- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠9العقيدة والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى سلسلة من الموضوعات الفرعية المتعلقة بالشهوة، والشهوة أحد مقومات التكليف، وقبلها تحدثنا عن الفطرة، وقبلها تحدثنا عن العقل، وقبلها تحدثنا عن الكون، فالكون والعقل والفطرة والشهوة من مقومات التكليف.
1 – الإنسان مخلوق مكرَّم مكلَّف:
الإنسان هو المخلوق الأول، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
والإنسان هو المخلوق المكرم:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
والإنسان هو المخلوق المكلف، مكلف بعبادة الله عز وجل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
2 – الإنسان مُنِح مقومات التكليف وحمل الأمانة:
وما كلفنا ربنا أن نعبده إلا وقد أعطانا مؤهلات هذه العبادة، ومقومات هذا التكليف، في رأس هذه المقومات هذا الكون الذي ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، أعطانا عقلاً كأداة كافية لمعرفة الله من خلال الكون، أعطانا فطرة كأداة كافية لمعرفة خطأنا، أعطانا شهوة كقوة دافعة نرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد أمضينا دروساً عديدة حول موضوع الشهوة.
الاختيارُ من مقوِّمات للتكليف:
1 – الإنسان مخيَّر في الجانب التكليفي:
وننتقل الآن إلى مقوِّم جديد من مقومات التكليف ؛ ألا وهو الاختيار، أنت مخير، وما من عقيدة شلت الأمة، وأخرتها كعقيدة الجبر، أي أن تتوهم أن الله أجبرك على أفعالك، فلو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مُكرًهاً.
2 – عقيدة الجبر شللٌ للأمة:
مثلٌ للتقريب: مديرُ مدرسة في أول يوم للعام الدراسي جمع الطلاب في الباحة، وتلا على الطلاب أسماء الناجحين في آخر العام مقدماً، وأسماء الراسبين، هل يستطيع الطالب أن يدرس ؟ هذا مصيره، فلا الذي نجح سيدرس، ولا الذي رسب سيدرس.
آياتٌ قرآنية تثبت الاختيار للإنسان:
عقيدة الجبر عقيدة شلت الأمة، فيها أوهام معشَّشة في أذهان الناس ؛ أن كل شيء منتهٍ، الله كتب على إنسان الشقاء أو السعادة، لا:
الآية الأولى:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)﴾
الآية الثانية:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
فهو إما شاكراً وإما كفوراً، لأنه مخير.
الآية الثالثة:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
هل يستطيع الراكب في المركبة أن يخاطب الراكب في المقعد الخلفي، ويقول له: خذ اليمين، أيّ يمين ؟ حدث السائق.
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
على من يعود الضمير هو ؟ إنّك إنْ أعدته على الله فإنه ينشأ في الآية تناقض:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
ليس الأمر بيدي،
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ﴾
الإنسان مُوَلِّيهَا، باختياره هذا.
عزو الأخطاء إلى الآخرين فكرٌ قديم:
هناك موقف حاسم لسيدنا عمر، جاءوا إليه بشارب خمر، قال: << أقيموا عليه الحد >>، الباطل قديم، والإنسان يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره، اسأل طالبًا رسب: لماذا رسبت ؟ يقول: هذا الأستاذ ليس معقولا إطلاقاً، هو ليس له ذنب، فقط الأستاذ، السؤال غير معقول، المنهاج غير معقول، لمَ لا تقول: أنا كسول، أنا ما درست، دائماً الإنسان يريد أن يعزو أخطاءه إلى غيره، كالنعامة تماماً تخفي رأسها في الرمال، وتنسى أنها مِن خطأها صادها الصياد، وهذا مرض مستشرٍ، فلو وجدنا حفرة في الطريق ماذا نقول ؟ الاستعمار، عندنا مشجب نعلق عليه كل أخطائنا، الاستعمار، الصهيونية، الإمبريالية، لا، نحن مخطئون، أخطائنا أودت بنا إلى ما نحن عليه، وما فينا جرأة، يجب أن تكون جريئًا أن تقول: أنا أخطأت، اسأل طالبا ما نجح يقل لك: الله ما كتب لي النجاح، لماذا أنت ما درست ؟ لمَ لا تقول: أنا ما درست، ما آن الأوان، هذا أمر الله ترتيب سيدك، كل إنسان يقع في خطأ بتقصير، ولا يؤدي الواجب، لا يتقن عمله، لا يحتاط، لا يأخذ بالأسباب، ويأتي جزاء التقصير، جزاء الإهمال، جزاء عدم الأخذ بالأسباب، جزاء الجهل، يقول: هذا من إرادة الله.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28) ﴾
أيها الإخوة، أنا لا أبالغ، هذا الموضوع أعدُّه أخطر موضوع في العقيدة، ولمجرد أن تتوهم أن كل شيء منتهٍ، الشقي شقي، والسعيد سعيد، ولا أمل، ولمَ العمل ؟ ولِمَ الأمر أساساً ؟ ولمَ النهي ؟
وجودُ الأمرِ والنهيِ في القرآن دليلُ الاختيارِ:
بربكم بشكل صريح، لو قسنا عرض كتف إنسان قد يكون ثلاثة وستين سنتيمترا وثمانية ميليمترات، وبنينا جدارين، الفراغ بينهما ثلاثة وستون سنتيمترا وثمانية ميليمترات، فإذا سار هذا الإنسان بين الجدارين فإن الجدار الأيمن يلامس كتفه الأيمن، والجدار الأيسر يلامس كتفه الأيسر، ثم قلنا له: رجاءً خذ اليمين، هل هناك يمين ؟ والطريق ذو الممر الإجباري، ولا مسافة للاختيار هل الأمر له معنى ؟
اسمعوا الدليل: لمجرد وجود الأمر في القرآن الكريم، ولمجرد وجود النهي في القرآن الكريم فأنت مخير، ولو لم تكن مخيراً لما كان معنى إطلاقاً للأمر والنهي.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
الآية الرابعة:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
أما الآية الأصل في هذا الباب أن الإنسان مخير:
الآية الخامسة:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾
هذه الآية أليست كافية ؟ أليس هذا كلام الله ؟ أليس هذا توجيه الله عز وجل ؟
مجالات كون الإنسان مسَيَّرًا فيها غير مخيَّر:
أنت مخير، لكن البحث يحتاج إلى تفصيل، أنت مخير في ماذا ؟
1 – الإنسان مسيَّر في كونه ذكرًا أو أنثى:
الحقيقة الدقيقة أنك مسيَّر ومخيَّر، بماذا أنت مسيَّر ؟ مَن منكم عرضوا عليه أن يكون ذكر أو أنثى، فاختار أن يكون ذكراً أو أنثى، لا أحد، أنت مسير في كونك ذكراً أو أنثى، أليس كذلك ؟ أنت في هذا مسيَر، ولكن لو كشف الله لك الغطاء لوجدت أنه ليس في إمكانك إلا أن تكون كما سيّرك الله إليه، وليس في الإمكان أبدع مما كان، أي ليس في إمكاني أفضل مما أعطاني، ولو كشف الله لك الغطاء لكانت الحكمة المطلقة أن تكون ذكراً، ولو كشف الغطاء للأنثى لكانت الحكمة المطلقة أن تكون أنثى، فأنت في كونك ذكرا أو أنثى مسيَّر.
2 – الإنسان مسيَّر في الانتساب إلى أبيه وأمه:
مَن منكم اختار أمه وأباه ؟ وأنت مسير في أمك وأبيه.
3 – الإنسان مسيَّر في مكان ولادته:
من كان مخيَّراً في مكان ولادته ؟ إنسان ولد في دمشق، وإنسان في شيكاغو، وأنت مسيَّر في مكان ولادتك.
4 – الإنسان مسيَّر في زمان ولادته:
ونحن جميعاً وُجدنا في القرن العشرين وجدنا، وبعد مئة عام لا أحد من الحاضرين على سطح الأرض، وقبل مئة عام ما لا أحد في كل هذا اللقاء الطيب كان على سطح الأرض، أنت مسير في زمن ولادتك، مسير في كونك ذكر أو أنثى، في أمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك.
5 – الإنسان مسيَّر في خَلْقِه وصورتِه:
أنت ذو قامة مديدة، هذا شيء رائع، هل كنت مخيراً فيها ؟ أنت ذو قامة ليست مديدة، هل أنت مخير ؟ أنت لونك أبيض، و إنسان آخر لونه أسود، هل هو مخير ؟ شكلك، لونك، خصائصك، عندك سرعة بديهة، عندك ذاكرة قوية، عندك قوة فهم، عندك محاكمة دقيقة، فخصائصك، وقدراتك أنت فيها مسيَّر.
