- محاضرات خارجية / ٠31مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء
- /
- مقتطفات من الموسم الثاني 2014 تركيا
حجاب العقيدة :
د محمد العوضي:
نجمة، هذا اسمها نجمة، ليست ملكة جمال، ولا عارضة أزياء، ليست بطلة أفلام، ليس عليها كاميرات مسلطة، لا، أعظم من ذلك بكثير، ومن قال إن ذلك عظيماً، نجمة فتاة سويسرية، بلغت الحلم، مسلمة، ذهبت إلى المدرسة في اليوم الأول الذي لبست فيه الحجاب فأغلقت باب المدرسة، مديرة المدرسة قالت: لا يوجد محجبات عندنا، نحن من بلد علماني، متقدم، وهذه من الجيل الماضي، أو دخيلة علينا، بنت صغيرة جاملوها، تلطفوا معها، رجعت البنت خائبة الرجاء، مكسورة القلب، أبوها مسلم، وأمها مسلمة، فأصروا أن ترجع- القصة أسمعها الآن بالهاتف من نيقولاس رئيس جمعية الشورى الإسلامية في سويسرا، وهو سويسري أصيل- فيقول للأم: اجعلوها على باب المدرسة لا ترجع، ما القصة؟
سافرت إلى سويسرا، وذهبت إلى نجمة، حاورتها، مشاعرها، إصرارها، قناعتها في اللباس الشرعي، كيف كانت ردة فعلها من إغلاق باب المدرسة، سئلت الأم، قالت: هذه عقيدة، والحجاب هذا حجاب دين، حجاب قناعة، لا حجاب موضة، حجاب جبر أسري، لا حجاب ملل، لا حجاب تقليد وعادة، حجاب تعبد، ومن هنا يكون الإصرار والتحدي.
نجمة صبرت، نجمة احتسبت، قامت جمعية المسلمين والشورى هناك وانتدبوا لها محامياً في الستين من عمره يدافع عنها ويقول: ليست هذه سويسرا، ليست هذه أوروبا، محض حقوق الإنسان، تتراجع القيم، تتراجع المبادئ، أين الحرية؟ أين الخيار الفردي؟ هذه كلها علمانية وردية تسوق علينا وعليك.
نجمة صبرت، واحتسبت، تصوروا، سألت: أين الأب؟ حسبته جالساً معهم في البيت، أين الأب؟ قالوا: الأب في السجن، المدرسة رفعت شكوى كيدية لأن الأب لا يأتي بابنته إلى المدرسة، الأب كل يوم يأخذ ابنته إلى باب المدرسة، هل معقول لهذه الدرجة يبلغ التعصب ونفي الآخر؟
القصة باختصار تتمركز حول عدة معان؛ أولاً: عندما يؤدي الإنسان دينه قناعة، وتعبداً، واستشعاراً، وصبراً، يثبت، ويحس بأنه يصابر، ويواجه المجتمع، وهو مفتخر وقوي، لأنه ينطلق من عقيدته لا ينطلق من الواقع المنحرف، ولا ينطلق من الضغط الاجتماعي، هذا الفرق، ليس فقط قضية الحجاب بيننا وبين الذي يمسك العقيدة، ويدخل بها، ويتبناها إيماناً، وبين من يتعاطى ويطبق أي شعيرة من شعائر الإسلام مجرد موروث وعادة وتقليد.
هذه مثل الفتاة التي في قمة التغريب، والمجتمع الغربي، تصبر على الحجاب، تأتي صورة مقارنة من بنات مسلمات، الأب مسلم، والبيئة مسلمة، والجغرافية مسلمة، والتاريخ مسلم، والقرآن يتلى، والمساجد في كل مكان، تركب الطيارة، ترمي الحجاب، وترمي كل شيء، وتطلع هكذا لا تدري هي بنت جورج أم بنت عبد الله، أمها سيمون، أم أمها عائشة أو فاطمة، هذا هو التحدي الكبير حجاب العقيدة، صلاة العقيدة، الانتماء للعقيدة، من صلاة العادة، حجاب الجبر والتقليد، انتماء الطبيعة، أو ما لا يدري عنه الإنسان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وبناتنا، وأولادنا، ومجتمعاتنا على الحق المبين، وندخل في عقيدتنا دخول يقين علم، وطمأنينة من الداخل، لا نتأثر من الخارج والقلب هو الصابر.
اللهم صبرنا، وصبر بناتنا، وصبر بيئتنا على الفتن المكتسحة، والناجح من وفقه الله لطاعته.
***
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله عز وجل :
الدكتور راتب :
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الأكارم، من أدق تعريفات الإنسان عند الإمام الحسن البصري: الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، فضلاً عن أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، لأنه قبِل حمل الأمانة.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
لأنه قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً، عندئذٍ سخر الله له:﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
والمسخر له أكرم من المسخر، لكن هذا التسخير هو تسخير تعريف وتكريم، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقف الإنسان من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده، لذلك قال تعالى:﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
القنوات السالكة لمعرفة الله هي آياته الكونية والتكوينية والقرآنية :
الإنسان إذا آمن بالله العظيم هذا الإيمان هو الذي أراده الله عز وجل، وكيف نعرف عظمة الله؟ الله عز وجل له آيات كونية، خلقه، وله آيات تكوينية، أفعاله، وله آيات قرآنية، كلامه، فآياته الكونية، والتكوينية، والقرآنية هي القنوات السالكة لمعرفة الله عز وجل.
لذلك إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتتفنن في معصيته، فالبطولة أن نعرف الآمر أولاً.
إذاً القنوات السالكة لمعرفة الله عز وجل الآيات الكونية خلقه، والتكوينية أفعاله، والقرآنية كلامه.
من عرف الله عرف كل شيء :
صنعت في عام ألف و تسعمئة و اثني عشر باخرة عملاقة اسمها تيتانيك، هذه الباخرة كتب في نشرتها التوضيحية: أن القدر لا يستطيع إغراق هذه الباخرة، وفي أول رحلة لها غرقت، فقال بعض القساوسة: إن غرق هذه الباخرة رسالة من الله إلى البشر.
لذلك إن عرفت الله عرفت كل شيء.
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء))