وضع داكن
19-04-2024
Logo
الحلال والحرام - الدرس : 12 - المحرمات من النساء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ضرورة معرفة الله و معرفة أمره :

 أيها الأخوة الكرام: مع الدرس الثاني عشر من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام"، وما زلت أقول وأكرر: إن أخطر موضوع بعد الإيمان بالله هو الحلال والحرام، لأنك إذا عرفت الله تشعر بدافع قوي إلى أن تتقرب إليه، كيف تتقرب إليه؟ بطاعته، كيف تطيعه؟

بمعرفة أمره، فمعرفة أحكام الفقه تأتي في الدرجة الثانية بعد الإيمان بالله، ولكن أيها الأخوة هناك مقدمة أبدأ بها حديثي عن موضوع الزواج، هذه المقدمة هو أنه لابد من معرفة الله، ولابد من معرفة أمره، معرفة أمره من أجل التطبيق، ومعرفة الله من أجل أن تطيعه، لكن معرفة الله كما يقول العلماء لها مصادر ثلاثة؛ وأنا كثيراً ما أردد هذه المصادر، خلقه يدلك عليه، وأفعاله تدلك عليه، وأمره ونهيه يدلانك عليه، فكل الأحداث التي تجري أمامك إنما هي من أفعال الله، ولكل حدث حكمة ما بعدها حكمة، خلق هذا الكون الذي أمامك بسماواته وأرضه والأرض وما فيها من نبات وحيوان وإنسان.
 فخلقه يدل عليه هذا مصدر، أفعاله تدل عليه، طبعاً طالبني بالدليل قال تعالى:

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 11 ]

 الأمر أن تنظر، لذلك المؤمن الصادق لا يستمع إلى قصة إلا ويدقق في حكمتها.

 

أفعال الله عز وجل وحدها يمكن أن تنبئ الإنسان بالحقائق :

 أخوتنا الكرام: إذا قصة فيها ظلم شديد ولم يتضح لك وجه الحكمة فيها، عرفت فصلاً وغابت عنك الفصول الأخرى لا ترويها للناس قصة ناقصة، هذه القصة لا تفيدهم بل تحيرهم، الله عز وجل أفعاله كلها حكيمة، ومعنى أنه حكيم أن كل شيء وقع لو لم يقع على النحو الذي وقع لكان نقص في حكمة الله، فأنت لا تروي القصة إلا إذا تأكدت من كل فصولها، لأن هذه القصة تبرز حقيقة إيمانية، أو تبرز شرحاً لآية كريمة، أو تجسيداً لحديث شريف، أفعال الله تدل عليه.
 والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في هذا الدين كتاب ولا سنة، لو أنك نظرت فيما يجري في الأرض على مستوى جماعي، وعلى مستوى فردي، كل حدث يقع وراءه حكمة ما بعدها حكمة، لو أن الإنسان باحث اجتماعي، ومنظر، وعنده نفس طويل، وعنده باع طويل، في تتبع الأحداث، لاكتشفت القوانين تلو القوانين من أفعال الله عز وجل، فأفعال الله عز وجل وحدها يمكن أن تنبئكم بالحقائق، مثلاً تتبع الشاب المستقيم كيف أن الله يوفقه بعمله، وفي زواجه، وفي صحته، وفي مكانته، ترى أن كل هذه القصص تجسدها الآية الكريمة قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[سورة النحل الآية : 97 ]

 تتبع أناساً أعرضوا عن الله، أعرض عن ذكر الله، ألقى الدين وراء ظهره، آمن بالمادة، آمن بالواقع، انغمس بالملذات، إن لم تجده أشقى الأشقياء فهذا الدين باطل، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ﴾

[سورة طه الآية:124]

الإنسان إما أن يتعامل بالأفكار المجردة وإما أن يتعامل بالحوادث :

 هذه النقطة أحبّ أن أوضحها لكم، لا تروي قصة لا تعرف كل فصولها، إنك إن فعلت اجترأت على الحقيقة، يوجد فصل لا تعرفه، هناك فصلان لا تعرفهما، هناك تسعة فصول لا تعرفهم، لم تعرف إلا الفصل الأخير، ويبدو أن هذا الفصل الأخير فيه ظلم ما بعده ظلم، فإذا رويت هذه القصة على أنها قصة غريبة ماذا فعلت أنت؟ أنت لم تفعل شيئاً بل خربت، وهدمت، لأن الإمام الغزالي قال: "لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون"، يروي لك قصة كلها ظلم، ويقول لك: هذا ترتيبه، ويقول أيضاً: سبحان الله،

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 180 ]

 أنا أحياناً أتابع بعض القصص في الصحف اليومية يعجبني من هذه القصص أن الجريمة حينما يكتشف القاتل تروى في الصحف، العدالة تأخذ مجراها، في بعض البلاد تقع الجريمة توصف كل تفاصيلها دون أن يعثر على القاتل، هذا يوقع القارئ في قلق، لأن هناك ظلماً، أما هنا ففي صحفنا زاوية الحياة الاجتماعية، أن الجريمة ما لم يكتشف مرتكبها لا تنشر إلى أن يكتشف تنشر، هذا يبعث الطمأنينة.
 الإنسان إما أن يتعامل بالأفكار المجردة، وإما أن يتعامل بالحوادث، وهناك قصص لها أسلوب تربوي رائع، والمستمع لا يشعر ولا يقصد ولا يدري أنه تلقن عشرات المبادئ من خلال القصة، لذلك قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

[سورة يوسف الآية: 111]

المستقبل للحق و للمؤمنين :

 المؤمن الصادق إذا أراد أن يرسخ الحق في النفوس هناك قصص نموذجية، إذا وصلت إليه قصة نموذجية في تفسير آية، نموذجية في إيضاح حديث، يجب أن يكتبها، وأن يحفظها، وأن يتلوها، لأن هناك مناسبات تجلس مع أناس ليسوا مستعدين لتلقي العلم المجرد أن تأتيه بآية تلو آية، وقال الطبري وقال الزمخشري وقال القرطبي... هناك أناس ليسوا مستعدين لسماع هذه العلوم المجردة المفعمة بالأدلة والبراهين، يضجر، فيمكن أن توصله لما تريد من خلال قصة ممتعة تشده إليها، تشرئب عنقه إليك، يستمع إليك، من خلال هذه القصة تسري كل المبادئ التي تريدها، لذلك مثلاً لا إله إلا الله كلمة التوحيد وردت في كتاب الله بشكل مباشر قال تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[سورة محمد الآية : 19 ]

وقد وردت في أكبر قصة في كتاب الله قصة سيدنا يوسف، لو أن كل القصة قرأتها، وتبصرت في مدلولاتها، وتعمقت فيها، لا تجد إلا لها مغزى واحداً وهو لا إله إلا الله والمغزى الله ذكره صراحة قال تعالى:

﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة يوسف الآية :21 ]

 أمره هو النافذ، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، اليوم في درس الطاغوسية ذكرت آيتين الآية الأولى قال تعالى:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(12)﴾

[ سورة آل عمران الآية :12]

 الآية الثانية قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 105]

 المستقبل للحق، والمستقبل للمؤمنين، وربنا قال: العاقبة للمؤمنين، فكل ما يشاع أنه لن تقوم للدين قائمة، والعالم كله يحارب الدين، هناك حرب عالمية ثالثة ضد الدين، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر.

 

كتاب الله عز وجل يثبت قلب المؤمن :

 المؤمن ما الذي يثبت قلبه؟ كتاب الله، كلام خالق الكون، يقول لك: كذا وكذا، لذلك قال تعالى:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾

[سورة الأنعام الآية: 115]

 أوجه تفسير هذه الآية أن كتاب الله جلّ جلاله من دفته إلى دفته لا يزيد عن خبر وأمر، فالخبر صادق والأمر عادل:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

[ سورة الأنعام الآية : 115]

ٍ
 هذا الكلام كله في الفقرة الثانية من المقدمة، إذا أردت أن تعرف الله لك أن تفكر في خلقه، في السماوات والأرض، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[سورة آل عمران الآيات:190-191]

 وإذا أردت أن تعرفه من طريق آخر، من باب آخر، من مصدر آخر، فعليك بأفعاله، أفعاله تنبئ عنه، قل سيروا في الأرض ثم انظروا، قصة سمعتها، حادث سمعته لا ترويه ما لم تستكمل كل الفصول، إذا استكملت كل الفصول القصة تصبح صارخة في تجسيد آية، أو حديث.

 

عظمة الخالق المشرع من خلال التشريع :

 طبعاً أنا أريد الفقرة الثالثة درسنا في الحلال والحرام، وإذا أردت أن تعرف الله لك أن تدرس أمره وشرعه لا دراسة تطبيق بل دراسة تأمل، مثلاً ممكن أخ كريم ناجح نجاحاً بالغاً في زواجه، ولا يحتاج هذا الأخ إطلاقاً إلى أحكام الطلاق، ولا لأحكام العدة، ماذا يفيده أن يقرأ أحكام الطلاق؟ إذا تأملت في شرع الله عز وجل لا من أجل تطبيقه بل من أجل أن تكشف عظمة هذا التشريع، عظمة الخالق المشرع من خلال التشريع، صار للتشريع وظيفتان، وظيفة تطبيقية: إذا طبقناه سلمنا وسعدنا، وله وظيفة تعريفية بالله عز وجل .
 عندما الإنسان يحضر مجلس علم وهناك أحكام شرعية، يقول: أنا لست بحاجة إلى أحكام شرعية، أنا لست بحاجة إلى أن أطلق، ما علاقتي بالطلاق؟ لا، الآن علاقتك بأحكام الطلاق لا من أجل أن تطلق، بل من أجل أن تكشف عظمة المشرع من خلال هذا التشريع.
 قرأت خبراً صغيراً أن في الصين الشعبية صدر قانون يجبر الأسرة على إنجاب ولد واحد، سبحان الله! وأنا لا أشعر من حين لآخر أطلع على صحيفة يومية أرى خبراً متابعاً لهذا الخبر، بعد حين قرأت خبراً آخر أنه صارت الأسرة إذا أنجبت أنثى تخنقها وتقتلها من أجل أن يكون ولدها الوحيد المسموح به ذكراً، فإذا أنجبت ولداً ذكراً سجلته في السجلات الرسمية، هذا الخبر الثاني، أما الخبر الثالث فأعطيت تعليمات للمستشفيات في الصين، لا يجوز للزوجين أن يختبرا نوع الجنين عن طريق الكومبيوتر، تحليل السائل الأمنيوسي، الناس الأغنياء يحللون سلفاً فيجرون عملية الإجهاض من أجل أن يأتي الولد ذكراً ثم تابعت الخبر، هناك خبر رابع نشأت عصابات في الصين بخطف الفتيات في سن الزواج، آخر خبر تابعته في سنة ألفين أن هناك خمسين مليون شاب ليس لهم أنثى في الصين.

الإنسان حينما يشرع يخرب وهو لا يدري :

 لاحظ عندما إنسان يقترح تشريعاً وهو بعيد عن تشريع السماء، خمسون مليون إنسان ليس لهم نساء، عصابات لخطف الفتيات من الطرقات في سن الزواج، قرى بأكملها ليس فيها إلا الذكور الآن، الفتيات تقتل كما كانت تقتل بالجاهلية من أجل أن يسجل الذكر الوحيد في السجلات الرسمية، الإنسان عندما يشرع ماذا نتج عن ذلك؟
حدثني صديق كان في بلد عربي، هذا البلد ألزم الزوج إذا طلق زوجته أن يعطيها نصف ممتلكاته، فقال لي- وهو ابنته هناك متزوجة-: حلّ السفاح مكان النكاح، الإنسان له ثروة، وله أراض وبيوت، وليس مستعداً إذا نشب خلاف بينه وبين زوجته أن تمتلك نصف أملاكه، لها مهر، ولها الحق به، أما أن تمتلك نصف المعمل فقال لي: صار الآباء يغرون خاطبي فتياتهم بسندات أمانة بمبالغ فلكية، هذه السندات إذا طالبناكم وفق القانون بنصف الممتلكات طالبونا بهذا السند، ولكن تعالوا وتزوجوا بناتنا، الإنسان حينما يشرع يخرب وهو لا يدري.
 أحياناً أسعار السيارات تفاقمت كثيراً، ارتفعت فمنع بيع السيارات، طبعاً يوجد استثناء بين الزوج وزوجته ممكن، فشهدت هذه البلدة عقود زواج صورية من أجل بيع سيارة وصار مآس، امرأة غنية جداً تزوجت بعقد وهمي زوجاً من أجل أن تشتري سيارة منه، فاكتشف الزوج أنها غنية جداً فلم يطلقها، إذا الإنسان شرع مشكلة كبيرة جداً، وهذا التشريع لم ينجح، وإنما ألغي، كل شيء غير صحيح لا يستمر، هناك كلمة يقولها العامة: لا يصح إلا الصحيح، يلغى، يعدل، يبدل، فهذه المقدمة أردتها أنك ينبغي أن تعرف الله أولاً، لأن ما قيمة أن تعرف أمره ونهيه وأنت لا تعرف الأمر؟ الذي يعرف الأمر ولا يعرف الآمر لا يطبق الأمر، يحتال عليه، أو يطبقه تطبيقاً شكلياً، الإنسان إذا أراد أن يوظف يحتاج إلى حسن سلوك، يوجد في الحي مختار، وهذا المختار مطلع على كل الأسر، ويعرف مداخلها ومخارجها، فإذا أعطى إنساناً حسن سلوك، أي أن هذا الإنسان عظيم، الآن أي إنسان يأخذ حسن سلوك من المختار دون أن يعرفه، هذه الورقة لا معنى لها فرغت من مضمونها، أحياناً الشيء يفرغ من مضمونه كلياً، أنا أريد من هذه المقدمة أن أصل إلى أنه إذا تأملت في شرع الله لا بنية تطبيقه قد لا تحتاج هذا الموضوع، ولكن بنية أن تعرف المشرع، وعظمة هذا المشرع من خلال هذا الشرع، الإسلام كالطود الشامخ، ألف وخمسمئة عام أحكامه باقية بقاء الكون لأنه من عند الصانع.

الدين الإسلامي دين راسخ كالطود الشامخ :

 هناك نقطة دقيقة: الإسلام لأنه تشريع خالق الأكوان فهو باق و مستمر، أما أي نظام آخر، أي نظام وضعي آخر، مهما عمّر في النهاية يتهاوى و يسقط، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

[سورة الإسراء الآية: 81]

 ونحن في هذه الحقبة رأينا بأم أعيننا كيف أن مذاهب انتشرت حتى غطت ثلثي الأرض وبعد ذلك تهاوت كبيت العنكبوت:

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

[سورة الإسراء الآية: 81]

 أكبر نعمة من فضل الله علينا أنا مع الحق، والحق لا يتأثر، لم تزده الأيام إلا إشراقاً.
 أيها الأخوة: لولا أن هذا الدين دين الله لألغي من ألف سنة، تلاشى، لذلك هو كالجبل الشامخ، كم فئة أرادت أن تطفئ نور الله عز وجل؟ أرادت أن تقتلعه من جذوره؟ أرادت أن تفجره من داخله؟ أن تمحوه؟ محيت هي وبقي الحق شامخاً، لذلك هذا الدين من يحاول إطفاء نور الله كمن يحاول إطفاء النار بالزيت، يزيده قوة إلى قوته.

 

يحرم على المسلم أن يتزوج من إحدى النساء الآتي ذكرهن :

 وصلنا في الدرس الماضي إلى المحرمات من النساء، شيء بديهي لا أحد يأخذ أمه، لكن درسنا الآن ليس أحكاماً شرعية، الحكم من الأحكام، يحرم على المسلم أن يتزوج من إحدى النساء الآتي ذكرهن:
 أولاً: زوجة الأب سواء أطلقها أو مات عنها، سواء أكانت على عصمته، أو طلقها، أو مات عنها، يحرم على المسلم الزواج من زوجة الأب، وهذا الزواج كان في الجاهلية جائز فأبطله الإسلام، لأن زوجة الأب لها مكانة الأم، توفيت الأم فحلت هذه الزوجة محل الأم، إذاً هي في مقام الأم، الزواج منها يسيء إليها.
 الإسلام فيه ذكر وأنثى، لكن الأنثى هناك زوجة وهناك أم وأخت وبنت، أعطى الإسلام قدسية للأم والبنت والأخت، سبحان الله! لعل لهذا تفسيراً علمياً، الإنسان لا يشتهي أخته إلا إذا كان شاذاً يعيش في الغرب، هذا موضوع ثان، أما الإنسان السوي فلا يشتهي أخته، ولا أمه، يوجد موانع طبيعية، وأنا أكاد أن أقول: موانع فيزيولوجية، إما اتحاد الدم لا أدري، إلا أن هذا الشيء ثابت.
 الإسلام حرم زوجة الأب رعاية لحرمتها ولحرمة الأب.
 الأم والجدة مهما علت من قبل الأب أو الأم، والبنت ومثلها بنت ابنته مهما امتدت الفروع والأصول.
 والأخت سواء أكانت شقيقة أو أختاً لأب أو أختاً لأم، والعمة أخت الأب شقيقة كانت أو شقيقة لأب أو أم، والخالة أخت الأم أو الخالة لأم أو الخالة لأب، عندنا خالة شقيقة أو خالة لأب أو خالة لأم، الخالات و العمات والبنات والأمهات وبنات الأخ وبنات الأم مذكورات في الآية.
 هؤلاء القريبات يطلق عليهم الإسلام لفظ المحارم، لأن هذه المحارم محرمة على الإنسان حرمة أبدية، أما يوجد محرمات حرمة مؤقتة فأخت الزوجة محرمة عليه لكنها حرمة مؤقتة، ف لو أن زوجها طلقها تحل لك من بعده.
الأم والجدة وإن علت من قبل الأب أو من قبل الأم، والبنت ومثلها بنت البنت، ومثلها بنت ابنه وبنت ابنته مهما امتدت الفروع، والأخت شقيقة كانت أو أختاً لأب أو أختاً لأم، والعمة أخت الأب شقيقة أو لأب أو لأم، أخت والده أو من أمه، أخت والده الشقيقة هذه عمة، والخالة أخت الأم شقيقة كانت أو لأب أو لأم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، هؤلاء النسوة هن المحارم التي حرم الله الزواج منهن على التأبيد في كل الأحوال.
 الرجل الذي يمت لهن بهذه الصلة اسمه محرم، هن محارم وهو محرم عليهن.

بعض الحكم التي استنبطها العلماء من هذا التحريم الأبدي :

 الآن هناك بعض الحكم التي استنبطها العلماء من هذا التحريم الأبدي، درسنا اليوم ليس له صبغة تشريعية، صبغة حكمية، لكي تعرف عظمة المشرع، هل تصدقون أن بعض الحيوانات لا يمكن أن تقترن اقتراناً جنسياً ببناتها أو أخواتها.
 هؤلاء الذين يفعلون زنا المحارم في الغرب هؤلاء ليسوا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً كما قال الله عز وجل، فالأخوة الذين درسوا علوماً طبيعية يعلمون علم اليقين أن هناك حيوانات لا يمكن أن تقترن اقتراناً جنسياً بما يسمى عندهم محارم، لا يمكن، فما بالك بشيوع زنا المحارم في بلاد الغرب؟ هذا خلاف الفطرة، خلاف الطبيعة البشرية، لكن هذا ليس مستبعداً قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

[سورة البينة الآيات: 6-7]

 تصور أحقر حيوان في الأرض الإنسان الكافر أحقر منه.

 

فاعل الخير خير من الخير وفاعل الشر شرّ من الشر :

 لذلك مرّ معي أن فاعل الخير خير من الخير، تصور عملاً عظيماً، رجل بنى مستشفى تتسع لألف سرير، وأتى لها بأعلى الأطباء مجاناً لكل فقير، هذا عمل عظيم، كلف آلاف الملايين، الذي فعله أفضل عند الله من هذا الفعل لماذا؟ لأن هذا الفعل بشكل أو بآخر ينتهي مع يوم القيامة، لكن الذي فعل هذا الفعل يسعد به إلى أبد الآبدين، الفكرة دقيقة، مهما كان العمل الطيب عظيماً هذا العمل ينتهي مع انتهاء الحياة الدنيا، هذا أبعد تقدير، لكن الذي فعل هذا العمل العظيم تنتهي الدنيا وتبدأ سعادته.
فأيهما أعظم فعل الخير أم فاعل الخير؟ الفاعل.
 وفاعل الشر شر من الشر، فيما أذكر قبل سنوات احتفل باليابان بنهاية آثار القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما ونكازاكي، انتهت الآثار، الذين ماتوا ثلاثمئة ألف إنسان، ماتوا في خمس ثوان، هذه أول قنبلة ذرية ألقيت في أواخر الحرب العالمية الثانية، لو أن هذه القنبلة لم تلق لكان كل الناس الآن قد ماتوا بشكل طبيعي، معنى هذا أن هذه الجريمة الكبيرة وقعت وانتهت آثارها، لو لم تقع لمات الذين قتلوا موتاً طبيعياً، لكن هذا الذي أمر بإلقاء هذه القنبلة هو فاعل شر، تنتهي الحياة الدنيا ويأتي يوم القيامة ويبدأ شقاؤه إلى أبد الآبدين، لذلك: فاعل الشر شر من الشر.
 سمعت أن الطيار الذي ألقى القنبلة أصيب بمرض في عقله، لم يتحمل عذاب نفسه لأنه ساهم بقتل ثلاثمئة ألف إنسان في خمس ثوان، طبعاً الله عز وجل قال: قاتلوا الذين يقاتلوكم، المقاتل يقاتل أما الطفل البريء، المرأة في البيت، في كل الأعراف الدولية قتل المدنيين جريمة.
 ذكرت أن فاعل الخير خير من الخير، وأن فاعل الشر شر من الشر، فالحياة كلها تزول و يبقى فيها العمل الصالح، لذلك هنيئاً لمن ركز كل نشاطه، وكل وقته، وكل جهوده، وكل طاقاته، على عمل يرضي ربه.

 

شعور الإنسان أن الله راض عنه شعور لا يقدر بثمن :

 أخواننا الكرام: شعور الإنسان أن الله راض عنه هذا الشعور لا يقدر بثمن، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[سورة النحل الآية : 97 ]

 شعورك أن الله عز وجل الذي خلقك راض عنك لا يقدر بثمن، شيعت جنازة وضعوا قرآناً في مركبة النعش جاءت الآية الكريمة قال تعالى:

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾

[سورة الأعلى الآية: 25]

 وهذه الجنازة تمشي من البيت إلى القبر، ما وجدت آية أقرب إلى هذا الوضع من هذه الآية، كل واحد منا مهما طال به العمر، مهما اشتدت قوته، مهما علا شأنه، مهما لمع ذكره، مهما تألق نجمه، لابد من أن يأتي إلى القبر:

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾

[سورة الأعلى الآية: 25]

 الحقيقة مع أن الطبع البشري يأبى أن يميل إلى هذه المحارم، لكن لولا أن الله حرم منهن الزواج على التأبيد، لكان عندنا مشكلة، يوجد اختلاط دائم، في البيت والدته، وأخته، وابنته، لولا أن الطبع البشري يأبى، والشريعة قطعت بهذا الأمر، لكان هناك فساد عريض ما بعده فساد، سبحان الله تجد الأم مقدسة، والبنت مقدسة، والأخت مقدسة، ولا يخطر في بال الإنسان السوي طبعاً أي خاطر جنسي تجاه هذه المحارم، يقول لك: خالتي مثل والدتي، عمتي مثل والدتي، ابنتي، أختي، بنت ابني، بنت ابنتي، هذه الخواطر بريئة وراقية تجاه المحارم.

 

على الإنسان أن يؤدي الذي عليه و يطلب من الله الذي له :

 هناك طبع وهناك تحريم، بين الإنسان وبين هذه المحارم مودة ومحبة، لو أن الإنسان سمح بالزواج منهن لضاقت دوائر المودات، أنت عندك خمسة شباب مضطر شئت أم أبيت أن تصاهر خمس أسر، مصاهرة ويصبح مودة ومحبة ولقاء، وشعور أن صار فلان صهرنا، وهذه كنتنا، الزواج من دوائر أوسع من دوائر المحارم ينمي العلاقات الاجتماعية.
 سبحان الله! عندما يصبح زواجاً يصبح مودة، ومحبة، وتعاون، وألفة، والله عز وجل قال:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾

[سورة الروم الآية: 21]

 أخواننا الآباء يعرفون هذه الحقيقة، الفتاة أغلى شيء عليها في الحياة والدها وأمها، فإذا خطبت أغلى إنسان في الوجود هو زوجها، وتتمنى أن تأخذ كل شيء من بيت أهلها إلى بيت زوجها، هكذا طبيعة الفتاة، لذلك النبي الكريم حينما سئل:

(( مَن أعظم الرجال حقاً على المرأة؟ قال: زوجها، فلما سئل: مَن أعظم النساء حقاً على الرجل؟ قال : أمه ))

[ الجامع الصغير عن عائشة ]

 قاعدة مهمة جداً، أعظم امرأة في حياتك أمك، أعظم رجل في حياتك أيتها الأنثى زوجك، هذا هو النظام الإسلامي.
 أنا لا أرى جريمة أكبر من الذي يبالغ في إكرام زوجته ويبالغ في عقوق أمه التي أنجبته، وإذا كان هناك خطأ من الأم، الأم غير معصومة، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أنت عاملها كأم وانتهى الأمر وعلى الله الباقي.
 هناك رجل شكا للنبي عقوق ابنه، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام من شدة تأثره، ألقى أمامه قصيدة شعرية، وذكر له عقوق ابنه.

 

التباعد أفضل طريقة لتحسين النسل :

 هناك نقطة دقيقة جداً في العلوم أن البويضة والحوين يتلاقحان، على البويضة مورثات، وعلى الحوين مورثات، معي معلومات دقيقة أن على البويضة خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، و على الحوين خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة، لكن نحن لو أخذنا المورثات بشكل عام، هناك مورثات في الذكر والأنثى، هذه المورثات مع التباعد يأتي المولود قوي البنية، لأن الأقوى في المورثات يغلب الأضعف، أما مع التقارب فالضعف يزداد، لذلك أنا أذكر أنه عقد في الشام أسبوع علم، واستقدم القائمون على هذا الأسبوع علماء من معظم البلاد المتقدمة علمياً، وكان الموضوع الرئيس في هذا الأسبوع: تحسين النسل، وكل عالم أدلى بدلوه في هذا الأسبوع، أذكر أن هذا الأسبوع من عشر سنوات أو أكثر وكان أحد كبار الأطباء - وهو عضو في المجمع العلمي العربي توفي رحمه الله - بعد أن سمع كل هذه المحاضرات التي جاء بها الأطباء من شتى بقاع الأرض، وبينوا بحسب علمهم وخبراتهم وأحدث الطرق العلمية طرائق تحسين النسل، قام رئيس مجمع اللغة العربية وهو طبيب وألقى كلمة مختصرة قال: كل هذه الكلمات يلخصها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((اغتربوا لا تضووا))

[قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلاً معتمداً. قلت: إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب "قد أضويتم فأنكحوا في النوابغ" رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث، وقال معناه تزوجوا الغرائب قال: ويقال: اغربوا لا تضووا]

 إذا الإنسان بعد يأتي النسل قوياً، فإذا اقترب يأتي النسل ضعيفاً، أما إذا اقترب زيادة أخذ أخته من الرضاعة وهو لا يدري، كثيراً ما يصاب المولود بعته، هشاشة بالعظام، بخلل خطير في جسمه، لأن المورثات إذا كان هناك ضعف الضعف يزداد، أما إذا كان هناك تباعد فالجهة الأقوى تغلب الجهة الأضعف، والله أعلم.

 

فوائد الإرضاع الطبيعي :

 الآن المحرمات من الرضاع، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب))

[البخاري ومسلم من حديث عائشة وابن عباس]

 قال: هناك شرطان، بالمناسبة وأتمنى أن يكون هذا بين أيديكم، الآن لا أحد يرضع أحداً إطلاقاً، إذا كان هناك حليب بثدي الأم أرضعت ابنها، هناك أسباب كثيرة تمنع الأم عن إرضاع ابنها، طبعاً البديل الحليب الاصطناعي، لكنه ثبت أن معظم حالات سرطان الثدي يصبن به اللواتي لا يرضعن أولادهن، وأن النساء اللواتي يرضعن أولادهن قلّما يصبن بسرطان الثدي هذه واحدة.
 الشيء الثاني: أن الإنسان إذا أطعم ولده حليب القوارير - أي حليب البقر- هذا الحليب فيه أربعة أمثال الحموض الأمينية عن التي توجد في حليب الأم، جهاز الهضم والخمائر غير مؤهلة أن تهضم هذه النسبة العالية من الحموض الأمينية، الشيء الذي لا يصدق أن التخلف العقلي أحد ثمار الإرضاع الغير طبيعي، الآفات القلبية والوعائية أحد ثمار الإرضاع الغير طبيعي، آفات الكليتين والكبد أحد أخطار الإرضاع غير الطبيعي، الذي لفت نظري في هذا الموضوع العلمي أن البديل ليس الإرضاع الاصطناعي بل الإرضاع من امرأة أخرى، لذلك ورد في القرآن الإرضاع، والآن شيء معطل كلياً، لا أحد يرضع، البديل الإرضاع الصناعي، حليب القوارير، لكن لو عرفنا أن هذا الشرع من عند خالق الكون، لو فرضنا لسبب أو لآخر الأم توفيت، البديل ليس حليب القوارير، البديل أن تبحث له عن مرضعة، لأن حليب الأم فيه كل مناعة الأم، موضوع طويل عالجته في خطبة، إلا أنه أجريت تجارب لاختبار ذكاء الشعوب، وجد أن بعض الشعوب الفقيرة جداً يتمتع أولادها بأعلى نسبة من الذكاء، بسبب قد لا يخطر على بالكم هو أن كل النساء يرضعن أولادهم إرضاعاً طبيعياً حتى أنه في أقوى بلد في العالم كانت درجة الذكاء سبعاً وعشرين بالمئة لأن الإرضاع عندهم كان إرضاعاً صناعياً.

 

النجدان هدية من الله عز وجل :

 ثمانون بالمئة من التخلف العقلي في المجتمعات سببه الإرضاع الغير طبيعي، الله قال:

﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ﴾

[ سورة البلد]

النجدان هدية من الله عز وجل، ابن عباس قال: "النجدان هما الثديان"، لاحظ طفلاً ولد الآن، لو أصبعك نظيفة جداً وضعتها في فمه تشعر بقوة مص شديدة جداً، من علمه ذلك؟ نحن مر معنا في الجامعة أنه يوجد منعكس واحد يولد مع الطفل اسمه منعكس المص، لولا هذا المنعكس لما كنا في هذا المكان، لا نعيش، كيف تعلم طفلاً ولد الآن أن انتبه يا بني ضع فمك على حلمة ثدي أمك، وأحكم إغلاق فمك، واسحب الهواء، هل تستطيع أن تكلمه هذا الكلام؟ الآن ولِد.
 تصور أن هذا المنعكس غير موجود، لا يوجد حياة، المنعكس الوحيد في الجنس البشري منعكس المص، الآن ولد لمجرد أن تضع أصبعك في فمه يسحب بإحكام، الله عز وجل صمم الطفل يرضع من والدته، الحليب في الصيف بارد، في الشتاء دافئ، هل تصدقون أن حليب الأم يتبدل تركيبه في أثناء الرضعة الواحدة هذا ما أثبته العلم.
 حليب الأم يتبدل تركيزه وتركيبه في أثناء الرضعة الواحدة، أول الإرضاع أربعة أمثال الماء في نهاية الرضعة أربعة أمثال السكر، كان ممدداً ثم صار مركزاً بالسكر وبالحموض الأمينية، موضوع لا أذكر تفاصيله، ولكن ذكرته في الخطبة بشكل مفصل، معقم فيه كل مناعة الأم، فيه مواد تمنع الالتهاب، أكثر الأطفال الذين يرضعون إرضاعاً صناعياً معهم التهاب أمعاء مزمن، وعندهم مقاومة هشة للأمراض، وليس معهم مناعة، لذلك الإرضاع هو البديل، حينما يستحيل حليب الأم يصعب أن ترضع الأم ولدها لأسباب كثيرة منها الوفاة، ومنها الطلاق، البديل ليس حليب القوارير ولكن المرضعات، وإن كان الآن هذا الشيء غير مطبق، أما هذا هو الشرع.

 

أحكام الرضاع في الشرع :

 لذلك عندنا أحكام الرضاع في الشرع، قال: متى يحكم أن هذا الطفل أخ لهذه الفتاة من الرضاعة؟ قال: إذا رضع في سن الرضاع في العامين الأوليين، لأن الإرضاع التام عامان:

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ(233)﴾

[ سورة البقرة]

 إذا رضع الطفل من ثدي أم خمس رضعات مشبعات، أي أن الطفل يرضع ويرضع حتى يدع الثدي من تلقاء نفسه، لو أنه أرضع ونزع عن ثدي أمه هذه ليست برضعة، الرضعة المشبعة هي التي يرضع منها الطفل من ثدي هذه المرأة حتى يبعد فمه عن ثديها من تلقاء ذاته، خمس رضعات مشبعات في السنتين الأوليتين، يقال: هذا الطفل أخ لهذه الفتاة، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ))

[البخاري ومسلم من حديث عائشة وابن عباس]

 صار عندنا أخت من الرضاع، وأم مرضعة، وعمة من الرضاع، وخالة من الرضاع، كل النسبيات يقاس عليهن المرضعات.

 

المحرمات بالمصاهرة :

 المحرمات بالمصاهرة؛ أم الزوجة هذه يحرمها الإسلام على التأبيد بمجرد العقد على ابنتها، ولو لم يدخل بها لأنها تصبح للرجل بمنزلة أمه، أنا مرة قلت في عقد قران أن الإنسان له ثلاثة آباء؛ له أب أنجبه، وأب زوجه، وأب دله على الله، الحقيقة أن كل إنسان يسيء إلى عمه أنا أعده إنساناً غير سوي، لأن هذا العم ربى لك هذه الفتاة حتى أصبحت في سن الزواج أتكافئه على ذلك بالإساءة إليه؟ يقاس على هذه المقولة كما أن للإنسان أباً أنجبه وأباً زوجه وأباً دله على الله، أم زوجته بمثابة أمه، لذلك هناك أصهار يتفننون بالإساءة لحماتهم لماذا؟ هذه أم زوجتك، إذا تكلمت زوجته كلمة عن أمه يقيم عليها القيامة، أما إذا قضى سهرة بأكملها يتكلم عن أخطاء أم زوجته فلا شيء عليه، هذا تناقض في الإنسان المؤمن، الكامل يرعى حرمة أم زوجته، بصرف النظر عن وضعها معه، هذه أم زوجتك عليك أن تحترمها، وعليك أن تبجلها، وأن تعاملها كأمك، والشرع هكذا فعل لمجرد أن تعقد العقد على ابنتها أصبحت محرمة حرمة أبدية ولو لم تدخل بها، عقد فقط ثم صار هناك طلاق أصبحت بمثابة الأم.
 الآن الربيبة بنت الزوجة، إنسان تزوج زوجة ولها بنت هذه ربيبة بمثابة ابنتك لا يجوز الزواج منها محرمة، لكن سبحان الله الحكم الشرعي أنها لا تحرم على الزوج إلا إذا دخل بأمها، أما إذا لم يدخل فله أن يتزوج منها، والتفسير دقيق جداً: الأم أحياناً لو أن الزوج لها ثم اختار ابنتها لا تحقد على ابنتها أما العكس فغير صحيح، لو أن الزوج للبنت ثم اختار الأم تحقد على أمها، فلمجرد أنه عقد على البنت تحرم أمها على التأبيد، أما العقد على الأم فلا يحرم البنت إلا بعد الدخول بها، اللاتي دخلتم بهن، الآية الكريمة .
 وحليلة الابن، طبعاً الابن الصلب، أما المتبنى فالإسلام أنهى هذه العادة السيئة بالتبني، أنا لا أقول عادت هذه العادة، ولكن إذا قال لك إنسان: هذه مثل أختي لا تصدقه، الأجنبية أجنبية، والأم أم، الله عز وجل أمر نبيه الكريم السيد العظيم أمره أن يتزوج زوجة متبناه ليبطل هذه العادة نهائياً، وكان عليه حرج شديد، حتى أن الله كأنما عاتبه قال تعالى:

﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾

[سورة الأحزاب الآية: 37]

 شيء كبير جداً المتبنى في الجاهلية ابن، وهذه زوجة الابن، فالنبي أمر أن يتزوج زينب زوجة متبناه زيد، كان زيد اسمه زيد بن محمد، لذلك العجيب أن في القرآن كله ما ورد اسم صحابي على الإطلاق إلا زيد لماذا؟ قال: تكريماً له، لأن الله عندما منع التبني كان اسمه زيد بن محمد فصار اسمه زيد بن حارثة، حرم هذا النسب الشريف فعوضه الله في القرآن الكريم بأن ذكر اسمه يتلى إلى يوم القيامة.

 

تحريم الجمع بين الأختين :

 لكن أريد أن أبين أن المحارم النسبيات غير المحرمات بالمصاهرة، يوجد فرق أي زوجة الأب لا يجوز الخلوة بها، أحياناً يكون الابن من سن زوجة أبيه، كذلك زوجة الابن لا يجوز الخلوة بها، هناك ترتيب؛ أول بند: الزوجة لا يوجد أي قيد أو شرط، محارم النسب، محارم المصاهرة، محارم المصاهرة لا يجوز الخلوة بهم، مما حرمه الإسلام على المسلم وكان هذا في الجاهلية مشروعاً الجمع بين الأختين، أقدس علاقة بين إنسانيين الأخوات، لو أن إنساناً تزوج أختين سوف يكون هناك منافسة، وحسداً، ومشادة، وبغضاء، كما بين الضرائر دائماً، نكون حطمنا هذه العلاقة المقدسة لذلك الله عز وجل حرم الجمع بين الأختين، وكان هذا في الجاهلية قائماً يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الله عز وجل قال:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر الآية: 7 ]

 النبي عليه الصلاة والسلام قاس على الجمع بين الأختين والجمع بين الزوجة وعمتها، والزوجة وخالتها، قال: إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم.
 من المحرمات المتزوجات المرأة المتزوجة لا تحل لك إلا أن تزول عنها يد الزوج بموت، أو بطلاق، وأن تستوفي العدة التي أمر الله بها، وفاء لحق الزوجية، وبراءة للرحم. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور