وضع داكن
07-11-2024
Logo
محاضرات خارجية - مقتطفات من برنامج سواعد الإخاء - الموسم 2 لعام 2014 - تركيا : من الحلقة (07) - المواطنة في المجتمع - المصالح تفرق الأمة والمبادئ تجمعها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المواطنة في المجتمع :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
 أيها الأخوة الكرام؛ أقول: الطرف الآخر الأعداء يتعاونون تعاوناً مذهلاً، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، والأمة الإسلامية تتقاتل، وبينها خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، هذه وصمة عار بحق الأمة، وأنا أنطلق من أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
 إذا رمزنا إلى الحق بالشمس، وإذا رمزنا إلى الباطل بالظلام الدامس، فالذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس.
 الشيء الآخر؛ النبي الكريم دخل إلى المدينة، في أول خطاب له، قبل أن أتابع، في المدينة أوس وثنيون، وخزرج وثنيون، وأوس مسلمون، وخزرج مسلمون، وفي المدينة يهود ونصارى، وأعراب، وموال، مجتمع فسيفسائي، في أول خطاب له قال: " أهل يثرب أمه واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة ".
 هذا أقدم مفهوم مواطنة بالإسلام، وما لم يعتمد هذا المفهوم مفهوم المواطنة لن ننجح إطلاقاً، الطرف الذي يريد إلغاء الطرف الآخر هناك مقولة لعالم فرنسي يقول: العنف لا يلد إلا العنف، وأي إنسان يتوهم أن الطرف الآخر يلغي وجوده فأنت خاطئ.
 فلذلك ما يكن هناك تعاون حقيقي بين أطياف المجتمع، والنبي الكريم في خطابه في المدينة بيّن، قد تكون بعض الأطياف ليست من المسلمين، ما لم يكن الانتماء إلى مجموع الأمة فهذا الانتماء ليس صالحاً لوحدتنا.
 نحن نتحد حينما ننطلق من مفهوم المواطنة مبدئياً، لكن نحن ندعو إلى الله، نبين الحق للطرف الآخر، وهذا واجبنا، لكن الطرف الآخر ليس ممكناً أن تلغي وجوده، يجب أن تعترف بوجوده، وأن تتعاون معه، وهذا منهج النبي الكريم: " أهل يثرب أمه واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة ".

طرح القضايا الخلافية جريمة بحق الأمة :

 لذلك أنا أقول- وسامحوني بهذا الكلام ولعلي لست على صواب -: الآن في هذه الأزمات العصيبة طرح القضايا الخلافية جريمة بحق الأمة، الذي يجمعنا أكثر بكثير ممن يفرقنا.
 أنا أقول: يمكن للداعية أن يدعو الله خمسين عاماً في المتفق عليه، خمسون عاماً يدعو إلى الله، وينجح بدعوته في المتفق عليه، فإذا اعتمدنا هذا المنهج المتفق عليه، وإذا اعتمدنا أن الذي ينام في ضوء الشمس لا يتنصر، وأن الذي لا يملك من مقومات القوة إلا الانتماء وحده لا يكفي، لا بد من أن يكون هناك تعاون عملي ومجدّ.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا اللقاء يساهم بشكل أو بآخر في وحدتنا.

من لم يكن انتماؤه للأمة فهو ليس بمسلم :

على كل الآن عندي ملمح دقيق.
 نحن عندنا أسرة، وعندنا مدرسة، وعندنا إعلان، إذا كان هناك تناقض بين هذه المؤسسات عندنا مشكلة، التناقض يعمل حالة اسمها اللامبالاة، هذا يتكلم بشيء، وهذا بشيء، ما لم يكن هناك هوية للأمة، هذه الهوية للأمة تعتمد منهجاً، منهج يطبق في الإعلام، وفي التعليم، وفي الأسر، فإذا كان هناك توحد بالمناهج بين الإعلام وبين التعليم وبين الأسرة هذا التوحد ينشئ أمة واحدة، وإذا كان هناك أطراف أو أطياف ليست مسلمة فهناك بالشرع الإسلامي تفاصيل كثيرة بالتعاون معها.
 لذلك وقف النبي بجنازة يهودي، فقالوا: هو يهودي، فقال: أليس إنساناً؟
 هذا المفهوم الإنساني أساساً، وأنا أقول دائماً: حينما تتوهم أن لك ما ليس لغيرك وحينما تتوهم أن على غيرك ما ليس عليك، فأنت إنسان عنصري، ما دام هناك عنصرية الحروب لا تقف، وحدتنا أساسها التعددية أحياناً، وأحياناً يمكن هناك أطياف متنوعة.

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

 وما لم يكن انتماؤك- النقطة الدقيقة جداّ و هذه تهمني- لمجموع المؤمننين لست مؤمناً، لقوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

الدكتور محمد السيد:
 أنا أسألك سؤالاً شيخ: تتوقع هذا التشرذم وعدم القبول والتوتر مشكلة عقلية ثقافية أم نفسية أم اجتماعية؟

المصالح تفرقنا والمبادئ تجمعنا :

الدكتور راتب :
 الجواب: المصالح تفرقنا، والمبادئ تجمعنا، فإذا اعتمدنا المبادئ نجتمع، وإذا اعتمدنا المصالح نتفرق.

استنتاج الفكر الكلية العظيمة من عظمة الله سبحانه وتعالى :

الدكتور محمد السيد:
 في هذه الأجواء المفعمة بالإشراق، كل شيء مشرق هنا، وكل شيء جميل تستوحي منه معان كثيرة وتتمنى لو أنك شاعر، لكن والله ما نحن شعراء، وتتمنى لو أنك ناثر ولكننا نعجز عن النثر، وهذه مواهب وعطايا إلهية يوزعها على البشر، لكننا لا مانع أن نستعين بالشعراء، وبالأدباء لكي نعبر، نحن نرى الزروع، والحشرات، والطيور، والنحل، إذا رأيناها في المناطق المسكونة، والحضارة المسلحة الزاحفة، والخرسانات، لا يكون لها طعم كأن تراها في مثل هذا الأفق المفتوح من غير أن تدخل الإنسان في إعادة النسق والترتيب، هكذا تأتي المعاني الكثيرة، من المعاني التي تأتي معاني التأمل في خلق الله.

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة البقرة: 191]

 الآية هي العلامة الدالة على ما بعدها، لا يقف الإنسان عند المحسوس، هذا إنسان صغير، إنما الذي يتجاوز المحسوس إلى المعاني والأفق الواسع، فيستنتج الأفكار الكلية العظيمة من عظمة الله سبحانه وتعالى إلى ما يترتب عليها في حركة حياة الإنسان في المجتمع.

الحقيقة الواحدة أن الله وراء كل ستار :

 يوجد كتاب اسمه: أسواق الذهب، للأديب أحمد شوقي، تكلمت عنه مراراً، هو كتاب غير معروف لأن شوقي عرف أنه شاعر لكن لم يشتهر أنه ناثر، معان جميلة جداً، من المعاني التي تناسب المقام أول منظومة، بعنوان الحقيقة المطلقة، ماذا يقول شوقي؟ أين نلاحظ معناها؟ يقول:" يا متابع الملاحدة، مشايع العصبة الجاحدة، منكر الحقيقة الواحدة، مال الأعمى والمرآة، وما للمقعد، والشلول، والمرقاة، ومالك والبحث عن الله، قم إلى السماء وقص الأثر واجمع الخُبر والخَبر، كيف ترى ائتلاف الفلك، واختلاف النور والحلك، وهذا الهواء المشترك، والطير تحسبه قد ترك، استهدف فما نجا حتى هلك، تعالى الله دل الملك على الملك، أوقف بالأرض سلها: من زم السحاب وأجراها؟ وأجر الرياح وعراها؟ وأقعد الجبال وأنهض ذراها؟ من الذي بدأها غبرات ثم جمعها صخرات ثم فرقها مشمخرات راسيات؟ أو سل النملة من أدقها خلقاً وسلكها طرقاً تبتغي رزقا؟ أو سل النحلة من قلدها الحبر وقلدها الإبر، وأطعمها صفو الزهر تخرج طعاماً طيباً للبشر؟ تعالى الله دل المُلك على المَلك، إن قلت الطبيعة من طبعها، والنظم المتقادمة من الذي وضعها؟ يا ملحد ما الفرق بيننا وبينك إلا أنك عجزت فقلت: سر من الأسرار، وعجزنا نحن فقلنا: الله وراء كل ستار ".

إخفاء الصور