الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس العشرين من دروس العقيدة الإسلامية.
وصلنا في الدرس الماضي في موضوع الملائكة إلى أعداد الملائكة، فالملائكة لا تُحصى أعدادها، وهناك ما يثبت ذلك، فقد قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ ومَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ومَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ويَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ولَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ والْمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو ومَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)﴾
فالملائكة من جنود الله عز وجل، ومن جنود الله عز وجل الكائنات الدقيقة التي لا تُرى بالعين، قد تأتي هذه الجنود فتضع الرجل في القبر، فهذه من جنود الله عز وجل، على كل الملائكة من جنود الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو﴾ هذا النفي والاستثناء المقصود به أن أعداد الملائكة لا تُعدّ ولا تحصى، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( وعن أَبي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ :إِنِّي أَرى ما لا تَرَونَ، أَطَّتِ السَّماءُ، وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا ومَلَكٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجِدًا لله تَعَالى، واللَّه لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، و لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، ومَا تَلَذَّذْتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، و لَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى. ))
[ رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ ]
أي هذه السماوات ما فيها موضع قدم إلا وفيه –في هذا الموضع-ملك ساجد أو راكع.
السماوات كما تعلمون المسافات بين النجوم يصعب على العقل تصورها، أي الفضاء الخارجي شيء لا يُصدَّق، بين المجرات مسافات شاسعة الله سبحانه وتعالى ذكرها في كتابه الكريم قال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ(75)وإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾
إذا كان أقرب نجم للأرض عدا المجموعة الشمسية يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية، أي إذا ظهر منه ضوء إلى أن يصل الضوء إلينا يحتاج إلى أربعة آلاف عام، ضوء القمر يصل إلينا في ثانية واحدة، ضوء الشمس في ثماني دقائق، المجموعة الشمسية ثلاث عشرة ساعة، نجم القطب أقرب نجم إلى الأرض عدا المجموعة الشمسية، يحتاج ضوءه إلى أربعة آلاف سنة ضوئية، لو أن هناك طريقاً إليه وركبنا سيارة لاستغرقت الرحلة أكثر من سبع وعشرين مليون مليون سنة، هذا أقرب نجم، أبعد نجم اكتُشف حديثاً ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية، هذا أبعد نجم اكتشف حديثاً، ومعنى ثلاثة عشر ألف مليون سنة أي ضوء هذا النجم كان قد تألق والنجم في هذا المكان ومضى على تألقه ثلاثة عشر ألف مليون سنة، والآن وصل إلينا، الآن أين هذا النجم؟ لا ندري، يوم كان في هذه الجهة وأصدر ضوءه استغرق ضوءه حتى يصل إلينا ثلاثة عشرة ألف مليون سنة، أين هو الآن؟ لا ندري، هذه المجرات سرعاتها تقترب من سرعة الضوء، أي هذه المجرات تقطع في الثانية الواحدة مئتين وأربعين ألف كيلومتر، في الثانية الواحدة، وكانت في هذه الجهة قبل ثلاثة عشر ألف مليون سنة فأين هي الآن؟ إذا كانت تقطع في كل ثانية مئتين وأربعين ألف كيلومتر، وقد مضى على تحركها ثلاثة عشر ألف مليون سنة، فأين هي الآن؟ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ * وإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ لو تعلمون، لو تدرسون، لو تطّلعون على حقائق الفلك، لو تُوضع هذه الحقائق بين أيديكم لخشعتم لله عز وجل، لذلك يقول الله عزّ وجل:
﴿ ومِنَ النَّاسِ والدَّوابِّ والْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
العلماء وحدهم يخشون الله، أي كن عالماً حتى تخشى الله، ولن تخشاه إلا إذا كنت عالماً، ولا يستخف بأوامر هذا الدين إلا الغبي الجاهل الأحمق، ((أطّت)) أي صوتت لكثرة الملائكة، أي مثلاً لو أن غرفة أرضيتها من الخشب، وجلس في هذه الغرفة ما يزيد عن طاقة استيعابها، سمعت لهذا الخشب صوتاً، صوت الخشب دليل أنها تحمل فوق طاقتها، فمعنى ((أطّت)) أي صوتت لكثرة الملائكة، ((أطت السماء وحُقّ لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع)) .
الآن أصناف الملائكة، أعدادهم إذاً ما في هذه السماوات، وما في هذا الفضاء الخارجي موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع.
1- جبريل عليه السلام ووظيفته:
أما أصنافها ووظائفها فقد جاء في النصوص الشرعية أن الملائكة أصناف، وكما قلت لكم في الدرس الماضي إن هذا الموضوع له مصدر واحد هو كتاب الله وما صحّ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نستطيع أن نزيد على النصوص شيئاً، لا إضافة، ولا تحليلاً، ولا تفخيماً، ولا حذفاً أبداً، هذا الموضوع مسلك الإيمان به مسلك الخبر الصادق، والخبر الصادق هو القرآن الكريم لأنه قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، يضاف إلى القرآن الكريم ما صحّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك الصنف الأول أكابر الملائكة، ومن أكابر الملائكة سيدنا جبريل وميكائيل، وفي التنويه بهما قال الله تعالى:
﴿ مَنْ كَانَ عَدُوا لِلَّهِ ومَلَائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُو لِلْكَافِرِينَ (98)﴾
ورد اسم سيدنا جبريل واسم سيدنا ميكال أو ميكائيل، أما جبريل عليه السلام فهو صاحب الوحي إلى الأنبياء والرسل عليهم السلام، وفي التنويه بوظيفته هذه وأمانته قال الله تعالى في سورة الشعراء:
﴿ وإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)﴾
بماذا وُصِف؟ بالأمانة.
﴿ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)﴾
فسيدنا جبريل من أسمائه في كتاب الله أنه أمين وحي السماء، من أسمائه أنه الروح وهذا الروح أمين، ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أفضليته، إذ شرّفه فخصه بالذكر، وقدمه في الترتيب على سائر الملائكة، وجعله ناصراً لرسوله في معرض تهذيب نساء الرسول إذا تظاهرن عليه:
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾
الله سبحانه وتعالى وجبريل وصالح المؤمنين كما يُقال في تفسير هذه الآية أبوبكر وعمر ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ كل هؤلاء ليقفوا في وجه كيد النساء، قال الله:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)﴾
﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ خالق السماوات والأرض ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ ما هذا الكيد يا رب؟ لذلك لما ربنا وصف كيد الشيطان قال:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾
فلما وصف كيد النساء قال: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ نعوذ بالله من كيد النساء، أحياناً امرأة واحدة تسبب خصومات وقطيعة بين عشر أسر، وقد تودي إلى الطلاق، وقد تودي إلى الجريمة، والخبراء في الجرائم يقولون: في كل جريمة فتش عن المرأة، طبعاً هذا استنباط جانبي، الحديث عن الملائكة، أما الحديث عن كيد النساء موضوع جانبي.
وسمّاه الله روح القدس، والقدس خُلاصة الطهارة وأصلها وسرّها، شيء مقدس، طاهر، نقي، وذلك تكريماً له، فقال تعالى في سورة البقرة:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)﴾
ومدحه الله سبحانه تعالى في ست صفات -سيدنا جبريل-معروضة في كتاب الله فقال في سورة التكوير:
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)﴾
فهو رسول وفي هذا اصطفاء، وهو كريم وفي هذا تشريف، وهو ذو قوة وهو مكين أي ذو مكانة، وهو مُطاع بين الملائكة، لذلك قال بعض العلماء: إنّ جبريل رئيس الملائكة، والجان رئيس الجن، ومما يدل على رياسته-لك أن تقول: رئاسته ورياسته، رئاسته على التحقيق، ورياسته على التخفيف وعلى التسهيل-أنه أمين في تبليغ رسالات ربه القولية والعملية، هذا عن سيدنا جبريل.
2- ميكائيل وإسرافيل ووظيفتهما:
أما ميكائيل أو ميكال فقد ورد أنه صاحب أرزاق العباد الموكل بها، ومن جُملة أكابر الملائكة الذين وردت بهم الأخبار إسرافيل، أما إسرافيل فقد ورد أنه صاحب الصور:
﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)﴾
الذي ينفخ فيه بأمر الله النفخة الأولى فيهلك من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، استثناهم من الموت بهذه النفخة، لأن الله يتولى قبض أرواحهم بدون وساطة في نفخة الصور، ثم ينفخ فيه النفخة الثانية فيبعث كل المخلوقات إلى الحياة بعد الموت، هذه وظيفة سيدنا إسرافيل، قال تعالى:
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)﴾
الصور طبعاً البوق، من دون تشبيه أو من دون تجسيد لا نعلم، الله عز وجل قال الصور، ومعنى الصور البوق، والبوق كما قال العلماء: مخلوق أعدّه الله ليكون به النفخ لإهلاك الأحياء في السماوات والأرض عند قيام الساعة.
أما عزرائيل فهو ملك الموت، لا بنص كتاب الله ولكن كما جاء في بعض الأخبار المأثورة، أي كلمة عزرائيل لم تَرِد حتى في الأحاديث الصحيحة، وردت في الأخبار المأثورة، لكن عزرائيل اسمه شائع جداً بين الناس لشدة علاقتهم به، أي بعض الروايات بعد أن يُهلِك الله سبحانه وتعالى من في السماوات والأرض تنفيذاً لقوله تعالى:
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)﴾
فعزرائيل يأمره بقبض أرواح كل مخلوق، ولا يبقى إلا هو، فيقول الله سبحانه وتعالى: مُت يا ملك الموت، فيذوق طعم الموت، فيقول: والله لو أعلم أن هذا طعم الموت ما تمنيت أن تكون هذه وظيفتي، لأن سبحان الله! كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. ))
أعاذنا الله منها.
من أصناف الملائكة أيضاً حملة العرش، ليس معنا إلا هذه الآية:
﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)﴾
لا تستبعدوا هناك آيات لا ندري تفسيرها إلا بعد الموت، أي كيف يحمل هؤلاء عرش الله عز وجل؟ الله أعلم، هكذا ورد في القرآن الكريم.
صنف آخر هم الحافون، الحملة شيء، والحافون حوله شيء آخر، قال تعالى:
﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)﴾
من أصناف الملائكة أيضاً ملائكة الجنة، ففي وصف أهل الجنة قال الله تعالى في سورة الرعد:
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)﴾
من أصناف الملائكة أيضاً ملائكة النار، واسمهم الزبانية، فقد وصف الله تعالى سقر مبيناً أن المشرفين على العذاب فيها تسعة عشر من الملائكة فقال تعالى:
﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) ﴾
هذا الذي:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾
طبعاً ملائكة النار غلاظ شداد، السجان يكون ناعماً؟ لا، ينتقون شخصاً منظره مخيف، ويده قوية، وقوته العضلية شديدة، وقلبه قاس، هذا يصلح للسجن، أما أن يختاروا إنساناً لطيفاً، رقيق القلب، حساس المشاعر، مستحيل، فربنا قال: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .
وفي تسمية ملائكة التعذيب بالزبانية ورد هذا في قوله تعالى:
﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾
رئيس ملائكة النار وخازنها اسمه مالك، العوام يقولون: من هالك لمالك لقبّاض الأرواح، والدليل على ذلك من قوله تعالى:
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾
أجمل وصف أو أدق وصف أن من كان في النار:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74)﴾
لا يموت فيستريح ولا يحيا فيسعد، ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا﴾ ، ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ .
8- صنف من الملائكة موكلون ببني آدم ولكل واحد حسب وظيفته:
الآن هناك من أصناف الملائكة صنف موكل ببني آدم، وهؤلاء أصناف؛ منهم الموكلون بنفخ الأرواح في الأجنة، هذا صنف، ومنهم الموكلون بمراقبة أعمال المكلفين، وحفظها، وإحصائها، وتسجيلها، وكتابتها في صحف الأعمال، وعندهم القدرة على علم جميع ما يفعله الناس من خير أو شر فيحصونه إحصاء تاماً، دونما غفلة عن شيء منه أو نسيان لشيء منه، قال تعالى:
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾
﴿الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ الملكان.
الحركة، السكنة، اللفظة، الكذب، الفحش، المزاح الرخيص، الغيبة، النميمة، الاستهزاء، السخرية، الكبر: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ لكن العلماء نهوا عن أن يسأل الإنسان كيف يكتبون؟ كيف يُسجلون؟ هذا شيء في علم الله سبحانه وتعالى، الذي يعنينا أنهم يكتبون، أي يوم القيامة يأتي الإنسان وكتابه فيه كل كبيرة وصغيرة:
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)﴾
في آية أخرى:
﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)﴾
هذه المسجلة تسجل كل صوت، لكنها لا تعلم أن هذا الكلام حق أو باطل، خير أو شر، فالملائكة ليسوا كائنات يتلقفون أعمال الإنسان من دون فهم، لا، هم يعلمون أن هذا العمل خيّر وهذا العمل شرير، هذا العمل يُرضي الله وهذا العمل يُسخط الله، هذا العمل يرضى الله عنه وهذا العمل يُسخط الله، يعلمون، لذلك جاء في بعض الأحاديث الشريفة أن الله عز وجل رحمة بعباده جعل الملك الذي على الكتف الأيمن أميراً على الملك الذي على الكتف الأيسر، فإذا فعل الإنسان سيئة لا يستطيع ملك الشمال أن يُسجل إلا بأمر من ملك اليمين، ملك اليمين ينتظر لعله يتوب، لعله يندم، لعله يُراجع نفسه، لعله يُصلح، لعله يتألم، إذا فعل الإنسان الشر، وأصرّ عليه، وافتخر به، ولم يتب منه، ولم يندم عليه، عندئذ يأمر ملك اليمين ملك الشمال أن يكتب عليه هذا العمل:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾
أما الآية دقيقة جداً ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ كيف ذلك؟ رجل زنا، الزنا كُتِب عليه بعد أن يزني ودون أن يتوب، ودون أن يستغفر، بعد أن يفعل هذه المعصية يُكتب عليه هذا العمل، هذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ إذاً: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ هذه الفتاة التي أصبحت زانية، أعادت الكرة فأصبحت مومساً، أنجبت أولاداً بالحرام فجعلتهم يفعلون فعلها، لو تتبعت ما أتى من هذه الزانية لألف عام قادمة قد يكون هناك خمسة آلاف مومس جاء من هذه الزانية، هذه آثار الزنا، فيكتب على الزاني الأول فعله والآثار المترتبة على فعله، هذا الذي طلّق هذه المرأة طلقها ظلماً فكفرت بربها لأنها حنقت على زوجها الذي يصلي، يصلي وطلقها لسبب تافه فحنقت عليه، حينما حنقت عليه تركت الصلاة، لأنها جاهلة، عندئذ خرجت عن طريق الحق، فعلت ما فعلت، كل الذنوب التي ترتكبها هذه المرأة وذريتها إلى يوم القيامة في صحيفة الذي طلقها ظلماً.
إن الطلاق يهتز له عرش الرحمن، فالإنسان قبل أن يُطلق يجب أن يعد للمليون، للمئة مليون، ولا سيما إن كان له أولاد من هذه الزوجة، والله الذي لا إله إلا هو هذه الآية تقصم الظهر، ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ أي حينما كُلفت بتصليح هذه السيارة، لم تعتن بضبط أجزائها، أعطيتها لصاحبها يركب مع أهله وأولاده وزوجته تدهورت به، مات الزوج وماتت الزوجة، وبقي أولاد صغار، الأولاد الصغار لا معيل لهم، لا مربّ لهم، نشؤوا منحرفين، من يُصدّق أنَّ هذا الذي أهمل تصليح السيارة سيُحاسب عن هذهِ الآثار؟ ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ﴾ إنسان أرسل ابنه إلى بلاد الأجانب ليتعلّم اللغة الأجنبية، الأصول أن يجلس في غرفة عند أسرة، هذه الأسرة متفلتة من الأصول، أي موضوع الزنا سهل عِندهم، فذهب إلى هذه البلاد وعاد يُتقن اللغة الإنكليزية لكنهُ عادَ زانياً، الله عزَّ وجل يُريهِ يومَ القيامة أنَّ هذا الابن الزاني كيف اختار امرأةً زانية؟ وكيف أنجبَ منها ذُريّةً سيئة فاسدة؟ وكيفَ أنَّ كُل الانحراف بسبب أنه أرسله ليُتقن اللغة الأجنبية فيُحاسب عن كُل هذا الفساد، فهذه الآية دقيقة جداً: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ﴾ .
9- صنف من الملائكة موكلون ببني آدم يحفظونهم من كل شر:
ومن أصناف الملائكة الموكلين ببني آدم المعقبات الحفظة، الذين يحفظون الناس بأمر الله من شرّ كل ذي شر خفي أو ظاهر، أي طريق خطر، أنت تقول: أنا احترت، اخترت هذا الطريق، هناك ملك ألهمك أن تسير بهذا الطريق، أحياناً إنسان شرير يُصرف عنك، هناك ملك صرفه عنك، أحياناً تنسى الكهرباء مفتوحة، والكهرباء مقطوعة، لو أنها جاءت في الليل لأحرقت المحل، بعد أن خرجت خمسين متراً تعود إلى المحل لتطفئ الكهرباء من الذي أرجعك إلى المحل؟ الملائكة، والدليل قوله تعالى:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
حياة كُل واحد منا إذا كان طاهراً مؤمناً مستقيماً يحس أن الله عزّ وجل نجّاه من آلاف الورطات، من آلاف المشكلات، إبريق شاي على الطاولة، يخطر في بالي أن أدفعه للداخل، يكون الابن يده على الإبريق سيشده، لما دفعته إلى الداخل سلم، كان صار مع ابني مشكلة كبيرة جداً، ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ وهؤلاء الصغار الملائكة يحفظونهم بأمر الله، قد يقعون مئة مرة على الأرض، تسمع صون جمجمته مثل الطنين، يقف لا شيء فيه: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أحدهم أخبرني أن ابنه الصغير وقع من مقعد الجلوس إلى الأرض على السجادة مسافة أربعين سنتمتراً، صار عنده خرّاج في الدماغ، وفُتحت الجمجمة، وكلفته عشرات الألوف، وقلق، أي الله عز وجل إذا كان حفظ فإنه يحفظ.
أي إن للإنسان ملائكة يتعقبونه لا يفارقونه بل يُرافِقونَهُ في جميع الجهات، من بين يديه ومن خلفه، يحفظونه من المخاطر الظاهرة والخفية بأمر الله، وضمن حدود قضاء الله وقدره.
أحدهم يقول لك: كنت أقود سيارتي على الطريق فنمت، رأيت مناماً والسرعة كانت مئة وعشرين، بعدها صحا لا يزال على الطريق، من أيقظه؟ ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ من هذا القبيل هناك ملايين القصص، هذه الآية دقيقة جداً، وهذه الآية تبث المحبة في قلبنا تجاه الله عز وجل: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ للإنسان ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ لما الإنسان يسافر هناك دعاء للسفر: "اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد" ، أنت مسافر، زوجتك أرسلت ابنك يحضر خبزاً، يا ترى بالطريق يوجد سيارات، يوجد أشرار، يوجد عتاة، من يحفظه في الطريق؟ الله سبحانه وتعالى، أرسلت ابنتك الصغيرة إلى المدرسة في الصف الأول، لا يوجد عندها وعي، قد تأتي سيارة مُسرعة، قد تقطع الطريق بشكل غافل، من يحفظها؟ الله سبحانه وتعالى، فإذا الإنسان سافر وقرأ الدعاء: "اللهم أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد" ، الله سبحانه وتعالى يتفضل ويحفظ لك أولادك وزوجتك، سافر واطمأن، الله سبحانه وتعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
والملائكة يحفظون هؤلاء لأنك دعوت الله قبل أن تسافر.
10 ـ الموكلون ببني آدم ملائكة الموت:
ومن هؤلاء الموكلون ببني آدم ملائكة الموت، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)﴾
هؤلاء الرسل سبحان الله! يأتون إلى المؤمن بأجمل صورة، شخص على فِراش الموت وأولاده من حوله قال لهم: قبِّلوا يد عمّكم، أين عمهم؟ لا يوجد أحد، أحبّ الناس إليه أخوه فجاءه ملك الموت بصورة أخيه، أحياناً يأتي ملك الموت بصورة صاحب حميم، بأجمل صورة، هؤلاء الرسل، وقد يأتي ملك الموت بأبشع صورة، قد يأتي على شكل ثعبان أقرع، أو على شكل مخلوق مخيف، شخص طرقَ الباب على صديقه، سمع صُراخاً وعويلاً فتوقّع أنّ الشخص ميتٌ، يموت فغادر، بعدما غادر فُتِحَ الباب تفضل، استغرب! دخل لِعنده وجدهُ يرتجف فسألهُ: خيراً؟ قال له: هل تُشاهد هذه الطاقة خرج منها واحد مُخيف، ذو قرون، وجهه كبير، أسود، أظافرهُ طويلة، كان يريد أن يخنقني، طبعاً هذا ملك الموت.
إنسان يُخبر الإطفائية حريقة، أين الحريقة؟ لا يوجد شيء، جاؤوا الملائكة، فرسل الموت يأتون للمؤمن بأبهى صورة، شخص مشلول بالفراش، توفي بعد ذلك، شاهده ابنه بالمنام، قال له: يا أبت ما فعل الله بك؟ قال له: لما كنت أنا مريضاً الذي آلمني منكم جاء اثنان حركوني شفوني أنتم بكيتم، أنا لم يعد بي شيء، عندما كنت مريضاً كنتم ساكتين ولما شفيت بكيتم؟ اثنان بشكل ممرضين أو طبيبين عالجوه علاجاً خفيفاً، قال لهم: من دون إبر، خاف أن يكون هناك إبر، لا، لا يوجد إبر، معالجة خفيفة ومشى معهم وذهب للنزهة، طبعاً عندما يكون الإنسان قد قضى حياته بالطاعة، بضبط نفسه، بغض بصره، بتحرير دخله، بالإحسان إلى الناس، بذكر الله، يستحق أن يموت ميتة يشتهيها كل إنسان، ينقلب القبر روضة من رياض الجنة، وفي آية أخرى:
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)﴾
رسلنا الملائكة، وملك الموت رئيس ملائكة الموت كما رود في الأخبار أو في الآثار سيدنا عزرائيل.
من تفسيرات بعض الآيات:
﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)﴾
النازعات ملائكة الموت ينزعون أرواح الكفار نزعاً، والناشطات ملائكة الموت يأخذون أرواح المؤمنين أخذاً نشطاً، وبعضهم قال: هناك ملائكة موكلون بأمور أخرى.
من تفسيرات هذه الآية:
﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)﴾
﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)﴾
من بعض تفسيرات هذه الآيات أنها الملائكة، ولها تفسير آخر أنها آيات كونية، على كل هناك مهمات أخرى لا يعلمها إلا الله.
ملخص هذا الفصل: الملائكة مخلوقات مُغيبة عنا، لا نراها، ذات أجسام نورانية لطيفة، لا نراهم في الحالات العادية، في الحالات غير عادية نراهم، قادرون على التشكل بالأشكال الجسمانية المختلفة المرئية لنا، ذوو قدرات خارقة، قال الله:
﴿ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)﴾
هذا الجني.
﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)﴾
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ الملك، عرش الملكة بلقيس ينتقل من اليمن إلى القدس قبل أن يرتدّ إليك طرفك؟! أخي والله البضاعة شحنت، صار لها شهر، طبعاً، لأنها باخرة، تحتاج إلى شهر، شهر شحن البضاعة، وشهر استلامها، وشهر تخليصها، قال له: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ فالملائكة ذوو قدرات خارقة لا حصر لهم، مقربون إلى الله تعالى، مقربون إلى الله تعالى، طائعون له، لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لا يتناكحون، لا يتناسلون، لا يأكلون، لا يشربون، إنما هم عباد مكرمون يحملون رسالات ربهم في العالمين، ويؤدون وظائفهم في الأكوان بحسب مجرى الأقدار، لا يوجد لهم رأي خاص، بحسب مجرى الأقدار، يحفظونه بقضاء الله وقدره، ملائكة العذاب يعذبونه بقضاء الله وقدره، ليس لهم انفصال عن أوامر الله عز وجل، يُنفذون أوامر الله بحذافيرها، على مراد الله العزيز الجبار.
بهذا ينتهي موضوع الملائكة وسوف ننتقل في الدرس القادم إلى موضوع الجن، والاعتقاد بوجودهم.
الملف مدقق