وضع داكن
08-05-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 064 - تعظيم شعائر الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حديثنا اليوم عن تعظيم شعائر الله عز وجل وحرماته، أهلاً ومرحباً بكم معنا دكتورنا الكريم.
 الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

 هل لنا أن نبدأ مع حضرتكم عن تعظيم شعائر الله ما المقصود بهذا المصطلح القرآني؟

 

ضرورة معرفة الآمر قبل الأمر :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
 هناك آمر وهناك أمر، فإذا عرفت من هو الآمر تفانيت في طاعة هذا الآمر، وإن لم تعرف الآمر تفننت في معصية هذا الأمر، من الأخير يوجد آمر ويوجد أمر، لو اقتصرت ثقافتنا الدينية على معرفة الأمر تشاهد تفلتاً من الدين بشكل غير معقول، لأن الآمر لم يعرف، أنت بالحياة العادية اليومية لو أتتك رسالة من دائرة البريد أن تعال غداً الساعة العاشرة تسلم رسالة مسجلة، والذي أرسلها لك لا تحبه، ولا تريد أن تلبي طلبه، لا تذهب لا شيء عليك، لكن قد تأتي هذه الرسالة من جهة قوية جداً فيما يبدو مصيرك بيدها، ودخلك بيدها، تبادر إلى تنفيذ هذا الأمر بشكل غير معقول، فالعبرة أن نعرف الآمر ثم نعرف الأمر، والنبي الكريم بقي عشر سنوات في مكة يعرف بالآمر، الآيات المكية في مجملها تعريف بالآمر، والدار الآخرة، فقط جاء التشريع في المدينة، فنحن هذه المرحلة المكية الخطيرة مرحلة التعريف بالآمر، معرفة من هو الآمر؟ ماذا عنده لو أطعته؟ ماذا ينتظر الإنسان لو عصاه؟ لماذا ينبغي أن تحبه؟ ما أصل الجمال في الكون؟ من صاحب النوال في الكون؟ هذه معلومات دقيقة جداً، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر فتفننا في معصية الآمر.
المذيع:
 ما المقصود بشعائر الله؟

تعريف شعائر الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة شعائر جمع شعيرة، أي السلوك الإسلامي، هناك شعائر عبادية وشعائر تعاملية، الصدق والأمانة شعائر تعاملية، والصلاة والصوم شعائر عبادية، أنا أقول: الإسلام مثلث فيه أربعة أقسام؛ أول قسم العقيدة ثم العبادة، ثم المعاملة، فالعقيدة أصل في الدين، فهمك للدين، إيمانك بالخالق، معرفتك به، بأسمائه الحسنى، بصفاته العلا، بقوته، 

برحمته، بعلمه، بجماله، بكماله، بالدار الآخرة

فإذا عرفنا من هو الآمر ثم جاء الأمر تفانينا في طاعة الآمر، أنا سأضرب مثلاً بسيطاً؛ شخص يركب سيارته، ويمشي في طريق، والإشارة حمراء، وهناك شرطي واقف، وشرطي على دراجة، وهذا الأمر لو خالفته يوجد مسؤولية كبيرة، وغرامة كبيرة، و أحياناً سحب إجازة، ولأنك تعرف أن هذا الشرطي يمثل الآمر، ولأنك إذا خالفت هذه الإشارة الثمن باهظ إما سحب إجازة، أو مبلغ كبير، لا يمكن أن تعصي الآمر، لأن علمه يطولك، ولأن قدرته تطولك، لكن قبل الإشارات الالكترونية الساعة الثالثة ليلاً لا يوجد شرطي يقف حتى ينقل للآمر الكبير مخالفتك، الآية تقول:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

 أنت حينما تؤمن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، هذا الأصل، نحن عندنا أمر وعندنا آمر، فإذا قصرنا في معرفة الآمر توسعنا في التحلل من الأمر.
المذيع:
 كتفسير شامل للآية ككل:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

 ما المقصود؟ ما الطلب الرباني؟

 

آيات الله أداة لمعرفته سبحانه :

الدكتور راتب :
 أن تعرف من هو الله، ماذا ينتظرك لو أطعته، ماذا ستدفع ثمن معصيته، ما الشعور الذي تشعر به وأنت في رضاه، ما الألم الذي يعتصر القلب في البعد عن الآمر، أقول لك بكل صراحة معرفة الآمر الآن ضعيفة جداً جداً، الأمر واضح لا يوجد مسلم في الأرض إلا ويعلم أن هناك صلوات خمسة، وصوم رمضان، وحج البيت، والقضاء والقدر، كله معروف، لأن المعرفة بالآمر ضعيفة

هناك شاهد أقوى بكثير، أنت حينما تقرأ آية فيها أمر ماذا ينبغي أن تفعل في القرآن؟ أن تأتمر، فإذا قرأت آية فيها نهي ينبغي أن تنتهي، إذاً كل آية في القرآن إما فيها أمر، أو فيها نهي، وإذا كان هناك ألف وثلاثمئة آية كونية ومتعلقة بالإنسان ما الموقف منها؟

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 1-2]

﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ ﴾

[ سورة الفجر: 1-2]

 عندنا ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، ما مهمة هذه الآيات؟ أن تعرف الآمر، لذلك النبي الكريم هذه الآيات لم يفسرها أبداً، له بكل موضوع فقهي مئة حديث، هذه الآيات لم تفسر لحكمة بالغة بالغة، هذه الحكمة أن هذه الآيات قد يأتي عصر بعد ألف عام العلم يصل إلى مستوى من التقدم يفسر هذه الآيات، هذه الآيات تركت لتكون الأداة المستمرة لمعرفة الله عز وجل، الأنبياء أتوا بمعجزات، والمعجزات مهمتها أنها شهادة الله للنبي أنه نبي، فإذا كانت البعثة آخر بعثة وخاتمة، والنبي خاتم الرسل، فلا بد أن تكون المعجزة مستمرة، ولن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية، لذلك يوجد بالقرآن ألف وثلاثمئة آية.
المذيع:
 كيف يكون تعظيم شعائر الله عز وجل؟

 

طاعة الله أحد نتائج تعظيمه :

الدكتور راتب :
 طاعته أحد نتائج تعظيمه، معرفة مصير المعصية ونتائج الطاعة أحد أسباب معرفته، إما نعرفه، أو نعرف الأمر 

لمصلحتنا

أنت تمشي في فلاة، يوجد لوحة مكتوب: حقل ألغام ممنوع التجاوز، هل تشعر لثانية أن هذا الأمر وضع حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ وأنا أقول: في اللحظة التي نفهم فيها كتاب الله- أوامره ونواهيه- نعرف أن هذا هو ضمان لسلامتنا وسعادتنا، لأن في الأرض سبعة مليارات ومئتي مليون ما منهم واحد إلا حريص على سلامته وسعادته بالضبط، فسلامته بالاستقامة، وسعادته بالعمل الصالح.
المذيع:
 مثلاً أوراق الصحف التي يكتب عليها اسم الله عز وجل بعض الناس من باب تعظيم اسم الله لا ترمى هل هذا يعد باباً من أبواب تعظيم الله؟

أبواب تعظيم الله :

الدكتور راتب :
 أنا هذا الموضوع كيف عالجته؟ اشتريت فرامة، أي ورقة فيها اسم الله عز وجل ليس معقول أن تضعها في المهملات، تضع في الفرامة، هذا من تعظيم شعائر الله عز وجل.
المذيع:
 هل من تعظيم شعائر الله عز وجل أن يوضع المصحف في مكان بارز في البيت؟

المعاصي والآثام التي ترتكب انعكاس لضعف المعرفة بالله :

الدكتور راتب :
 عندنا كفر اعتقادي، و كفر سلوكي، وكفر قولي، فلو أن شخصاً ألقى المصحف من يده إلى الأرض هذا كفر، كفر سلوكي، إذا توهم أن الله عز وجل لا يحاسبه، هذا أيضاً كفر اعتقادي.
المذيع:
هل هذه القضايا بسيطة؟
الدكتور راتب :
 هذه أهم شيء في الدين، كل المعاصي والآثام التي ترتكب هي انعكاس لضعف المعرفة بالله، إذا أنت موظف في شركة، والمدير العام منحك سيارة مع سائق مع وقود، وأعطاك تعويضات كبيرة جداً، فأنت عندما شاهدت النعم التي جاءتك من خلال هذا المدير العام حرصت على طاعته حرصاً لا حدود له، لا تقبل أن تخالف أمره ولا بحركة صغيرة، فكلما ازدادت معرفة الآمر تفانينا في طاعة الآمر، فإذا ضعفت معرفة الآمر تفننا في التفلت من أمره.
المذيع:
 ننتقل إلى قوله تعالى:

﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾

[سورة الحج:30]

 ما الفرق بين الآيتين؟

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

من تعظيم شعائر الله الابتعاد عن المحرمات :

الدكتور راتب :
 الشعائر أوسع، الحرمات الشيء المحرم، مثلاً مطعم فيه خمر، أبتعد عن الحرمات، عفواً جلسة وليمة بمطعم فيه خمر أنا أعتذر، لا أذهب، حفلة مختلطة نساء كاسيات عاريات، أعراس النساء أبهى ما عندهن يضعنه، أنا حينما أدعى إلى عرس مختلط أعتذر قبل العرس بيوم، أقدم هدية إذا كان الشخص يهمني أمره ولا أذهب.
المذيع:
 تعظيم حرمات الله ألا تذهب إلى هذه الحرمات، نحن نقول: نعظم شعائر الله، ما هي المظاهر في حياتنا؟ ماذا نفعل لنعظم شرع الله بيننا؟

الحب في الله و الحب مع الله :

الدكتور راتب :
 هناك فكرة دقيقة، هناك حب في الله وحب لغير الله، حب في الله وحب مع الله، هناك حب في الله، وحب مع الله، الحب في الله تحبه، وتحب أنبياءه، ورسله، والعلماء الربانيين، تحب دينه، تحب المساجد، تحب القرآن، تحب الجمعيات الخيرية، تطعم الجياع، هذه المحبة يتفرع عنها ألف فرع، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، كيف؟ شخص بعيد عن الله بعد الأرض عن السماء، أعطاك ميزة أنت موظف عنده فأحببته، وبدأت تتشرب أفكاره غير الصحيحة، هذا الحب مع الله، فلا بد من حب في الله أو حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، لذلك الحديث:

(( اللهم لا تجعل لي خيراً على يد كافر ))

[ورد في الأثر]

 فإذا جاء خير من أحد دون أن أشعر أحبه..
المذيع:
 لأن القلب ينشغل بحبه لله بشريك آخر، أليس دكتور فطرت القلوب على حب من أحسن إليها؟
الدكتور راتب :
 هذا الذي أحسن إليك وليس مؤمناً له هدف، ليس هدفه الإحسان إطلاقاً، أحياناً يكون هناك أعمال تسمى احتواء، هذه الأشياء الآن متفاقمة جداً في حياتنا، القوي يرغب أن تنضم له، لا تنضم له بلا ثمن، يغدق على الإنسان شيئاً من مال إضافي، من مركبة إضافية، هذا الإغداق من القوي ضمن ولاءك له، أنت أحببته، لذلك:

(( اللهم لا تجعل لي خيراً على يد كافر ))

[ورد في الأثر]

 لأنني سوف أحبه، وإذا أحببته ابتعدت عن الله.
المذيع:
 كيف يمكن للإنسان أن يبرمج قلبه على أن يعظم شعائر الله عز وجل؟ ماذا يمكن أن يفعل؟ ماذا تنصحنا دكتور؟

 

كيفية برمجة القلب على تعظيم شعائر الله :

الدكتور راتب :
 الحديث يقول:

((....وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ..))

[ مسلم عن حنظلة الأُسَيِّدِىِّ رضي الله عنهما ]

معنى ذلك الإنسان مع المؤمنين يسعد، ما تفسير ذلك؟ حالة اسمها بعلم النفس التخاطر النفسي، هذا له صلة بالله كبيرة، هذا عنده تألق مع الله، هذا عنده حب في الله، هذا الموقف الأخلاقي لأخيك المؤمن عندما أحببته انتقل شيء من هذا الموقف إليك، هذا اسمه التخاطر النفسي، فأنت حينما تجلس مع المؤمنين تسعد...

((....إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي..))

[ مسلم عن حنظلة الأُسَيِّدِىِّ رضي الله عنهما ]

 معنى هذا إذا جلس مع مؤمن، إذا جلس مع النبي الكريم أعلى مستوى، جلس مع مؤمن كبير، مؤمن مجاهد، مؤمن داعية، يحس براحة نفسية غير المعلومات، عندنا معلومات يستقيها منه، وهناك حال يرقى به، لذلك ورد: لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ولا يدلك على الله مقاله.. المؤمن له قول وله حال، فإذا أنت صاحبت مؤمناً يرقى بك إلى الله حاله، الحال قريب من الله، متصل بالله، مغمور برحمة الله، الحال الذي في المؤمن ينتقل إلى الذي أحبه، لذلك قيل:

(( خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله بهم ))

[البيهقي عن عمر ]

 أن ترى مؤمناً مستقيماً عفيفاً صادقاً داعية، هذه الحالة اسمها تخاطر نفسي، تشتبك نفسك بنفس هذا المؤمن الأكبر منك، هذا الاشتباك تقتبس من أحواله، من أقواله، من حبه لله، من طاعته له، من إقباله عليه، هذا التمازج بين النفوس سمي بعلم النفس: التخاطر النفسي، لذلك المؤمن أخ للمؤمن، يتبادلون خبراتهم فيما بينهم، هذا المؤمن تفوق بالإنفاق، هذا تفوق بالعلم، الذي تفوق بالإنفاق تشتاق إلى أن تتفوق مثله، الذي تفوق بالعلم تتمنى أن تكون عالماً مثله، هذا الاشتباك النفسي بين المؤمنين يحل مشكلة أو يقدم شيئاً اسمه تبادل الخبرات، فالمؤمنون مع بعضهم أقوياء، كل واحد أخذ من الثاني شيئاً يفتقر إليه.
المذيع:
 هل احترام العلماء وأهل العلم يعد من تعظيم شعائر الله؟

 

احترام العلماء وأهل العلم مع اليقين أنهم غير معصومين :

الدكتور راتب :
 أنا لي رأي، يوجد خط عامودي، هذا الخط عبارة عن خطين أحمرين؛ أدنى وأعلى، الحد الأعلى فوق، الأعلى صار تأليهاً، دون الأدنى احتقار، أنت مع العلماء بين أن تحترمهم وتجلهم دون أن تؤلههم، وفي الحد الأدنى بين أن تعتقد بعصمتهم وبين أن تحتقرهم، لا تعتقد بعصمة إنسان بعد رسول الله، ولا تعتقد بالتعبير الأجنبي الحد الأدنى والحد الأعلى، أنا بين الحدين، لا يوجد تأليه ولا تحقير، يوجد احترام مع اليقين أنه غير معصوم، وتعظيم مع اليقين أنه ليس إلهاً، لأن مرة الصحابة الكرام جاءهم توجيه من الله، كانوا في سرية...

(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ - وفي رواية أنه كان ذا دعابة- وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))

[ متفق عليه عن علي]

 العقل لا يعطل، يؤكد هذا المعنى الآية الكريمة:

﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾

[سورة الممتحنة: 12]

تبدل القيم أخطر حالة تصيب الأمة :

 المعروف شيء تعرف النفوس ابتداء من دون تعليم، الكلمة الدقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المعروف شيء تعرفه النفوس بفطرتها، والمنكر شيء تبغضه النفوس بفطرتها، فلذلك:

((كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ - كأن الصحابة صعقوا-

(( قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال : نعم، وأَشدُّ منه سيكون - صعقوا ثانية، الشيء الثالث صعب جداً- قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ))

[ زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]

 هذه أخطر حالة تصيب الأمة تبدل القيم، يوجد كلمة دقيقة، بيت قاله شاعر في عهد سيدنا عمر قال:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 هذا البيت الآن شعار إنسان، كان أهجا بيت قالته العرب، والشاعر دخل من أجله السجن.

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

 شخص عنده بيت جيد، ودخل كبير، وسيارتان أو ثلاث، ومكانة اجتماعية، وكل يوم بنزهة، وسهرة، ولقاء، وإعلام، وشاشات، وشعور بالتفوق والغطرسة، هذا الآن هدف كل إنسان، لا أقول كل بالتعميم المطلق، الأغلبية، مادامت أموره الدنيوية جيدة لا يهمه الأمر العام، والشأن العام الاهتمام به جزء من الدين، هناك بلاد لم تهتم بالشأن العام اهتموا بالشأن الخاص، دفعوا ثمن الاهتمام بالشأن الخاص.
المذيع:
 دكتور قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴾

[سورة الزمر: 45]

 ما المقصود لنتحدث عنها كنقيض الذين يعظمون شعائر الله؟

يد الله تعمل وحدها :

الدكتور راتب :
 شخص عنده مصيبة يقول لك: ظروف صعبة، فلان المدير العام ظلمني، لا يفكر لثانية أن هذه القضية سمح الله بها، الذي فعلها فعلها لكن الإله سمح بها، فأنت حينما تعطي التفسير الأرضي فقط، المادي، البحت اليومي لما يجري في الحياة هذا فيه بعد عن الله كبير، وحينما تضيف إلى التفسير الأرضي المادي الفعل الإلهي يكون هناك توحيد، أي كل إنسان عزا مصائبه للظروف، الدهر قلب لي ظهر المجن، الدهر إله؟ يقول لك: الأقوياء فعلوا كذا وكذا أين الله؟ كيف سمح الله لهم؟ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الإيمان ألا ترى أن أحداً يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بأمر الله، يد الله تعمل وحدها، هو المعطي، هو المانع، الرافع والخافض، والمغني والمفقر، والمعز والمذل، حينما ترى يد الله تعمل وحدها أنت موحد، لكن لحكمة بالغة بالغة أحياناً ترى أقوياء يفعلون، أنت تراهم يفعلون ولكن ما فعلوا هذا الشيء إلا لسبب..
 كنت مرة في مؤتمر إسلامي كبير في لوس انجلوس، مؤتمر المايا، يحضره حوالي خمسة وعشرين ألف إنسان، في آخر لقاء الضيوف الذين جاؤوا للمؤتمر من معظم بلاد المسلمين كنا أحد عشر ضيفاً، فجلسنا على طاولة في جلسة الختام، هذا عرف المؤتمرات، أن آخر يوم بالمؤتمر كل ضيف مؤتمر يتكلم دقيقة واحدة، والله الذي لا إله إلا هو كان إلى جانبي مندوب العراق فقال: لقد أصاب الشعب العراقي من البؤس والقهر ما لم يصب به المسلمون في مئة عام وبكى، والله بعضهم بكى معه، قال: ولكننا ارتقينا في سلم الإيمان من خلال هذه الأحداث ما لم نرتق به في ثلاثمئة عام. أنا بعده قلت له: إذاً خطة الله استوعبت خطة الأقوياء. إذا الله أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الأمر الـ للجنس، أي أمر من آدم إلى يوم القيامة كله توكيد، متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، قال لك :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾

 التوكيد

﴿ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

 

الدين كله توحيد :

 أيها الأخوة المستمعون؛ أنا أرى أن الدين كله توحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ممكن أن يضغط الدين كله بالتوحيد، ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن يد الله تعمل وحدها، هو وحده المعطي والمانع، والرافع والخافض، والمغني والمفقر، والمعز والمذل، وهو المسعد وهو المشقي أبداً، هذا الدين دين توحيد، أما إذا نظرنا إلى جهات كثيرة بشكل أو بآخر، أمامنا مجموعة وحوش مخيفة جائعة، لكنها مربوطة بأزمة بيد جهة رحيمة عادلة قديرة، هذا الإنسان علاقته مع هذه الوحوش أم مع هذه الجهة؟ انظر إلى الآية:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

 حينما تأتي على مع لفظ الجلالة أي الله ألزم ذاته العلية بالاستقامة، فأنا لا أخاف من الوحوش مادامت أزمتها بيد الله، أنا أخشى أن أرتكب ذنباً أستحق بعده أن يرخى زمام بعض الوحوش إليّ، إذا أرخي زمامه وصل إليّ:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

أنت حينما تؤمن أنه لا إله إلا الله، لا معطي، ولا مانع، ولا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل إلا الله، ولا مسير إلا الله، ولا مغني إلا الله، هذا الإيمان، أنت بهذا الإيمان تشعر بشخصيتك القوية، لا تقهر، لا تيئس، لا تحتقر نفسك أبداً، هناك إله عظيم، أنا أقول: عملية جراحية، هذه العملية تحتاج إلى سبع ساعات، المريض له ولدان، كبير يعرف أن العملية ناجحة، وسوف يتم الشفاء التام بإذن الله، وصغير وجد والده مخدراً فبكى، أنت حينما تعرف الله لا تسحق ولا تيئس، لا يوجد شيء اسمه انسحاق، هناك شيء أن الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة تتالي الهزائم والنكسات في العالم الإسلامي أورث المسلمين ثقافة أنا أسميها تجاوزاً مني ثقافة اليأس والإحباط والطريق المسدود، هذه الثقافة خطيرة، هذه اسمها هزيمة من الداخل، لو الإنسان هزم مئة مرة من الخارج أهون من أن يهزم من الداخل لمرة واحدة، انتهينا، هذا اليأس، والإحباط، والطريق المسدود، لكن الله عز وجل أنعشنا بإنعاشات ثلاث؛ هذه الإنعاشات معناها أنني موجود لا تقلقوا لا تيئسوا، إحداها دولة، أكبر دولة تعادي الدين، شمال سوريا الآن دولة تدعم الدين، ما التطور الجوهري؟ شيء ثان سقوط النقد الأوربي منذ خمس سنوات أزمات مالية طاحنة، شيء ثالث منظمة استطاعت أن تصنع طائرة، وأن تحلق فوق تل أبيب، هذه أشياء استثنائية، معنى ذلك أن هذه المنعشات الثلاث أراد الله منها أن يقول لعباده: أنا موجود لا تقلقوا ولا تيئسوا ولا تحبطوا.
المذيع:
 مثلاً تعليق - في صدر البيت- لوحة عليها أسماء الله الحسنى أو آية الكرسي؟

 

تعليق لوحة دينية من تعظيم شعائر الله و لكن عدم الاكتفاء بذلك :

الدكتور راتب :
 لا يوجد مانع، وتعد من تعظيم شعائر الله، إلا أن المانع أن تكتفي بها، هنا الخلل، سهرة مختلطة في البيت، نساء كاسيات عاريات، أو مصحف بالسيارة، والذي يقود السيارة عينه على النساء، هذه المظاهر لا خطأ منها لكن أن تكتفي بها.
المذيع:
 بعض الناس يعتبر تعظيم شعائر الله إذا جاءه شخص إمام مسجد أو حافظ لكتاب الله يكرمه...

من تعظيم شعائر الله أن تكرم الله بطاعته وأنبياءه بتصديقهم وعلماءه باحترامهم :

الدكتور راتب :
 من تعظيم شعائر الله أن تكرم الله بطاعته، وأنبياءه بتصديقهم، وعلماءه المؤمنين الربانيين باحترامهم وإكرامهم، وأن تكرم كل إنسان مسلم، امرأة محجبة، تكن لها كل احترام بالغ جداً لأنها عملت أكبر عبادة تخص النساء، ما اسم هذه العبادة؟ إعفاف الشباب.
المذيع:
 سؤال ما هي سبل الوصول لمعرفة الله عز وجل؟

سبل الوصول لمعرفة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 هذا القرآن هو كتاب المسلمين الأول هل قرأناه؟ هل أحسنا قراءته؟ هل فهمناه؟ هل طبقناه؟ هل تدبرنا آياته؟ هذه الأشياء الخمس هي قوله تعالى:

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

[ سورة البقرة : 121 ]

أن نقرأه باللغة الصحيحة، لا يكون هناك خطأ، وإن أمكن أن نقرأه مجوداً، يوجد إدغام، إقلاب، صفات حروف، والثالثة أن نفهمه، والرابعة أن نطبقه، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، والسادسة أن نتدبره، الآية التي تقرؤها أين أنا من هذه الآية؟ هذه واحدة من تعظيم شعائر الله، النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة دعك من غير الصحيح، الصحيح من الأحاديث وحي غير متلو، عندي وحي متلو القرآن الكريم، الوحي غير المتلو شرح للقرآن، يجب أن أحترم علماء الحديث، لكن القرآن الكريم قطعي الثبوت، أما الحديث فظني الثبوت، يوجد أحاديث موضوعة، أنت اعتن بكتاب فيه أحاديث صحيحة، بالصحيحين البخاري ومسلم، الحديث يجب أن أعرفه، وأن أعرف سبب وروده، نعم الإدام الخل، كان عند صحابي فقير قدم له الخل، أنت مثلاً عند شخص غني جداً، دعا وجهاء البلد وأحضر لهم خلاً فقط، ما فهمنا سبب ورود الحديث، القرآن الكريم أسباب النزول، والأحاديث أسباب الورود، والفهم العميق للقرآن، وفهم العلماء السابقين واللاحقين له، وعندي الحديث أسباب الورود وفهم أبعاد الحديث، الآن عندي الاستقامة، ما لم أستقم على أمر الله لن أقطف من ثمار الدين شيئاً، من الأخير وعندي العمل الصالح هو الذي يرفعني عند الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

 وعندي استمرار وجودي من خلال أولادي، تربية أولادي، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 أنا عندما أعتني بعقلي أغذيه بالعلم، وأعتني بقلبي أغذيه بالحب، وأعتني بجسمي أبحث عن عمل أرتزق منه، تكون يدي هي العليا، أشتري بهذا المال طعاماً وشراباً وكساء لأولادي وزوجتي، أنا أيضاً زوج صالح، وأب صالح، فأنا حينما أهتم بعقلي فأغذيه بالعلم، وقلبي أغذيه بالحب، وجسمي أغذيه بالطعام والشراب، أتوازن، أتفوق، فإذا اكتفيت بواحدة أتطرف.
المذيع:
 هل لنا أن نختم بدعاء؟

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، كان هذا مجلس العلم والإيمان، وكان حديثنا فيه عن تعظيم شعائر الله عز وجل.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور