وضع داكن
11-01-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 19 - الإيمان بالملائكة - صفاتها
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

أصول العقيدة ينبغي على المسلم أن يؤمن بها بالضرورة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع عشر من دروس العقيدة، إن شاء الله تعالى سوف نجعل دراسة أسماء الله الحسنى على شكل تفكُّر في آيات الله، ففي دروس قادمة إن شاء الله تعالى نخصص كل شهر لاسم من أسماء الله الحسنى، نكلفكم التفكر في آيات الله الدالة على هذا الاسم بالذات، شيء مهم جداً أن يتعرف المؤمن إلى أسماء الله الحسنى، إلى اسم القدير، إذا أُلقيت عليكم بضع كلمات أو درس حول اسم القدير هذا شيء يُنسى:

مَنْ أَخَذَ البلادَ بغيرِ حربٍ                    يهونُ عليهِ تَسليم البلادِ

[ محمود سامي البارودي ]

* * *

أريد في موضوع أسماء الله الحسنى أن يُسهم كل واحد منكم في التعرف إليها من خلال استقراء آيات الكون، هذه طريقة مثلى في ترسيخ معرفتكم لأسماء الله الحسنى.
رأيتم قبل درسين أو أكثر، أو في درس السبت في درس المذاكرة، سألت الإخوة الحاضرين عن اسم اللطيف فجاءتني والله آيات من الكون تدل على هذا الاسم شيء يبعث في النفس الغبطة، بعضهم قال لي: المطر، أي حجم حبة المطر دليل اسم اللطيف، بعضهم قال لي: الهواء، بعضهم قال لي: حركة السحاب، هناك أدلة كثيرة، فإن شاء الله تعالى أسماء الله الحسنى لن أجعلها درساً طارئاً تُتلى بعض أفكاره عليكم إلقاءً، لكنني آثرت أن أجعلها استقراءً، أي أنتم تُسهمون في التعرف لأسماء الله الحسنى عن طريق التفكر في ملكوت السماوات والأرض، وهذه الطريقة أنا قانع بأنها أكثر جدوى من أية طريقة أخرى فيها إلقاء، والمستمع يأخذ دور التلقي، فإن شاء الله تعالى في دروس قادمة نخصص كل درس أو كل شهر بحسب الغنى الذي تُبْدونه في إيراد الآيات الدالة على اسم من أسماء الله الحسنى.
واليوم ننتقل إلى ركن آخر من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالملائكة، تعلمون أن أركان الإيمانِ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى، هذه أركان الإيمان، في دروس سابقة أنهينا موضوع الإيمان بوجود الله، أما الإيمان بأسمائه الحسنى سنأخذها تباعاً، وننتقل اليوم إلى الإيمان بالملائكة.
بالمناسبة هناك اصطلاح لعلماء الأصول وهو أن هناك عقائد يجب أن نؤمن بها بالضرورة، فهناك قائمة للعقائد التـي ينبغي أن نؤمن بها بالضرورة، فمن لم يؤمن بأحدها فهو كافر قولاً واحداً، وهناك عقائد من ردّها أو من قبلها لا يُكّفر، فنحن الآن في صدد العقائد التي على المسلم أن يؤمن بها بالضرورة، فالإيمان بالـلـه أساس أركان الإيمان كلها.
 

مسلك الإيمان بالغيبيات هو اليقين الإخباري:


لا تنسوا أيضاً أن هناك إيماناً تحقيقياً، وأن هناك إيماناً تصديقياً، وهذا فصلته في دروس سابقة، كيف أن هناك مسلكاً لليقين عن طريق الحواس الخمس، هذا كأس ماء أمسكه بيدي، وأراه بعيني، وأتذوقه بفمي، وأنظر إليه، وإذا صببته أسمع صوت خرير الماء، فالإيمان بهذا الكأس إيمان حسي، وقد أؤمن بأن في الأسلاك التي في هذا المسجد كهرباء، والدليل تألق المصابيح، فيقيني بوجود الكهرباء في الأسلاك يقين استدلالي قطعي، هذا تحدثنا عنه سابقاً، لكن الشيء إذا غاب عني وغابت عني آثاره كالملائكة وكالجن وكاليوم الآخر وكعالم الأزل هذه المُغيبات ليس للإيمان بها إلا مسلك واحد ألا وهو مسلك اليقين الإخباري، إذاً نحن اليوم في صدد الإيمان بالملائكة نسلك سلوك اليقين الإخباري، لكنكم تذكرون أنه في الإيمان بالله عز وجل سلكنا سلوك الاستدلال العقلي، قلنا الدليل الأول، والدليل الثاني، والدليل الثالث، والدليل الرابع، في الإيمان بالله سلكنا مسلك اليقين الاستدلالي، وفي الإيمان بالملائكة سنسلك مسلك اليقين الإخباري.
وعلماء الأصول قالوا: يجب أن نبقى في حدود النص، فأي زيادة أو أي مبالغة أو أي تحليل أو أي إضافة هذا يعد ظنياً وليس قطعياً، الشيء القطعي هو الذي أخبر الله عنه، وأخبر عنه النبي بالنص، أما أن تقول: هناك ملك اسمه كذا، لم يرد هذا الاسم في كتاب الله، قال تعالى:

﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾

[ سورة الزُخرف ]

إذاً سيدنا مالك يجب أن تؤمن به بشكل قطعي لأن اسمه ورد في النص، إذاً نحن في الإيمان بالملائكة إيماننا بالملائكة من نوع الإيمان التصديقي بعد أن آمنا بالله.
 

الإيمان بالملائكة من أركان العقيدة الإسلامية:


إذاً ها هو ذا ربنا سبحانه وتعالى يُخبرنا، إذاً الإيمان بالملائكة من الإيمان بالكليات التي يجب أن نؤمن بها بالضرورة، فمن أركان العقيدة الإسلامية الإيمان بالملائكة، قال تعالى في صفة عقيدة المؤمنين، ما من فكرة ألقيها عليكم اليوم إلا مأخوذة من آية قرآنية حصراً:

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)﴾

[ سورة البقرة ]

وقد قال الله تعالى مُثْبتاً ضلال من يكفر بالملائكة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)﴾

[ سورة النساء ]

الإيمان بالملائكة ركن أساسي في الإيمان، وإنكار الملائكة أحد أبواب الكفر، وقد جاء الحديث عن الملائكة في القرآن الكريم في مناسبات مختلفة، في نحو خمس وسبعين آية في ثلاث وثلاثين سورة، الملائكة وردت في كتاب الله  في خمس وسبعين آية، وفي ثلاث وثلاثين سورة، كما جاء في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام طائفة كثيرة فيها ذكر للملائكة، فالحديث المشهور الذي يرويه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتضمن أسئلة جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة، هذا حديث مشهور:

(( حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. ))

[ صحيح مسلم ]

(( النبي عليه الصلاة والسلام قال حينما شكاه سيدنا حنظلة الذي رآه الصديق في الطريق يبكي، كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قالَ: ثُمَّ جِئْتُ إلى البَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ المَرْأَةَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بالحَديثِ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما فَعَلَ، فَقالَ: يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ولو كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كما تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، حتَّى تُسَلِّمَ علَيْكُم في الطُّرُقِ. وفي رواية: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَديثِهِمَا. ))

[ صحيح مسلم  ]

ولكن يا حنظلة أنتم ساعة وساعة، أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، إذاً المؤمن لو شفّت نفسه، وأقبل على الله عز وجل، وأخلص لله، ربما شاهد الملائكة، فمن أنكر وجود الملائكة فهو منكر لكلام الله ورسوله كافر لا محالة، إذ لا مجال للتأويل، فالنصوص واضحة، صريحة، قاطعة، والعلم بوجود الملائكة مما هو معلوم من الدين بالضرورة عند جميع المسلمين.
 

الحكمة الربانية التي ألزم الله عباده المؤمنين بها هي الإيمان بالملائكة دون رؤيتهم:


الآن سؤال؛ ما الحكمة من أن الله عز وجل أخبرنا بوجودهم وبوجوب الإيمان بهم؟ ما الحكمة؟ شيء لا نراه، ليس لهم آثار، ولا نراهم، ولا نسمع أصواتهم، لماذا ألزمنا الله عز وجل أن نؤمن بوجودهم؟ هذا سؤال، الحقيقة لأن لهم وظائف خطيرة جداً متعلقة بنا، فالإيمان بوجود الملائكة إيمان يقتضي الاستقامة وإليكم بعض التفصيلات:
أولاً: الله سبحانه وتعالى من رحمته وحرصه على إسعاد خلقه أرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، من بني جلدتهم من البشر، ولكن هؤلاء الرسل كيف يُبَلَّغون رسالات الله؟ الملائكة هم الوسطاء، هم رسل الله إلى رسل الله، الملائكة رسل الرسل، عن طريق الملائكة بلّغ الله رسله وأنبياءه ما ينبغي أن يبلغوه لنا، فقد تقول: كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام رسالات الله؟ من الذي أخبره؟ من أنزل عليه الكتاب؟ هناك حلقة مفرغة، هو بشر، إذاً حينما تؤمن بأن الله عز وجل جعل الملائكة وسطاء بينه وبين رسله عندئذ تكتمل الحلقة عندك، فقال تعالى في سورة النحل في الدرس الماضي:

﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)﴾

[ سورة النحل ]

بالروح أي بالكتاب، بالقرآن.
 

وظائف الملائكة:


إذاً أول وظيفة للملائكة أنهم رسل إلى رسل الله سبحانه وتعالى، وهناك وظائف أخرى كنفخ الروح في الأجنة، مراقبة أعمال البشر، المحافظة عليهم، قبض أرواحهم، تعاملنا كله مع الملائكة، وحيث كان لهم هذه العلاقة بنا في كثير من أمور حياتنا ومعاشنا وأعمالنا، يُضاف إلى ذلك ابتلاء الله لنا بالإيمان بمخلوقات غيبية عنا يخبرنا بها، أخبرنا الله بوجودهم، وكلفنا أن نؤمن بهم، لأنهم رسلُ رسل الله، ولأنهم يقومون بوظائف كثيرة متعلقة بنا كنفخ الروح في الأجنة، مراقبة أعمالنا، وحفظنا من كل شر، وقبض أرواحنا، وتسجيل كل هفواتنا وحركاتنا وسكناتنا، إذاً أخبرنا الله عنهم وكلفنا أن نؤمن بهم إيماناً غيبياً، مسلكه اليقين الإخباري.
لا نستطيع أن نعرف من حقيقة الملائكة إلا ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأننا بحسب العادة لا نتصل بهم عن طريق الحس اتصالاً يفيد العلم اليقيني حتى تنكشف لنا حقيقتهم، ونحدد تكوينهم، وحسبنا في العقيدة أن نقتصر على ما وردت به النصوص دون أن نجري وراء التكهنات.
 

صفات الملائكة:

 

1- الصفة النورانية التي خُلِقوا عليها:

من صفاتهم أنهم مخلوقون من نور، الإنسان مُركّب من طين، خُلِق من طين، وخُلِق الجن من نار، وخُلِقت الملائكة من نور، ما الدليل؟

(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ. ))

[ صحيح مسلم ]

هذا الدليل، أجسام نورانية، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بذلك. 

2 ـ يرونا ولا نراهم:

الملائكة يكونون معنا ولا نراهم، فقد كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يراه جلساء النبي، النبي وحده يراه:

(( قَالَ أَبُو سَلَمَةَ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لا أَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ))

[ متفق عليه ]

وهو يرى ما لا أرى، لكن هناك حديثاً لم يبلغ درجة الصحة أي يعطينا فكرة، فقد ورد أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت تمتحن نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بإماطة الخمار عن رأسها، فإذا كشفت شعرها هدأت حالة الرسول، وإذا غطت شعرها عادت إليه الحالة لعلمها بأن الملك جبريل لا يدخل بيتاً فيه امرأة مكشوفة الرأس، لذلك قالت له لما حسرت عن رأسها: هل تراه؟ قال: لا، قالت: يا بن عمي أثبت وأبشر فو الله إنه لملك وما هذا بشيطان، لذلك المرأة إذا قامت لتصلي عليها أن تغطي شعرها حسب السنة. 

3- القدرة على التمثل:

الصفة الثالثة: الملائكة قادرون على التمثل بأمثال الأشياء، والتشكل بالأشكال الجسمانية، فقد ثبت بالقرآن الكريم وبالأحاديث الصحيحة أن جبريل عليه السلام كان يأتي إلى مجلس رسول الله أو غيره كما يلي أولاً: على صورة إنسان مجهول: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع عليه رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عنها بالتفصيل، وأخيراً بعد أن انصرف قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) .
إذاً أول صفة أنهم من نور، والثانية أنهم يروننا ولا نراهم، الصفة الثالثة أن الملائكة قد تتمثل بأشخاص، وكما في قصة نزول جبريل على مريم، وقد انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً وتمثّل لها بشراً سوياً:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)﴾

[ سورة مريم ]

روحنا أي جبريل، وقد يتمثل الملك على صورة إنسان معلوم، فكثيراً ما كان يأتي مجلس رسول الله أي جبريل على صورة دُحية الكلبي أحد أصحاب رسول الله، وكان رجلاً وسيماً أي جميلاً، إما أن يأتي على شكل رجل مجهول، أو على شكل رجل معلوم، وطبعاً هناك أدلة كثيرة منها قصة ضيف إبراهيم، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)﴾

[ سورة الذاريات ]

﴿دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ أي الملائكة، بالمناسبة الملائكة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناسلون، ولا يتناكحون، ولا يتزاوجون. 

﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)﴾

[ سورة الذاريات ]

وقصة ثانية:

﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)﴾

[ سورة هود ]

جاؤوا على شكل غلمان مرد جميلي الصورة.

﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)﴾

[ سورة هود ]

مع سيدنا لوط جاؤوا على شكل شباب حسان الصورة، مُرد، ومنها قصة الملكين الذين تسوّرا المحراب على داود عليه السلام في صورة رجلين متخاصمين:

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)﴾

[ سورة ص ]

هذه قصة ثالثة، إذاً الصفة الثالثة أنهم قادرون على التشكل بأشكال بشرية معروفة أو غير معروفة. 

4- القدرات الخارقة التي امتازوا بها:

الصفة الرابعة: ومن صفاتهم أن لهم قدرات خارقة، فقد ثبت للملائكة في القرآن الكريم والسنة المطهرة قدرات عجيبة لإقدار الله لهم، فمنهم على قلة عددهم يحملون العرش، عرش الرحمن، قال تعالى في سورة الحاقة:

﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)﴾

[ سورة الحاقة ]

وفي الحديث الشريف:

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ. ))

[ إسناده صحيح كما قال الذهبي والهيثمي، وصححه الألباني ]

ومنهم من ينفخ نفخة يُصعق لها من في السماوات والأرض، وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى في سورة الزمر:

﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)﴾

[ سورة الزمر ]

وفي الحديث الشريف:

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: كَيْفَ أَنْعَمُ –بالدنيا- وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ؟ ))

[ ابن حبان عن أبي سعيد الخدري في موارد الظمآن في زوائد ابن حبان للهيثمي ]

(( عن سَهْلِ بْنُ سَعْدٍ   قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ».  ))

[ صحيح البخاري ]

أي بعثة النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة، رسل سيدنا لوط وهم ملائكة قلبوا أرض قومه عاليها سافلها دفعة واحدة، هذه أعمال خارقة:

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)﴾

[ سورة هود ]  

5- الطاعة لله تعالى:

من صفاتهم أيضاً الطاعة لله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾

[ سورة التحريم ]

دقيقة الآية، أي لا يعصون، وإذا أُمِروا يبادرون. 

6 ـ لا يستكبرون عن عبادة الله ولا يتعبون فيها:

من صفاتهم أيضاً أنهم لا يستكبرون عن عبادته، ولا يتعبون فيها، وأنهم يسبحون ربهم دائماً من غير انقطاع:

﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)﴾

[ سورة الأنبياء ]

﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ أي الملائكة، ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لا يملون.

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)﴾

[ سورة البقرة ]

لا تنسوا أن الإنسان إذا آمن يفوق الملائكة، لا تنسوا أنكم إذا آمنتم فُقْتُم الملائكة، رُكّب الملك من عقل بلا شهوة، وركّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، مع عظمة هؤلاء الملائكة إذا آمنتم واستقمتم، وضحيتم والتزمتم، وبذلتم وأخلصتم، وأقبلتم وارتقيتم، إنكم تفوقون الملائكة لأن الله أودع فيكم شهوات، أودع فيكم حبّ النساء، حبّ المال، حبّ العلو، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾

[ سورة الأحزاب ]

الملائكة والجبال والسماوات والأراضين وسائر المخلوقات خافوا ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ . 

7 ـ لا يعملون إلا بأمر الله:

أيضاً من صفاتهم أنهم لا يعملون إلا بأمره أبداً:

﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)﴾

[ سورة الأنبياء ]

منفذون، طائعون، لا يفترون عن التسبيح. 

8ـ مقربون إلى الله تعالى ومكرمون:

من صفاتهم أيضاً أنهم مقربون إلى الله تعالى ومكرمون:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)﴾

[ سورة الأنبياء ]

هؤلاء ليسوا بناته، إنهم عباد له مكرمون: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ . 

9 ـ لا يتناكحون ولا يتناسلون:

 من صفاتهم أنهم لا يتناكحون، ولا يتناسلون، ولكنهم عباد الرحمن، مخلوقون لله من دون وساطة، الله عز وجل خلقهم دفعة واحدة، نحن بنو البشر خُلقنا من بعضنا بعضاً، فلان ابن فلان ابن فلان، يُخلق إنسان، يموت إنسان، هكذا سنة الخلق، لكن الله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها مع الملائكة خلقهم دُفعة واحدة، لا يوجد تناسل عندهم، ولا يوجد تزاوج، ولا تناكح، ولا طعام، ولا شراب، وقد ذمَّ الله الكافرين الذين جعلوا الملائكة إناثاً وتوعدهم بكتابة شهادتهم الكاذبة وسؤالهم يوم القيامة عن افتراءاتهم قال تعالى:

﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)﴾

[ سورة الزخرف ]  

10- تخصيص طائفة منهم كرسل لتبليغ الشرائع للأنبياء:

من صفاتهم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى جعل منهم الرسل للقيام بتبليغ الشرائع للأنبياء، أو للقيام بمهام أخرى، قال تعالى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾

[ سورة فاطر ]

من صفاتهم أيضاً تلاحظون ليس هناك فكرة إلا بالقرآن الكريم حصراً، لأن الإيمان بالملائكة إيمان إخباري، مسلك الإيمان بهم اليقين الإخباري، لذلك لا يوجد أية كلمة من عندنا، أية كلمة مأخوذة من آية أو من حديث صحيح. 

11- القدرة على الصعود والهبوط من غير الخضوع لقوانين الجاذبية:

من صفاتهم أنهم قادرون على الصعود والهبوط بين السماوات والأرض من غير تأثر بجاذبية أو تصادم:

﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)﴾

[ سورة المعارج ]

والروح هنا سيدنا جبريل. 

12 ـ الخوف من الله تعالى وإن كانوا لا يعصونه:

من صفاتهم الخوف من الله تعالى وإن كانوا لا يعصونه، وعلى عبادة الله يقيمون، قال تعالى:

﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)﴾

[ سورة الرعد  ]

يسبحونه خوفاً منه أيضاً.

﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)﴾

[ سورة النحل ]

هذه من صفاتهم أيضاً. 

13 ـ  مخلوقون قبل السلالة البشرية:

من صفاتهم أيضاً أنهم مخلوقون قبل هذه السلالة من البشر، هم أسبق منا خلقاً، عندنا دليل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ يوجد سؤال الآن: كيف توقع الملائكة أن بني البشر مفسدون في الأرض يسفكون الدماء؟ قاسوا على الجن، الجن خُلقوا قبل الملائكة، والإنس خُلقوا بعد الملائكة، فالملائكة قاسوا على الجن.
 

كرامة طالب العلم عند الله:


(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ. ))

[ صحيح البخاري ]

أي إذا ذكرتم الله عز وجل لعل الله سبحانه وتعالى يرسل لهذه المجالس ملائكة يحفون طالبي العلم:

(( عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ. ))

[  صحيح أبي داود  ]

أحياناً تتيسر أموره، يتوفق، ينشرح صدره، تنحل مشكلاته، أي كأن الله عز وجل جعل الملائكة رسلاً يكافئون طلبة العلم.
 

رؤية النبي لجبريل عليه السلام:


في الصحاح:

(( قُلتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يا أُمَّتَاهْ، هلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَبَّهُ؟ فَقالَتْ: لقَدْ قَفَّ شَعَرِي ممَّا قُلْتَ، أيْنَ أنْتَ مِن ثَلَاثٍ مَن حَدَّثَكَهُنَّ فقَدْ كَذَبَ: مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]. ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]. ومَن حَدَّثَكَ أنَّه كَتَمَ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ، ولَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ في صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. ))

[  صحيح البخاري  ]

(( عن عائشة رضي الله عنها: مَن زعم أن محمدًا رأى ربَّه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادٌّ ما بين الأُفق.  ))

[  صحيح البخاري ]  

هل الأفق قليل؟ مرة يوم عُرِج به إلى السماء:

﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)﴾

[ سورة النجم ]

ومرة كما يُقال في أسفل مكة بمكان اسمه أجياد، الآن إلى جانب الحرم يوجد مستشفى تسمى أجياد، هكذا تروي الأخبار أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل مرتين؛ مرة في سدرة المنتهى وقد سدّ الأفق ومرة في أسفل مكة والله أعلم.
 

من أيقن أن هناك ملائكة تحصي أعماله ينضبط ويستقيم:


سوف نتابع أعداد الملائكة، وأصنافهم، ووظائفهم في الدرس القادم، وكل هذه المعلومات مأخوذة كما ترون وكما تسمعون من كتاب الله تعالى:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)﴾

[ سورة النساء ]

نحن آمنا بالله إيماناً تحقيقياً، يلزم عن إيماننا هذا أن نؤمن بما أخبرنا به، هكذا أخبرنا الله سبحانه وتعالى، فإذا اجتهدتم، لعل الله عز وجل يريكم ما تنقلب هذه العقيدة إلى واقع والله أعلم. 
أي إذا شخص جالس مع شخص بغرفة، هل يقدر أن يعمل عملاً منافياً للحشمة مثلاً؟ يصدر ريحاً مثلاً إذا كان مع شخص يجلس في فندق، هل يقدر أن يضع يده في أنفه يخجل أليس كذلك؟ إذا تيقنتم أن معكم ملائكة، يُحصون عليكم حركاتكم، وسكناتكم، وأقوالكم، وألفاظكم، ومزاحكم، وكل شيء، الإيمان بوجود ملائكة يكتبون؛ ملك على الكتف اليمين يكتب الحسنات، وملك آخر يكتب السيئات، وسوف نرى ذلك في الدرس القادم، إذا تيقنتم أن هناك ملائكة يُحصون عليكم أنفاسكم، وحركاتكم، وسكناتكم، وأعمالكم في سركم وجهركم، فإن هذا الإيمان ربما يُعين على الانضباط أكثر، وإن كان الله سبحانه وتعالى معكم، يا موسى أتحب أن أجلس معك؟ فصُعِق سيدنا موسى، قال: كيف ذلك يا رب؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني؟ وحيثما التمسني عبدي وجدني؟

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[   سورة الحديد  ]

من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، ألم تقرؤوا قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)﴾

[   سورة النساء  ]

والله إذا قلنا لك: أنت مراقب، لا تنام الليل، تتجمد، فكيف وأن الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر وأخفى عليك رقيب؟ 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور