- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم صلّ وسلم وبارك على محمد دائماً وأبداً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مستمعينا الأكارم على الهواء مباشرة على أثير إذاعتكم حياة fm ، في لقاء إيماني جديد في مجلس علم نتقرب فيه إلى خالقنا عز وجل ، نرحب بكم ونرحب بفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم شيخنا و أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
سيدي حديثنا عن الشرك الخفي ، هذا الموضوع الذي يثير اهتمام وخوف كثير من الناس ، أن لا سمح الله يقع في الشرك الخفي وهو لا يدري ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء " . نريد أن نتوسع بالشرك الأصغر دكتورنا الكريم .
الشرك الخفي :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أخي الكريم بارك الله بك ، وبارك بهذه الإذاعة التي أتمناها أن تكون منبر دعوة إلى الله عز وجل ، الحقيقة الدقيقة أن الشرك نوعان شرك جلي وشرك خفي ، فالشرك الجلي العالم الإسلامي اليوم وسابقاً ولاحقاً إن شاء الله معافى منه ، لا يوجد عندنا إله إلا الله عز وجل، أما في بلاد أخرى فبوذا إله ، هذا كفر ، نحن كفر جلي لا يوجد عندنا ، أن تعبد إلهاً آخر غير الله ، هذا الكفر الجلي ، عافانا الله منه بعد بعثة النبي الكريم ، ولكن المشكلة في الشرك الخفي ، لذلك ورد عن النبي الكريم :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمالاً لغير الله ))
أي لو أن الزوجة ضغطت على زوجها أن يفعل معصية لا ترضي الله ، وخضع لها ، واستجاب لها ، وطلب السلامة منها بهذا الفعل ، ما الذي حصل ؟ أطاع مخلوقاً وعصى خالقاً ، هذا أحد أنواع الشرك الخفي ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
هذا هو الشرك الخفي ، أي أنت حينما ترضي قوياً بمعصية الله ، رأيت إرضاء القوي أكبر عندك من طاعة الله ، حينما يرضي زوجته في معصية ، ويعصي ربه ، رأى أن إرضاء هذه الزوجة أكبر عنده من طاعة الله ، هذه حقيقة مرة :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
فلذلك الإيمان الصحيح أن تخضع بكل ما تملك لمنهج الله ، الخضوع التام لمنهج الله هو الإيمان ، أما إذا تخلله تقصير أو طاعة لمخلوق فهذا توهم أن إرضاء هذا المخلوق أفضل من إرضاء الله ، أي نحن في العيد نقول : الله أكبر ، لكن هذا الكلام يقال باللسان أما الحال فمن أطاع مخلوقاً وعصى خالقه ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة ، عملياً ولو رددها بلسانه ألف مرة ، لأنه رأى في عقله الباطن أن إرضاء هذا المخلوق أهم عنده من إرضاء الله ، هذا الشرك الخفي :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمالاً لغير الله ))
أي اقتناص هذه الشهوة التي لا ترضي الله اقتناصها والتمتع بها أكبر عنده من طاعة الله .
المذيع:
سبحان الله ! هذا يعد من الشرك الخفي .
من غفل عن علة وجوده وقع في خطأ كبير :
الدكتور راتب :
خطير جداً :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
هذا هو الشرك الخفي ، أنت حينما ترى أن هذه الشهوة لو اقتنصتها بخلاف منهج الله أمتع لك من طاعة الله فهذا شرك خفي .
المذيع:
سيدي ممكن أن نوضحها بمثال .
الدكتور راتب :
لو فرضنا أن السهرة مختلطة ، نساء كاسيات عاريات ، وهذه السهرة لا ترضي الله لا بمظهر النساء اللواتي أبرزن كل مفاتنهن ، ولا بالحديث الذي لا يرضي الله ، فإذا آثرت حضور هذه السهرة ، والتمتع بالحسناوات ، وملأت عينك من محاسنهن ، ولم تعبأ بطاعة الله هذا نوع من الشرك قولاً واحداً ، لكن ليس شركاً جلياً ، الشرك الجلي يقتضي الخروج من الإسلام، أما الشرك الخفي فيبقى الإنسان مسلماً ، لكنه وقع في خطأ كبير وكأنه أقام حجاباً بينه وبين الله ، وقد يقول أحد الأخوة المستمعين : هذا تشدد ، لا ، نحن عندنا تمسك و لا يوجد تشدد ، هذا المنهج ، أنا سأقول كلمة : الإنسان عندما ينزل بمظلة من طائرة طبعاً قد يجهل أشياء كثيرة ، قد يجهل شكل المظلة ، يا ترى دائري أم بيضوي أم مستطيل ؟ قد يجهل نوع الخيوط لهذه المظلة ، خيوط صناعية أم طبيعية ، قد يجهل عدد الحبال ، ألوان الحبال ، خطوط الحبال ، قد يجهل مئات المعلومات ولكن معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً طريقة فتح المظلة ، نحن عندنا بالدين أشياء يجب أن تعلم بالضرورة ، تقول لي : أنا دكتور في الفيزياء النووية ، أنا أستاذ جامعي ، أنا عالم كبير ، كل هذا العلم في كفة وأن تعرف الله في كفة ثانية، لذلك كنت أقول مرة : لو جاءنا خبير كبير لكن لا يتكلم العربية فهو أمي بلغتنا ، كلامي دقيق ، أمي باختصاصنا ، والآن من يحمل أعلى شهادة من أكبر جامعة بأخطر اختصاص إذا ما عرف الله عز وجل ، وما عرف سرّ وجوده ولا غاية وجوده ، لا يعد عاقلاً يعد ذكياً ، وقد قيل ليس كل ذكي بعاقل ، أنت مخلوق للجنة ، للأبد ، جاء إلى الدنيا وتفوق فيها ، ونال مرتبة عالية ، وحقق ثروة كبيرة ، وكان له شبكة علاقات اجتماعية رائعة جداً ، لأنه غفل عن علة وجوده فقد وقع في خطأ كبير .
للتوضيح مرة ثانية أقولها كثيراً هذه : أنت طالب في جامعة ، في الجامعة مكتبة وفيها قصص ، وندوة و مطعم ، وملعب كرة سلة ، وملعب كرة قدم ، وندوات ولقاءات وسهرات مشتركة ورحلات ، هذا كله أشياء ملحقة بالجامعة ، أما علة وجودك بالجامعة فهي الدراسة ، فالذي غفل عن علة وجوده لا يعد عاقلاً أبداً .
المذيع:
سيدي الكريم أعود مع حضرتكم إلى الشرك الخفي أريد أن أعرف هذا المفهوم ، أنت دكتور عرفت لنا الشرك الجلي ، وقلت : إن الشرك الجلي هو أن تعبد دون الله عز وجل ، أما الخفي فما هو ؟
الدكتور راتب :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمالاً لغير الله ))
قد ترضي مخلوقاً بمعصية أنت وقعت بالشرك الخفي ، قد تحقق شهوة بمعصية شرك خفي ، الإنسان عندما لا يخضع لمنهج الله خضوعاً تاماً يوجد عنده مشكلة مع الله .
المذيع:
سيدي ما هي خطورة الشرك الخفي على إيمان وعلى إسلام الفرد منا دكتور ؟
خطورة الشرك الخفي على إيمان الفرد :
الدكتور راتب :
هناك حقيقة ، أنت حينما تقع في معصية كبيرة أو صغيرة وقع بينك وبين الله حجاب ، وأكبر عقاب يناله الإنسان من الله أن يحجبه عنه :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
إذا حجبك الله عن أنواره ، عن محبته ، عن توفيقه ، عن إكرامك ، حجبك عن رؤية كماله ، عن رؤية منهجه ، عن أن تكون مع الصالحين ، مع الأتقياء ، مع المقربين ، إذا حجبك الله عنه أنا أراها أكبر عقاب على الإطلاق :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
قد نطبق أشياء في الدين مريحة ، أي إذا كان في بيت الإنسان أشياء إسلامية ، صورة الكعبة ، صورة المدينة مثلاً ، للصلاة سجاد رقم واحد ، كله شيء جيد ، أما الصلاة فصلة بالله ، ما دام هناك مخالفة ، ما دام هناك معصية ، ما دام هناك مؤاثرة شهوة على طاعة الله ، وآثرت جلسة لا ترضي الله على طاعة الله ، صار هناك حجاب ، والحجاب بيدك أن تهتكه ، وبيدك أن يزداد ثخانة ، كلما ازدادت المعاصي صار هناك حجاب كثيف ، والحقيقة التوبة سهلة جداً أول مرة ، المرة الثانية صارت التوبة أصعب :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
هذه الحقيقة المرة ، تقول لي : هذا تشدد ، هذا ليس تشدداً بل تمسكاً .