ما أنت عليه هو أفضلُ وضع لك:
أما أخطر ما ينبغي أن نعلمه في موضوع التسيير أن الذي ساقه الله إليك، أو الذي أقامك الله فيه هو أفضل شيء يمكن أن يكون مسعداً لك، وحافظاً لك، لذلك البشر جميعاً يوم القيامة، وقد كشف لهم الغطاء يلخصون علاقتهم بالله بآية تقول:
﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
وهذا معنى بعض الأقوال: لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع، أنت مسير بكونك ذكراً أو أنثى، بأمك وأبيك، في مكان ولادتك، في زمن ولادتك، في خصائصك.
الإنسان مخيَّر في مسائل الأمر والنهي التعبدية:
أما فيما أنت مكلف به فأنت مخير، الله عز وجل أمرك بالصلاة، فأنت مخير أن تصلي أو لا تصلي، أمرك بالاستقامة، أنت مخير بأن تستقيم أو لا تستقيم، أمرك بالصدق، تصدق أو لا تصدق، أمرك بالعدل، تنصف أو لا تنصف، أمرك أن ترحم مَن حولك، فأنت ترحم أو تقسو، أمرك ببر والديك، تبرهما أو تعقهما، أنت مخير فيما كلفت، أمرك أن تطلب العلم، أتيتم إلى هذا المسجد، وكل واحد منكم بإمكانه ألا يأتي، وأن يجلس في بيته، بل بإمكانه أن يتوجه إلى ملهى، أليس كذلك ؟ هذا شيء واقعي، وأنت مخير فيه، مخير فيما كلفت،
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (148) ﴾
أنت مخير، ولولا أنك مخير لما كان معنى للثواب والعقاب، والجنة والنار، والتكليف والأمانة، وما كان عملك مثمنًا إطلاقاً.
لو معك جهاز هاتف متطور جداً، و شهر عليك أحدُهم ـ لا سمح الله ـ مسدسًا، وقال لك: أعطني هذا الجهاز، أو أقتلك، فإنك تعطيه إياه، هل تشعر أن هذا عمل طيب قمت به ؟ هل تشعر بنشوة الإيمان أنك قدمت له هاتفا ؟ قلبك محروق، لأنك أُجبِرتَ على ذلك.
المطلوب الهدى الاختياري لا الهدى القسري:
أريد أن أقول لكم كلمة: لو أن الله أراد أن نؤمن جميعاً:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا (99) ﴾
لو شاء ربك لهدى الناس جميعاً، العملية سهلة جداً، الهدى القسري سهل جداً، لكن لا يكون هذا الهدى مسعداً إطلاقاً.
إن رئيس جامعة فكّر، وقال: سوف اجعل نسب النجاح مئة بالمئة، ما شاء الله، كيف ذلك ؟ قال: سأوزع على الطلاب أوراق الإجابة التامة، وعلى اليسار طبعت علامة مئة بالمئة، نجمع الطلاب في قاعة ونعطيهم الأوراق، نقول للطالب: اكتب اسمك فقط، واخرج، والنتيجة أن جميع الطلاب ناجحون، وكلهم أوائل بامتياز، لكن ما قيمة هذا النجاح عند الناس ؟ لا قيمة له، ولا قيمة لهذا النجاح عند الطلاب، ولا قيمة لهذا النجاح عند رئاسة الجامعة، فالهدى القسري لا قيمة له أبداً.
تصور وقد يكون هذا المثلُ طريفًا: لو أن كل إنسان نظر إلى فتاة يفقد بصره، ماذا يفعل الملحدون، يغضون البصر، الملحد يخاف على عينه، أساساً الأقوياء يطاعون هكذا، أقوياء الأرض وطغاة الأرض يطاعون مئة بالمئة، هل هذه الطاعة طوعية ؟ إنه مقهور مجبور، ولو أن الله أراد أن يجبرنا على الطاعة فالقضية سهلة جداً، لكن هذا الإجبار على الطاعة لا قيمة له إطلاقاً، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يسعد ولا يرقى بالإنسان، الذي يرقى بالإنسان أن يأتي الله مختارا، أن يأتيه طائعاً، أن يأتيه بمبادرة منه، أن يأتيه عن محبة، كأن الله عز وجل أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) ﴾
ولك أن تفهم جميع الآيات التي في مضمون: ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً في هذا المعنى، هذا الهدى القسري لا قيمة له إطلاقاً، ولا يرقى بك، ولا يسمو بك، ولا يسعدك، أما الذي يسعدك أن تمر أمامك فتاة، وبإمكانك أن تملأ عينيك من محاسنها، لكنك خوفاً من الله، ومحبة له، وطاعة له تغض البصر عنها، وتقول: إني أخاف الله رب العالمين، وبإمكانك ألا تصلي، لكن الوقت شتاء، والبرد شديد، والفراش وثير ودافئ، وسمعت أذان الفجر، جسمك يدعوك أن تبقى نائماً، لكنك تنزع عنك الغطاء، وتقوم إلى الوضوء وتصلي، أنت مختار، أرادك أن تأتيه مختاراً، أرادك أن تأتيه طائعاً، أراد أن تأتيه بمبادرة منك، أراد أن تكون علاقتك به علاقة حب، علاقة ود.
بين عبدِ القهر وعبد الشكر:
من هنا كان البشر عبادا أو عبيدا، العباد جمع عبد الشكر، والعبيد جمع عبد القهر، كل واحد عبد لله، حتى الملحد، حتى الكافر، حتى العاصي، حتى الفاجر، ومعنى عبد أنه في قبضة الله، في أي لحظة يتجمد الدم في إحدى أوعية الدماغ، وقد كان بأعلى درجة من الحيوية والنشاط فيقع في الأرض من الشلل، فيفقد النطق، فيقال لك: خثرة في الدماغ، سكتة دماغية، في أي لحظة يضيق الشريان فيشعر الإنسان بذبحة صدرية، بأي لحظة تنمو الخلايا نمواً عشوائياً، وهذا مرضٌ تحدى أهل الأرض، وهم في أعلى درجة من التقدم، الورم الخبيث حتى الآن مرض عضال لا دواء له، أنت في قبضة الله، أنت بهذه الطريقة عبد قهر، وإذا فكر الإنسان في هذا الكون تعرف على الله، أقبل عليه، أحبه، قرأ كتابه، أدى عباداته، عمل أعمالاً صالحة لخدمة خلقه، هذا عبد جمعه عباد:
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) ﴾
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾
والعبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر.
أنت مخير، ولولا أنك مخير فلا قيمة لعملك إطلاقاً، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
سأل رجلٌ الإمام عليًّا رضي الله عنه: << أكان مسيرُنا إلى الشام بقضاء الله وقدره ؟ قال: ويحك، لو كان قضاء لازماً وقدراً حاتماً إذاً لبطل الوعد والوعيد، ولانتفى الثواب والعقاب، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يُطَع مكرهاً >>.
الموقف العلمي من الآيات التي ظاهرها الجبر والقسر:
أيها الإخوة، أحياناً الإنسان في بعض آيات القرآن الكريم يحتاج إلى عالم، ففي آية يقرأها قراءة أولية قد لا يفهم أبعادها الدقيقة، من ذلك هذه الآية:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
ظاهر الآية معنى مخيف، لكن حقيقة الآية: يا عبادي، أنتم تزعمون أنني أجبرتكم على أعمالكم، لو كنت مجبركم على عملٍ ما لما أجبرتكم إلا على الهدى، ولو كان من الممكن أن أجبركم على عمل لأجبرتكم على الهدى، ولو شئنا أن نلغي اختياركم، ولو شئنا أن نلغي تكليفكم، ولو شئنا أن نلغي حملكم للأمانة، ولو شئنا أن لغي الرسالة التي كًلِّفتم بها، لو شئنا أن نلغي هويتكم كمخلوق مكلَّف قال:يا رب أنا لها للأمانة حينما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
لو شئنا أن نلغي اختياركم، لو شئنا أن نلغي تكيفكم، لو شئنا أن نلغي هويتكم، لو شئنا أن نلغي أنكم المخلوق المكلَّف، لو شئنا أن نلغي حمل الأمانة لما أجبرناكم إلا على الهدى:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا 13) ﴾
ولكن أعمالكم ليست من إجبار الله لكم، بل من اختياركم، ولذلك سوف تحاسَبون عليها، وتدفعون الثمن باهظاً:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
هذا جزاء عملهم، وجزاء جريمتهم، وجزاء عدوانهم، لذلك أخطر ما ينبغي أن تعتقده ألا تعزو خطأك لجهة أخرى، وأوضح مثلٍ، بل هو مثل صارخ: طالب ما درس أبداً، طبعاً لا ينجح، فلما رسب قال: هذه مشيئة الله، الله عز وجل ما كتب لي أن أنجح، سبحان الله ! ألا تضحك عليه بهذا الكلام ؟ هذا كلام مرفوض، وهذا كلام المسلمين اليوم للأسف، تقول لأحدهم: ألاَ تصلي ؟ يقول: الله لم يهدني، لمَ لا تستقيم ؟ الله ما كتب لي الهدى، كل أخطائه، كل معاصيه، كل تقصيره يعزوها إلى الله عز وجل، هذه أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون، لذلك لا يعدّون لأعدائهم العدّة، والله عز وجل قال:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
هم أعدُّوا لنا، ولم نعدّ لهم، أعدّوا لنا أسلحة فتاكة، فأجبروا العاَلم كلَه على ثقافتهم، وعلى إباحيتهم، وعلى أنماط حياتهم، هذه هي العولمة، هذا أدق مفهوم للعولمة، يعني جهة قوية جداً تفرض ثقافتها وتفلتها وإباحيتها على العالم كله، والتقصير مِن قِبَلنا، هم أعدوا لنا، هم يعملون في ظلام الليل، ونحن نائمون في ضوء الشمس.
أنا أتمنى ألاّ يفكر إنسان مسلم أن يعزو الخطأ إلى غيره، لو تعمقنا أكثر في هذا الموضوع، أكثر أخطاء أولادك منك أيها الأب، أيها المعلم أكثر أخطاء طلابك منك، لا تتهرب مِن تحمُّلِ المسؤولية، كن جريئاً وشجاعاً، قل: أنا مخطئ، أخطائي في تربية أولادي أودت بهم إلى ما هم عليه.
أيها الإخوة، هذا موقف شجاع، موقف جريء أن تتحمل أخطاءك.
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) ﴾
أيها الإخوة، ولكن لابد من حقيقة، وهي أن الله يعلم، يعلم ما سيكون علْمَ كشفِ لا علمَ جبرٍ.
إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ...
أيها الإخوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطير جداً، له معنى خطير ومصيري:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ... ))
تستسلم، ما بيدنا شيء، انتهينا، أعداءنا أقوياء، هذا خطأ كبير.
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ـ فكّر، دبِّر، خذ بالأسباب، تحرك، استعن بالله، ولا تعجز ـ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
متى ينبغي أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل ؟ إذا غلبك أمر
(( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
المثل الأول: طالب ما درس إطلاقاً، بدأ يقول: الله ما كتب لي أن أنجح، هذا خطأ، الله ما قدر لي النجاح، هذا خطأ، الأستاذ كان ظالما بأسئلته، هذا خطأ، قل: أنا ما درست، لذلك أنا لم أنجح، هذا الموقف العلمي، الموقف الإيماني، الموقف الأخلاقي، لكن إذا درست دراسة بأعلى درجة، وحال بينك وبين تقديم الامتحان مرض مفاجئ الآن:
(( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج، فقال: << مَن أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله >>.
تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وتتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء، هذا هو الإيمان، الإيمان أخذ بالأسباب، الإيمان:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
بين فقر الكسل وفقر القدَر وفقر الإنفاق:
الإيمان أن تطوِّر عملك، أن تنمِّي اختصاصك، أن تنمِّي خبرتك، الإيمان أن تبحث عن كل ثغرة في حياتك، بعد ذلك تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، بعد أن تستنفذ كل الجهود تستسلم لقضاء الله وقدره، الاستسلام لقضاء الله وقدره يكون بعد أن تستنفذ الأسباب، وإلا يمكن أن أقول، وأنا لا أتورع عن أقول: هناك من الفقراء فقر الكسل، عمله غير متقن، مواعيده غير مضبوطة، بضاعته سيئة جداً، ليس له اهتمام، ولا إنجاز، ولا متابعة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً سيفتقر، هذا فقر الكسل، إياك أن ترى أن هذا الفقر من الله عز وجل، هذا من فعلِ نفسك، هذا فقر الكسل، لا إتقان لا إنجاز، لا صدق، لا أمانة، لا اهتمام بالطرف الآخر، ولا معاملة طيبة، ولا حسابات دقيقة، طبعاً المحل يتراجع، والمشترون يتفرقون عن هذا المحل التجاري، فيقول صاحبه: يا أخي، ليس هنا رزق، الله ما كتب لي رزقا، هذا كرم مضحك، قل: أنا مقصر، فنفر الناس من هذا العمل، فانصرفوا عني إلى غيري، هذا فقر الكسل.
لكن هناك فقر القدر، إنسان امتحنه الله بعاهة، هذه العاهة تحول بينه وبين أن يكسب رزقا وفيرا، هذا فقر القدر.
وسيدنا الصديق افتقر، لكن افتقاره كان افتقار الإنفاق، يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله، فهناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الكسل صاحبه مذموم، وفقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه محمود.
كنا مرة في مؤتمر إسلامي ضخم في ماليزيا، فألقيت كلمة، ووجهت للأمة العربية، والكلمة مؤلمة جداً، قلت: أنتم في بلادكم تعزون أخطاءَكم إلى القدر، وهذا سبب تخلفكم، تقولون: ما كتب للأمة النصر، انتظروا النصر، إنه لا يأتي بالانتظار، بل يأتي بالعمل:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
الأخذ بالأسباب أمر ضروري شرعا وعقلا:
لكن نمط المسلم المعاصر نمط غير مقبول إطلاقاً، لا يفعل شيئًا، سيدنا عمر رأى مع رجل جملا أجرب قال: << ما تفعل يا أخا العرب ؟ قال: أدعو الله له، قال: هلاّ جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
خذ بالأسباب، << هلا جعلت مع الدعاء قطراناً ؟ >>.
قد يسافر المسلم، ولا يراجِع مركبته، وقد يكون فيها أخطاء كبيرة جداً، يمشي بسرعة عالية وما ليس معه مكابح، فوقع حادث، فيقول: سبحان الله ! هذا قضاء الله وقدره، لا، هذا جزاء التقصير، القضاء والقدر شيء آخر، لما تراجع المركبة، تراجع المكابح، تراجع العجلات، تراجع كل شيء في المركبة تقول: يا رب، توكلت عليك، ولحكمة بالغة وقع حادث، هذا الحادث قضاء وقدر، إياك أن تفهم القضاء والقدر أن نتائج أخطائك هي قضاء وقدر، نتائج أخطائك جزاء التقصير، والقضاء والقدر حينما تأخذ بكل الأسباب، وتتوكل على رب الأرباب، والذي يأتي بعد هذا هو القضاء والقدر، ولهذا البحث له تتمة إن شاء الله في درس قادم.
الموضوع العلمي:
أيها الإخوة، الغرب يزهو بعالم فيزيائي كبير، اسمه إنشتاين، لكن هذا العالِم له عندي مكانة خاصة، هو من ألمانيا، السبب أنه قال: " كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، فهو إنسان حي، ولكنه ميت ".
1 – نظرية النسبية:
هذه الكلمة الرائعة لهذا العالم الذي جاء بنظرية النسبية التي قلَبت مفاهيم الفيزياء في العالم، هذه النظرية ما فحواها ؟
هذه النظرية تؤكد أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء، الضوء سرعته تقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كيلومتر، فالدرس ستون دقيقة، اضرب ستة في ثلاثة، ثمانية عشر، الدقيقة ستون ثانية، عندنا صفر وثلاثمئة ألف خمسة أصفار، وصفر ستة، ثمانية عشر أمامهم ستة أصفار، سرعة الضوء بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، الضوء قطع بهذا الدرس ثمانية عشر مليون كيلو متر، فهذا العالم اكتشف السرعة المطلقة في الكون، إنها سرعة الضوء التقريبية، يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، الآن أيّ شيء مشى بسرعة الضوء أصبح ضوءاً ، فهذه الساعة لو أتيح لنا أن نجعلها تنطلق بسرعة الضوء لفقدت كل خصائصها، وأصبحت ضوءاً ، وأيّ جسم يمشي بهذه السرعة يصبح ضوءاً.
2 – الزمن هو البعدُ الرابعُ للأشياء:
لو حركنا نقطة تحريكاً مستقيماً، أقلُّ مفهوم في الهندسة النقطة، لو حركت حركة مستقيمة لشكلت خطاً، لو حرك الخط حركة مستقيمة لشكل سطحاً، هذا خط، أما هذا فهو سطح، لو أن السطح حركناه حركة مستقيمة لشكّل حجماً، هذا الحجم إذا حركناه شكّل زمناً، فقالوا في تعريف الزمن: هو البعد الرابع للأشياء، فهذه الطاولة لها طول وعرض وارتفاع، وهذه الطاولة بعد عشرين سنة يتغير لونها، فتغيُّر اللون هو البعد الرابع، بعد عشرين سنة يكون هذا المكان ثقيلا أكثر من حركة اليدين عليه، ودرج الأبنية القديمة مع الاستعمال الشديد يذهب لونه، وآلة خياطة مستعملة منذ عام 1930 تجد الخيط حافرا حفرة على هذه الآلة.
الزمن البعد الرابع، بالحركة والاستعمال ينشأ تغيرات، هذا القميص له وزن، له أبعاد، لكن عندما تلبسه خمس سنوات يصبح في مكان ما ضعيفًا، واللون يتغير، وكل تطور يأتي بفعل الزمن الذي يعدّ البعد الرابع للأشياء، كل شيء له وزن.
3 – الجماد والنبات والحيوان والإنسان:
بالمناسبة الجماد شيء له وزن، له أبعاد ثلاثة، يشغل حيزاً، هذا الجماد.
النبات شيء يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، لكنه ينمو.
الحيوان يشغل حيزاً في الفراغ، له أبعاد ثلاثة، يمشي وينمو، النبات لا يمشي، أما الدابة فتمشي.
الإنسان له وزن، ويشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، يكون ابنك طوله أقل منك، وفي الثامنة عشر يصبح أطول منك، ويتحرك، و يفكر، فأنت الميزة الوحيدة التي ميزك الله بها أنك تفكر.
4 – كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً:
نظرية النسبية أن كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، هذا واضح تماماً، وهذا الدرس فيه إضاءة، هذا منبع ضوئي، ونحن مستقبل ضوئي، المستقبل الضوئي يصدر موجات ضوئية سرعتها ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، لو تصورنا أن مركبة فضائية تمشي مع الضوء، هذا الدرس يبقى على ما هو عليه إلى مليارات السنين، لو تصورنا أننا ركبنا مركبة أسرع من الضوء، وسبقنا الضوء لرأينا بهذه العين معركة بدر، هذا شيء علمي، لو سبقنا الضوء لتراجع الزمن، نرى بهذه العين موقعة بدر وأحد والخندق والقادسية واليرموك، لو سرنا مع الضوء لتوقف الزمن، هذا المنظر يبقى إلى أبد الآبدين، لو قصرنا عن الضوء يتراخى الزمن، تكون الساعة في الفضاء الخارجي ألف سنة.
5 – السبق العلمي القرآني في نظرية النسبية:
في مؤتمر الإعجاز الخامس الذي عقد في موسكو طرح موضوع خطير، موضوع أن هذه النظرية العملاقة التي جاء بها إنشتاين مدرجة في بضع كلمات في القرآن الكريم ، الآية:
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
العرب مخاطَبون بهذه الآية، وهم يعدُّون السنة القمرية، والقمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، ولو أخذنا مركز القمر و مركز الأرض، ووصلنا بينهما بخط، ما هذا الخط ؟ القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، الخط الواصل بين مركز الأرض ومركز القمر يساوي نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض.
هل من الممكن أن نعرف طول هذا الخط ؟ طبعاً، نصف قطر القمر يُضاف إليه نصف قطر الأرض مع المسافة بينهما، هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض ضرب اثنان، هو القطر، ضرب ثلاثة فاصلة أربعة عشر ( البي )، هو المحيط، ضرب اثني عشر، هو السنة، ضرب ألف، ألف سنة، فنصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، والتي نأخذها من نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما ضرب اثنين، القطر، ضرب 3.14 المحيط، ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، أحد الطلاب اليوم يحسبها على الآلة الحاسبة بطريقة سهلة جداً، هذا الرقم هو الشاهد، لو قسمناه على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء لا التقريبية، ولكنها الدقيقة، وهي مئتان وتسعة وتسعون ألف وسبعمئة واثنان وخمسون كيلومتر، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لأن سرعة الضوء تقاس بالثواني، تقسم على ثواني اليوم:
﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾
هذا البحث يزيد على ثمانين صفحة، إلا أنني عرضته لكم ملخصاً، وهذا البحث عرض في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عقد في عاصمة كانت ترفع شعار: ( لا إله )، فقط، ولحكمة بالغة الباطل كما قال الله عز وجل:
﴿ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾
زهق الباطل، وعقد مؤتمر في موسكو في الإعجاز العلمي.