- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠9العقيدة والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التطابق بين منهج الله وفطرة الإنسان:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدروس السابقة إلى موضوع الفطرة، وإلى حقيقة الإنسان قبل أن يعرف الله عز وجل، ولكن في هذا الدرس نحن في حاجة إلى بحث دقيق متعلق بالفطرة، وهو هذا التطابق العجيب بين منهج الله وفطرة الإنسان، وأن الإنسان إن لم يتبع منهج الله فما الذي يحصل، وإن اتبعه فماذا يحصل ؟ هل هو تطابق أم تخالف ؟
1 – تشريعات الله متوافقة مع النفس البشرية:
أيها الإخوة، كنت أضرب هذا المثل: لو جئنا بخارطة مجسمة، ووضعنا حولها إطاراً، وصببنا مادة سريعة التجمد، وبعد التجمد فتحنا القالب عن شقه الآخر، نرى تطابقا مئة في المئة على مستوى عُشر الميليمتر، خارطة مجسمة، والمادة أمامنا، التطابق مئة في المئة، أي أن أيّ شيء أمرَ الله به لو طبقته لارتاحت نفسك، ولو خالفته لشعرت بالضيق، فأنت من حيث خصائصك النفسية متوافق تماماً مئة بالمئة مع منهج الله.
2 – تطبيق أوامر الله راحة للنفس وسكينة لها:
حينما تصطلح مع الله بتطبيق منهجه تصطلح مع نفسك.
والله أيها الإخوة، في نفس المؤمن المطبِّق لمنهج الله من الراحة النفسية، من الطمأنينة، من السكينة، من الاستقرار، من الرضى، من الشعور بالفوز، من صلاح البال، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، الدليل: قال تعالى:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
تطمئن.
أنت صادق، والله يأمرك أن تكون صادقا.
أنت عفيف لا تتطلع على عورات المسلمين، تغض البصر، فإذا غضضت البصر عن امرأة لا تحل لك تشعر بانتصارك، فأنت صاحب إرادة، ولست عبداً لشهوتك، أنت سيد لها.
حينما تقول الحق ولو كان مُراً تشعر بانتصارك على ذاتك، وتشعر بعزة، فكلما طبقت منهج الله شعرت بالتفوق.
3 – الإنسان مجبول على حب السلامة والسعادة والتفوق:
بالمناسبة أنت مجبول على حب سلامتك وعلى حب سعادتك، وعلى حب التفوق.
سيدنا يوسف، هذا النبي الكريم عدّ العلماء أكثر من عشرة أسباب تدعوه إلى الاستجابة لامرأة العزيز، فهو شاب، غريب، غير متزوج، تدعوه سيدته، ليس من صالحها أن تقول كلمة، هو معذور، هذا الإنسان قال: معاذ الله، كان عبداً، فأصبح ملكاً، ولو ـ افتراضاً ـ جمع شاب مع فتاة دعته إلى نفسها، واستجاب لها لسقط في الوحل، وانتهى، ما الذي رفع هذا النبي الكريم إلى الأوج ؟ عفته.
4 – الفطرة تحب الخير:
الفطرة تحب العفة، الفطرة تحب الصدق، الفطرة تحب الوفاء الفطرة تحب الإحسان، الفطرة تحب الرحمة، أنت دون أن تشعر إن رأيت عملاً رحيماً تذوب فيه، إن رأيت وفاءً، إن رأيت صدقاً، إن رأيت تضحية، الذي يعجبك في الناس مطابق لفطرتك.
والله أيها الإخوة، لولا الفطرة لما تاب أحد من ذنبه، يقول الإنسانُ: أي ذنب عملت ؟ لكن أشد الناس انحرافاً يعرف أنه منحرف، فيتألم أحياناً، ويندم، ويبكي أحياناً، أكبر معاونة لك من قِبل الله أنه فطرك فطرة عالية، فإذا أخطأت عذبتك فطرتك، للتوافق التام بين الفطرة ومنهج الله.
قد تجد إنسانا فقيرا ضئيل الشأن، خشن الطعام، خشن الثياب، يسكن في بيت كأنه كوخ، لكنه مستقيم، رافع الرأس، عزيز النفس، متفائل، واثق من الله عز وجل، وقد تجد إنسانا يملك الملايين، لكنه دنيء النفس، يحتقر ذاته.
5 – بين احترامِ الذات واحتقارِها:
أيها الإخوة الكرام، هناك مصطلح اسمه احترام الذات، أو احتقار الذات قد تكون في أبهى زينة، وقد تكون في أقوى موقع، وقد تكون في أكبر ثروة، لو أن فيك خيانة وكذبا ودجلا ونفاقا وتجميع الأموال من ابتزاز أموال الناس، ومن إدخال الرعب على قلوبهم، فمثل هذا الإنسان منهار من الداخل، يحتقر ذاته، ومهما عظمه الناس، مهما بجلوه، مهما رفعوه، مهما تأدبوا أمامه فهو يحتقر ذاته، أما حينما يكون صادقاً أميناً، لا يخون، لا يكذب، لا ينافق، قد يكون ضئيل الشأن، قد يكون من عامة الناس، لكنه يشعر بعزة الكمال، وعزة الاستقامة، من هنا الدعاء الشريف:
((... وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ... ))
6 – حبُّ الكمال من الفطرة، والكمال من الصبغة:
يجب أن نعلم علم اليقين أنك مبرمج وموَلّف ومفطور ومجبول على الكمال، وأن تحب الكمال لا يعني أن تكون كاملاً، فحب الكمال شيء هذا فطرة، وأن تكون كاملاً شيء آخر، هذه صبغة، الصبغة أن تصطبغ بالكمال الفطرة أن تحب الكمال، أهل الأرض من دون استثناء يحبون الكمال، وقد لا يعني هذا أنهم كاملون، لكن المؤمنين حصراً الذين اتصلوا بالله عز وجل، واستقاموا على أمره هم كُمَّلٌ، اصطبغوا بالكمال، هذا الكلام مفاده أن هناك تطابقاً مذهلاً بين أدق دقائق الشرع وجبلة الإنسان، فأيّ إنسان أطاع الله عز وجل نقول له: أنت اصطلحت مع نفسك.
أحياناً تلتقي مع إنسان شهم كريم عفيف، يحس بعزة، والله أقول له: كأنك ملِك.
إنّ رجلا أوصل أم سلمة من مكة إلى المدينة دون أن ينظر إليها، يقود جملها، وبعد مرحلة متعبة ينيخه ويبتعد، التاريخ لا ينسى له هذا الموقف، إنه رجل في عزة.
يا أيها الإخوة الكرام، اعلم علم اليقين أن الله برمجك على كمال أمرك به، فإن فعلت الكمال وجدت نفسك، واصطلحت معها، وارتحت راحة نفسية لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
7 – تطبيق مبادئ الفطرة السليمة طريق السعادة والفلاح:
الآن التوافق حينما تأتي أفعالك مطابقة لفطرتك، حينما تصدق، وقد أمرت أن تكون صادقاً
حينما ترعى العهد، وقد أمرت أن تفعل ذلك، حينما ترحم، وقد أمرت أن ترحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، تشعر بشيء لا يوصف، تسميه تجليًّا، أو سكينة، أو رحمة، أو رضى، أو سرورا، أو غنى، فهو شعور بالغنى على شعور بالرضى، وبالراحة، وبالسكينة، وبالتماسك، وبقوة الشخصية، وبرفع الرأس عالياً، لأنك طبقت منهج الله أو وفي الوقت نفسه اصطلحت مع نفسك، فصار الوفاق.
أيها الإخوة الكرام، هل هناك رجلٌ واحد لا يبحث عن السعادة ؟ السعادة في طاعة الله، وتطبيق مبادئ فطرتك، السعادة في أن تصطلح مع الله، وحينما تصطلح مع الله دون أن تشعر تصطلح مع نفسك، حينما تصطلح مع نفسك دون أن تشعر تصطلح مع الله، لأن منهج الله وخصائص نفسك متطابقان تطابقاً تاماً، هذا أول قسم في الموضوع.
8 – تطبيق مبادئ الفطرة طريق العزة والكرامة:
القسم الثاني طبقت المنهج لا يستطيع أحد أن ينال منك، هذا عز الطاعة، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26) ﴾
معي شواهد كثيرة:
أنت تحب أن تكون موظفا في الدرجة العاشرة، تحب أن تكون كاتبا، مراسلا، عاملا على الهاتف، تحب أن تكون رئيس دائرة، أو معاون وزير، تحب أن تكون مليونيرا، تحب أن تكون مديوننيرا، أنت عزيز، كريم، رحيم، واثق من الله عز وجل، فالتوافق يعني مؤمنا اصطلح مع نفسه، يقول لك: مؤمن سعيد، يقول لك: مؤمن قوي الشخصية، مؤمن عزيز، مؤمن متواضع، مؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم، هذا التوافق.
9 – معظم الأمراض النفسية بسبب الخروج عن مبادئ الفطرة:
لا سمح الله ولا قدر التعارض انهيار داخلي، اختلال توازن، احتقار للذات، شعور بالذنب، كآبة، إحباط، ردود قاسية، تصرف غير حكيم، من نتائج عدم الانسجام مع النفس، والعياذ بالله الذين يبنون مجدهم على أنقاض الناس، أو غناهم على إفقار الناس، أو قوتهم على إضعاف الناس، أو عزهم على إذلال الناس هم أشقى الناس،
لأنهم اختل توازنهم، فهم في قلق، في خوف من المجهول، في ردود فعل قاسية جداً، ليس لهم حكمة أبداً، هناك آلاف الشواهد، الذي انسجم مع فطرته هادئ وديع، الأمور عنده ميسرة، حياته بسيطة غير معقدة، كلامه لطيف، أعصابه متينة، حليم، أما حينما يقف موقفا عنيفا بلا مبرر يكون فيه غليان داخلي، واضطراب داخلي، وقلق داخلي، وخوف داخلي، خوف من المجهول.
مِن أطرفِ ما سمعت في ألمانيا أن فندقا كُتِب على السرير: " إذا لم تَنَمْ هذه الليلة فالعلة ليست في فرشنا، إنها وثيرة، ولكنها في ذنوبك، إنها كثيرة ".
إذا كان الإنسان مستقيما يقول لك: ما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى غرقت في نوم عميق، يقول: فلان نائم على ريش نعام، لا ذنب له، ما أكل مال أحد، ما ظلم أحدا، ما كذب على أحد، ما نافق، ما سبّب انهيار أسرة، ما ابتز أموال الناس، ما أخافهم، ما أرهبهم، نائم على ريش نعام، والذي يبني مجده على أنقاض الناس ما إن يضع رأسه على الوسادة فتبدأ متاعبه، يقول لك: إنسان ببذل الجهد يحس بضيق في الصدر
هذا معه تضيّق، وهناك أشخاص معهم تشنج، في الراحة يشعر بضيق الصدر، ينام، ويقول: أنا ضائق الصدر، معي شيء ليس طبيعيا، لما كان النهار فهو مشغول بالعمل، ولما آوى إلى الفراش استيقظت أمامه ذنوبه وأخطاءه فأقلقته، فشعر بالضيق، وأحياناً الشدة النفسية تضيق الأوعية، يقول لك: ارتفاع ضغط تشنجي، وارتفاع ضغط وعائي، وأحيانا الوعاء تضعف مرونته من ترسب مواد دهنية حوله، فالذي معه تضيق حقيقي يظهر هذا الألم على الحركة، والذي عنده ذنوب كثيرة يظهر هذا الألم عند النوم، لأنه حينما يأوي إلى الفراش بدأ يحاسب نفسه، بدأت فطرته تعذبه، ما الذي يحصل ؟ الذي يحصل أن الإنسان إذا خالف منهج الله وخرج عن مبادئ فطرته، وأساء للخلق، ابتز أموالهم، اغتصب بيتا، اغتصب شركة، اغتصب حقوق موظف عنده، هو قوي، ولفّق له تهمة، وطرده، وما أعطاه تعويضا، وله معه مبالغ ضخمة متراكمة، قال له: ما لك عندي شيء، وقال له: أنت خنتني، والموظفون يسكتون لأنهم يخافون منه، أما هو في أعماق أعماقه اعتدى عليه، وأكل ماله، وشوه سمعته، وطرده، فترى صاحب هذه المؤسسة عنده قلق، عنده قلق من المجهول، عنده خوف من لا شيء، عنده قسوة غير معقولة، عنده ردود فعل قاسية جداً، لأن حدث له اختلال توازن، وشرخ عميق، واحتقار للذات، وشعور بالذنب وكآبة.
صدقوا أيها الإخوة الكرام، تكاد تكون معظم الأمراض النفسية وراء خروج على مبادئ الفطرة.
نحن درسْنا في الجامعة في علم النفس أو في الصحة النفسية مرضا اسمه: ( الهستيريا )، طبعاً باللغة الدارجة تستخدم لرجل مختل التوازن مجنون مهستر، أما في المصطلح العلمي الهستيريا شلل لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية.
قصص من واقع الناس في اختلال التوازن:
القصة الأولى:
تُروى قصة في بريطانية ؛ أن إنسانا مريضا استدعى طبيبا عنده فتاة جميلة جداً، هذا الطبيب خان الأمانة، وتحرش بالفتاة، فأصيبت يده بالشلل، شعوره بالذنب أنه إنسان عمله إنساني، جاء إلى بيت ليسعف مريضا أغرته هذه الفتاة فتحرش بها، واليد التي تحرش بها شلت، هذا المرض شلل عضوي لأسباب ليست عضوية، ولكنها نفسية، لا حل له إلا أن يعمل عملاً بطولياً حتى ينسى هذه الخيانة.
القصة الثانية:
حدثني أخ من بلد مجاور أن إنسانا أرسل ابنه إلى البقالية الساعة الثانية في الليل بمنطقة في شمال بيروت، فإذا سيارة مسرعة دهسته، ومات فوراً، لكن في الساعة الثانية ما لم يكن هناك شرطة ولا شهود ولا أحد، كتبت هذه الحادثة ضد مجهول، والذي دهسه نجا من كل مسؤولية، أول يوم ما قدر أن ينام أبداً، ثاني يوم ما نام، مضى عشرون يوما ما نام لحظة، التقى مع طبيب نفسي، قال له: لن تستطيع النوم، نفسك تعذبك، طفل مثل الوردة دهسه، وخاف من المسؤولية فهرب، لكن هناك حساب النفس، قال: ليس هناك حل ثانٍ إلا أن ترسل لأهل هذا الطفل الذي كنت سبباً في موته الدية، ولتكن مجزية من أجل أن تنام.
والله أيها الإخوة، إذا ما انتبه إنسان لنفسه يُعذَّب عذابًا لو أخطأ، لو أكل حقوق الناس، لو طلق زوجته ظالماً، أنا والله لا أرى أكثر حمقًا ممن يستهين بمحاسبة النفس، حتى إنه أقيم استبيان، ووزعوه على مئة زوج، لماذا لا تخون زوجتك ؟ جاءت الأجوبة وصنفت تصنيفا أخلاقيا: أدنى الأجوبة: لا أستطيع، لأنها معه في العمل، هناك جواب أرقى: لا أتحمل الشعور بالذنب، الخيانة ذنب كبير، وأرقى من هذا: لا أحب الخيانة.
من نتائج التوازن النفسي في الإنسان:
اختلال التوازن النفسي سبب للتعلُّقِ بالعقائد الفاسدة:
أيها الإخوة، لما يختل توازنُ الإنسان يلجأ إلى ما يلي: إلى التعلق بعقيدة فاسدة، فأيّ فكر يغطي انحراف الإنسان، ويعفيه من المسؤولية يتشبث به، فإذا قدّم الرجلُ بضاعة مغشوشة للمسلمين، بضاعة غذائية، حليبا مضافا إليه الماء، هو في قرية ما عنده ثقافة، عنده مشكلة في الداخل، حضر درس علم، الموضوع عن الشفاعة، يطرب لهذا البحث طربا أيّما طربٍ:
(( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ))
أمّن نفسَه، لأنه تعلق بهذا الموضوع غير الصحيح، الحديث صحيح، لكن الشفاعة لها بحث طويل ودقيق، وقد يفهمها الناس فهماً ساذجاً، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ:
(( يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))
(( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
لكن الذي ألقى هذا الكلام في المسجد ضعيف المعلومات، ما عنده إمكانية أن يحلل، فأوهم الناس أن أيّ إنسان يشفع له النبي، ويغفر الله له ذنوبه، والإنسان الذي يغش الناس تمسك بهذا الحديث، وتعلق بهذا الدرس، ورواه لمئة إنسان، هل سمعت ما قال الشيخ ؟ ما هذا الدين العظيم ! لأنه غطى له انحرافه، ولما يخالف الإنسان فطرته يتعلق بأي نص ضعيف، بأي فكرة غير صحيحة، بأي تفسير ضعيف، بأي رأي شاذ، بأي فتوى ضعيفة، حتى يرتاح.
كنت أقول دائماً: يمكن أن تصدق فكرة ليست صحيحة، ولا تبحث عن الدليل إطلاقاً، كمثل إنسان أراد أن يشتري سيارة، وله صديق آخر أراد أن يشتري سيارة، الآخر اشترى، والأول ما اشترى، بعد يومين سرت إشاعة في البلد أن ثمة مشروع قانون أو مرسومًا بتخفيض الرسوم خمسون بالمئة، رسوم السيارة مئتا ألف صار مئة، الذي اشترى يكذب، ويقول: هذا غير صحيح، سمعناها مليون مرة، ولم يحدث شيء، كله كذب، التكذيب يريحه، والذي ما اشترى يقول: أعوذ بالله، كيف يكون هذا كذبا ؟! البلد بحاجة إلى تخفيض رسوم، أنا واثق أن الكلام صحيح. فلا الأول طالب بالدليل، ولا الثاني، لكن الأول أزعجه الخبر، فدافع عن نفسه بتكذيبه، والثاني أراحه الخبر، فتشبث به، فأيّ إنسان ينحرف بأخلاقه وسلوكه دون أن يشعر يتعلق بأي فكرة دينية ضعيفة غير صحية، لأنها تريحه.
شارب الخمر يفتح القرآن فيقرأ قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ (90)﴾
يقول: الله ما حرمه، بل قال:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
هذا أمر إرشادي، هات آية الخمر فيها حرام ؟ صار الإنسان فقيها، لأنه قال:
﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾
ارتاح، إذاً: الخمر ليس حراما.
إنّ أيّ إنسان ينحرف يأكل الربا، ويقول: الله ما حرم الربا إلا بأضعاف مضاعفة، الدليل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً (130) ﴾
فأنا آخذ بالمئة خمسة.
لما ينحرف الإنسان، ويختل توازنه، وينكشف أمام نفسه يحاول أن يعيد التوازن بتعلقه برأيٍ شاذٍّ، بفتوى ضعيفة، باستنباط شخصي، برأي منحرف يتمسك به.
لذلك اسمعوا هذه الحقيقة، أنا لا أوافق أبداً أن يظهر على الشاشة ملحد مع مسلم، الملحد يدلي بأدلة على أن الإله غير موجود، الذي عنده رغبة أن يكون ملحدا يعجبه الدليل، ولا يصغي للرد إطلاقاً، ويسمع عشرات الملايين الكلام الباطل، هذه مشكلة كبيرة، لذلك لا تقبل أن تكون طرفا في مناظرة، ولو كنت أقوى من الطرف الآخر، لكن الذي يعجبه اتجاه الطرف الأول يأخذ أدلته على أنها يقينية، ويتمسك بها.
أول ظاهرة من ظواهر اختلال التوازن التعلق بعقيدة زائغة.
الطعن في الصالحين:
والظاهرة الثانية الطعن في الصالحين: هو غير مستقيم، يقول لك: لا أحد مستقيم.
مرة سألت طالبا: أين وظيفتك ؟ قال: لسنا كاتبين كلنا يا أستاذ، قلت له: أنت كم واحد ؟ إذا قال: لست كاتبا لها، فهو وحيد، إذا قال: لسنا كاتبين يريد أن يوسع الغلط حتى يرتاح.
لو كنت عالم نفس ترى ردود فعل الناس عندما يرتكبون المعاصي والآثام، وحينما يسألون تسمع أشياء مضحكة، يقول لك: لولا أن المرأة لها أن تظهر مفاتنها، وهذا شيء شرعي لما كان من موجبٍ لغض البصر، شيء جميل، هذا فقه جديد، إذا كان له زوجة متفلتة تبرز كل مفاتنها للناس، يفكر لماذا هناك غض بصر، لأنه مسموح للمرأة أن تبرز كل مفاتنها، إذاً: غُضَّ بصرك !!!
والذي يحب المال يقول: الله عز وجل جعل الزكاة فرضا من أجل أن نكون أغنياء، فإن كنا فقراء فقد عطّلنا هذه الفريضة !!! يا الله، لو أن إنسانا خالف منهج الله عز وجل تخرج منه أفكار غير معقولة إطلاقاً.
مرة قال لي إنسان: النصب مقرَّرٌ في القرآن، ما هذا الكلام ؟ قال: قال تعالى:
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾
شيء عجيب أيها الإخوة، حينما تخالف فطرتك، حينما تخالف منهج ربك أول شيء تتعلق عقائد زائغة، وبأحكام باطلة، وفتاوى شاذة، وآراء فقهية ضعيفة.
والشيء الثانية: تطعن في الصالحين، وكلّ إنسان مهما تألق، مهما ارتقى عند الله، مهما أخلص، مهما أناب، مهما تواضع فله مآرب، يقول: لا تعرفون شيئًا، يشكّك بكل شيء، وصدّق هذا شيطان، يشكك بأي إنسان، لا يصدق إنسانا مستقيما، ولا إنسانا يخاف من الله، تريدون دليل:
﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ (24) ﴾
اتُّهِم نبي كريم أن دعوته من أجل الاستعلاء والهيمنة.
أول شيء: الطعن في الصالحين.
الشيء الثاني: التعلق بعقائد زائغة.
الحل لمشكلة اختلال التوازن:
هل هناك حل حقيقي لاختلال التوازن ؟
أن تتوب إلى الله، الخطأ تب منه، ترجع سويا.
عندنا ثلاثة حلول، حل سوي صحيح يرضي الله، أن تعود إلى الصواب، وأن تقبل بالصواب، وأن تتوب إلى الله، وأن ترجع إليه، فإن كان فيك توازن مختل يُرَمَّم، أو كآبة تزول، أو حاجة إلى طبيب نفسي تنتهي هذه الحالة، أو وساوس ترتاح منها، أو شعور بالانهيار يرمم هذا الشعور بالتوبة، بالصلح مع الله، أما أن تقيم على هذه المعصية فلا بد من أن تفكر تفكيرا آخر، فتشكّ بكل إنسان، لأن الذي يشك هو غير مستقيم.
تذكية الذبيحة:
أيها الإخوة الكرام، ننتقل إلى موضوع علمي عنوانه: تذكية الذبيحة.
1 – عدمُ قطع رأس الذبيحة حكمةٌ بليغة:
النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا نذكي الذبيحة
أيْ أن نجعل دمها يخرج منها كله، عن طريق أنه نهانا عن أن نقطع رأسها، بل أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، لماذا ؟ لا نعرف، الأمر بقطع أوداج ومعظم مسالخ العالم تعلق الدابة من رجليها، ويقطع رأسها، فلا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا بعد مئة عام، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وأربعمئة عام هناك جهة في الأرض تستطيع أن تفسر هذا الأمر.
شيء ثابت عندكم جميعاً أن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ليست من اجتهاده، ولا من خبرته، ولا من بيئته، ولا من معطيات عصره، ولا من ثقافته، إن هي إلى وحي يوحى.
2 – التعليل العلمي لعدم قطع رأس الذبيحة:
لماذا أمرنا أن نقطع أوداجها فقط، والمسلمون في شتى بقاع الأرض الذبح عندهم دون قطع رأس الدابة، بل يبقى موصولاً، التعليل العلمي:
لأن القلب أنبل أعضاء الإنسان، ولأنه إذا توقف انتهت حياة الإنسان، ولأنه من أعضائه النبيلة جعل الله له مركزاً كهربائياً يعطيه الأمر بالنبض، فالقلب ما له علاقة بالشبكة العامة، له علاقة بكهرباء ذاتية، تماماً كمستشفى تجرى فيها عمليات قلب مفتوح، والمريض حينما يفتح صدره توصل أوعيته بقلب صناعي، ويخدر القلب، ويجرى فيه العمل الجراحي، بعد أن ينتهي هذا العمل يصعق القلب صعقة كهربائية فينبض، ويعود الدم من القلب الصناعي إلى القلب الطبيعي، لو أن الكهرباء قطعت في هذه المستشفى لتوقف القلب الصناعي ومات المريض، إذاً: أي مستشفى فيها عمل جراحي تحتاج إلى مولّدة خاصة.
القلب البشري يتوقف حياة الإنسان على نبضه، لذلك الله عز وجل زوده بمركز كهربائي ذاتي يعطي الأمر بالنبض، لو تعطل هذا المركز فهناك مركز ثانٍ، لو تعطل الثاني فهناك مركز ثالث، ثلاثة مراكز، الأول هو الأصل، والثاني والثالث هما الاحتياط، إلا أن هذه المراكز الثلاثة لا تعطي إلا الأمر النظامي ثمانين ضربة في الدقيقة، والإنسان قد يكون حاملا لأثقال، يصعد درجا عاليا فيحتاج إلى نبض أعلى، يحتاج إلى مئة وثمانين نبضة، القلب ينبض من ثمانين الحد الأدنى إلى مئة وثمانين نبضة، كيف ينتقل القلب للنبض العالي ؟
آلية النبض الاستثنائي عند الإنسان:
هناك آلية معقدة جداً أوضحها لكم عند الإنسان، بعدها ننتقل إلى الدابة، إذا مشى الإنسان في بستان، ورأى أفعى ماذا يحدث ؟ صورة هذا الثعبان تنطبع على شبكية العين إحساساً، إلا أن الشبكية لا تقرأ الصورة، ثم تنتقل للدماغ إدراكاً، في الدماغ مفهومات الثعبان، هذه جمعت من دراسته، من قصص سمعها، درس في كتاب العلوم درساً عن الأفاعي والثعابين، ساهمت هذه المعلومات في تكوين الأفعى
الدماغ يدرك حقيقة هذا الشيء، الدماغ ملِكُ الجهاز العصبي، أدرك الدماغ أن هناك خطراً قاتلاً، هناك ملكة هي ملكة الجهاز الهرموني، الغدة النخامية ملكة، وزنها نصف غرام، تفرز تسعة هرمونات، كل هرمون لو تعطل إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، ملك الجهاز العصبي يلتمس من ملكة الجهاز الهرموني أن تواجه عن طريق ضابط اتصال هو تحت السرير البصري خطرَ الأفعى، هذه الملكة توجه أمراً هرمونياً إلى غدة الكظر، وهي غدة فوق الكلية كي تواجه الخطر، ماذا تفعل غدة الكظر ؟ هي مكلفة بمواجهة الخطر، ترسل أول أمر إلى القلب برفع النبض من ثمانين نبضة إلى مئة وثمانين نبضة ليواجه الخطر، فالخائف لو قست نبضه لوجدتَه مئة وسبعين أو مئة وثمانين، ولأن هناك علاقة بين القلب والرئتين فلا بد للرئتين أن يرتفع وجيبُهما، لذلك هناك أمر ثانٍ يتجه من الكظر للرئتين، فيزداد وجيب الرئتين، فالخائف يلهث، الخائف عنده أوعية محيطية، هذه الأوعية تعطيه اللون الوردي، فهو خائف في هذه اللحظة الحرجة، ولا يحتاج للون وردي أبداً، يحتاج للنجاة، لذلك يأتي أمر هرموني للأوعية المحيطية فتضيق لمعتها، فيصفر لونه، فالخائف يصفر لونه، مثل الكهرباء أصفر، ثم الكظر يرسل أمرا للكبد بطرح كمية سكر إضافية للدم، لو فحصت دم خائف لوجدت سكره مئة وثمانين أو مئتين وخمسين، الأحوال الطبيعية خمسة وثمانين، السكر طاقة يحتاج إلى بذل جهد، وهناك أمر خامس هو طرح هرمون التجلط، هذا يتم في ثوانٍ، أمر للقلب، أمر للرئتين، أمر للأوعية، أمر للكبد، الآن القلب ينبض مئة وثمانين نبضة.
آلية النبض الاستثنائي عند الحيوان:
الآن ننتقل إلى الدابة، نفس الجهاز، نفس الآلية، لما نقطع رأسها نعطل الأمر الاستثنائي لرفع النبض، لأن الرأس إذا بقي الرأس موصولاً فالأمر الاستثنائي جاهز، فحينما نذبح الدابة يرتفع النبض مئة وثمانين نبضة، وجميع الدم يخرج، ولو كان الرأس مقطوعا كان النبض ثمانين نبضة، فيخرج ربع الدم فقط، والدم مكان لكل الجراثيم والأوبئة والأمراض
لذلك الدابة لا تذكَّى إلا بإخراج دمها، ولا يخرج دمها إلا إذا بقي الرأس موصولاً، مَن علم النبي ذلك ؟
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
هذا يندرج تحت دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .
لكن أيها الإخوة الكرام، حدثني صديق ذهب إلى بلاد بعيدة ليشتري اللحم صفقة للحكومة السورية، لما طلب الذبح بهذه الطريقة رفعوا السعر، فكان جوابهم: البقرة فيها ثمانية كيلوات من الدم، لو ذبحناها بهذه الطريقة لخرج الدم، وينقص الوزن ثمانية كيلو، ادفع لنا ثمانية كيلو زيادة بكل دابة، القضية واضحة، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمرنا لا نقطع رأس الدابة من أجل أن يكون دمها كله خارجاً منها عند الذبح.
إن هو إلا وحي يوحى:
إذاً: هو رسول الله، لم يستنبط هذا التوجيه لا من ثقافته، ولا من معطيات بيئته، ولا من اجتهاده.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