المذيع:
إذاً الشرك الخفي أن يكون قرارك للشهوة بما يغضب الله قبل قرارك أن تنتصر لدين الله ؟
من يتبع هدى الله لا شيء عليه :
الدكتور راتب :
أبداً ، أضرب لك مثلاً ؛ سمعت قصة من إنسان ، القصة دقيقة جداً ، إنسان بعيد عن الله بعداً كبيراً فهو لا يصوم رمضان ، بعد ثلاثين سنة ، وهو موجود في وظيفة تحتل منصباً رفيعاً جداً صام أول يوم ، استدعاه رئيسه قال له : هل أنت صائم ؟ قال : لا ، لست صائماً، فقال : هاتوا له قهوة ، عصى الله وأفطر خوفاً من أن يتهم عند رئيسه أنه صائم ، من القوي عنده ؟ ليس الله ، هذا الذي يخضع له في عمله رأى أن إرضاءه وإظهار تفلته من طاعة الله أفضل له .
المذيع:
سيدي هذا يعد نوعاً من أنواع الشرك الخفي ؟
الدكتور راتب :
من أطاع مخلوقاً وعصى خالقاً هذا نوع من أنواع الشرك الخفي ، من مارس شهوة لا ترضي الله وترك مأ أباح الله له من الشهوات والآية دقيقة جداً :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه - شهوته - وفق هدى الله لا شيء عليه .
الدين ضمان لسلامة الإنسان و ليس حداً لحريته :
أنا أحبّ أن أبلغ أخواننا المستمعين ، بالإسلام لا يوجد حرمان ، هذا منهج إلهي، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها ، أية شهوة أودعها الله في الإنسان لها قناة رائعة ، أي شهوة ولا أستثني شهوة حتى العلو في الأرض إذا كنت مع الله ودعوت إلى الله رفع الله قدرك ، قال تعالى :
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
صار الإنسان له مكانة كبيرة جداً ، أي شهوة أودعت في الإنسان لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، أريد أن أنزع من فهم بعض الناس أن في الإسلام حرماناً ، الدين ليس حرماناً ، الدين إنسان يمشي بفلاة ، وجد لوحة من خمس كلمات : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، بربك هل تعد هذه اللوحة حداً لحرية الإنسان أم ضماناً لسلامته ؟
المذيع:
ضمان لسلامته .
الدكتور راتب :
في اللحظة التي تفهم أوامر الدين ليست حداً لحريتك ولكنها ضمان لسلامتك فأنت فقيه ورب الكعبة .
المذيع:
هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم : " من علق تميمة فقد أشرك " هل تعليق التمائم والخرزات للزرق تدخل من هذا الباب دكتور ؟
تعليق الخرزة أو التميمة نوع من الشرك :
الدكتور راتب :
طبعاً حينما يرى الإنسان أن الأفعال التي تصيبه قد تكون بسبب غير توحيدي وليست من عند الله فيعلق تميمة يضع أحياناً حدوة حصان ، هذا الشيء كله ليس له أصل ، الحافظ هو الله عز وجل .
المذيع:
سيدي هل تعليق الخرزة أو التميمة نوع من الشرك ؟
الدكتور راتب :
ليس لها أصل بالدين يعد شركاً .
المذيع:
ويصبح أخطر إذا ظن أن هذه الخرزات تقدم له نفعاً أو تدفع عنه ضراً ؟
الدكتور راتب :
أخطر :
وإذا المَنِيّةُ أنْشَبَتْ أظْفارَها ألْفَيْتَ كل تَميمَةٍ لا تنفع
***
بيت شعر .
المذيع:
سيدي حتى تكون الفكرة واضحة تعليق الخرزة الزرقاء هذا شرك بالله ؟
الدكتور راتب :
نعم وجهل .
المذيع:
سيدي لو أنا عندي طفل صغير وأردت أن ألبسه آية الكرسي .
ورود التبرك في الدين :
الدكتور راتب :
لا يوجد مانع إطلاقاً .
المذيع:
لأنه شيء مربوط بالله ، وليس خرزات ، لكن يفترض أن يكون الإيمان أن هذه التعليقات لا تضر أو تنفع .
الدكتور راتب :
الله هو الحافظ ، عندنا تبرك ، التبرك وارد في الدين ، أنا تبركت بسورة الكرسي علقتها على صدري .
المذيع:
سيدي ما المقصود بالتبرك ومتى يكون مقبولاً ومتى يكون مرفوضاً ؟
الدكتور راتب :
التبرك أنت حينما تتقرب إلى الله بشيء من طاعته ، هذا قرآنه وضعته في صدرك لا يوجد مانع ، أحياناً إنسان يضع مصحفاً في سيارته ، لا يوجد مشكلة إطلاقاً .
المذيع:
أما إذا ظن أن التبرك بهذا الشيء سيرد عني السوء .
الدكتور راتب :
طبعاً خطأ كبير .
المذيع:
سيدي التبرك وارد ولكن عقيدتنا في الداخل أن الله هو الفعال ، ولكن نلتمس البركة من كتاب الله لأنه كلام الله .
الدكتور راتب :
هذا اسمه التبرك .
المذيع:
وهل هناك تبرك بغير القرآن الكريم ، بعض الناس يتبرك بالأولياء الصالحين ؟
جواز التبرك بنبينا محمد و آله و أصحابه دون الوقوع في الشرك الخفي :
الدكتور راتب :
بجاه محمد واردة بالسنة ، أدعوك بجاه محمد .
المذيع:
لا حرج ؟
الدكتور راتب :
لا حرج فيها .
المذيع:
سيدي التبرك بمقامات الصالحين وتمسك بيدك المقام ؟
الدكتور راتب :
نخاف أن نوسعها فنقع بالشرك الخفي ، يا شيخ أريد ولداً ، أين الله ؟ ويقع به العامة وقوعاً لا يعقل .
المذيع:
حينما ينادون الحسن والحسين وفاطمة ، بدون الله هذا يعد شركاً خفياً ، لأنك تناديه دون الله أما لو سألت الله ببركة جاه نبيه ؟
الدكتور راتب :
لا يوجد مانع بجاه محمد وآله .
المذيع:
أنا لا أسأل الله بجاه محمد ، أنا لا أسأل آل محمد .
الدكتور راتب :
نعم ، وما فعله النبي .
المذيع:
من آمن بالنبي وبالسنة كاملة ولكنه أحياناً يتركها تقصيراً ، هذا لا يعد شركاً .
الدكتور راتب :
لا يوجد مشكلة .
المذيع:
أما هذا الذي يخالف السنة ويريد منهجاً آخر .
الدكتور راتب :
يفعل خلافها عمداً.
المذيع:
وكأنه يتحدى السنة هذا هو الشرك .
الدكتور راتب :
إنسان مرة سألني سؤالاً ، سأل طبيباً كبيراً قال له : علمني أكتب وصفة ، فابتسم الطبيب وقال له : تأخذ شهادة ابتدائية ومتوسطة وثانوية ، وتدخل كلية الطب سبع سنوات ، وتأخذ إجازة في الطب ، وتعمل دبلومات وماجستير ودكتوراه ، الآن تعرف تكتب وصفة ، القضية مضحكة أن هذا الورع ملخص معرفة الله عز جل ، معرفة الله واحداً موجوداً كاملاً ، عرفت أسماءه الحسنى ، صفاته العلا ، عرفت منهجه ، قرأت القرآن ، فهمته ، طبقت منهج الله الآن تقطف ثمار الدين ، أما تريد أن تصل إلى قطف ثمار الدين من دون تدين فهذا لا يصير.
المذيع:
كيف نهذب أنفسنا للتخلص من الشرك الخفي ؟
كيفية تهذيب أنفسنا للتخلص من الشرك الخفي :
الدكتور راتب :
الشرك الخفي ينزاح وحده حينما يزداد التوحيد ، والتوحيد إدراك عميق والتزام دقيق، أنا لما الله قال لي :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ذاكر لله دائماً ، أنا حينما أتفكر في خلق السموات والأرض أعرف الله ، والله عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه ولا تحيط به ، كيف أصل إلى معرفة الله ؟ قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
الطريق الوحيد القنوات السالكة الناقلة لك إلى الله آيات الله الكونية ، التفكر ، آيات الله التكوينية ، النظر ، آيات الله القرآنية التدبر ، عندك ثلاث قنوات مفتوحة إلى الله ، آياته الكونية تفكر ، آياته التكوينية النظر ، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
هذه غير هذه ، وآياته القرآنية التدبر ، من التفكر والنظر والتدبر ، هذه قنوات سالكة لمعرفة الله .
المذيع:
سيدي الشرك الخفي كما تفضلت دكتور هو أن تكون أولويتك نفسك أو شهوتك أو إرضاء غيرك قبل الله ، وحلها أن يكون الله هو أعظم أولوياتك .
معرفة الله تؤدي إلى التفاني في طاعته :
الدكتور راتب :
تحتاج إلى معرفته .
المذيع:
ليكون عظيماً في قلبك وفي عبادتك .
الدكتور راتب :
مثلاً بدولة نامية تأتيك ورقة من دائرة البريد تعال غداً الساعة العاشرة ، تستلم رسالة مسجلة لا تتحرك فيك ولا شعرة ، وقد لا تذهب ، قد تأتي ورقة من جهة لو دخلت إليهم لا تخرج، لا تنام الليل ، الفرق بين الورقتين الآمر ، أنت حينما تعلم من هو الآمر تفانيت في طاعته ، أما إن لم تعرف من هو الآمر تفننت في معصيته .
المذيع:
الله يفتح عليك يا دكتور ، هناك نقطة مهمة ؛ كل إنسان يحب أن يكون له ذكر ، وله سمعة طيبة ، ولباس حسن ، كيف نفرق بينها وبين الشرك الخفي ؟ إذا كتبت مقالاً تسر إذا أعجب الناس ، إذا لبست لباساً جميلاً يدخل على قلبك كلامهم الجميل وتسر ، حينما سئل النبي: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تلك عاجل بشرى المؤمن . فكيف نفرق بين إعجابنا بمدح الناس لنا الجانب الفطري وبين أننا ابتغينا وجههم قبل الله ؟
الكبر بطر الحق وغمص الناس :
الدكتور راتب :
أولاً في بعض التعريفات :
((الكبر بطر الحق وغمص الناس))
حينما ترد الحق فهذا الشرك ، ترفض حكم الله ، ترفض شرع الله ، ترفض أن تخضع لمنهج الله ، حينما يأتيك المفتي بنص شرعي ، بقرآن ، بسنة ، وترفضه ، هذا هو الكبر، الكبر بطر الحق وغمص الناس ، لا تقبل بحكم الله ، لا تقبل بمنهج الله ، لا تقبل بفتوى مع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ، فأنت حينما ترفض الحق هذا بطر الحق ، إذاً الكبر لا أن تكون الثياب حسنة أنيقة ، أن يكون النعل حسناً ، شيء طبيعي الإنسان يحب الجمال ، وإن الله جميل يحب الجمال ، فإذا كان الإنسان أنيقاً بثيابه ، الحديث :
(( أصلحوا رحالكم ، وحسنوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))
أنت مطلوب منك أن تكون أنيقاً ، أنت بالمناسبة إذا التقيت بإنسان أول مرة تحكم عليه من ثيابه فقط ، فإذا تكلم تنسى ثيابه ، فإذا عاملك تنسى كلامه ، أول شيء مظهره ، أنت مؤمن تمثل الدين .
المذيع:
واليوم رحالكم تشمل المركبات ، هذا جزء من الدين .
الدكتور راتب :
(( أصلحوا رحالكم ، وحسنوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))
((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))
عفواً لماذا يتهافت الناس إلى الغرب ؟ طرقات نظيفة ، مترو ، أبنية فاخرة ، حدائق غناء ، في بلادنا تقصير كثير ، فحينما أهملنا بلادنا هرب أبناؤنا إلى الغرب ، وخسرناهم .
المذيع:
هل يتعارض هذا مع فكرة الإنسان : الشرك الخفي أن نبتغي الناس وإعجابهم قبل الله ؟ من ينغمس في هذه القضية في لحظة من اللحظات يفقد البوصلة .
الدكتور راتب :
لذلك من يترك العمل الصالح خوف الرياء فهذا أكبر رياء .
المذيع:
علينا ان نقوم بالأعمال الصالحة ، نزين لباسنا ومركباتنا .
الدكتور راتب :
(( أصلحوا رحالكم ، وحسنوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))
المذيع:
سيدي يسرنا مدح الناس لنا .
الدكتور راتب :
هذه فطرة ، درست جامعة وأخذت الأولى على الجامعة والناس هنؤوك ، شيء طبيعي الإنسان يحب النجاح ، الإنسان مبرمج على النجاح .
المذيع:
الشرك إذا أنا ابتغيت من هذه العلامة فقط إعجاب الناس ، هذا يعد شركاً .
الدكتور راتب :
وقد أفعل بالسر خلاف ما فعلته في العلن .
المذيع:
أبتغي وجه الله ، ويسرني مدح الناس ، هذا طبيعي ، حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علينا ونحن نذكر المسيح الدجال فقال : « ما تذكرون ؟ قلنا : المسيح الدجال ، قال : ما قبل المسيح أخوف عليكم عندي ، أن يقوم الرجل يزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه))
من اختلفت عبادته بين أن يكون وحيداً وبين أن يكون في ملأ فقد أشرك :
الدكتور راتب :
الحقيقة متى يقع الإنسان بالشرك ؟ حينما يختلف عمله بين أن يكون وحيداً وبين أن يكون في جماعة ، صار في شرك ، وأنت بالجماعة الصلاة متقنة جداً وأغمضت عيونك ، على إنك خاشع ، أما في بيتك العشاء ما صليته ، أو أهملت الصلاة ، فإذا اختلفت العبادة بين أن تكون وحيداً وبين أن تكون في ملأ .
المذيع:
إذا خشعت حقاً وأنا في المسجد ؟
الدكتور راتب :
لا شيء عليك أبداً ، والذي يدع الخشوع في الصلاة خوف الرياء فهذا من الرياء .
المذيع:
أما أن تزين الصلاة وحقيقتك غير ذلك فهذا هو الرياء .
الدكتور راتب :
إذا الإنسان كان صادقاً - الصادق محبوب - إذا كان رحيماً - الرحيم محبوب -هذه الفطرة .
المذيع:
النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال لهم : " اتقوا هذا الشرك لأنه أخفى من دبيب النملة فقيل له : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النملة ؟ فقال لهم النبي : قولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك مما لا نعلم ". هل هذا الدعاء يحمي الإنسان من الشرك ؟
أنواع الشرك :
الدكتور راتب :
أريد أن أكمل النص : " الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل ". أقل شيء بالشرك أن تحب على جور ، شخص ماله حرام ، غير ملتزم ، وأنت تحبه ، إذا أغدق عليك بعض الهدايا أو دعاك للعشاء فأنت تحبه على شركه ، وعلى خطئه ، أن تحب على جور وأن تبغض على عدل ، إنسان بينك وبينه نصحك قال لك : هذه الكلمة لا تناسب ، ما تحملته ، شرك ، أنت حينما ترفض النصيحة المؤدبة ، أنا أقول كلمة النصيحة ليست فضيحة بينك وبينه، من دون أن يعلم أحد ، ما قبلت ، انهزت كرامتك ، هذا شرك ، أشركت نفسك مع الله ، الأولى أن تحب على جور ، هذه الشهوة أغلى عندك من الله ، والثاني نصحك فرفضت هذه النصيحة.
المذيع:
سيدي الملخص أن الشرك الجلي أن تعبد غير الله ، وهذا غير موجود لدى الدول الإسلامية ، لكن الشرك الخفي أن يكون الإنسان ظالماً ولكنه يحسن إليك ، تميزه وهو ظالم ، هذا شرك ، إنسان نصحك بحق وبعدل وبأسلوب مقبول ترفض نصيحته لأنها تخالف سلوكك ، هذا نوع من أنواع الشرك ، شهوتك قبل شرع الله عز وجل كل هذا من أنواع الشرك .
الدكتور راتب :
أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل .
المذيع:
ويصلحه الإنسان بأن يعرف الله ، وأن يتقرب من الله ، ويستطيع أن يتخلص من هذا الشرك ، هل لنا بدعاء ؟
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهمّ احفظ بلادنا وبلاد المسلمين جميعاً ، واحقن دماء المسلمين في الشام يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على رسولنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
خاتمة و توديع :
المذيع:
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، كان درسنا هذا موضوعه الشرك الخفي ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أنك لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، والسلام عليكم .