- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي.
شيخنا الكريم دنو الهمة للطاعة، هذا حال كثير منا في هذه الأيام، هو مقبل على الله في قلبه، في جوارحه، في عبادته، لكن الهمة متدنية، إما أنه يصلي ولا يخشع، إما أنه يقرأ القرآن الكريم ويفرح، وإما أنه من الأساس نفسه ثقيلة للعبادة، ليست تطيعه، ليست تسبقه للطاعة بل تتثاقل عنها، لماذا هناك دنو للهمة عند الطاعة؟
الفرق بين حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أخي الكريم؛ بارك الله بك على هذا السؤال. عندنا في الدين مصطلحان، مصطلح حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان، المسلمون في معظمهم في كل بقاع الأرض حقائق الإيمان واضحة عندهم، يوجد إله عظيم، ورب كريم، ومسير حكيم، وهناك منهج، وقرآن، وسنة، وحرام، وحلال، وواجب، وفرض، ومكروه كراهة تنزيهية، وتحريمية، وحرام، هذه كلها تلقيناها في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، هذه اسمها حقائق الإيمان، لكن يوجد شيء اسمه: حلاوة الإيمان، للتوضيح، أنت معك كتيب صغير عن أحدث سيارة في العالم، الإخراج مذهل، الألوان رائعة، صور من داخلها، من محركها، من خارجها، هي تسير في جبال خضراء على ساحل بحر، يوجد الآن فنون للداعية تفوق حدّ الخيال، إذا أنت معك هذا الكتالوج عن هذه السيارة، و لتكن مرسيدس 2006 مثلاً أو 2016، و لكن لا يوجد عندك سيارة، هذه كلها معلومات، أما الفرق بين أن تمتلك هذه المعلومات من خلال كتاب دعاية وبين أن تملك هذه السيارة وتركبها مسافة كبيرة جداً، أي المسافة كبيرة جداً بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان.
شيء آخر؛ معك خارطة لقصر، الصالونات، الأبهاء، إطلالة على البحر، المزرعة أمام القصر، المسابح، المطابخ، غرف الضيوف، النوم، الاستقبال، كلها صور رائعة جداً ملونة، إخراج رائع، لكن هذا كله ورق، فالفرق كبير بين أن تسكن هذا القصر و بين أن تمتلك هذه المعلومات من خلال كتاب دعاية، هذا الفرق بين حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان يستوي عندك المليار مع الدرهم، حلاوة الإيمان أنت أسعد الناس، حلاوة الإيمان عندك قرار حكيم، حلاوة الإيمان عندك تماسك داخلي لا تفرط، حلاوة الإيمان عندك رؤية صحيحة، قرار صادق، سعادة، حكمة بالتصرفات، بأقوالك، بأفعالك، أنت أسعد زوج، أسعد أب، أسعد موظف، إلا أن حلاوة الإيمان هي هي، لكن لو تصورنا بيتاً فيه كل الأجهزة الكهربائية..
المذيع:
نتواصل مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي وحديثنا عن دنو الهمة في الطاعة، وكنت قد فرقت بين حلاوة الإيمان وبين حقائق الإيمان.
الدكتور راتب :
حقائق الإيمان أي إنسان يحصّلها ولو كان كافراً، ولو كان ملحداً، معلومات تحتاج إلى ذاكرة قوية، إلى محاكمة، إلى قدرات ذهنية، حقائق الإيمان معلومات.
المذيع:
كيف يحققها الكافر الذي أصلاً لا يؤمن؟
ثمار الدين لا تقطف إلا بالاتصال بالله :
الدكتور راتب :
هناك كتب مذهلة لفرنسيين في الإسلام، هي مراجع عندنا، دراسات.
المذيع:
في أي جانب تتحدث؟
الدكتور راتب :
التاريخ الإسلامي، حتى في الإعجاز عندهم كتب من مراجعنا هذه في الدراسات الإسلامية، فالإنسان عنده عقل يدرك، يقرأ، يفهم، يحلل، يوازن، يقارن، يقبل بالدليل، يرفض بالدليل، هذا نشاط فكري يملكه كل إنسان، أما الإنسان حينما يستقيم على أمر الله، ويكون بينه وبين الله خط ساخن، هناك اتصال بالله، هناك إقبال على الله، هناك قرب من الله، الحقيقة كل ثمار الدين لا تقطف إلا بالاتصال بالله، بدون اتصال بالله أقول لك كلاماً دقيقاً: الدين من دون اتصال بالله فولكلور شرقي، مرة قرئ القرآن الكريم في باريس على أنه فولكلور شرقي، تقاليد، عادات، تراث، خبرات، توجهات، عواطف، اهتمامات، هذه كلها كلمات، هي في واد والدين في واد آخر، الدين منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، الدين افعل ولا تفعل، إذا فعل الإنسان شكّل خطاً ساخناً مع الله، أقبل عليه، سعد بقربه، استنار بنوره، نطق بعلمه، وفقه الله لما يحب ويرضى، أكاد أقول لك: كل ثمار الدين من دون استثناء لا تقطف إلا بالاتصال بالله، من هم الأنبياء؟ أناس من البشر لكنهم أحكموا اتصالهم بالله، من هم العباقرة والأذكياء؟ اعتمدوا على أفكارهم فقط فما حققوا شيئاً.
حلاوة الإيمان أكبر عطاء من الله للإنسان :
الآن سوف ندخل في الجوهر، النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان))
كل شيء كبير، كل شيء عظيم له ثمن باهظ، لا يوجد إنسان يقدم طلباً لوزارة التعليم العالي أنه يرجى منحي دكتوراه وهو أمي، هذا شيء مضحك، كل شيء له قيمة، له ثمن، من هو الغبي الأحمق؟ الذي ينتظر نتائج لا تؤكدها مقدماته، ينتظر نتائج غير معقولة بمقدمات سخيفة أو ضعيفة، كل شيء كبير له مقدمة كبيرة، أي له ثمن باهظ، فلذلك الذي ذاق حلاوة الإيمان هو الشجاع، هو الحكيم، هو الصابر، هو المتماسك، هو الذي ينطق بحكمة الله، هو الذي يصر على هدفه مهما كان الثمن، هؤلاء قلة، هؤلاء الذين فتحوا العالم في القرون الأولى تمتعوا بحلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان أتمنى أن أتمكن من شرحها شرحاً كافياً، حلاوة الإيمان أي الله عز وجل جعل أكبر عطاء له عندك أنه أذاقك حلاوة الإيمان، ترى يرجع جندي من معركة وقد قطعت رجله، فلما عولج وجبر هذا القطع يتمنى أن يعود ثانية، لأن الله أذاق المقاتل الذي أراد الله بقتاله حلاوة الإيمان، إذا الله أذاقك حلاوة الإيمان تسعد بهذه الحلاوة ولو فقدت كل شيء، والله قد يجدها الإنسان في السجن، وجدها يونس في بطن الحوت، قال تعالى:
﴿ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ* فَاستَجَبنا لَهُ وَنَجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ ﴾
وجدها إبراهيم في النار، وجدها أهل الكهف في الكهف، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
أنا أذكر شخصاً حدثني اعتقل بتهمة كاذبة، حفظ في هذه السنة القرآن الكريم كله، قال لي: والله عشت في جنة، أقسم بالله وبكى، إذا الله معك فمعك كل شيء، لذلك الأنبياء وصلوا إلى الله، نحن معنا معلومات عن الله، مادام لا يوجد استقامة، هناك مثل دقيق سأقوله لك، عندك بيت فيه ثلاجة، براد، غسالة، مروحة، مكيف، مكواة، جميع الأجهزة الكهربائية عندك من دون استثناء، وبأعلى مستوى بأرقى ماركة، لكن لا يوجد كهرباء، كل هذه الأجهزة قطع لا معنى لها، قطع من البلاستيك أو الحديد ليس لها أي فائدة، فإذا سرت الكهرباء شيء آخر، الثلاجة بردت، الغسالة غسلت، المكيف يعطي هواء بارداً، الإنسان عندما يؤمن بالله الزواج له معنى، يسعد المؤمن بزوجته ما لا يسعد مئات الأشخاص بزوجاتهم، زوجته هذه مسموح له أن يقترب منها، هو في طاعة الله، يمكن يكون هناك لقاء زوجي، ويصلي قيام الليل، ويبكي في الصلاة، هذا شرع، تقريباً الله عز وجل أعطاك لكل شهوة مئة وثمانين درجة، سمح لك كمؤمن بمئة وعشرين فقط، أما الثمانون فحرام، من هو المؤمن؟ يتحرك وفق شهواته، لكن في الحيز الذي سمح الله به، ما الآية؟ قال تعالى:
﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
عند علماء الأصول المعنى المخالف: الذي يتبع هواه أي شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه.
أنا أريد من أخوتي المستمعين أن أنزع من ذهنهم التصور الشيطاني الذي يبثه الشيطان في قلوبهم وهو أن الدين حرمان؟ لا، الدين ليس حرماناً، الدين سعادة.
المذيع:
هذا الكلام الجميل الذي تفضلت به عن حلاوة الإيمان قد يكون غائباً عنا، ما هو العلاج؟
الدكتور راتب :
العلاج ما لم تقنع الناس..
المذيع:
موضوعنا اليوم: دنو الهمة للطاعة، وهذا حال كثير منا، هو يقبل على الطاعة لكن يستثقلها، أو لا يشعر بها، والإشكال الأول الذي يحصل مع كثير منا أننا نستثقل الطاعة، النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي سيدنا بلالاً:
((أرحنا بها يا بلال ))
كثير من الناس يستغرب هو يريد أن يرتاح من الصلاة لا أن يرتاح بها، يستثقل الطاعة، يستثقل الصيام، غداً رمضان أف، لم أصلّ فرض العشاء بعد، ورد القرآن لم أقرأه، لماذا هذا حال كثير منا نستثقل طاعة الله؟
حلول جزئية لكيلا نستثقل طاعة الله :
الدكتور راتب :
أولاً: عندنا حلول جزئية قبل أن أدخل في الكليات، لو شخص صلى الظهر في مكان عمله، جاء إلى البيت أكل مع أهله، شعر بتعب، توجه إلى غرفة النوم، إذا لم يصلّ الظهر فعنده مشكلة، عنده انزعاج، من أخر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره، يريد أن ينام ولا يقدر أن يصلي، صلّ قبل أن تأتي إلى البيت، وأدق فرضين صلاة الظهر والعشاء، العشاء صلّه في وقته، إن سهرت و شعرت بالتعب تذهب إلى النوم فوراً، لم يصلّ العشاء، فالسهرة لا يستمتع بها أبداً، صارت الساعة الحادية عشرة لا يستطيع أن يصلي العشاء، هو متعب كثيراً، يقول: أستيقظ وأصلي في الليل، لا يستيقظ، سيدي أول شيء يوجد حلول جزئية، صلّ الصلاة على وقتها:
((أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها))
هذه واحدة، لكن مثلاً تريد أن تصلي وهناك رسالة جاءت من أخيك وعدك بحوالة كبيرة، ببلد خليجي مثلاً، يا ترى بعث الحوالة أم لم يرسلها؟ لا، اقرأ الرسالة ثم صلي، سوف يشغل بالك بالرسالة و أنت في الصلاة، يوجد أشياء كثيرة، جائع جوعاً شديداً يا ترى ماذا سآكل؟ كُل ثم قم للصلاة، أو أنت تصلي في غرفة الجلوس، أولادك وبناتك يضحكون ويمزحون، أي صلاة هذه؟ صلّ بغرفة أخرى، هناك حلول جزئية للخشوع في الصلاة، أما الكلية فهي الاستقامة على أمر الله، إذا أنت مستقيم لا يوجد حجاب بينك وبين الله، إذا كان هناك حجاب فالعبادات تفقد رونقها، تفقد ألقها.
المذيع:
هذا الذي أريد أن أسأله؛ كثير من الناس الخاشعين، نقرأ في السير أن الصحابة والتابعين كان أيضاً لديهم انشغالات، واهتمامات، وبيوتات، ولديهم أعمال، لكنها لم تكن تمنعهم عن الطاعة، الآن نفوسنا تستثقل الطاعة، لا تسر بها.
من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله :
الدكتور راتب :
أنا عندي قناعة أن التاريخ الإسلامي العريق العظيم هم في طاعة الله دائماً، ودنياهم في أيديهم لا في قلوبهم، مثل بسيط، الباخرة العملاقة أين هي؟ في البحر، أما إذا كان ماء البحر فيها غرقت، هي في البحر و هي باخرة عملاقة وهي ناجية إلا إذا دخل البحر إليها، لذلك الدعاء: اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، عن الدنيا، قد تكون غنياً كبيراً لكن الصلاة كل شيء، تسافر إلى أوروبا ما عندك سيارة، من الفندق إلى المكتب فقط، عندك مليون خيار آخر لا يرضي الله عز وجل، تدخل إلى ملهى، لا تقدر، الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن، والحقيقة من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
المذيع:
ما المقصود بالورع هنا؟
حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور راتب :
الورع ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، مثلاً هذه السهرة من اجتمع بها بعيد عن الله عز وجل كثيراً، أنت لك دخل محدود، هذا يقول إن دخله مليونان، و هذا المبلغ لا يكفيه هذه السنة، هذا تكلم عن تجارته، ترى كلام الناس محبطاً، اقعد مع مؤمنين يقربوك من الله عز وجل، كل إنسان يفتخر بما عنده دون أن يشعر، يدخلك إلى بيته ويريك إياه، أربعمئة متر، أثاث مذهل، أنت لا يوجد عندك شيء أمامه، لذلك من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، إذا الإنسان لم ينتقِ حاضنة إيمانية له، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
تحتاج إلى أخ مؤمن ينصحك، أخ مؤمن يحتضنك، أخ مؤمن يعاونك، أخ مؤمن لا يزهدك بحياتك، مرة دخلت إلى بيت، خجل مني صاحب البيت كثيراً، غرفة الضيوف تتسع إلى أريكتين وطاولة، لا يوجد مكان للأرجل فقط، خجل، قلت له: لا تخجل، غرفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وحبيب الحق لا تتسع لنوم زوجته وصلاته، هذا سيد الخلق، فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حينما زوى عنه الدنيا؟ فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حينما أعطاه الدنيا، أنت مؤمن هدفك الله عز وجل.
المذيع:
أبدأ باتصال الأول الأخ عدنان تفضل...
السائل:
أريد أن أسأل عن الوسواس القهري وتأثيره على طبيعة الحياة من الناحية الدينية؟
الأمراض النفسية بعيدة عن حياة المؤمن لاتصاله بالخالق سبحانه :
الدكتور راتب :
أنا اجتهادي أن الأمراض النفسية ينبغي أن تكون بعيدة جداً عن حياة المؤمن، لأنه اتصل بالله عز وجل، اتصل بالقوي، بالرحيم، بالغني، بالكريم، إنسان له صلة بالله عز وجل يكون معه كآبة؟! هذه مستحيلة، تتناقض مع النصوص الدينية، إذا إنسان تاب إلى الله توبة نصوحة، وعاهده على الطاعة، ممكن بشكل أكيد يخلصه منها، مرة أخ مصاب بالصرع، درس في رومانيا ومعه اختصاص نادر جداً، قال لي: أنا سأتحطم، أحياناً تأتيني بالطريق، أحياناً بالعمل، أحياناً في البيت، قلت له: والله أنا معلوماتي المتواضعة إذا إنسان استقام على أمر الله عز وجل يريحه، والدليل قوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
والله أنا رأيته اهتم اهتماماً غير معقول، أخذ ورقة وقلماً ثم قال لي: ماذا أفعل؟ أعتقد أنني أمليت عليه أربعين بنداً، هو يأتي كل جمعة إلى الدرس، جاء وقال لي: لم يحدث معي شيء، أهنئك على اقتراحك، الثانية لم يحدث معه شيء، الثالثة كذلك، سابع جمعة لم يأت، قلت في نفسي جاءته مرة ثانية، ثم جاء وقال: لا تقلق على مبدئك أنا غلطت مع ربي هذا الأسبوع، وسهرت سهرة مختلطة، فدفعت الثمن.
المذيع:
قضية الوسواس القهري يمكن هذه قضية طويلة.
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾
الحقيقة كلمة أعوذ بالله أكبر سلاح تملكه، لكنه يحتاج إلى قلب حاضر.
المذيع:
أخي محمد اتصال جديد تفضل.
السائل:
أنا كل يوم قبل صلاة الفجر أصلي ركعتين قبل الصلاة، أنا بأول سجود أطيل في الدعاء هل هذا صحيح؟
الإطالة في الدعاء بالصلاة عين الصحة :
الدكتور راتب :
هذا عين الصحة:
(( أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجِدٌ ))
المذيع:
أخي محمد اتصال جديد تفضل.
السائل:
أنا أبذل جهدي أن أكون بكامل عقلي ولا أشرد خلال السجود لكن تأتيني أحياناً فترات وأشرد.
الدكتور راتب :
لا يوجد مشكلة أخي الكريم.
المذيع:
الأخت صفاء تقول: سؤالي للشيخ إذا كنا في حفلة عرس وحان موعد الصلاة هل لنا أن نؤجلها لأن صوت الغناء مرتفع فيها؟
الضجيج لا يلغي الصلاة :
الدكتور راتب :
العشاء ممكن.
المذيع:
المغرب؟
الدكتور راتب :
غريب، لا بد من صلاة المغرب.
المذيع:
ماذا يفعل إذا الأصوات مرتفعة؟
الدكتور راتب :
لا يوجد مانع، لو فرضنا إنساناً يسكن على الطريق العام كله ضجيج، لا يوجد مشكلة، الضجيج لا يلغي الصلاة.
المذيع:
إذا كانت حفلة غناء، موسيقا، رقص، وإيقاع.
الابتعاد عن المنكرات :
الدكتور راتب :
عندنا سؤالان؛ هل أنا لي حق أن أحضر هذه الحفلة؟ فيها منكرات، إنسانة ملتزمة محجبة، ترتدي لباساً مستوراً، تلبي دعوات فيها تفلت، هذا لا يليق بمكانتها، ماذا تفعل مثلاً ابنة خالتها، تأتي قبل أسبوع ومعها هدية، أنا أهنئكم لكن أنا اتجاهي الديني يمنعني أن أحضر العرس، دليل أنا فرح بهذا الإنجاز، وديني لا يسمح لي بالجلوس في هذا الجو.
المذيع:
الأخت نجوى تفضلي.
السائل:
سؤالي أنا امرأة وموضوع التعدد دائماً يؤرق المرأة، أكيد له علاقة بالإيمان، أحياناً أكون قوية وأحياناً أكون في ضعف بالإيمان كيف أتخلص من هذا الضعف؟
كيفية التخلص من ضعف الإيمان :
الدكتور راتب :
والله يا أختي أولاً عندنا آية دقيقة جداً، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ﴾
وهذه ما كان أشد أنواع النفي، هذه تنفي اثني عشر فعلاً، إذا قلنا لإنسان: هل أنت جائع؟ يقول: لا، لكن لو قلنا له: هل أنت سارق؟ وهو محترم جداً، هل يكفي أن يقول: لا، يقول: ما كان لي أن أسرق، فالله قال:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
إذا الله سمح بالتعدد فأنت كامرأة تغارين هذا طبيعي، عندنا غيرة طبيعية بحدها المتدني، لكن هناك حالة أخرى مرضية، إنسان عنده زوجة يحبها كثيراً لكنها لم تنجب، ووضعه المالي جيد جداً، يريد ولداً يرثه من بعده، تقول له: لا أسمح لك بالزواج أو تطلقني، لماذا هذا الكلام؟ هذا غلط، والله أعرف زوجات هنا في الأردن لم ينجب منها، قال لي: جاءتني زوجتي بعروس هي خطبتها لي، وهي أجمل من زوجتي نفسها.
المذيع:
شيخنا ركزت على مفهوم أن زوجته الأولى لا تنجب، هذا شرط للتعدد؟
الدكتور راتب :
لا، ليس شرطاً، ما طلب الله عز وجل منا السبب لئلا تفضح الأسر، طلب منا العدل فقط، هذه النقطة عظيمة في الإسلام، ما طلب السبب، مثلاً لا أحب زوجتي.
المذيع:
للتوضيح إنسان زوجته قائمة بكل حقوقها، وتنجب، وليست مقصرة في بيتها، لكنه أراد أن يعدد عليها هذا مباح؟
الدكتور راتب :
عندنا في علم النفس الصفة الفردية، يوجد أشخاص عندهم رغبة بالجنس أكثر من غيرهم بكثير، قد لا تكفيهم واحدة، الله عز وجل ما قال لك ما هو السبب، ستر، ليست مربوطة مباح.
المذيع:
إذاً كما تفضلت الأخت نجوى طبيعتها وفطرتها كامرأة لا تقبل أن إنساناً يعدد عليها كيف تتخلص من هذا؟
الدكتور راتب :
الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، تبقى في النصف الثاني.
المذيع:
نسرين باتصال جديد تفضلي..
السائل:
نحن ملتزمون بالدين، لا يوجد عندنا تلفاز، ولا ننشغل عن الدين، نستيقظ الساعة الثالثة صباحاً، ونصلي قيام الليل، ولدينا ختمة قرآن كل شهر، إذا كان هناك تقصير برزق زوجي هل من الممكن أن يكون هناك غلط منا أم امتحان من الله أن رزقه قليل؟
معنا اتصال أخي زكي..
السائل:
عندي مشكلة كلما أحاول أن أستيقظ لقيام الليل ثلاثة أيام ثم أنقطع شهراً، أحاول حفظ القرآن ثم أنقطع، فترات الفتور كثيرة مقابل أيام الهمة، كيف أحل مشكلة الفتور؟
الرزق القليل ابتلاء من الخالق سبحانه :
الدكتور راتب :
الرزق القليل ابتلاء، والحقيقة الإنسان إذا نحج بالابتلاء يكون بطلاً، ومستحيل ألا نبتلى، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
فالابتلاء قدرنا، إلا أن البطولة ليس ألا تبتلى، أن تنجح في الابتلاء، دخل قليل نعمل مصروفاً مدروساً تماماً، الأساسيات مؤمنة، لا يوجد ترف، لا يوجد ازدواجية، أنا مبتلى بالفقر، والغني مبتلى بالغنى.
المذيع:
الشيطان يوسوس أن دخلك قليل الله فغاضب عليك.
الدكتور راتب :
لا، الأنبياء كانوا فقراء، أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: إني صائم، النبي صلى الله عليه وسلم...
المذيع:
أخونا زكي تفتر همته ما العلاج؟
تجديد الإيمان كلما ضعفت الهمة :
الدكتور راتب :
يجب أن يجددها، جددوا إيمانكم، ممكن تعمل تجديداً لإيمانك ألف مرة، كلما ضعفت الهمة.
المذيع:
كيف يجدد الإيمان؟
الدكتور راتب :
إذا كان عنده مخالفات، مشكلة، المخالفة بالتوبة، أهون توبة أول توبة، الثانية أصعب وتحتاج إلى دعم بصدقة، يا ربي لقد تبت، يقول لك: يا عبدي وأنا قبلت، لكن الثانية من نفس الذنب يوجد مشكلة، تضعف القدرة على التوبة، أنا أنصح بهذه الحالة بدفع صدقة، ليس لنا غير الله إذا غلطنا، يجب أن نتوب، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
التواب صيغة مبالغة، ليس تائباً، لا يحب التائب بل التوابين، أي كثرة التوبة، أنا لا أشجع على الذنوب أعوذ بالله، هذا شأن الإنسان يغلط يتوب إلى الله.
المذيع:
إذا كانت ذنوبه كثيرة يقابلها بتوبات متعددة، في ختام حلقتنا الإنسان نقطة رأسه الاستقامة مع الله، ليكون متصلاً دائماً مع الله، وأن ما يمنعه من هذا القرب هي الذنوب، الله يعاقبه فلا يفتح عليه، سؤالي هنا هل الخشوع في الصلاة والإقبال على الطاعة هي رزق من الله عز وجل؟
حاجة الإنسان إلى صحبة الأخيار للتنافس معهم :
الدكتور راتب :
الرزق له أسباب سيدي، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
لا بد من حاضنة إيمانية، قال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾
أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية، تحتاج إلى صحبة الأخيار ليشجعوك على الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، بحاجة إلى أخوة تتنافس معهم:
(( لا تصاحب إلا مؤمناً..))
عندما يكون عندك ضعف في الاستقامة يكون حولك بيئة غير صحيحة..
المذيع:
سؤال أخير إذا الإنسان شعر بضعف همته ثم عاد واستقام وأقبل على الله من جديد هل هو بخير؟
التائب من الذنب كمن لا ذنب له :
الدكتور راتب :
اسمع الجواب؛ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، هذه رحمة الله عز وجل، وأبلغ من ذلك ليس أذنبوا بل أسرفوا:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
المذيع:
هل لنا أن نختم اللقاء بدعاء لعلها تكون ساعة إجابة.
الدعاء :
الدكتور راتب:
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، متحدثاً عن دنو الهمة للطاعة، وأن أكثر ما يخافه الإنسان ذنوبه التي يحجب بها عن الله عز وجل، فلا يفتح له بالإقبال على طاعته، ولا بالخشوع.
دمتم في حفظ الله، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.