- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين، الذاكرين، وصلاة وسلاماً على رسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛
أحبتي في الله حلقة جديدة من حلقات: " ديناً قيماً "، مع عالمنا الجليل ومربينا الفاضل محمد راتب النابلسي، دعوني أحبتي من يشاهدني على الشاشة أن نرحب بشيخنا الجليل مرحباً..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ مع أبنائنا وبناتنا عن العلم وقيمة العلم ومنزلته ومكانته في هذا الدين الحنيف؟
تميز الإنسان بالعلم عن بقية المخلوقات :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
المقولة الثابتة: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، الحقيقة أننا تعلمنا في المدارس أن عندنا جماداً، نباتاً، حيواناً، إنساناً، الجماد شيء مادي له حجم و وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، إذاً طول وعرض وارتفاع ووزن وحجم، أما النبات فيزيد عليه بالنمو، وأما الحيوان فيزيد عليهما بالحركة، وأما الإنسان فهو وزن وحجم وأبعاد ثلاثة وينمو ويتحرك، إلا أن الله عز وجل أكرمه بقوة إدراكية، تميز بها عن كل المخلوقات، فما لم تلبَّ هذه القوة الإدراكية بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، ما المستويات؟ ذكرها القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
عند الله ميت، قال تعالى:
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
جماد، قال تعالى:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارًا ﴾
شيء خطير، الإنسان خياره مع العلم لا خيار وردة حمراء يزين بها صدره، خياره مع الهواء يستنشقه ليبقى حياً، شيء مهم جداً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
فضيلة الشيخ: الدواب هكذا خلقهم رب العباد، النبات نفس القضية.
الدكتور راتب :
غير مكلفة.
من لا يعرف ربه فهو ليس بعالم :
الدكتور عمر عبد الكافي:
لكن الإنسان عندما يقول رب العباد:
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
هذا الإنكار وهذا الجحود وهذا الرفض، أي في سنة ألف و تسعمئة و ست منذ مئة عام وعشرة عملوا مؤتمراً في أمريكا هناك علم جديد اسمه: علم الجهل والتجهيل، علم الجهل والتجهيل هو أن يطلقوا على الجماهير أو الغوغائية معلومات معينة، يديرها أناس معينون، حضر هذا المؤتمر مفكرون ورؤساء جامعات، قالوا: ما المقصود بهذا: الجهل له علم؟ علم الجهل والتجهيل، قالوا: نعم هذه مقصود بها عوام الناس؛ المعلمون والمعلمات في المدرسة، طبقة العمال، ثم طبقة التيكنوقراط الذين يحيطون ببعض زعماء الكرتون في بعض البلاد، بعد مئة عام أي عام ألفين وستة شاهدوا ما النتيجة من هذا المشروع، وجدوا أن الشعب الأمريكي يخضع لهذا العلم بمقدار تسعين بالمئة منه أي يقول كالببغاء، ويسمع كالببغاء، أي عقله في أذنيه، هذه القضية تحريك الجماهير عن طريق علم لا يسمى علماً، أو أن الإنسان لا يعرف ربه مهما بلغ من مراتب العلم، هل هذا يسمى عالماً؟
سلامة الإنسان و سعادته باتباع تعليمات الصانع العظيم :
الدكتور راتب :
لا والله، قال تعالى:
﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
هم يُجهلون أمماً، ويطرحون قيماً مناقضة للدين، أعمالهم مخالفة للدين مئة بالمئة، الدين يجمع وعلمهم يفرق، الدين يرفع وعلمهم يهبط بالإنسان، فلذلك لا بد من مصدر سماوي لهذا العلم إنه الصانع، إذا عندنا آلة غالية جداً، وذات نفع كبير جداً، الحقيقة أن استخدامها من دون تعليمات الصانع تلف لها، لذلك الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي تتمتع بالتعليمات الصحيحة، فالإنسان حينما يحب نفسه وإن صح التعبير إذا كان أنانياً ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع لأن سلامته وسعادته بهذه التعليمات، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
الله هو الخبير.
الدكتور عمر عبد الكافي:
الآن أبناؤنا وبناتنا وبعض الناس يظنون مثلاً أن العلم الشرعي هو العلم بالفقه وأصوله، والعلم بالحديث والتفسير، وما إلى ذلك، متى تقتنع الأمة ويقتنع شبابنا وشاباتنا أن علم الطب هو علم شرعي إذا وظفته لخدمة الناس ولشفاء الناس، علم الهندسة، علم الاقتصاد، علم الزراعة، أي نوع من الأدب الراقي أليس هذا علماً شرعياً؟
القوة أنواع :
الدكتور راتب :
إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
معنى هذا أن القوة أنواع، قوة العلم، وقوة المال، وقوة المنصب، أنا أقول: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات العمل الصالح للقوي لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح.
الدكتور عمر عبد الكافي:
إذا رأينا بعضاً من الأمم هي عبء على الأمم، ينتظرون ذي القرنين أن يأتي ليستخرج مواردهم التي عندهم، ويصنع لهم سداً، عقدة الخبرة الأجنبية والعيون الخضراء والشعر الأشقر..
الدكتور راتب :
والله أنا معلوماتي المتواضعة أحياناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
يا ليت عندنا القليل من المعلومات المتواضعة.
انشغال الأمة الآن بأشياء لا تقدم و لا تؤخر :
الدكتور راتب :
أعداء الدين تشغل الأمة بأشياء لا تقدم ولا تؤخر، ألعاب الكرة مثلاً تجد جمهوراً من مئة ألف يقوم ولا يقعد لدخول كرة في مكان، أين الاهتمامات؟ علة وجودنا، غاية وجودنا العمل للجنة، العمل لإسعاد الناس، مليون هدف راق، نحن تركنا كل هذه الأهداف والتفتنا إلى عمل لا يقدم ولا يؤخر، أي انتقلت عقولهم إلى أقدامهم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
عندما يقال: الرق اختفى، والعبودية اختفت، اللاعب الذي يشترى، وأعزكم الله عارضة الأزياء التي يتحكم صاحب المؤسسة في حجمها ووزنها، إذا زادت سبعين غراماً أو خمسين غراماً، أي عبودية أكثر من هذه العبودية؟
الدكتور راتب :
لو سمحت لي مصمم أزياء في فرنسا يتحكم بثياب المسلمات في العالم، معقول؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
المتمسلمات.
الدكتور راتب :
طبعاً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
سيدي لو كانت مسلمة لسلمت أمرها لله، سبحان الله! الإنسان إذا كانت همته عليا ينظر إلى سموات الكرامة، أما الذي يعيش في داخل حفر المهانة..
علو الهمة من الإيمان :
الدكتور راتب :
تأكيداً لكلامكم الطيب علو الهمة من الإيمان، الإنسان عندما يكتفي بطعامه وشرابه سقط من عين الله، أما حينما يبحث عن علة وجوده، وعن غاية وجوده، وأن يكون له بصمة في الحياة، وأن يكون له عمل يذكر، هذا الذكر شيء ليس سهلاً إطلاقاً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أنا أرى أننا نستثير همم بعض الناس المتخاذلين عن نصرة الإسلام أن يرتفعوا إلى همة الحيوان، النحلة البطالة- الشغالة في الخلية البطالة - يقتلها أفراد الخلية، لا يريدون أن تثير عدوى البطالة.
الدكتور راتب :
تأكيداً لكلامكم الطيب حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، بل إن علة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح، والعمل الصالح يقيّم الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
وسمّي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
الذين يريدون معذرة أن يكون لهم كيان قوي في العالم بين الأقوياء، كيف نحبب الأجيال التي سوف تنشأ في مسألة العلم؟ بأي نوع من أنواع العلم؟
التفوق العلمي في كافة المجالات قوة للأمة :
الدكتور راتب :
سيدي العلم أولاً مطلوب مطلقاً، الأمة القوية عندها معامل، عندها مهندسون، عندها كليات علمية راقية جداً، فالقوة مطلب أساسي للمسلمين، القوة لها آثار لا تعد ولا تحصى، فإذا أردت أن تكون قوياً ينبغي أن تعتمد التفوق العلمي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
إذاً أن يصف الموظف أو العامل أقدامه في المصنع، وفي المستشفى، وفي المعمل تماماً في درجة من يصف قدميه في المحراب ليصلي لله رب العالمين.
الدكتور راتب :
سيدي إن صح التعبير أحياناً الكلفة تساوي واحد بالمئة، يستغلون جهلنا يبيعون البضاعة بأسعار مضاعفة، نحن نقدم ثرواتنا لأشياء مصنعة، وكان بالإمكان أن نصنعها نحن، أنا أرى بعد الإيمان بالله لا بد من تفوق في الدنيا.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نحن نريد أن نكون أمة منتجة لا مستهلكة.
الدكتور راتب :
نريد داعية طبيباً، داعية مهندساً، داعية خبيراً زراعياً، أحياناً الدعوة العملية أقوى، أنا أقول كلمة: إتقان عملك دعوة إلى الله، الصدق دعوة إلى الله، الأمانة دعوة إلى الله، ليس شرطاً أن تكون داعية خطيباً، لا، الاستقامة دعوة إلى الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، نسأل الله أن يبارك بك، ويعلمنا مما جهلنا، ويذكرنا ما نسينا، وينفع بكم دائماً.
الدكتور راتب :
أنا أخجل منك كثيراً.
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أستغفر الله، شكر الله لك، وجزاكم الله خيراً، أحبتي في الله سعدنا بلقائنا مع أستاذنا الفاضل، ونلتقي إن شاء الله في حلقة قادمة لا تنسونا من صالح دعائكم، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.