمع، ويطالع عن هذا المرض الخطير، مرض نقص المناعة، وربنا سبحانه وتعالى جعل هذا المرض الخطير عقاباً عاجلاً لهؤلاء المنحرفين، والإحصائيات الدقيقة أن تسعين بالمئة من حالات هذا المرض بسبب فعل قوم لوط، تسعون بالمائة , وهناك قسم قليل للمخدرات ومعاقرة الخمر والزنا، لكن هذه المعاصي الكبيرة في مقدمتها فعل قوم لوط، ومصيرُ هذا مرض خطيرٌ خطير، أي شبح مخيف، تئنَّ تحت وطأته نفوس الملايين من الذين ألقوا أوامر الله عُرْضَ الطريق
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين