وضع داكن
15-01-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 17 - الوصول إلى أسماء الله الحسنى من خلال الكون
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

الإنسان بعقله يتوصل إلى معرفة أسماء الله الحسنى من خلال علمه وقدرته  في الكون:


أيها الإخوة الأكارم؛ أنهينا في الدرس الماضي الأدلة الأربع على وجود الله سبحانه وتعالى، هو واجب الوجود، وواجب الوجود لِما نرى في الكون من ممكنات، وحكمته عالية في الذي خلقه، وواجب الوجود لِما نرى في الكون من إتقان بليغ، هذا كله وقفنا عنده وقفة سريعة في الدروس الماضية.
واليوم ننتقل إلى صفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه، قبل الحديث عن أسماء الله الحسنى وعن صفاته، لاشك أنكم إذا دخلتم إلى بيت، وكان هذا البيت غاية في الإتقان، غابة في التناسب، غاية في التزيين، غاية في الأناقة، غاية في الفخامة، لابد من أن تستنبط أن الذي صممه، والذي بناه، والذي كساه، والذي زينه، والذي فرشه، والذي رتبه ونسّقه غاية في الذوق.
فنحن في الدروس الماضية استنتجنا من هذا الكون أنه لابد من وجود خالق له، لأن للخلق خالقاً، ولكل نظام مُنَظّم، ولكل صنعة صانع، ولكل صنعة متقنة صانع متقن، ولكل سير مُسيّر، اليوم قبل البدء بأسماء الله الحسنى لا بد من أن نقف عند فكرة واحدة، وهي أن الإنسان بإمكانه أن يستنتج مِن خلق السماوات والأرض فضلاً عن حقيقة الوجود لا بد من أن يستنج من خلق السماوات والأرض أسماء الله الحسنى أو صفاته العليا، فإذا علمتم مثلاً أن الأرض تدور حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الثانية الواحدة، وأنّ الأرض بقاراتها الخمس، وبحارها، ومحيطاتها، وجبالها، وسهولها، كلها محمولة في الفضاء، وكلها تجري حول فَلَك ما، لابد من أن تستنبط أن الذي يُحركه، والذي بيده:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

[ سورة الزمر ]

لابد وأنه قدير، فالقدرة واضحة، إذا علمت أن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرّة، وأنّ الشمس متألقة منذ خمسة آلاف مليون عام، وأن بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسين مليون كيلومتر، وأنّ هناك نجوماً تتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، وأن في الكون مليون مليون مجرّة، وأن في كل مجرّة مليون مليون كوكب، وأن بعض المجرات تبعد عن الأرض ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية، وأن الضوء يمشي في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، فكم يمشي في الدقيقة؟ كم يمشي في الساعة؟ كم يمشي في اليوم؟ كم يمشي في العام؟ هذه المجرة بُعدُها عنّا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية، من هذه الأرقام والحقائق التي أصبحت بديهية في هذه الأزمان تستنبط أن الله سبحانه وتعالى قوي، من النظام الدقيق الذي تسير عليه تستنتج أن الله سبحانه وتعالى عالم.
إذا رأيت آلة ضخمة يزيد حجمها عن حجم هذا المسجد، يوجد آلات عملاقة آلات حفر، هل يُعقل أن تصدق أن دكاناً في بعض أسواق دمشق صَنَعتها؟ مصنع هذه الآلة الضخمة هل تقبله أن يكون دكاناً في بعض الأزقة في دمشق؟ لابد من أن يكون معمل هذه الآلة يحتل آلافاً مؤلفة من الأمتار المكعبة، لابد من أن يكون في هذا المعمل عدد كبير جداً من المهندسين، لابد من أن يكون في هذا المعمل خبرات متراكمة منذ عشرات السنين، لابد من أن يكون في هذا المعمل مواد أولية ثمنها مئات الملايين، مواد أولية، على كوادر فنية، على مهندسين، على تصاميم، على أجهزة عالية الدقة، نظام إداري دقيق، هذه الآلة لابد لها من معمل، فهذه الأرض وما فيها، هذه المخلوقات وما تمتاز به من دقة متناهية لابُدَّ –طبعاً في الدروس الماضية-من خالقٍ خلقها.
 

صفات الله العليا تتجلى في الكون منها:

 

1- العلم والقدرة:

أما اليوم ما صفات هذا الخالق؟ يجب أن يتصف بالعلم، لأن الكون مبني على علمٍ متناهٍ من الدقة، لو أخذتم جسم الإنسان هو أعقد آلة في الكون، العين وحدها فيها علم لا ينقضي، طبعاً نحنُ هُنا في هذا المسجد نتكلّم حقائق مُبسّطة جداً أما ما قولكم لو رأيتم في بعض المكتبات عشرين أو ثلاثين أو خمسين مجلداً بأصغر حرف وأرق ورق وأغلظ حجم كلها عن القلب؟ وكتب أخرى عن العين، إذا شخص درس بدولة متفوقة في هذه العلوم، درس العين فقط يبقى سنوات طويلة يقول لك: هناك مئتا كتاب، أخذنا أسماء هذه الكتب كمراجع عن العين، أنا أعتقد أكثر من ذلك أي آلاف عن العين، كتب، الذي اختص في الأذن والحنجرة والأنف، كتب مطولة عن الأذن، المُختص بالأوردة، بالشرايين، بالأوعية طبيب أوعية، طبيب بولية، جهاز البول وحدهُ عالمٌ قائِمٌ بذاته، طبيب القلب، طبيب العصبي المختص بالأمراض العصبية، يكفي لو لم تقرؤوا يكفي أن تذهبوا إلى بعض المكتبات الحديثة، وتلقوا نظرة على بعض الموضوعات، هذه الكُتب التي في المكتبات إنما هي عِلمُ الله عزّ وجل، كشوفات، الإنسان كشف بعض الحقائق سجلها في الكتاب، الإنسان ما خلق هذه الحقائق، كشفها، فرقٌ كبير بينَ أن يكشِفَها الإنسان وبينَ أن يخلِقَها، الله هو الذي خلقها والإنسان كَشَفَها، وكلما زِدنا في العلم تعمقاً زاد علمنا بجهلنا، وقال بعض العلماء: لم تبتل بعد أقدامنا ببحر المعرفة.
أنا أريد أن نبقى في جسم الإنسان، لو يُتاح لكَ أن تذهب إلى مكتبة وتنظر ماذا كُتِبَ عن العين، ماذا كُتِبَ عن اليد، ماذا كُتِب عن بعض الأمراض، ماذا كُتِب عن الكليتين، ماذا كُتِب عن أمراض جهاز الهضم، أمراض الكبد، أمراض الحساسية، أمراض المفاصل، طبيب مختص بالمفاصل، الأربطة والمواد الزلالية، والمواد الزيتية، والغلاف الغضروفي، وحركة المفصل.
طبيب العظام اختصاص مستقل، أي إن أتيح لك أن تقرأ أو أن تطّلع على نشرة لأطباء دمشق مثلاً تُلاحظ اختصاصاتهم، طبيب نسائي، موضوع الولادة والرحم عالم قائم بذاته، أطباء من أعلى مستوى يدرسون عشرات السنين، طبيب أطفال، الطفولة عالم قائم بذاته، طبيب أمراض عصبية، طبيب أمراض عقلية، طبيب عظام، طبيب هضمي، طبيب في الغدد الصُّم مستقل، طبيب في الأنف والأذن والحنجرة، طبيب للعيون، طبيب أسنان، إذا كان طبيب الأسنان في مكتبته مئة كتاب عن الأسنان، هذا علمُ الله عزّ وجل، اللهُ سبحانهُ وتعالى سَمَحَ للإنسان أن يعرِفَ بعضَ الحقائق، عرفها فألّفَها في كتاب فهذا علمُ الله عزّ وجل.
لو انتقلتَ إلى علم الفيزياء، لو وقع تحت يدكَ كتاب في اللغة الأجنبية تجد ثلاثين صفحة عن المراجع، كُل صفحة يوجد فيها أربعون أو خمسون اسماً لكتاب ، هذه فيزياء، الحرارة باب كبير، الضوء باب كبير، الحركة باب كبير، الصوت باب كبير، الكهرباء باب كبير، الفيزياء النووية موضوع مستقل، الكيمياء العضوية، الكيمياء اللاعضوية، الكيمياء المعدنية،  الكيمياء الفيزيائية، أي أبوابٌ لا تُغلق، فإذا ذهبتَ إلى موضوعات الفلك شيء لا يُصدق، فإذا انتقلت إلى عالم النبات، كم كتاب يوجد؟ إذا انتقلتَ إلى عالم الحيوان، إلى عالم الأطيار، إلى عالم الأسماك ، كم نوع من السمك؟ بُنية السمكة، أنواع الأسماك ، بحسب حجومِها، بحسب وظائِفِها، بحسب توحشِها، بحسب نموها، بحسب أسرها.
النباتات التي تنمو في البحار، بحث قائم بذاته، النباتات النهرية، الأسماك النهرية، أسماك المياه المالحة، الهلاميات، الرخويات، هذه كُلّها عناوين، كل علمٍ تَوصّل إليه الإنسان إنما هو علم الله عز وجل، هذا علمُ الله، كشفه الإنسان، فإذا ظنّ أنه عالم فهو جاهل، هذا علمُ الله:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾

[ سورة الإسراء ]

فكل ما في الكون ينطق بعلم الله، كل ما في الكون ينطق بقدرة الله، أرض بحجمها إذا دخلت الذي تعرفون في ثقب أسود في الفضاء الخارجي يصبح حجمها كالبيضة بالوزن نفسه، عشرة آلاف مليون مليون مليون طن، أي عشرة أمامها ستة وعشرون صفراً وزن الأرض، هذه الأرض إذا دخلت في ثقب أسود من ثقوب الفضاء انضغطت فصار حجمها كالبيضة تماماً بالوزن نفسه، هذه قدرة الله عزّ وجل. 

2- الحكمة واللطف:

كل شيء ينطق بقدرة الله، كل شيء ينطق بحكمة الله، الحكمة هذه الأشياء الممكنة، الله عز وجل اختار هذا الممكن من بين مجموعة كبرى من الممكنات، هذه حكمة الله، لطفُ الله عز وجل، الهواء، بينما هو يحمل طائرة وزنها يقدر بمئة وخمسين طناً، فيها عشرون طناً ركاب، ومئة وخمسون طناً وقود، ثلاثمئة وعشرون طناً يحملها الهواء، إذا هو بيننا تمشي من خلاله، فالهواء دليل على لطف الله عز وجل، الهواء لطيف، شيء مخيف إذا تحرك اقتلع مدناً بأكملها، مدن، هناك أعاصير تهب في بعض بلاد أمريكا لا يبقى من المدينة شيء، عندي صور، مدينة بأكملها تصبح أثراً بعد عين، قرأت قصة في بعض المجلات أن رجلاً عنده بيت فخم فيلا، وأمام هذا البيت سيارته، كان مسافراً، عاد إلى بلدته وقد أصابها الإعصار فلم يجد من بيته وسيارته إلا المحرك على بعد خمسة عشر كيلومتراً، طبعاً يعرف رقمه، هذا الهواء إذا هبّ دمّر كل شيء، فإذا سكن شيء لطيف بيننا، لا يُعيق الرؤية، لو فرضنا بناء ثلاثين أو أربعين طابقاً يحتاج إلى أعمدة، ادخل إلى الطابق الأرضي كل خمسة أمتار يوجد دعامات، ضلع هذه الدعامة نصف متر، تجد هذه الدعامات تعيق الرؤية، هل تستطيع أن تحمل بناء شامخاً على أعمدة تمشي من خلالها؟ هذا شيء فوق طاقة البشر، هذه هي الجاذبية:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾

[ سورة الرعد ]

هناك عمدٌ ولكنكم لا ترونها، هذه العمد لا ترونها أنتم، هي موجودة، حتى إن بعض العلماء قال: القمر مرتبط بالأرض بجاذبية، لو مُثّلت بحبل فولاذي مضفور من أمتن أنواع الحبال لكان قطره خمسين كيلومتراً، هذا الحبل يُمثّل انجذاب القمر إلى الأرض، وأما انجذاب الأرض إلى الشمس، لو أنّ هذه الانجذابات كانت مُمَثلة بحبال فولاذية، لا ترى في السماء شيئاً، كلها شبكة من الحبال، هذه الحبال موجودة لكنك لا تراها، لطيفة، تطير عبرها، هناك تجاذب بين الكواكب، وأنت تمشي بين هذه القوى المتجاذبة، هذا لطف إلهي.
الماء لطيف جداً، الماء لا لون له، لا طعم له، لا رائحة له، ينساب، هناك صفة النفوذ، إذا كان هناك شق بالإبريق لشدة دقته لا يُقاس، كل ربع ساعة ينقط نقطة، شديد النفوذ، من أشد السوائل نفوذاً الماء، يكاد ينفذ في أماكن لا تُرى، يقول لك: ينش، نفوذه شديد، تبخره سريع، الماء دليل لطف، وإذا ربنا عزّ وجل أراد أن يقلع سن الطفل مباشرةً من دون طبيب أسنان، ليس بحاجة إلى إبرة مخدر، لا يحتاج أن يبكي الطفل، أثناء الطعام يكتشف أن سنه في فمه، درس العلماء موضوع السن فوجدوا أنه يذوب من جذره بالتسلسل إلى أن يبقى معلقاً على نقطة إذا جاءه ضغط يسير ينقلع، هذا قلع السن عن طريق الله مباشرة، هل يوجد ألطف من ذلك؟ يحتاج إلى بنج؟ يحتاج إلى إبرة؟ يحتاج أن يمسك الأب يدي ابنه والابن يبكي؟ هذا لطف الله عز وجل.
إذا أراد أحدهم أن يُعطرك بعطر مشايخي، تبقى يومين منزعجاً، أمسك وردة هذا عطر إلهي، شمَّها، لا يوجد ألطف من هذا، إذا أحببت أن تأكل قطعة حلوى من صنع الإنسان يقول لك ثقيلة على المعدة، كُلْ برتقالة أو كُل تفاحة، شيء خفيف، هناك تصميم لطيف، بنية الفاكهة، نوع سُكرِها، قِوامُها، نوعُ المواد فيها، غايةٌ في اللُطف.
 

إذا أعطى الله أدهش:


في الكون أدلة كثيرة على لطف الله، وعلى علمه يوجد أدلة، وعلى قوته يوجد أدلة، وعلى غِناه، إذا أعطى أدهش، شاهدت مرة قمحة واحدة أنبتت سبع عشرة سنبلة، عددنا بعض السنابل وجدناها خمسين قمحة، أي ألف وسبعمئة وخمسون قمحة من قمحة واحدة، إذا أعطى أدهش، كريم، غرام البذور ينتج طناً، أي مليون ضعف، غرام البذور بعض بذور الخضراوات إنتاجها مليون ضعف، إذا أعطى أدهش، من حين لآخر ربنا عزّ وجل يُضاعف الفاكهة أضعافاً مضاعفة، قد يضمن الضمّان المشمش بخمس ليرات ليبيعه بعشر، إذا به يضطر لبيعه بليرة ونصف، ما السبب؟ لأن الكمية خمسة أضعاف الكمية المعقولة، سنة الكرز، سنة المشمش، سنة يقول لك: الدراق هبطَ سعره، بائعو الفواكه ينزعجون إذا هَبَطَ السعر، يعتبرون ذلك إهانة للفاكهة، هذا الكيلو قيمته عشر ليرات يُباع بليرتين، أليس من العيب أن يُباع بليرتين؟! أمّا المؤمن فيفرح إذا هبط السعر ليأكُلَ عِبادُ الله من هذه الفاكهة، إذا أعطى الله عزّ وجل أدهش، حاجة القطر إلى البطاطا مئة وخمسون ألف طن، بينما كان الإنتاج السنة الماضية ثلاثمئة وخمسين ألف طن، صار يباع الكيلو بالسوق بخمسة وثلاثين قرشاً سورياً، من حين لآخر يعطي الله عز وجل أمثلة، كريم، قال الله:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾

[ سورة الحجر ]

كل شيء عندنا خزائنه، أمطار؛ قرأت في بعض النشرات، حتى الآن مضى شهران من الشتاء، أكثر المناطق معدل الأمطار فيها حوالي مئتين وخمسة وعشرين مليمتر تقريباً نازل، مقابل ثلاثة عشر مليمتر نزلت في العام الماضي، خمسة عشر، عشرين، قالوا:  لم يعد هناك هطول للمطر، سنوات عجاف، قالوا: خطوط المطر انتقلت، قالوا: تصحُّر، قالوا: جفاف، كل الأقوال ذهبت أدراج الرياح، جاءت الأمطار، جاءت الثلوج، أبكر سنة جاء بها الثلج هذا العام، في وقت مبكر جداً، إذا أعطى أدهش، كريم، غني، لطيف، رحيم. 

3- الرحمة:

هل أقول لكَ كيف تكشف رحمته؟ من رحمة الأم، ليس هناك من رجل إلا في حياته أم، إما زوجته أم لأولاده، أو أمه، فلينظر إلى الأم كيف تعطف على أولادها، هذه مسحة من رحمة الله بالإنسان. 

(( عن عمرَ بنِ الخطاب قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ : أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ :للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا. ))

[  متفقٌ عليه.  ]

هذه رحمة الأم. 

4- العدل:

الله عز وجل عادل، لو سألت بعض القضاة، لو قرأت كتباً تتعلق ببعض الجرائم تحسّ أن الذي هدانا إلى المجرم هو الله عز وجل، أي على أبسط سبب، على أتفه سبب ألقي القبض على المجرمَ، هذه عدالة السماء، الله سبحانه وتعالى عادل، الذي أريد أن أقوله: إن الكون إضافة إلى أنه دليل قطعي على وجود الله عز وجل هو دليل أيضاً على صفاته وأسمائه، فكما أنك إذا رأيت ناقلة نفط كبيرة تتسع لمليون طن -الآن يوجد حوالي مليون طن هذا أحدث رقم-لا تقول: قاعدة صُنعها في نبع بردى مثلاً هل تصدق أن هذه ناقلة النفط التي تتسع لمليون طن صُنعت في نبع بردى بهذه البحيرة الصغيرة؟ مستحيلة، لابد من قاعدة ضخمة، كم طن حديد فيها؟ كم مهندس؟ كم من الحديد الأطنان فيها؟ يُقال: إن المحرّك الذي يحرك دفتها تعادل قدرته ألفي حصان، تحريك الدفة فقط، رأيت مرة صورة للدفة شيء لا يوصف، السماكة حوالي ثلاثة أرباع المتر، وصفيحة كبيرة جداً وراء فرّاش كبير بألوف الأحصنة من أجل أن تسير، ومع ذلك مثل هذه الناقلة تحطمت في بحر الشمال إثر عاصفة من عواصف البحار، وغرقت، وتلوث البحر بالنفط، من حين لآخر الله عز وجل مهما صنعتم باخرة شامخة عاصفة واحدة تُحَطمها.
كل ما أريد أن أقوله في هذا الدرس هو أنك تستطيع أن تصل إلى أسماء الله الحسنى من خلال الكون، وأنك إذا فكرت في كل شيء حولك ترى رحمة الله. 

5- الجمال:

انظر إلى طفلك الصغير ترى أن به مسحة من جمال الله عز وجل، تجلّى الله عليه باسم الجميل، انظر إلى الوردة الجميلة، هذه الأزهار أخذت مسحة من جمال الله، فمن أسماء الله عز وجل إن الله جميل يحب الجمال فعلاً، هذا الجبل الأخضر، هذا اللون الأزرق للبحر من أعطاه هذه الدرجة؟ تأمل في بعض الأزهار، ألوانها، من يُقدّرُ هذا الشيء؟ صانعو الأصبغة، خبراء الأصبغة، يقول لك: أنا أستاذي في الألوان الطبيعة، أما الذي علَّم المهندس أن يضع الألوان المناسبة فهو الله سبحانه وتعالى.
انظر إلى فراشة، انظر إلى بعض النباتات، انظر إلى اللون الأصفر للتفاح كيف يوشح بخد أحمر؟ هذا المنظر، انظر إلى لون الكرز، انظر إلى لون الخيار هذا اللون الأخضر اللمّاع، الأخضر الداكن، كُل شيء أمامك له ألوان جميلة جداً، كثير من اللوحات الزيتية كالفواكه، الفاكهة ذات منظر رائع جداً، انظر إلى لون البطيخ الأحمر كم هو جميل، هذه كلها مخلوقات تجلّى الله عليها باسم الجميل.
أحياناً يقول لكَ: منطقة جميلة؛ بحار، بحر، جزيرة خضراء، سماء زرقاء، أشجار خضراء، أزهار حمراء، صوت الشلال ترتاح له، لكنك إذا دخلت إلى معمل لا تتحمل صوت الآلات، فقد يكون صوت الشلال أكثر صخباً لكنَّ هذا الصوت من تصميم الله عز وجل.
انظر إلى زغردة العصافير صباحاً، انظر إلى صوت الشحرور، تحسّ أن الله جميل، انظر إلى شجرة تسمى الصنوبريات لا تشبع من النظر إلى شجر السرو، شيء جميل، هناك أشجار سرو متطاولة، هناك أشجار سرو كوكبية، هناك أشجار سرو على شكل صفائح، شيء جميل جداً، ماذا أقول؟ كل ما في الكون ينطق بأسمائه الحسنى.

وفي كل شيء له آية                            تدل على أنه واحد

[ لبيد بن ربيعة ]

* * *

السعيد من نَفَذَ من خلال هذه الآيات إلى خالق الأرض والسماوات، السعيد من عرف الله من خلال هذه الآيات.
وسوف نبدأ في الدرس القادم إن شاء الله بأسماء الله الحسنى اسماً اسماً ونوضح مدلولاته، ونضرب عليه الأمثلة، والله ولي التوفيق.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور