- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المشاهدون؛ لا زلنا في برنامج: " ديناً قيماً " ومع حلقة جديدة وهي الذكر، الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾
نضع تحت كلمة كثير أربعة خطوط، الذكر المطلوب الذكر الكثير، والذكر عبادة تدور مع الإنسان في كل أحواله، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يتفضل علينا الأستاذ الجليل والداعية الكبير الدكتور عمر عبد الكافي لمتابعة هذه الأفكار.
الذّكر :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أكمل يا مولانا.
لكل جارحة ذكر، والذين يكتفون بذكر اللسان فقط فقد حصروا الذكر في دائرة ضيقة، الكون كله ذاكر، والنبي صلى الله عليه وسلم اندمج مع هذا الكون الذاكر فجعل كلامه ذكراً، ونظره عبرة، وصمته فكراً، فلما عاش في الأربع وعشرين ساعة في هذه الثلاثية العجيبة، إما ذكراً وإما اعتباراً وإما فكراً سبحان الله العظيم، لما اندمج مع هذا الكون سمع تسبيح الحصى، لأنه لم يصبح نشازاً عن هذا الكون، القضية في الذين ذكّروا بالله فذكروا، يقول سارية: في يوم كذا في ساعة كذا سمعنا صوتاً كصوت أمير المؤمنين عمر يقول: يا سارية الجبل الجبل، إذاً القضية ليست في الإرسال من عمر، ولا من الاستقبال، من أين؟ لأن هؤلاء قلوبهم كانت ذاكرة لله فكانت أرضاً خصبة لرحمات الله أن تتنزل، فكأن الشفافية التي آتاها رب العباد لهؤلاء الذاكرين جعلهم في غير غفلة عن الله عز وجل، هذا من كرم الله علينا، أن الإنسان أول ما يستيقظ من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، فالإنسان يتذكر أن هذه النعمة التي استردت له مرة أخرى وجب عليه أن يحمد الله عليها، كل حركة من حركات الحياة على الإنسان أن يحمد الله عليها، و يجب على أطفالنا الصغار أن يتعودوا على قضية الذكر، هم يصبحون في معية الذكر دائماً، وكلما ذكر العبد ربه كلما خنس الشيطان، التخلية قبل التحلية فأصبح مخلّى ومحلّى.
من ذكر الله أدى واجب العبودية :
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
الإنسان إذا صلى أدى جانب العبودية لله عز وجل، لكن الآية الدقيقة جداً قوله تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾
الإنسان إذا صلى وذكر الله - لأن الصلاة ذكر- أدى واجب العبودية، لكن الآية تقول:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾
فإذا ذكره الله أعطاه النعم التي لا تحصى، أعطاه الحكمة، بالحكمة يجعل العدو صديقاً، وبالحكمة يسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، وبالحكمة يدبر أمره بالمال المحدود..
الدكتور عمر عبد الكافي:
هل يوجد زوجة من الدرجة العاشرة؟
الفرق بين الفلاح و النجاح :
الدكتور راتب :
لا، لا يوجد، كله درجة أولى، و هذا أفضل له، فبالحكمة يعيش في بيته سعيداً، يعيش في عمله سعيداً، حتى بصحته هناك فرق بين النجاح والفلاح، فالإنسان قد ينجح في جمع المال، أو ينجح في شراء بيت رائع، أو باعتلاء منصب رفيع، هذا كله نجاح، النجاح أحادي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
وهي كلمة ليست قرآنية.
الدكتور راتب :
لا، أما الفلاح فحينما يتعرف على الله، ويطيعه، ويعبده، ويتقرب إليه، وحينما يقيم الإسلام في بيته، وفي عمله، وفي نفسه، وحينما يسعد بزوجته، إذا جمع كل الأساسيات.
الدكتور عمر عبد الكافي:
يبقى الفلاح ثمرة من ثمرات الذكر؟
الدكتور راتب :
نعم لأن الإنسان ينجح في معرفة الله هذه واحدة، ينجح في بيته، أقام أمر الله في بيته، عنده سعادة زوجية، نجح في تربية أولاده، نجح في عمله، أتقن عمله وكان صادقاً، فمجموع النجاحات يعبر عنها بالفلاح، قال تعالى:
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
فالبطولة في الفلاح، النجاح حققه بيل كيت، مثلاً كثير من الأشخاص جمعوا أموالاً طائلة، أو اعتلوا مناصب عالية، أحد ملوك إسبانيا حكم خمساً وأربعين سنة، فهناك نجاحات أحادية لا قيمة لها إلا إذا انقلبت إلى فلاح.
من كرم الله أنه جعلنا منتسبين إليه بالذكر:
الدكتور عمر عبد الكافي:
الذكر فضيلة الشيخ يعني قد يران على قلب الإنسان فينسى ويُنسى، لأنه داخل في مسألة الدنيا، دوامة العمل التي لا تنتهي، من كرم الله عز وجل كمسلمين أن يناديني كل عدة ساعات، حيّ على الصلاة، حيّ اسم فعل أمر بمعنى تعال، ولم يقل حيّ إلى الصلاة، ولا حيّ إلى الفلاح، ولكن حيّ على لأن الصلاة ترفعك، والفلاح يرفعك سبحان الله، كما قال ربنا:
﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾
لأن الحياء رفعها وليست تمشي باستحياء، حيّ على، هذا الذكر الذي ينادي علينا رب العباد عز وجل، قال تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
من كرم الله أن رفع مستوانا أن نكون مذكورين عنده، وأن نكون منتسبين إليه بالذكر:
(( ..فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.. ))
لكن الناس تكتفي بتحريك حبات السبحة، أو العد على الأصابع بهذا المنطق.
الدكتور راتب :
الآن يوجد عداد..
الدكتور عمر عبد الكافي:
ما شاء الله الصينون صنعوا لنا عدادات، ويعد على الله الحسنات، لكن هل هذا هو الذكر القاصر؟ ما ثمرته؟
الذكر عبادة تدور مع الإنسان في كل أوقاته :
الدكتور راتب :
والله أنا ما رأيت عبادة تدور مع الإنسان في كل أوقاته ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً كالذكر، قال تعالى:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
إذا الله عز وجل ذكر الإنسان منحه نعمة السكينة يسعد بها ولو فقد كل شيء، إذا ذكر الله وفقه في بيته، وفي عمله.
هناك أشياء أربعة مهمة جداً، أن يوفق في بيته، وفي عمله، ومع ربه، وفي صحته، هذه انتقلت من النجاح إلى الفلاح.
الدكتور عمر عبد الكافي:
هل الذكر مضادات حيوية إيمانية تمنع الإنسان من ضعف اليقين، وضعف العقيدة، وضعف التوكل وضعف الاستقامة.
ضرورة وجود حاضنة إيمانية لكل مؤمن :
الدكتور راتب :
أنا أحب ان أقول كلمة دقيقة: الإنسان عندما يكون له حاضنة إيمانية مع مؤمنين، سهرته مع مؤمنين، عمله مع مؤمنين، عمل نزهة مع مؤمنين..
الدكتور عمر عبد الكافي:
هم القوم الصالحون لا يشقى بهم جليسهم.
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾
فهذه الحاضنة الإيمانية مهمة جداً، أكثر شكاوى الأخوة الكرام أنني أنا أحضر الدرس أتأثر تأثراً كبيراً، في البيت أعود كما كنت، أما إذا كان هناك حاضنة إيمانية، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أمر إلهي..
للمؤمن صلة بالله و هذه الصلة لها إشعاع عظيم :
الدكتور عمر عبد الكافي:
الصفات الخمس التي يختار على أساسها الصديق الذي يصادقه، قال: إن رآه غافلاً ذكره، وإن رآه ذاكراً أعانه، وإذا رآه ذكرته بالله رؤيته، ودله على الله حاله، وزاده في العلم منطقه، إذا وجدنا هذه الخمس كما قال الشافعي:
تمسك إن ظفرت بذيل حر فإن الحر في الدنيا قليل
* * *
والله فضيلة الشيخ ولا نزكيك على الله التواجد معك باستمرار سبحان الله العظيم يزيد إيماننا..
الدكتور راتب :
أستغفر الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لماذا؟ لأنك أنت تذكرنا بالله، أول ما نشاهدك نذكر الله، نذكر الرقائق، نذكر العلم المؤصل.
الدكتور راتب :
إن شاء الله - أعني جنابك- أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم، المؤمن له صلة بالله عز وجل، كأن هذه الصلة لها إشعاع، إشعاع واضح جداً.
للإنسان حالة و هالة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
نعم، الإنسان له حالة وله هالة، الحالة التي هي تطبيق شرع الله عز وجل، يظهر هذا على الهالة، الهالة أن يرى له نور، كان ابن سيرين إذا سار في الطريق ذاهباً إلى الصلاة كبّر وسبح الناس من هالة النور التي عليه، كان الحسن البصري، يقولون: يا بصري عهدناك آدم البشرة أنت أسمر قريب من السواد ما هذا؟ قال: نحن قوم خلونا بالله في ظلمات الليل فكسانا من جماله وجلاله، هناك أناس سبحان الله عز وجل دائماً ذكر الله في معيتهم، لأن الإنسان إذا ذكر الله نسي أن يذكر المخلوقين بالسوء، ونحن دائماً للأسف الشديد ذكر المخلوقات على ألستنا بتصغير هذا، وتسفيه هذا، وهذا يقسي القلب.
الدكتور راتب :
عالم جليل في الشام - قصة قديمة جداً - كان إذا رأى شاباً في الطريق، يقول له: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، علّم ثمانين سنة، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، حينما يُسأل: يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
وأنا أقول: الناس يتشابهون في سني حياتهم الأولى أما بعد سن معين ففي حفظ لله، يوجد علماء منهم من مات بعد أن عاش مئة وسنتين، وكان يدرس الناس القرآن الكريم.
(( خيركم من طال عمره وحسن عمله..))
الدكتور عمر عبد الكافي:
سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار، حتى يرى عند انجلاء الغبرة يتضح للإنسان حقيقة إيمانه أم إدعاء إيمانه.
الإيمان بالآخرة يخفف كل متاعب الحياة :
الدكتور راتب :
سيدي وكلما تقدمت به السن الإيمان بالآخرة يخفف كل متاعب الحياة، الإنسان له خط بياني صاعد، ولد دخل حضانة، ابتدائي، إعدادي، ثانوي خط صاعد، ثم أخذ ليسانس، ثم تزوج، ثم اشترى بيتاً، ثم أنجب أولادا، ثم مات، هذا الخط نزل إلى الصفر، إلا المؤمن خطه البياني صاعد بشكل مستمر، والموت نقطة على هذا الخط..
الدكتور عمر عبد الكافي:
قال تعالى:
﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾
ولذلك وجب على العبد أن يكون سقف أمانيه عند سدرة المنتهى، ولا يكون سقف أمانيه هذه الدنيا التي يراها الناس.
الدكتور راتب :
يا سيدي الدنيا زائلة، والدنيا جيفة طلابها غير محترمين عند الناس.
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
رضي الله عنك، أنت عف اللسان دائماً، بارك الله بك، وشكر الله لك، وجزاكم الله خيراً أحبتي في الله لا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.