- أحاديث رمضان
- /
- ٠06رمضان 1420 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
وجود الإنسان متوقف على إمداد الله له :
أيها الأخوة الكرام؛ من خصائص بشرية الأنبياء والمرسلين أنهم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، فذاتهم ليست صمدانية، إنما هي محتاجةٌ إلى إمدادٍ إلهي، ثم إنهم مفتقرون في جلب الطعام إلى عملٍ يعملونه.
﴿ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾
ومن كان هذا شأنه فليس إلهاً، ما دام النبي يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، فهو من بني البشر، وجود الإنسان متوقف على إمداد الله له، وليس له وجودٌ ذاتيٌ إطلاقاً حينما:
﴿ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
فالسبيل إلى الله، والرسول رفيق الدرب. بعض الفرق الضالة:
﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
أما النبي عليه الصلاة والسلام فما هو إلا رفيقٌ في درب الإيمان،
﴿ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
إلى الله عز وجل.
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
من أراد الحقيقة فكل شيء يدله عليها :
أيها الأخوة؛ هذه الآيات نحتاج إلى فهمها لمعرفة حقيقةٍ أساسية، هي أن الإنسان إذا أراد الحقيقة كل شيءٍ يدله عليها، وإن لم يرد الحقيقة فهو أصم، أعمى، لا يرى ولا يسمع، فلو أن هذا القرآن نزل بلغة الأعجمين، باللغة الفارسية مثلاً، فقرأته على عربي، لا يفهم منه شيئاً، قال:
﴿ ذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
إذاً لا القرآن، ولا الأكوان، ولا الحوادث، ولا العبر، ولا المواعظ، ولا الخطب، ولا الكتب، ولا الأشرطة، لا يوجد شيء ممكن أن يحل محل أن تتخذ قراراً ذاتياً أن تهتدي، فإن اتخذت هذا القرار كل شيءٍ يدلك على الله، البعرة تدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، فهذه الحقيقة تفهم فيها مئة آية، معقول يقرأ الكافر القرآن كأنه بلغة أعجمية؟ لا يفهم منه شيئاً، إذا الإنسان ما أراد الهدى، قد يستمع إلى خطبة في عقد قران، لا يفهم شيئاً، قد يقرأ القرآن لا يفهم شيئاً، قد يرى حوادث مدهشة، لا يتأثر بها إطلاقاً، القضية هكذا، إن أردت الهدى كل شيءٍ يدلك على الله، وإن لم ترد الهدى فهذا الكتاب المعجز الذي إذا قُرئ على الجبل خرّ خاشعاً، ومع ذلك:
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾
أساساً سورة الشعراء كلها قصص أنبياء، الأنبياء جاؤوا بالمعجزات، ومع ذلك أقوامهم لم يؤمنوا.
﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
الإيمان القسري بيد الله عز وجل، بيد الله أن يحملهم على أن يستقيموا قسراً وقهراً، ولكن هذه الاستقامة القسرية القهرية لا قيمة لها إطلاقاً، ولا تؤثر، ولا تجدي، ولا تسعد صاحبها، الله عز وجل يريدنا أن نأتيه طائعين، أن نأتيه مبادرين، أن نأتيه محبين، أن نطيعه باختيارنا، لا قسراً عنا، فلذلك ذكر لنا ربنا قصص الأنبياء كلهم، وكيف أن كل نبي جاء بآيةٍ صارخةٍ، دالةٍ على عظمة الله، ومع ذلك لم يؤمن قومه:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
لأنهم ما أرادوا الهدى، القرآن، ألم يلتق بالنبي الكريم أناسٌ رأوا علمه، ورأوا فضله، ورأوا كماله، ورأوا فصاحته، ورأوا جماله، ورأوا رحمته، ورأوا تواضعه، ومع ذلك أبغضوه، وقاتلوه ونكلوا بأصحابه؟ قضية الهدى إن أردتها كل شيءٍ كان في خدمتك، وإن لم تردها فالإنسان أعمى، أصم، أبكم، لا ينتفع بعلمه إطلاقاً، كما ذكرت في الخطبة اليوم:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
أي بإمكانك أن تكون من المجاهدين جهاداً دعوياً في تعلم القرآن، وتطبيقه، وتعليمه:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم :
ومن إعجاز القرآن العلمي هذه الآية:
﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً﴾
البرزخ هو أن المياه المالحة لا تختلط بالمياه العذبة،
﴿ وَحِجْراً مَحْجُوراً﴾
هو أن أسماك المياه المالحة لا تنتقل إلى المياه العذبة، وأسماك المياه العذبة لا تنتقل إلى المياه المالحة، وهذه من آيات الله الدالة على عظمته.
الفرق بين عبد الشكر و عبد القهر :
أخواننا الكرام، عباد الرحمن جمع عبد الشكر، بينما العبيد جمع عبد القهر بوجوده واستمرار وجوده إلى الله، فهو عبد القهر، جمعه عبيد:
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
لكن العبد الذي عرف الله، واستقام على أمره، وأتاه طائعاً، وجمع هذا العبد عباد، قال تعالى:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ﴾
وفرقٍ بين العبد عبد الشكر، وبين العبد عبد القهر.
الدعاء هو العبادة :
ثم قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
الدعاء هو العبادة، أنت حينما تدعو تؤمن بأن الله موجود، وأنه يسمعك، وأنه قادرٌ على أن يجيبك، وأنه يحب أن يجيبك، فإن آمنت بوجوده، وعلمه، وسمعه، وبصره، وإن آمنت بقدرته، وآمنت برحمته فأنت مؤمن، فالدعاء هو العبادة، وهذا معنى قول الله عز وجل:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ﴾
البعيد عن الله يقرأ القرآن فيزداد عمىً :
أيها الأخوة الكرام، هذه الآية:
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ﴾
قرآن نزل على نبي فارسي، باللغة الفارسية، فقرأه عليهم، على العرب، والله أنا ذهبت إلى بعض البلاد الأعجمية، والله ما فهمت كلمة، ولا حرفاً أبداً:
﴿ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
فالإنسان البعيد عن الله يقرأ القرآن فيزداد عمىً:
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾
قضية قرار داخلي، إن أردت الحقيقة القرآن يدلك على الله، الكون يدلك، وأفعال الله تدلك، والخطباء تنتفع بهم، والحكماء تتأسى بسلوكهم، وكل شيءٍ يدلك على الله إن أردت الحقيقة، وإن لم تردها اقرأ القرآن المعجز، الذي هو كلام الله، والذي الكون في كفة، والقرآن في كفة.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾
ومع ذلك:
﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ﴾
أكبر أسباب العذاب أن تدعو مع الله إلهاً آخر :
أيها الأخوة؛
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
أي أحد أكبر أسباب العذاب أن:
﴿ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ﴾
أي أن تشرك، ليس شركاً ظاهراً، خفياً، الشرك الخفي منعكسه عذاب، وقلق، وضيق، وحيرة، وخوف، وهبوط، هناك آية كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقرؤها كلما دخل مجلسه، قال:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾
كان يتلو هذه الآية كلما دخل إلى مجلس الحكم، أي الإنسان يتمتع بالحياة ثم يأتي الموت فينهي كل شيء، ينهي غناه، وقوته، وصحته، ووسامته، واستمتاعه، وبيته، ومركبته، وزوجته، انتهى من كل شيء، فكان هذا الخليفة العظيم كلما دخل مجلسه يقول:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾
على الإنسان أن يبدأ بدعوة أقرب الناس إليه إلى الله :
الآن يوجد نقطة دقيقة جداً، أرجو الله أن يمكنني من توضيحها، ما المغزى من قوله تعالى:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
كلام خالق الكون، يأمر النبي أن يبدأ بأهله، إذاً إذا النبي الكريم أُمر أن يبدأ بأهله مع أن معه معجزة، ومعه قرآن، فنحن من باب أولى أن نفعل ذلك، ما الحكمة من ذلك؟ إذا أنت دعوت إنساناً لا تعرفه، قد يشك بك، وقد يتوجس منك خيفةً، وقد يتهمك اتهامات باطلة، فهناك حواجز، أما أخوك، ابنك، ابن عمك، صهرك، شريكك، قريبك، فهذا يثق بك، وتثق به، وليس بينك وبينه حواجز، فأنت ابدأ بمن تعرف، الطريق سالك، هذا منهج في الدعوة، ابدأ بأهلك الأقربين:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
لا يوجد أي حاجز، لا يوجد تخوف، لا يوجد شك، القرابة علاقة متينة جداً، فإذا الإنسان هداه الله يبدأ بمن حوله، بأخواته، بأولاده، بأصهاره، بجيرانه، بابن عمه، بابن عمته، هؤلاء أقرب الناس إليه، النبي عليه الصلاة والسلام أُمر أن يبدأ بأقرب الناس إليه:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ استفهام إنكاري من دون أداة استفهام :
في القرآن آية دليل على أن هناك استفهاماً من دون أداة استفهام:
﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾
لا يوجد استفهام أبداً، لا يوجد أداة استفهام، أما المعنى فاستفهام قطعي، الدليل هل يعقل أن يقول النبي:
﴿ وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾
نبيٌّ مرسل يقول:
﴿ وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾
مستحيل، إذاً ما صيغة هذه العبارة؟ الصيغة استفهام إنكاري من دون أداة استفهام.
لكن مرة قرأ إمام:
﴿ وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾
فقالوا كلهم بعده: آمين، فالحمد لله لم يقل أحد آمين اليوم.
قال لي مرة أحد الدعاة: وأنا أتكلم عن فساد المجتمع قلت إن الفتاة تأتي الساعة العاشرة ليلاً، أبوها ليس عنده علم أين كانت، أمها ليس لديها علم أين كانت؟ قال الأخ: كانت مع الحبيب، فكلهم صلى على الحبيب.