وضع داكن
20-04-2024
Logo
الحلال والحرام - الدرس : 10 - أمر الزواج والعلاقات الأسرية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

حياة الإنسان مبنية على أساس الابتلاء :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس العاشر من سلسلة دروس: 

"الحلال والحرام في الإسلام"

وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى الحلال والحرام في أمر الزواج والعلاقات الأسرية.
أيها الأخوة، بادئ ذي بدء: طبيعة الحياة الدنيا بأكملها طبيعة أساسها الابتلاء، وكل ما ركب في الإنسان حيادي في الأصل، يمكن أن يوجه توجيهاً صحيحاً أو توجيهاً خاطئاً، لذلك أراد ربنا سبحانه وتعالى حينما خلقنا أن نعمر الأرض، لذلك نحن جميعاً مقهورون، بمعنى أن دافع الجوع الذي أودعه الله فينا من أجل أن يبقى أفرادنا، دافع الجوع يحقق بقاء الفرد، والدافع الجنسي يحقق بقاء النوع.
نحن شئنا أم أبينا، لابد من أن نأكل حتى نبقى أحياء، ولابد من أن نتزاوج حتى يبقى النوع البشري، فهذا الدافع يدفعنا إلى الزواج، دافع الجوع يدفعنا إلى تناول الطعام من أجل أن نبقى، ودافع الغريزة يدفعنا إلى الزواج من أجل أن يبقى النوع.
لكن كما قلت قبل قليل: الحياة الدنيا بأكملها، بكل مظاهرها، بل إن حياة الإنسان بالذات مبنية على أساس الابتلاء.

 

اتجاهات العالم الغربي في موضوع الشهوات :

الدافع الجنسي يمكن أن يكبت، وليس هذا من الدين، ويمكن أن يطلق، وليس هذا من الدين، هناك اتجاهات في العالم الغربي إلى إطلاق هذا الدافع من غير قيد أو شرط، أيّ علاقة حققت اللذة فهي مباحة عندهم، زنا، شذوذ، زنا محارم، تبادل زوجات، أي علاقة تحقق اللذة مشروعة في العالم الغربي، فهي مباحة عندهم، والآن يدفعون الثمن في أعلى درجات الغرامات، يكفي أن مرض الإيدز منتشر في العالم برقم فلكي، سبعة عشر مليون إنسان مصاب بهذا المرض، وهذا المرض الآن يتكاثر، وعندنا سلسلة حسابية وسلسة هندسية، والآن اخترعوا سلسلة انفجارية، كل نصف ساعة يموت إنسان بهذا المرض، وسببه إطلاق الشهوة، وبعض المذاهب الأخرى في آسيا كبتت الغريزة الجنسية كلياً، شيء قذر، ليس هذا من الدين، إذا كبتت هذه الغريزة تعطل هذا الهدف النبيل منها، وإذا أطلقت تفلتتْ.

الإسلام وسط بين طرفين :

أيها الأخوة، الإسلام وسطي، وقالوا: الفضيلة وسط بين طرفين، لو ذهبنا هذا المذهب لوجدنا أن كل الفضائل تقع في منطقة متوسطة بين طرفي رذيلة، يمكن أن يكون الإسلام في مجمله وسطاً، لقوله تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾

[سورة البقرة: 143]

والآن أيها الأخوة، الذي يلفت النظر أن العالم انقسم إلى شرق وغرب، إلى شرق يؤمن بالمجموع، وإلى غرب يؤمن بالفرد، إلى شرق يؤمن بالمجموع ولو سحق الفرد، وإلى غرب يؤمن بالفرد ولو سحق المجموع، ما الذي حصل؟ الشرق عاد عن تطرفه إلى الوسطية مقهوراً لا عن إيمان، والغرب عاد عن تطرفه مقهوراً إلى الوسط، لذلك أشار ربنا سبحانه وتعالى إلى أن هذا الدين يكون هو الدين الذي يظهره الله عز وجل على الدين كله، بسبب أنه وسطي، فالرهبانية التي ابتدعها غير المسلمين ]

 مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ [، ولأننا ما كتبناها عليهم ]فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [، لذلك تجد انحرافات لا حصر لها فيمن نذروا أن يدعوا هذه الغريزة بدافع ديني فيما يدعون، الانحرافات الجنسية تتفاقم في أوساطهم.

فلذلك لا أحد يتحرك حركة مخالفة لمنهج الله في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نذروا أن يدعوا الطعام، وبعضهم يدع الزواج، فلم علم النبي قال:

(( أنا أشدكم لله خشية، أنا أنام وأقوم، أصوم وأفطر، أكل اللحم، وأتزوج النساء، هذه سنتي، فمن رغب عنها فليس من أمتي))

[ البخاري عن عائشة ]

المنهج الذي جاء به النبي من عند الله يؤهل الإنسان ليصل إلى أعلى مرتبة :

أريد أن أقول: يمكن أن تصل إلى أعلى مراتب الإيمان وأنت في الوسطية، الطرق التي تقول: لابد من خلع الدنيا كلياً، لابد من ترك الزواج، لابد من ترك العمل، لابد من التجرد، لابد من الزهد، الزهد الغير معقول، هذا تطرف وغلو في الدين، يمكن أن تتزوج، وأن تعمل، وأن تتوازن، وأن تأكل، وأن تشرب، وأن تلبس، وأن تكون إنساناً طبيعيًّاً، وأنت في أعلى درجات الإيمان، هذا المنهج الذي جاء به النبي يؤهلك إلى أعلى مرتبة عند الله، فلا تبحث عن منهج آخر، لا تبحث عن بديل غير واقعي، لا تبحث عن بديل فيه تطرف، لا تبحث عن بديل فيه غلو، ولا يستطيع إنسان كائناً من كان على وجه الأرض أن يضيف على الدين شيئاً أو أن يحذف منه شيئاً.
فلذلك الفرق الإسلامية والطرق التي ابتدعت، هذه على العين والرأس إذا غطيت بالقرآن والسنة، أما إذا كان فيها توجيهات ليست مغطاة بالقرآن والسنة فلا نأخذ بها، قال تعالى:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[سورة المائدة:4]

لا مرتبة في الدين بترك العمل :

لا تعتقد أن هناك مرتبة تنالها بتجاوز الكتاب والسنة، ليس هناك مرتبة تنالها بترك الزواج، ليس هناك مرتبة بالدين تنالها بترك العمل، تكون عالة على غيرك، لا، سيدنا النبي كان راعياً للغنم، وعمل تاجراً، تجارة داخلية وتجارة خارجية، وكان أول شريك مضارب في الإسلام، أخذ المال من خديجة، وتاجر به، لها نصف الربح نظير مالها، وله نصف الربح نظير جهده، علمنا النبي، نحن نريد عودة إلى ينابيع الدين، كيف هؤلاء المسلمون فتحوا العالم؟ فتحوه لأنهم جلساء متكئون؟ لا والله! زاهدون مهمشون في الحياة؟ خرجوا من الحياة؟ لو فعلوا هذا ما فتحوا العالم.
سيدنا عمر دخل إلى بلدة فرأى معظم من يعمل فيها ليسوا من المسلمين، التجارة والصناعة بغير يد المسلمين فعنفهم أشد التعنيف، وقال لهم -ودققوا في قوله-: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
سيدنا عمر هذا الصحابي الجليل، العملاق من عمالقة الإسلام رأى أن في الحياة منتجاً ومستهلكاً، وأن المنتج هو السيد، وأن المستهلك هو المسود، أن المنتج هو الغني، وأن المستهلك هو الفقير، المنتج هو القوي، والمستهلك هو الضعيف، ولا يريدنا أهل الغرب إلا مستهلكين، لا يريدون إلا أن نكون سوقاً رائجة لمنتجاتهم.
لذلك المؤمن يبحث في مشروع ينفع المسلمين، يرفع من معيشتهم، يحل مشكلاتهم، هذا إنسان في أعلى درجات العبادة، ديننا منهج كامل، لا يوجد تطرف، لا يوجد انسحاب من الحياة، ولا تقوقع، ولا هروب، هذا مجتمع مسلم، يجب أن ننهض جميعاً في خدمة وتربية أبنائنا، لتأمين فرص عمل ولحل مشكلات.

 

الإسلام نهى عن التبتل واعتزال النساء وأمر بتيسير الزواج :

لذلك الإسلام وسطي لم يكبح هذه الغريزة التي أودعها الله فينا، شيء الله خلقه فينا، زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين، هذا ليس خطأ منا، إنما هو مركب في أصل فطرتنا، فلم يكبح هذه الغريزة كما فعلت الرهبانية، ولم يطلقها كما أطلقتها العلمانية، الرهبانية تطرفت بكبح هذه الغريزة، والعلمانية تطرفت بإطلاق هذه الغريزة، الإسلام وسطي، هذه الغريزة التي أودعها الله فينا رسم لها قنوات نظيفة.
في الإسلام هناك زوجة فقط، العلاقة التي تروى بها هذه الغريزة لا يمكن أن تكون إلا عن طريق الزواج.
لذلك أريد أيها الأخوة أن أشير إلى ناحية، لو أن الرجل زنا كل يوم بامرأة سراً لا شيء عليه، أما إذا تزوج امرأة أخرى لضرورة قاهرة تقام عليه الدنيا، هذا خلاف المنهج الإلهي، امرأة لا تنجب، امرأة مريضة، امرأة لا تكفي زوجها، هل نسمح للزوج أن يذهب يمنة ويسرة لكي لا تخدش مكانته الاجتماعية أم نسمح له بتنفيذ شرع الله عز وجل؟ هل يعقل أن يبقى في كل بيت ست أو سبع بنات في سن الزواج لا خاطب ولا من يطرق الباب وإنسان يعاني ما يعاني من مشكلة الزواج؟ زوجته العقيم أو المريضة أو... فيجب أن نطبق الإسلام كما أراده الله عز وجل، لا كما يعجبنا، يعجبنا منه ما يعجبنا، ونرفض منه ما نرفض.
الموضوع الأولي أن هذه الغريزة لن تكبح كما فعلت الرهبانية، ولن تطلق كما فعلت العلمانية، ولكن رسمت لها قنوات نظيفة تروى من خلالها.
الإسلام نهى عن التبتل، ونهى عن اعتزال النساء، وأمر بتيسير الزواج، كيف يرضى الله عنا ونحن نعطل كلامه؟، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكِمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة النور: 32]

الأمر لمن موجه؟ لمجموع المسلمين، أو لأولي الأمر، أو لأولياء الأمور، أو لأولياء الفتيات والفتيان، أنكحوا، أي زوجوا، خففوا القيود، أزيلوا العقبات، فهذا إنسان أودع الله فيه هذه الغريزة، ولم يتمكن من الزواج إلى سن الأربعين، ماذا يفعل في نفسه من العشرين حتى الأربعين؟

 

التساهل مع الخاطب وسيلة للقضاء على المتع الرخيصة :

أخواننا الكرام، أقول: إذا لم نتحرك جميعاً، ونذلل العقبات، ونيسر السبل، إذا لم نتساهل مع الخاطبين، إذا لم نقبل بشروط دون طموحاتنا، يحل السفاح مكان النكاح، وتكثر دور الدعارة، وتكثر وسائل المتعة الرخيصة.
هناك نقطة دقيقة أحب أن تكون بين أيديكم، شاب من يومين ذكر لي مشكلته يسكن في بيت، والبيت فيه صحن هوائي، ذكر لي أشياء أكاد لا أصدقها، شاب في ريعان الشباب، والده يرى هذه المناظر التي لا يعقل أن تكون في بيت إسلامي، خمس عشرة محطة تركية تبث برامج يستحي الإنسان أن يراها بمفرده، فكيف أمام زوجته وأولاده؟ هكذا بيوت المسلمين الآن، تعرف البيوت من الأسطحة، كم شمسية في هذه البيوت على الأسطحة؟! القضية خطيرة، يلعب أحدنا بالنار، ويلعب بقنابل في أيّ لحظة تتفجر.
الذي أرجوه من الله عز وجل أن نتحرك، وأن تسعى بتزويج شاب بفتاة، إذا عندك فتاة في سن الزواج، لا تعرقل زواجها، لا تضع العراقيل أمامها، لا تضع المستحيلات،

﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكِمْ وَإِمَائِكُمْ﴾

الحكمة من الأوامر القرآنية بغض البصر وعدم إظهار الزينة :

الحقيقة هناك سؤال: لماذا هذه الأوامر القرآنية بغض البصر وعدم إظهار الزينة؟ قال تعالى:

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) ﴾

[سورة الأحزاب: 32] 

﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ 

[سورة الأحزاب: 53]

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾

[سورة النور:30]

هذه الأمور موجودة في القرآن، ليست حديثاً ضعيفًا، ولا تعليق صحابي، ولا رأي عالم، إنها آيات محكمة في كتاب الله واضحة كالشمس، ] 

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[، لأن هذا القرآن من عند الخبير الذي خلقنا، والذي أودع فينا هذه الغريزة، والذي صممها لتكون حيادية، إما أن ترقى بها إلى الجنة، بهذه الغريزة بالذات، وإما أن تكون دركات إلى النار، درجات إلى الجنة أو دركات إلى النار، الغريزة نفسها كحب النساء.
تصور إنساناً روى هذه الغريزة وفق منهج الله، خطب فتاة مسلمة من أسرة مسلمة، من أسرة مؤمنة، إسلامي، فيه ورع، فيه علم، فيه حياء، فيه أدب، فيه حجاب، فيه صون، وأنجب منها أولاداً، ورباهم تربية إسلامية، سعد بها، وسعد بأولاده، وسعد ببناته وأصهاره، هذا التصميم الإلهي.
وتصور إنسانًا من ملهى إلى ملهى، من مرقص إلى مرقص، يروي هذه الغريزة من دار إلى دار، هنا تروى، وهنا تروى.

العقل أداة معرفة الله :

قلت قبل قليل في أول الدرس: إن كل شيء خلق في الإنسان مصمم بشكل حيادي، إما أن ترقى به، وإما أن تهوي به، فالعقل أداة معرفة الله، يمكن أن تصل من خلاله إلى الله، ويمكن أن تصل من خلاله إلى أكبر عمل إجرامي، العقل نفسه، الشهوة نفسها، يمكن أن تغدو هذه الشهوة معراجاً لك إلى الله، والشهوة نفسها دركات إلى النار، حب العلو في الأرض، يمكن أن تهب حياتك للحق، فيرفع الله لك ذكرك، فتعلو في الأرض عن غير قصد منك، ويمكن أن تجعل علوك في الأرض أحد أهدافك الكبرى، فترقى عن طريق إتلاف الآخرين، وسحقهم، وأخذ أموالهم، واغتصاب حقوقهم.

حاجة الحياة إلى علم حقيقي :

أيها الأخوة الكرام، الحياة تحتاج إلى علم حقيقي، علم عميق، يجب أن تعرف من أنت؟ لماذا ركبت فيك هذه الشهوات؟ ماذا ينبغي أن تفعل؟ لأن الشيء الخطير أنه يمكن لإنسان أن يفقد دينه بامرأة، لأن المعاصي دليل الكفر، أو أن يفقد اتصاله بالله بخروجه عن منهج الله، أو أن يفقد سعادته كلها بشهوة منحرفة، فلا تعجب إذا رأيت في القرآن الكريم آيات كثيرة تنظم علاقة المرأة بالرجل، ولا تعجب أن الذين سلموا من العطب هم الذين طبقوا منهج الله عز وجل، لا تعجب، ولا تعجب أن البيوت التي انهارت بسبب مخالفة لمنهج الله.

كلّ المشكلات والمصائب بسبب الخروج عن منهج الله :

هناك نقطة أحبّ أن أذكرها بشكل واضح، بحكم عمل الدعاة تأتيهم مشكلات، تعرض عليهم قضايا الإنسان، من تقاطع هذه المعلومات يتضح أن كل مشكلاتنا بسبب خروجنا عن منهج الله، والإنسان أحياناً بكل بساطة يسافر إلى بلد آخر، ويترك زوجته في البيت مع أخويه الشابين، الذي حدث أنه اعتدى أحدهما على امرأة أخيه، وكانا في خلوة، زوجة بمفردها في البيت ومعها شابان في ريعان الشباب، والزوج غائب في بلد آخر، هذا هل يعرف منهج الله عز وجل؟ هذه الخلوة سببت الزنا، لو كان لديه وقت ونفَس طويل يتتبع كل مشكلة يجد أول خيط المشكلة من مخالفة منهج الله.
الأمثلة كثيرة جداً، عندما ترى أمراً ونهياً يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا النهي يؤكده ألف قصة، ألف قصة وقعت، ودمرت الأسرة بسبب التساهل في هذا النهي.

من ثمرات إطلاق عنان الشهوة المحرمة :

1 ـ اختلاط الأنساب :

لو أن هذه الشهوة التي أودعها الله في هذا الإنسان أطلق عنانها بلا قيد، بلا ردع، بلا قيمة، بلا منهج، بلا مبدأ، ما الذي يحصل؟
في المجتمعات الغربية احتمال كبير أن تكون زوجته أخته، وهو لا يدري.
خطب شاب فتاة، واستشار والده، قال له: لا يا بني، إنها أختك، وأمك لا تدري، فخطب فتاة ثانية، قال له: لا يا بني، إنها أختك، وأمك لا تدري، خطب الثالثة، قال له: إنها أختك، وأمك لا تدري، اشتكى لأمه، قالت له: خذ ما شئت، إنك لست ابنه، وهو لا يدري.
هذه أول ثمرة من ثمار إطلاق هذه الشهوة بلا قيد، في بلادنا - والحمد لله -الأسرة فلان زوجته وأولاده، الأمور واضحة وضوحاً تاماً وشديداً بسبب بقية الدين الذي عندنا .
صدقوني أيها الأخوة، خبير من دولة أجنبية يقيم حفلاً بمناسبة أنه رزق بمولود، وبقي في الشام سنتين متتاليتين، وزوجته في هولندا، كيف أنجبت هذا المولود؟ ليس شرطًا أن يكون منه، ولكن جاءه مولود، شيء طبيعي عندهم، فأول جريمة من التفلت اختلاط الأنساب.

2 ـ الجناية على النسل :

ثم الجناية على النسل، هذا الذي ينجبه الإنسان مشكوك بنسبه إنسان ضائع.
أنا لي صديق أخذ شهادة طب من أمريكا، يرسل إلى والده رسالة يقول له: عندي مناوبة في مستشفى شيكاغو خمس عشرة حالة تأتينا لأطفال صغار رضع، يأتون إلى المستشفى، إسعاف، لأنهم تلقوا ضربات بآلات حادة من والديهم، عندما يتبع الإنسان الجنس بشكل أرعن يصبح وحشاً.
وهناك تفسير آخر، هم يعتقدون أن هؤلاء ليس منهم من غيرهم، لذلك جنوا اختلاط الأنساب والجناية على النسل وانحلال الأسرة.

3 ـ انحلال الأسرة :

مرة قلت لكم: هناك إحصاء، ستة وثلاثون بالمئة من الزيجات تنتهي إلى الطلاق في ألمانيا، وأربعة وستون بالمئة من الزيجات تنتهي إلى الطلاق في أمريكا، واثنان من ألف في سوريا تنتهي إلى الطلاق.
مرة القاضي الشرعي الأول قال لي: نسب الطلاق اثنان من ألف، هذا من آثار الدين، لأن الزوجة ليس لها تجربة سابقة، والزوج كذلك، ويوجد طاعة لله، كذلك يوجد استقرار في الحياة الزوجية، وتفكك الروابط وانتشار الأمراض، الأمراض التي تظهر النبي الكريم له حديث أعدّه من دلائل النبوة قال:

(( وما فعل قوم الفاحشة حتى يعلنوا بها إلا ابتلاهم الله بالأمراض التي لم تكن في أسلافهم))

[ ابن ماجه عن ابن عمر ]

الآن هناك مرض اسمه آكلة لحوم البشر، هذا أسرع من الإيدز، ينتهي الإنسان في أربع وعشرين ساعة، والأسباب انحراف جنسي، وهناك مرض الآن في إفريقيا جديد أيضاً مخيف، ومرض في اليابان، والأول في إنكلترا غير الإيدز، فلذلك الأمراض تستشري، وتنهار الأخلاق، وتظهر الشهوات، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾

[سورة الإسراء: 32]

لكن كلام خالق الكون كلام دقيق، قال تعالى: ] 

وَلاَ تَقْرَبُوا [، لم يقل: لا تزنوا، لأن الزنا لا يكون مباشرة، هناك تمهيدات، استثارت، قراءات، مشاهدة أفلام معينة، أصدقاء، خلوة، إطلاق بصر، هذه كلها أسباب الزنا.

الحرام في علاقة المرأة بالرجل :

الآن دخلنا في الدرس الحرام في علاقة المرأة بالرجل.

1 ـ الخلوة بالأجنبية :

البند الأول الخلوة بالأجنبية، النبي لم يقل: ما خلا فاسق بفاسقة، ولم يقل: ما خلا مؤمن بمؤمنة، قال:

((أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ))

[ سنن الترمذي عن ابن عمر]

أيّ رجل مع أي امرأة.
عند الخلوة تجتمع خواطر.

 

حكم الخلوة بالأجنبية :

الحكم الشرعي: الإسلام حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، من هي المرأة الأجنبية؟ هي التي لا تكون زوجة له، ولا إحدى قريباته التي يحرم عليه الزواج منها حرمة مؤبدة، إذا خلا رجل بامرأة لها زوج، حينما تطلق تصبح حلالاً له، ويتزوجها، إذًا هي أجنبية لا يحق له أن يخلو بها مع أنها أجنبية ومحرمة عليه، لأنها متزوجة، ولكن هذه الحرمة ليست أبدية، بل حرمة مؤقتة لهذا الزواج.

من هي المرأة الأجنبية و كيف تعامل ؟

التعريف الدقيق: الخلوة بالمرأة الأجنبية التي لا تكون زوجته، ولا إحدى قريباته التي يحرم عليه زواجه منها حرمة مؤبدة، كالأم والأخت والعمة والخالة، يمكن أن تخلو مع أمك، وأختك، وعمتك، وخالتك، وابنة أخيك، وابنة أختك فقط، أما امرأة أخيك فأشد حرمة، لأنه إذا طلقها تبح له، فالحرمة غير مؤبدة، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلو بامرأة ليس معها محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان ))

[ صحيح عن ابن عباس]

أما الآية الدقيقة فقال تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

[سورة الأحزاب: 53]

الأكمل ألا تعلّم امرأة إلا من وراء حجاب، الهاتف قد يكون حجاباً، يمكن أن تستمع إلى شكواها على الهاتف، أو من وراء حجاب، أو أن تجيبها عن سؤال من وراء حجاب، أما اللقاء المباشر ولو كان لعلة نبيلة وشريفة فلا يجوز.
لا تخلُ بامرأة ولو لتعلمها القرآن، ولا تدخل على ذي سلطان ولو تقول: آمره وأنهاه.
الآية الكريمة قال تعالى:

﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

[سورة الأحزاب: 53]

قال الإمام القرطبي: " يريد الله عز وجل أن ذلكم السؤال والمتاع من وراء حجاب أن هذا الموقف أطهر للقلب "، من ماذا؟ قال: " من الخواطر التي تعرض للرجال من أمر النساء، وللنساء من أمر الرجال ".
تكون الخواطر الغريزية بالمشاهدة، وإلا فلا:

﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

" من الخواطر التي تعرض للرجال من أمر النساء، وللنساء من أمر الرجال، أي أن ذلك أنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية ".
وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه، ولا أن يقول: أنا واثق من نفسي.

 

الابتعاد عن الاختلاط لأنه أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية :


أحدث موضوع علمي قرأته، والله هذا الموضوع حلّ لي ألف مشكلة، حينما يثار الإنسان جنسياً الدماغ يفرز مادة يعطل محاكمته، وهذا يفسر أن الإنسان إذا خلا بامرأة تكون أقل بكثير جداً من زوجته، ومع ذلك تزل قدمه، لأنه خلا بامرأة، وخرق الحدود، وتجاوزها.
قال:

﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾

" أي أنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية".
سيدنا يوسف هذا النبي العظيم الذي هو القدوة لكل شاب في عفته، وفي بعده عن الحرام، ماذا قال هذا النبي الكريم؟

﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) ﴾

[ سورة يوسف]

لا يقل الواحد أنا أثق بنفسي، أكبر إنسان قد تنهار مقاومته حينما يخرق منهج الله عز وجل، عندما تطبق المنهج الله يحميك.

 

الحمو الموت :

وهناك حالة خاصة، قال: ويحذر النبي أشد التحذير من خلوة المرأة، بيت الحمو أشد، أي أقارب زوجها، كأخيه وابن عمه، لأن الأخ له مدخل، وله كلام، وله مداخلة، وله سؤال، النبي الكريم يحذر المرأة من الخلوة بأقارب زوجها أشد التحريم، لأن هذا قد يجر إلى عواقب سيئة.
في هذا المسجد بالذات وصلني أكثر من خمسين قصة خلال عدد من السنوات عن حالات لا يمكن أن تصدق جرت بين المرأة وأخ زوجها، من الحرام الشنيع بسبب الخلوة، يقول لك: هل معقول ألا يدخل أخي في غيابي؟ نعم معقول ونصف ألا يدخل في غيابك، هنا لا يوجد مجاملات، قال عليه الصلاة والسلام:

(( إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت ))

[البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر]

ماذا فسر المفسرون هذه الكلمة: "الحمو الموت" فسرها المفسرون بأن الخلوة تؤدي إلى الخطر والهلاك، أي هلاك الدين، الإنسان في بحبوحة، أما عندما يقترف جريمة الزنا فيقع في حجاب مع الله كبير جداً، نحن في نعمة لا أحد يعرفها، أنك لم ترتكب كبيرة، فأنت في بحبوحة مع الله، هناك تقصير وأخطاء صغيرة، أما إذا ارتكب الإنسان كبيرة أو شرب الخمر يشعر بالضيق، فهذه البحبوحة تشعرك أن الطريق إلى الله سالك، والصغائر يعفو الله عنها، أما الكبائر:

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخلْكُمْ مُدْخَلاً كريمًا ﴾

[ سورة النساء :31]

هلاك الدين إذا وقعت هذه المعصية، وهلاك المرأة بفراق زوجها.
امرأة متزوجة لها أولاد، ولها مكانة، تطلق، وتفضح بين الناس، تصبح قصتها مثاراً للسخرية بين الناس، هذا هلاك ثان، هدرت كرامتها الاجتماعية، وهدرت مكانتها الدينية، والقريب كالأخ إذا ارتكب الفاحشة مع زوجة أخيه يصير الأمر إلى دماء وقتل.
حدثني أخ في بعض البلاد أن أخاً اعتدى على زوجة أخيه، والأخ كان لحاماً، عندما بلغه ذلك قطعه مئة قطعة، أحضر السيخ وقطعه، هلاك المرأة وهلاك دينها، هلاكها كزوجة وفضيحتها، ثم تقطيع العلاقات الاجتماعية، وسبب ذلك الخلوة الحمو، قال عليه الصلاة والسلام:

(( إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت ))

[البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر]

هذا حديث متفق عليه في أعلى درجة من الصحة، رواه الإمام البخاري ومسلم
تهلك لاقترافها المعصية، وتهلك لطلاقها وفضيحتها، وتهلك الأسرة بتفتيت العلاقات المقدسة بينهم.
أول شيء في المحرمات الخلوة، أنت في البيت، وجاءت زوجة أخيك، وأنت في البيت بمفردك، لا تدخلها، ولا تستحِ، هذه مجاملة الشيطان، الأهل غير موجودين، أو سأخرج ادخلي، أما أنك أنت وزوجة أخيك بمفردكم فلا يجوز، وكلام الناس أن هذا مثل أخي، لا يوجد بارود لا ينفجر، قال تعالى:

﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾

[ سورة المجادلة: 2]

هي مثل أمي، هذا كله كلام الشيطان، لا معنى له. 

2 ـ تحريم نظر الجنسين بعضهما إلى بعض :

أولاً: العين مفتاح القلب، والنظر رسول فتنة الزنا:

كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
***

في ذهني آلاف القصص، انهيار بيوت، تطليق زوجات، تشرد أولاد، جرائم قتل، عداء أبدي بين أخوين بسبب خلوة ونظر.
من شأن المسلم ألا يخلو بامرأة أجنبية إلا أن تكون زوجته، أو إحدى محارمه الذين يحرم له الزواج منها تحريماً مؤبداً لا مؤقتاً.

 

وقوف عند قوله تعالى -مِنْ أَبْصَارِهِمْ -:

قال تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَى جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَائِهِنّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَ أَوْ نِسَائِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفِلِ الّذِينِ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[سورة النور:30-31]

هذه الآية أساسية في هذا الموضوع، ويجب أن نقف عندها كلمةً كَلمةً.

 

1 ـ من للتبعيض :

أولاً: في هذه الآية توجيه مشترك للرجال والنساء في غض البصر، غض البصر مدرسة، لابد من غض البصر، امرأة كانت أو رجل.
الآية لم تقل: غضوا أبصاركم، قال: يغضوا من أبصارهم، لك أن تنظر إلى زوجتك، لك أن تنظر إلى أمك وأختك، إلى ابنتك، إلى عمتك، إلى خالتك، وبنت أخيك، وخالتك، هذه هي المحارم، والغض على غير هؤلاء، من للتبعيض، هذا أول معنى من معاني من.

2 ـ عدم التدقيق في التفاصيل عند النظر إلى المحارم :

إذا نظرت إلى المحارم مثلاً إذا نظرت إلى أختك، ينبغي أن تغض البصر، أي لا تدقق في التفاصيل، ألا تنظر بشهوة، ألا تدقق بخطوط الجسم، المرأة تتحرك، ومن حركتها يظهر شيء من جسمها، تغض بصرك، مع العلم أنها أختك، لك أن تراها بكل بساطة وبكل وضوح، لو أنها نائمة ومكشفة يجب أن تغض بصرك عنها، وألا تدخل عليها إلا بإذن، وعلى أمك أيضاً، كيف أستأذن وهي أمي؟ فقال النبي: أتريد أن تراها عريانة؟
أختك في الغرفة، تقرع الباب ادخل، الاستئذان موضوع ثانٍ، في البيت الواحد يستأذن على أمه، وأخته، وابنته، لأن له أن ينظر إليهم بأوضاعهم الطبيعية، لباس الخدمة نصف كُمّ، تحت الركبة، بلا كم، هذه مشكلة، القصير مشكلة، لذلك ثياب الخدمة هي ثياب المحارم، فالغض على المحارم مع عدم التدقيق في التفاصيل، ولا في خطوط الجسم، لا تنظر في حالات خاصة، ولو كانت أمك أو أختك يجب غض البصر، هذا المعنى الثاني.

3 ـ لك النظرة الأولى و ليس لك الثانية :

لو أنك واجهت امرأة فجأة في منعطف فوقعت النظرة الأولى، فغضّ عن الثانية، الأولى لك، والثانية عليك، فهذه ثلاث معان لـ [ من ]، عن نساء دون نساء، وعن نظرة دون نظرة، وعن مرة دون مرة.
أيها الأخوة، أنا حريص جداً أن يكون معكم نصوص صحيحة، هذا دين، لذلك النص الصحيح يجب أن نعض عليه بالنواجذ، قال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي:

(( يا علي، لا تتبع النظرَةَ النظرةَ، فإنما لك الأولى، وليس لك الثانية))

[أحمد وأبو داود والترمذي عن علي ]

وهذا معنى [ من ] الثالث.
معنى [ من ] الأول: لك أن تنظر إلى المحارم، وأن تغض عن غير المحارم.
المعنى الثاني: نوع النظر، إذا نظرت إلى المحارم فعليك أن تنظر نظراً إجمالياً، نظر عاديًّاً بريئاً، أما لو دققت بالتفاصيل، وفي الجزئيات، وفي الخطوط، وفي بعض الحركات والحالات فيجب أن تغض البصر.
المعنى الثالث: لو أنك نظرت فجأة إلى امرأة أجنبية لا تحل لك، الأولى لك، والثانية عليك.
الحديث الذي رواه الإمام البخاري لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النظرة إلى المرأة بشهوة من الزنا فقال عليه الصلاة والسلام:

(( العينان تزنيان وزناهما النظر))

[البخاري عن أبي هريرة ]

النظر بريدٌ إلى الزنا :

هناك نقطة دقيقة، إذا اكتفى الواحد بالنظر، وقال: أنا لا أفعل شيئاً، هناك مشكلة كبيرة قالها الشاعر:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظــرُ
رأيت الذي لا كله أنت قـادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
***

هذه الشهوة تتطور، ليس نظر فقط، الوردة تنظر لها، وتكتفي بالنظر إليها، شيء جميل تنظر إليه، وتكتفي بالنظر إليه.
الناحية الثانية: إذا نظرت إلى امرأة لا تحل لك الأمر لا يبقى عند حدود النظر، هناك تطور.
عندما أمرنا الله بغض البصر كما قال بعض العلماء فهو من باب سد الذرائع، لأنك بغض البصر تسد الذريعة إلى الزنا، قال عليه الصلاة والسلام:

(( العينان تزنيان وزناهما النظر))

[البخاري عن أبي هريرة ]

وفي درس آخر ننتقل إلى تحريم النظر إلى العورات، وحدود إباحة النظر إلى الرجل والمرأة، وهذا كله متعلق بشأن الزواج، وشأن العلاقات الأسرية. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور