- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على حبيب قلوبنا على نبينا ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في مجلس العلم والإيمان، في رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حديثنا في هذه الحلقة حول الاستقامة طريق إلى السلامة، كيف يمكن للإنسان الذي يستقيم أن يكون ذلك باب السلامة في الدنيا وباب السعادة في الآخرة وباب النجاة من الامتحان الأصعب من امتحان الموت؟ فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور، ونتحدث معكم عن الاستقامة والسلامة وعن السعادة وعن الموت لعل هذا يفيد المسلم في حياته.
امتنان الله على الإنسان بنعم ثلاث؛ الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد :
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
بادئ ذي بدء الإنسان امتن الله عليه بنعم ثلاث؛ نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أنا من عادتي إذا تصفحت كتاباً أنظر إلى تاريخ صف حروفه، فإذا كان هذا التاريخ قبل ولادتي ماذا أقول في نفسي؟ أقول: في أثناء تنضيد حروف هذا الكتاب أنا لم أكن شيئاً مذكوراً، إذا كان هناك عمل قام هذا العمل قبل الولادة، حينما أنجز هذا العمل لم يكن هذا الإنسان شيئاً مذكوراً، والآية تقول:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
هذه النعمة الأولى أن الله أوجدك من العدم، لم تكن شيئاً مذكوراً، فحينما جاء بك إلى الدنيا جاء بك إلى السعادة، بخلاف ما يقول الجهلة، أن الله خلقنا للشقاء، هذا كلام الشيطان، قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
آية قرآنية صريحة جامعة مانعة، خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم في الدارين، في الدنيا والآخرة، قال تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، ومن أدق الأدعية التي أتأثر بها: " اللهم اجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة ".
المذيع :
ما المقصود بهذا الدعاء؟
المؤمن بسعادة كبيرة لأن نعم الدنيا عنده متصلة بنعم الآخرة :
الدكتور راتب:
أنا في الدنيا في سعادة كبيرة، فإذا جاء الموت كنت في سعادة أكبر، نسأل الله أن يجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، لذلك أنا أقول: يوجد خط بياني للإنسان يبدأ مع ولادته، الخط صاعد، تكلم، قال بابا، ظهرت أسنانه، أصبح نظيفاً، مرحلة مرحلة، دخل الحضانة، دخل الابتدائي، الإعدادي، التوجيهي، الجامعة، نال دكتوراه، تزوج، عمل اختصاص بورد في أمريكا، رجع طبيباً اختصاصياً من الطراز الأول، دخله كبير، زوجته أمامه، أولاده أمامه، سيارته جاهزة، مع شيء ينفقه، كل هذه النعم صاعدة، يأتي الموت الذي جمع في ثمانين عاماً يخسره الإنسان في ثانية واحدة، إلا المؤمن، المؤمن نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، فخط المؤمن البياني الصاعد، الموت نقطة على هذا الخط الصاعد ويبقى صاعداً، بين أن يكون صعوداً حاداً وسقوطاً مريعاً، لا في صعود منتظم، أما الموت للمؤمن فنقطة على هذا الخط، والذي يلفت نظري بشكل صارخ أنني درست تاريخ الصحابة مرتين أو ثلاث، كأنني درست سبعين صحابياً، في هذه الحقبة الدعوية الذي يلفت النظر أن هؤلاء الصحابة كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( تحفة المؤمن الموت ))
(( الموت عرس المؤمن ))
لأنه هو يعمل لهذه اللحظة، مثلاً لو أن إنساناً ذكياً جداً لكنه فقير جداً، هناك إنسان تعهد له أن يدرس على حسابه في أمريكا، فأرسله إلى أمريكا أخذ دكتوراه بعد سبع سنوات أخذ بورد، الآن موعود في بلده أن يكون وزير صحة، هذه التفاصيل من عندي، أي عنده بيت بأرقى أحياء العاصمة، وبيت في المصيف، وبيت على البحر، وعدة سيارات، ودخل كبير، ومكانة، ووجاهة، ولقاءات، ومؤتمرات صحفية، هذا الوضع، عندما انتهى عهد الدراسة والتعب وجمع أعمالاً متعددة حتى يعيش يشتغل بمطعم، وصباحاً في الجامعة، وفي الليل يدرس، سبع سنوات مرت عليه من أشد ما يكون، نال الدكتوراه صار وزيراً، أنا أرى أن المؤمن حينما يأتي أجله كهذا الطالب الذي نال الدكتوراه ودخل بعهد آخر، بعهد التكريم والغنى، والتفوق والاستمتاع بالحياة، فهذا المؤمن:
(( تحفة المؤمن الموت ))
المذيع :
لكن ألم يصف الله عز وجل الموت بأنه مصيبة؟
الموت عرس المؤمن :
الدكتور راتب:
طبعاً هذا الكلام في الأعم الأغلب نحن عندنا قاعدة أصولية: أي شيء متعلق بالإنسان يجب أن تسبقه هذه الكلمة في الأعم الأغلب، طبعاً الموت عند معظم الناس غير المنضبطين، غير الملتزمين، أنت اقرأ تاريخ الصحابة، سيدنا بلال كان على فراش الموت، قالت ابنته: وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه. أنا أقول كلاماً دقيقاً: تاريخ الصحابة درسته ثلاث مرات، شيء عجيب، توافق عجيب، هؤلاء الصحابة الكرام كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند الموت، فالموت عندهم تحفة، والموت عندهم عرس، انتقل من عالم التكليف إلى عالم التشريف، انتقل من تقنين هذه حرام وهذه لا تجوز إلى قوله تعالى:
﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
المذيع :
لكن الإنسان بالموت لا ينتقل إلى الجنة ينتقل إلى القبر؟
بطولة الإنسان في نهاية الحياة :
الدكتور راتب:
القبر إما فسحة من فسح الجنة، أو فسحة من فسح النار، القبر يمتد مد البصر، فالإنسان حينما يموت إذا كان مؤمناً قبره جنة، يمتد مد بصره، والبرزخ مثل إنسان موعود بجائزة كبيرة، وأثناء الوعد يوجد تكريم مستمر، والثاني محكوم بالإعدام، كلما وضع المفتاح بالباب يقول: جاؤوا ليشنقوني، المحكوم بالإعدام يموت مليون موتة قبل أن يعدم، أما الثاني فله ترتيب ثان، فلذلك حينما يرى المؤمن مقامه في الجنة، وهو على مشارف الموت، يقول: لم أر شراً قط، جميع المصائب التي أصابته، وجميع أنواع الشدة التي أحيط بها، ينساها عند الموت، يرى الجنة، يرى مقامه في الجنة، وأما الطرف الآخر الذي تفلت من منهج الله، ودنا أجله، ورأى مكانه في النار، يقول: لم أر خيراً قط، فالبطولة في النهاية، البطولة في الخاتمة، البطولة في نهاية الحياة.
المذيع :
كيف نستعد لامتحان الموت الصعب؟
كيفية الاستعداد لامتحان الموت :
الدكتور راتب:
الاستعداد له طويل يبدأ بمعرفة الله، فقبل المعرفة لا يوجد استعداد، أنت حينما لا تعرف الله لا تنضبط بمنهجه، والدين سلوك، الدين عمل، الدين فهم، الدين عقيدة، أي العملية لا أقول بسيطة، شخص يستحق الجنة بلا ثمن؟ بلا سبب؟ أو بركعتين وليرتين؟ هذا استخفاف بالجنة، لذلك طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب، ذنب كبير أن تطلب الجنة من دون عمل، والناس يعيشون بالأوهام.
المذيع :
لا يعد حسن ظن بالله؟
الدكتور راتب:
أبداً، هذا استخفاف بمقام الألوهية، شخص طالب دكتوراه، وطالب بعدها أن يكون وزيراً، ومع الوزارة طلبات كثيرة، وليس مستعداً ليدرس، مستحيل، أنا أذكر طرفة؛ أب ملك ابنه طلب منه قصراً، هذا قصر، يريد سيارة روزرايز، هذه سيارة روزرايز، يريد طائرة خاصة، هذه طائرة خاصة، قال له: أريد أن أكون أستاذ جامعة، قال له: هذه ليس عليّ هذه عليك، تأخذها بجهدك، بدراستك، بسعيك، بعلاماتك، الأب يعطي ابنه كل شيء، لذلك هناك شيء من الإنسان، لذلك الله عز وجل أعطى النبي مليون شيء يعينه على نبوته، أعطاه خصائص استثنائية لكن عندما مدحه، بماذا مدحه؟ بخلقه العظيم، مدحه بشيء منه، ليس بشيء من الله، شخص مليونير قدم لابنه سيارة، ليس معقولاً أن يعمل له حفلاً، هذه ليس منه من أبيه، لكن عندما يأخذ الدرجة الأولى بالشهادة الثانوية، يقام له حفل تكريم، نريد شيئاً من الإنسان.
المذيع :
حتى ننجو وننجح بامتحان الموت، النقطة الأولى أن نعرف الله.
الدكتور راتب:
ثانياً: أن نعرف منهجه، أنت كائن متحرك، ما الذي يحركك؟ الحاجة للطعام والشراب حفاظاً على بقاء الفرد، وما الذي يحركك؟ الحاجة للجنس، حفاظاً على بقاء النوع، وما الذي يحركك؟ التفوق حفاظاً على بقاء الذكر، ثلاثة أشياء أساسية بحياة البشر، الفقراء جداً جداً يحركون بالحاجة الأولى، والطبقة المتوسطة يحركون بالحاجة الثانية، يريد بيتاً وسيارة وزوجة جميلة، أما الأتقياء فيحركون بالحاجة الثالثة، الاستمرار، الخلود في الجنة، فكلما ارتقت مفاهيم الإنسان، أنا مرة كنت في المغرب بمؤتمر، وعندما عدت من هذا المؤتمر إلى دمشق، الطيار كان أحد تلاميذي أحب أن يكرمني، وضعني عنده بكبين الطائرة، بغرفة القيادة يوجد كرسي ثالث، كرسي للطيار، وكرسي لمساعده، وهناك كرسي ثالث بالمنتصف، جلست، رؤية ممتعة، عندما دخلت إلى القطر من طرابلس رأيت بعيني هذه طرطوس وصيدا، رأيت مسافة أربعمئة كيلو متر بنظرة واحدة، رأيت حمص ودمشق برؤية واحدة، على ارتفاع اثني عشر ألف متر أي ثلاثين ألف قدم ترى ما مسافته خمسمئة كيلو متر بنظرة واحدة، تعلمت درساً أن الإنسان كلما علا مقامه اتسعت رؤيته، فالأنبياء دعوتهم إنسانية، ليست قومية، ولا وطنية، إنسانية، جاؤوا للبشر قاطبة، الإنسان يقل مقامه يصير قومياً، أو وطنياً، أو عشائرياً، أو قبلياً، أو أسرياً، أو عائلياً، أو ينتمي لذاته فقط، كلما اتسعت دائرة انتمائه كلما ارتقى عند الله، فأعلى درجة أن تكون إنسانياً.
المذيع :
الاستقامة طريق السلامة، كيف السعادة في هذه الحياة؟ وكيف السعادة والفوز في الآخرة؟ وكيف نستعد لامتحان الموت؟ كيف ينجح الإنسان؟ عليه أن يعرف منهج الله؟
ضرورة معرفة منهج الله للاستقامة على أمره :
الدكتور راتب:
عليه أن يعرف منهج الله كي يستقيم على أمره، الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة البالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، انطلاقاً من حبنا لذاتنا، ومن حرصنا على سلامتنا، وسعادتنا، وخلودنا، الطعام من أجل بقاء الفرد، والزواج من أجل بقاء النوع، والاستمرار يحتاج إلى بقاء الذكر، من أجل ذلك ينبغي أن نعرف الله، لا يوجد شيء اسمه حاجات متناقضة، الإنسان له حاجة واحدة السلامة والسعادة، الآن يوجد بالأرض سبعة مليارات ومئتا مليون إنسان، هل تصدق أن هناك واحداً من هؤلاء على اختلاف مللهم ونحلهم وأعراقهم، يوجد هندوس، وسيخ، ومسلمون، ومليون دين، لا يحرص على سلامته وسعادته واستمراره؟
بشكل مختصر سلامتك باتباع تعليمات الصانع، أنا أتصور نفسي آلة غالية جداً، مثلاً إذا أنت استوردت جهازاً إلكترونياً لتحليل الدم، ثمنه خمسون مليوناً، تضع نقطة دم يعطيك خلال خمس ثوان اثني عشر تحليلاً مطبوعاً، إذا كل تحليل ثمنه مئة دينار، عندك خمسون زبوناً يجلب هذا الجهاز دخلاً فلكياً، هذا الجهاز الغالي إذا الشركة أخطأت ولم ترسل لك التعليمات، فإن استخدمته من دون تعليمات أعطبته، خسرت المبلغ، وإن جمدته خوفاً عليه جمدت ثمنه، أليست في هذه الحالة الدقيقة التعليمات أهم من الجهاز؟ هذا الذي يلفت نظرنا إلى قوله تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
أيعقل أن يعلم قبل أن يخلق؟ قال: لا، هذا الترتيب ليس ترتيباً زمنياً بل ترتيباً رتبياً، ترتيب أهمية، بمعنى أن وجود الإنسان أصلاً لا معنى له من دون منهج يسير عليه، قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
جاء تعليم القرآن قبل خلق الإنسان، لم يأت قبله زمناً، أتى قبله أهمية، فالإنسان كائن بالغ التعقيد، عنده شهوات، شهوة الطعام والشراب، شهوة الجنس، شهوة التفوق، هذه الشهوات ممكن أن تتحرك بها مئة وثمانين درجة، لكن الشرع العظيم سمح لك بمئة درجة فقط، لا يوجد شهوة أودعها الله فينا - وهذا كلام دقيق وعلمي - إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها، اشتهيت المرأة تزوج، مثنى وثلاث ورباع، اشتهيت المال اشتغل، اشتهيت التفوق اعمل أعمالاً صالحة، الحاجات الأساسية في الإنسان التي يخضع لها سبعة مليارت ومئتا مليون متوافرة في الدين، ممكن أن تسلم باستقامتك، وأن تسعد بقربك، وأن تخلد بإيمانك.
المذيع :
بعد أن عرفنا الله، وعرفنا منهجه، نبدأ الآن بالتنفيذ.
الإسلام منهج تفصيلي :
الدكتور راتب:
نحن لا يوجد عندي إعجاب سلبي، يضع بغرفة الضيوف آية الكرسي، ويضع بسيارته مصحفاً، هذا الدين عنده، الدين منهج تفصيلي يصل إلى خمسمئة ألف بند، نحن نتوهم الدين عبادة شعائرية:
((بني الإسلام على خمس))
الإسلام غير الخمس، هذه أعمدة أما الإسلام فمنهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان، يبدأ من العلاقات الأسرية وهي من أخص خصوصيات الإنسان إلى العلاقات الدولية، منهج كامل، كيف تسالم، كيف تحارب، كيف توزع الثروة، هذه الموضوعات الكبرى التي يقلق لها الناس في الأرض، والتي يتحاربون من أجلها موضحة بمنهج الإسلام ليس دين عبادة فقط، دين أمة، دين اجتماعي، نحن نتوهم الدين فقط في المسجد، من قال لك ذلك؟ المسجد له مهمتان فقط، أنت في المسجد تتلقى التعليمات من خالق السماوات والأرض، تسمع خطبة يتجلى الله عليك بأنواره، أنت في المسجد تتلقى التعليمات، وفي المسجد تأخذ ثمن طاعتك، لذلك:
((أرحنا بها يا بلال ))
أرحنا بالصلاة ..
المذيع :
الاستقامة هي طريق السلامة.
الاستقامة طريق السلامة :
الدكتور راتب:
أول خطوة بعدها عمل صالح، مرة زرت معمل سيارات في أمريكا -جنرال موتورز- أنا دخلت إلى قسم محدد منه، كاديلاك، دخلت لأول مرحلة أرضية السيارة، جنبان وسقف، جاء ريبورت عمل أربعمئة وتسعين لقطة لحام مرة واحدة، ومشيت بمراحل مراحل، يوجد شريط للمحرك بالبواط، وشريط للغلاف، ومشيت حتى شغلت السيارة، أول كلمة قالها لي الدليل: هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة، لكن أنا تصوري لها غلاف معدني اسمه باللغة الأجنبية غاليسوري، ومحرك، وعجلات، ومقاعد، وسائق، وبنزين، أنا كفهم بسيط غير متعمق نزلتهم من ثلاثمئة ألف إلى خمس، الآن الدين والله لا أبالغ فيه مليون موضوع، مؤلف فيه بضع ملايين من الكتب، أنا أريد ما يجب أن يعلم بالضرورة، أي كيف؟ الذي ينزل بالمظلة يمكن أن يجهل شكل المظلة، يا ترى دائري؟ بيضوي؟ مربع؟ مستطيل؟ يمكن أن يجهل نوع الخيوط صناعية أو طبيعية، لا يعلم لونها ولا حجمها ولا خيوطها، قد يجهل المظلي عشرات المعلومات والمعطيات في المظلة، لكنه إذا جهل شيئاً واحداً ينزل ميتاً، طريقة فتحها، طريقة فتح المظلة علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة، وكذلك الدين، هناك أركان الإيمان، أركان الإسلام، الأحكام الشرعية المتعلقة باختصاصك، أنت طبيب، هذا يجب أن يعلم بالضرورة، لو معك دكتوراه بالفيزياء النووية، أنت بهذه الموضوعات أمي، يأتي طبيب إلى عندنا يحمل أعلى شهادة في العالم frs في إنكلترا، أو بورد في أمريكا، أو أكريجيه في فرنسا، إذا طبيب يحمل أعلى شهادة جاء إلى سوريا، هو أمي باللغة العربية هل تعد أميته باللغة العربية جهلاً؟ لا، لأنه يتقن لغات عديدة، لكن لم يدرس اللغة العربية، ما ولد في الشام، فحينما يجهل النبي صلى الله عليه وسلم موضوعاً أرضياً طارئاً هذا لا يقدح في علمه، الأنبياء قمم في المجتمع، قمم في علمهم، وفي أخلاقهم، وفي دعوتهم، وما لم يكن النبي قمة لا يكون نبياً أساساً، لذلك أنا أقول دائماً: يقع على رأس الهرم البشري زمرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، وشتان بين أن تملك رقبة الإنسان وبين أن تملك قلبه، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، مسافة كبيرة جداً...
المذيع :
يعد فرض عين وواجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف أركان الإيمان، وأركان الإسلام، وأركان الأحكام الشرعية المتعلقة بحياته، باختصاصه، باقي أبحاث القرآن والحديث؟
العالم طبيعته مخبرية والداعية طبيعته إعلامية و نحن بحاجة لكليهما :
الدكتور راتب:
هذا متروك للمتخصصين، إذا كان عنده وقت لا يوجد مانع، كفريضة الأحكام الشرعية المتعلقة باختصاصك، وكفريضة أركان الإيمان والإسلام، هذا سماه العلماء ما ينبغي أن يعرف بالضرورة.
الدعاة شيء آخر يجب أن يتعلموا كل شيء، لأن واجبهم أن يجيبوا عن كل سؤال، العالم طبيعته مخبرية، والداعية طبيعته إعلامية، أما كلاهما عالم، الداعية عالم لكن دعا إلى الله عز وجل، والعالم باحث، واحد عمله مخبري والثاني إذاعي، وكلاهما نحن بحاجة إليهم.
المذيع :
أليست مهمة الدعوة مكلف بها كل الناس؟
(( بلغوا عني ولو آية ))
الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط :
الدكتور راتب:
الدعوة التي هي فرض عين هذه الدعوة في حدود ما تعلم، ومع من تعرف فقط، أنت حضرت خطبة جمعة، تكلم الخطيب عن الدين، وآية الدين، تكلم تفاصيل دقيقة جداً، وأتى بالأدلة الدقيقة، أنت علمت هذا الموضوع، أنت الآن مكلف كداعية، والدعوة فرضت عليك فرض عين أن تنقل هذا الموضوع لمن حولك في حدود ما تعلم، أنت لست خطيباً في جامع، أنت مواطن، قد تكون مهندساً، ومع من تعرف، فالدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط.
المذيع :
أما العلماء فواجبهم أوسع.
الدكتور راتب:
يجب عليهم أن يأتوا بجواب لكل سؤال، يكون عنده علم عقيدة، وعلم أصول، وفقه، موضوع ثان.
المذيع :
حديثنا عن الاستقامة كطريق للسلامة، بارك الله بك دكتور.
بعض الناس يعتقد أن تطبيق الإسلام في هذا الزمان غير وارد، أن يتعايش مع الإسلام في عام 2014 وعام 2015 أمر صعب ما رأيك؟
الله تعالى منهجه لكل البشر :
الدكتور راتب:
هذا اتهام للذات الإلهية، إله علمه مطلق، خلق فسوى، عليم بخلقه، يرسل منهجاً، وما أرسلناك إلا للناس كافة، منهج لكل البشر، ولنهاية الدوران، وما يلبي حاجات البشر؟! هذا شيء من سابع المستحيلات، لكن أنا لا أبحث، أنا لا أرغب أن أصدق هذه الحقيقة، إذاً لا أبحث، إذا لم يكن بالمنهج كل مشكلة تواجه الناس إلى يوم القيامة المنهج ليس منهجاً إلهياً، كلامي دقيق جداً.
المذيع :
في بعض القضايا الحديثة لم ترد.
الدكتور راتب:
تنزل على قضايا قديمة، هناك إسقاط، التشريع في قسم منه مرن يتبدل بالمكان والزمان.
المذيع :
لكن الإسلام بتعاليمه؛ بالصلاة، والصيام، بالحجاب، بالأخلاق، بالمعاملات..
التوازن في الإسلام :
الدكتور راتب:
لا ليس فقط بالعبادات، بالمعاملات يوجد مبادئ، يوجد صدق، لا يوجد كذب، بالإسلام يوجد توازن، حتى بالمعاملات يوجد عندنا مبادئ كلية، هذه تسمى القضايا التي تعلم بالضرورة، هذه ثابتة، هذه قواعد شرعية في علم الأصول، إن شاء الله نعمل حلقة عن هذه القضايا، عندنا قواعد أساسية جميع الأحكام الشرعية تقريباً تستند إليها، هذا اسمه علم الأصول، حتى يقال إن علماء الشريعة أمام علماء الأصول عوام، أعلى مستوى علماء الأصول، ما معنى علماء الأصول؟ أي الأصل الذي يبنى عليه التشريع، عندنا قواعد أصولية، هذه القواعد هي الضابطة للتشريع، هذا موضوع من أرقى الموضوعات في الحياة.
المذيع :
الاستقامة طريق السلامة وبينت أن الإنسان يستطيع أن يطبق منهج الإسلام كاملاً في هذا الزمان، يعيش حياته ويعيش آخرته بذات الوقت.
الله عز وجل لا يتعامل بالتمنيات بل بالإيمان و السعي الكامل :
الدكتور راتب:
هنا يوجد تعليق؛ الشيء الذي نتوهم - أنا أنتقي كلمة دقيقة جداً - نتوهم أننا لا نستطيع أن نطبقه هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله، بالعقل الباطن، عندما تقول: لا أقدر، معنى أنك لا تريد، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان، عندنا في الشام عالم جليل توفي رحمه الله، حدثني عن قصة قد لا تصدق، شخص من صعيد مصر، يبعد الصعيد عن القاهرة ألف كيلو متر، أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد خمس سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فلما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي، بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك، هو بكى أسفاً على نفسه، ركب دابته، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، عندما وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر؟ لا يحفظ اسمه، هذا الشيخ اسمه زكريا الأنصاري، قالوا له: ما الأزعر؟ قال: مكان التعلم، قال: اسمه الأزهر، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر، وفي الخامسة والخمسين بدأ في تعلم القراءة والكتابة، الشيء الذي لا يصدق أنه قد تابع وما مات إلا وهو شيخ الأزهر، أعلى منصب ديني في العالم الإسلامي، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان، أقسم لك بالله زوال الكون أهون على الله من أن تطلبه ولا تصل إليه، من أن تبحث عن علم به ولا تعلم هذا العلم، الله عز وجل ينتظرنا، هناك أفكار من الشيطان، أفكار فيها تحدّ للإنسان، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان، الدليل القرآني:
﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾
إلا أن الله عز وجل لا يتعامل بالتمنيات، قال تعالى:
﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
لا يتعامل مع التمنيات إطلاقاً، يتعامل مع قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ ﴾
تحتاج إلى إرادة قطعية واضحة:
﴿ وَسَعَى لَهَا ﴾
لا يكفي، قال تعالى:
﴿ سَعْيَهَا ﴾
لا يكفي، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾
إيمان وسعي والسعي الكامل قال تعالى:
﴿ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا* كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾
عن أحد، الله ينتظرنا.
المذيع :
ما المقصود الله ينتظرنا؟
الله عز وجل خلقنا للسعادة :
الدكتور راتب:
خلقنا للسعادة، فإذا سرنا في طريق شقائنا الله لا يحب ذلك، يفرح إذا عرفناه، الله يفرح بتوبة المؤمن:
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))
ظمأن على وشك الموت فوجد نبع ماء، والعقيم يئس من أن يلد جاءه غلام، الضال الواجد شيك بمليون دينار ضيعه ولا يتعوض وجده.
المذيع :
أنا سؤالي لماذا يفرح الله بتوبة عبده؟
فرحة الله بتوبة عبده المؤمن :
الدكتور راتب:
ما معنى الكمال الإلهي؟ للتقريب، قال تعالى:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
﴿ َوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾
بحياتنا كلنا عندنا أب وأم فقط يسعدهم أن نسعد، لا يغار أب من ابنه إطلاقاً، قد يكون ابنه أكبر عالم، فقط الأب والأم يتمنيان قطعاً أن يكون ابنهما أعلى البشر، الأخ لا يغار وقد يحسد، كقصة سيدنا يوسف، إذاً يوجد إنسان في الأرض لا يسعد إلا بسلامتك هو الأب والأم، وقس على ذلك رب العزة، الله غني عنا:
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))
اذهب إلى العقبة، واركب قارباً، وأمسك إبرة واغمسها بماء البحر وارفعها، كم نقص البحر من مائه؟ النقطة الدقيقة جداً:
(( ...فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ...))
لا تقل: القدر سخر مني، لا تقل: ليس لي حظ في الدنيا، كله كلام فارغ، هناك معصية سببت متاعب.
المذيع :
كلام دسم جداً، حينما نقول إن الاستقامة طريق السلامة، وهي كلمتكم الجميلة هل يستطيع الإنسان في هذا الزمان أن يعيش مستقيماً؟ التاجر المستقيم قد لا يستطيع أن يدبر نفسه في سوق أصلاً غير مستقيم، الفتاة المستقيمة تعيش في بيئة غير مستقيمة..
على الإنسان أن يقيم الإسلام في نفسه و بيته و عمله :
الدكتور راتب:
التوجية ليس هكذا، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت بأمر إلهي يلزمك أن تعيش مع المؤمنين، ينبغي أن تقيم الإسلام في نفسك أولاً، أن تتعرف إلى الله، وإلى أمره ونهيه، ثم ينبغي أن تقيم الإسلام في بيتك، بيتك أنت وليه، أمرك به نافذ، أقم أمر الله فيما تملك- تملك بيتك- يكفك ما لا تملك، وفي عملك أنت لا تحاسب إلا على نفسك وبيتك وعملك، لكن ما سوى هذه الدوائر أنا أسعى إلى دعوتها إلى الله عز وجل.
أول شيء أن تقيم الإسلام في نفسك، عقيدتك وعبادتك وعملك الصالح.
المذيع :
هل الإنسان مسؤول عن أهل بيته؟ في هذا الزمان لا تستطيع أن تتدخل، مثلاً فتاة أخوها لا يصلي...
الدكتور راتب:
لا يمكن أن تنشأ مشكلة أسرية إلا يقابلها إهمال عندما كان الطفل صغيراً، كلام دقيق جداً أخطر سن في حياتنا من السنة الأولى إلى السابعة فقط، يأخذ عاداته، تقاليده، مبادئه، تصوراته، مهاراته، كل شيء يجب أن يغرس في الطفل من يوم ولادته وحتى سن السابعة، وبعد ذلك العوض بسلامتك، فأنا أنتبه إلى هذه النقطة، أنا أربيه على الإيمان، على الصلاة، على الحج، على الزكاة، أربيه على مبادئ الدين، وأنا أطبق الدين أمامه، وأمه تطبق الدين، ولا يوجد كلمة غلط في البيت، لا يوجد مشهد غلط ولا فيلم غلط، ما دام البيت ملتزماً الطفل ينشئ كما رأى في عينه، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، إذا الأم كذبت على زوجها أمام ابنتها، لو عملت مليون محاضرة بالصدق لانتهت كلها، في نفسك، وبيتك، وعملك..
المذيع :
أما إذا كنت تعيش في مجتمع أو في دول غير مستقيمة ما عليّ بذلك؟
الدكتور راتب:
ممكن أن يكون الإنسان بأفسق مجتمع، عليك بنفسك فقط، هذه قضية مفروغ منها، لا يوجد إنسان يستطيع أن يدخل لفكرك يعرف ماذا تعتقد، هذه تملكها أنت، ولا إنسان يستطيع أن يمنعك أن تصلي في بيتك، لا يوجد إنسان يمنعك من الصدق، لا تكذب، الشيء الأساسي في الدين يستطيع أن يفعله أي إنسان في أي مكان في الأرض.
المذيع :
الاستقامة طريق السلامة، هل تشمل الاستقامة في السلوك فقط أم في الحب؟ في الإنفاق؟
الاستقامة واسعة تشمل كل شيء :
الدكتور راتب:
في أوسع معانيها، الاستقامة والعمل الصالح إذا تفرقا كل واحدة لها معنى، وإذا اكتفينا بواحدة تعني الثانية، إذا قلنا: الاستقامة تعني مع العمل الصالح، وإذا قلنا العمل الصالح أي الاستقامة، إذا قلنا الاستقامة والعمل الصالح، الاستقامة سلبية، أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، ما غششت، الاستقامة ترك، والعمل الصالح عطاء، إذا اكتفينا بالاستقامة تعني العمل الصالح، وإذا اكتفينا بالعمل الصالح فيعني الاستقامة، أما إذا تنوعتا فكل وحدة لها معنى.
المذيع :
أكبر طموح عند الإنسان أن يخرج وقد ربح كل شيء، قد ربح قرب الله..
الدكتور راتب:
ربح معرفته، وربح طاعته، وربح جنته.
المذيع :
الإنسان يسعى إلى أن يربح كل شيء، ومكان في الجنة، أن يربح الدنيا، كيف يمكن للمسلم أن يربح الدنيا والآخرة من خلال الاستقامة؟
من لا يتفوق في دنياه لا يحترم دينه :
الدكتور راتب:
والله الذي لا إله إلا هو أقول هذه الكلمة للتاريخ الآن: إن لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا، هذا إيماني، العالم الغربي يتباهى بالتفوق، فنحن إذا كنا لا نملك شيئاً نتفوق فيه، وأن نقف نداً لند أمامه، لا يحترمنا، سأقول كلمة دقيقة وقد تكون نابعة من ظروف معينة: إن لم نتفوق في دنيانا لا يحترم ديننا..
المذيع :
هل ننشغل في بناء الدنيا أم الآخرة؟
الانشغال ببناء الدنيا و الآخرة معاً :
الدكتور راتب:
نجمع بينهما، كل واحد له اختصاص، أنا أؤدي فرائضي والسنن المؤكدة، وأقوم بعمل متفوق، ماذا يريد منك الدين؟ الصلوات الخمس، وغض البصر، وضبط اللسان، وضبط الجوارح، هذه أفعلها في عملي وبيتي، ما كلفك الدين شيئاً فوق طاقتك، الدين سمح لك بالعمل، والعمل جزء من الدين، عملي فيه إتقان، عملي فيه هدف، أنا أتفوق حتى أكون الطبيب الأول، همته عالية.
المذيع :
لا بد للإنسان من أن يجعل للدنيا نصيباً؟
بطولة الإنسان أن يعطي لا أن يأخذ :
الدكتور راتب:
فامشوا في مناكبها، امش بأطرافها لا تغص بها، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، هذه آية قرآنية:
﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾
المذيع :
مثال.
الدكتور راتب:
أنت لك بيت نموذجي يحقق مصالحك، فيه دفء في الشتاء، بالصيف معقول، غرفه واسعة، ممكن للبنات غرفة، وللصبيان غرفة، عندك مركبة ليس شرطاً أن تكون أغلى مركبة، وعندك عملك يغطي حاجاتك، من قال له: المؤمن يده سفلى، البطولة أن تعطي لا أن تأخذ.
المذيع :
تكون ثرياً؟
الدكتور راتب:
لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه قوتاً ـ كفافاً ))
الكفاف لا يعني فقيراً ولا يعني أنه ثري ثراء فاحشاً، كل حاجاته مؤمنة، له بيوت ولأولاده، وله دخل معقول.
المذيع :
إذا كان غنياً يستطيع أن ينفع الأمة أكثر؟
المترف ينفق ماله للتباهي فقط :
الدكتور راتب:
طبعاً لكن الغنى فيه مذلة:
(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه قوتاً ـ كفافاً ))
الغنى صار معك ملايين مملينة، لم تعد زوجتك تعجبك وهي محجبة، تريدها سافرة حتى تتباهى بها، إذا معك ملايين لم يعد يعجبك عيد الفطر، تريد أعياد الميلاد، تصبح مترفاً، وثماني آيات بالقرآن المترفون ضالون.
المذيع :
من هو المترف؟
الدكتور راتب:
الذي ينفق نفقة للتباهي فقط.
المذيع :
إذا الله فتح على عبده بملايين مملينة يؤدي حق الله عز وجل.
الدكتور راتب:
قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا...
المذيع :
هذا المنهج غاب عن فهمنا للإسلام بهذه الوسطية الراقية، هل تحب أن تقول رسالة؟
التفوق في الدنيا والآخرة معاً ليس مطلباً عسيراً :
الدكتور راتب:
أنا أرى التفوق في الدنيا والآخرة معاً ليس مطلباً عسيراً، أنت حينما تعرف الله، حينما تطلب العلم، حينما تلزم بعض مجالس العلم، حينما تستقيم على أمر الله، أنت أقمت الإسلام في نفسك أولاً، ثم أقمته في بيتك ثانياً، ثم في عملك ثالثاً، أنا حينما أتفوق في دنياي وفي ديني أستطيع أن أكون مثلاً أعلى لمن حولي.
المذيع :
نعيش الدنيا ولعلها تكون مطية للآخرة، الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء..
الدعاء :
الدكتور راتب:
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد الأردن آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، حديثنا عن الاستقامة طريق السلامة، جعل الله حياتنا مليئة بالاستقامة وبالسلامة، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، نلتقي الثلاثاء المقبل في الساعة الثالثة، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.