- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الفرق الشاسع بين واقع المسلمين اليوم وبين واقع الصحابة:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثامن والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي، والحقيقة أن هذه العبادات التي كلفنا الله بها، العبادات الشعائرية كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، الصيام ثاني أكبر عبادة في الإسلام، المشكلة التي نلمحها عند المسلمين أنهم ألفوا هذه العبادات الشعائرية، وكأنها عادات، وابتعدوا عن مقاصدها الكبيرة، أي نصوم رمضان، ونحج بيت الله الحرام، وندفع الزكاة، ونصلي، يا ترى هذه الصلاة التي نصليها هي التي أرادها الله ؟ هذا الصيام الذي نصومه هو الذي أراده الله ؟ لماذا الصحابة الكرام تألقوا تألقاً لا حدود له ؟ لماذا كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار ؟ لماذا وصلت راياتهم إلى أطراف الأرض ؟ لماذا كانوا على حبٍّ لا يوصف فيما بينهم ؟
تجد العالم الإسلامي الآن مشرذماً، مبعثراً، متفرقاً، ضعيفاً، ليست كلمته هي العليا، يا ترى لو أن العبادات التي أرادها الله نصليها كما صلاها الصحابة لكان من الممكن أن نحقق نتائج الصحابة الكرام ؟ قلة قليلة خلال ربع قرن تكتسح العالم، من مشارف باريس إلى أطراف الصين، والآن خمس دول إسلامية محتلة، وليست كلمة المسلمين هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وإذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لن تغلب اثنا عشر ألفاً من قلة ))
والمسلمون اليوم مليار وخمسمئة مليون، هذه أسئلة ألم تخطر على بالكم ؟ ما الفرق بيننا وبين أصحاب رسول الله ؟ القرآن هو هو، الله إلههم وإلهنا، والقرآن كتابهم وكتابنا، والنبي نبيهم ونبينا، أي الإسلام واحد، ما هذا الفرق الشاسع بين واقع المسلمين اليوم وبين واقع الصحابة ؟
رمضان شهر صلة بالله و خلوة معه فلنحرص عليه:
أتصور بعض الأسباب هي أن العبادات التي أدوها أدوها أداءً غير أدائنا، وأوضح مثل أن شهر الصيام شهر الانضباط، شهر الاستقامة، شهر المغفرة، شهر التوبة، شهر الاعتكاف، شهر قيام الليل يومياً، شهر صلاة الفجر يومياً، شهر غضّ البصر، شهر ضبط اللسان، هذا الشهر كان شهر عبادة فأصبح شهر حفلات، وولائم، ولقاءات، وسهرات حتى الفجر، وكأن وجبات الطعام الدسمة انتقلت من النهار إلى الليل، الذي يفعله المسلمون على عكس ما أراده الله من هذا الشهر، هذا شهر عبادة، شهر اعتكاف، شهر عزلة، شهر صلة بالله، شهر خلوة مع الله، فإذا هو شهر لقاءات، وسهرات، ومسلسلات، وأفلام، وكل هذه المعاصي والآثام كانت في رمضان إكراماً لشهر رمضان المبارك، هذا الواقع المخزي بين حالة الصيام التي كان عليها السلف الصالح وبين حالة الصيام التي نحن عليها اليوم.
أي ما الذي يمنع أن تعاهد الله أن تجعل هذا الشهر شهراً خالصاً لوجه الله ؟ ما الذي يمنع أن تؤجل كل الولائم إلى ما بعد العيد ؟ ما الذي يمنع ؟ أنت كريم دعك من رمضان هذا شهر عبادة، عندما الإنسان يأكل بلا ضوابط التراويح تصبح صعبة عليه، أثقل شيء عليه الصلاة، أكثر الناس لا يصلون التراويح، وإن صلوا يصلون صلاة شكلية، لكن أنت هذا الشهر شهر لقاء مع الله، شهر قرب من الله، شهر تلاوة قرآن، شهر أن تختم القرآن مرات عديدة، شهر أن تزداد علماً، شهر أن تتابع الترقي، فكيف أصبح هذا الشهر شهر ولائم، ولقاءات، وسهرات مختلطة، وغناء، وأفلام، وبراءة الأطفال في عين هؤلاء الناس؟
الذي أتمنى:
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ ﴾
أتمنى أن يرسم الإنسان خطة، أنت لا تستطيع أن ترفع السرعة من صفر إلى مئة إلا بالتدريج، ولذلك لا تستطيع بواحد رمضان أن تنتقل نقلة فجائية، لا، من الآن هيئ نفسك لهذا الشهر، لذلك هناك أحداث عند الأسر ينبغي ألا تكون في رمضان، أي فض شركة لا يكون في رمضان، حل مشكلة كبيرة جداً لا يكون في رمضان، هذا رمضان كما يقولون لا يسع غيره، هذا الذي يصوم ثلاثين يوماً، ثلاثين صلاة فجر، ثلاثين تراويح، ثلاثين قراءة قرآن يومياً، غض بصر حازم جداً، ترك الملهيات كلياً، الأذكار، الإنفاق، الاتصال بالله، مجاهدة النفس والهوى، ما قولك أن هذا الشهر يمضي وتمضي مع هذا الشهر المتاعب، والالتزام، ويبقى الأجر والثواب، للصائم فرحتان فرحة يوم يفطر وفرحة يوم يلقى الله.
على كلِّ إنسان أن يستعد لهذا الشهر العظيم قبل أن يبدأ:
أيها الأخوة الكرام، أتمنى على نفسي أولاً وعليكم ثانياً أن نستعد لهذا الشهر من الآن، هناك قضية مزعجة إما أن تحلها الآن، أو ترجئها إلى بعد رمضان، إن كان هناك خلاف، أو فض شركة، أو حدث خطير بحياتنا، أو منازعة، جمد كل شيء في رمضان واجعل هذا الشهر شهر لقاء مع الله عز وجل.
هل تقبل من مدير مؤسسة أن يرسل موظفاً إلى حلب خمس ساعات و يقول له: قف عند باب الفرج ساعة وعد، هل تقبل ؟ هل تقبل من إنسان ـ مدير شركة ـ أن يكلف موظفاً أن يقوم بعمل آلي ليس له معنى إطلاقاً، تجد الصيام ترك الطعام والشراب و لكن هناك غيبة، نميمة، أفلام، مسلسلات، سهرة مختلطة، هل ترضى أن يكون هذا الصيام يخصك ؟ أما الصيام هو شهر انضباط، شهر غض بصر، شهر اتصال بالله.
من انضبط انضباطاً شديداً في رمضان تجلى الله على قلبه بالسكينة و الراحة:
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل عزيز، تستطيع أن تصوم كما يحلو لك لكن لن يتجلى الله على قلبك، لن تأتيك السكينة التي إن وصلت إليها وصلت إلى كل شيء، إن تحققت منها سعدت بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
ألا ينبغي أن يكون هذا الأمر الإلهي يتناسب مع عظمة الله ؟
مرة ثانية هل تقبل من إنسان أن يعطيك أمراً شكلياً لا يقدم ولا يؤخر ؟ مثلاً أنت تحتاج إلى حسن سلوك من المختار تعطى لأي إنسان ولو كان مجرماً، ليس لها قيمة، ما دام أي إنسان يقدم طلباً مع طابع يأخذ ورقة حسن سلوك من المختار معنى هذا أن هذه الورقة لا قيمة لها إطلاقاً، أنت لا تقبل أن تكون العبادة بهذه البساطة، بهذه الشكلية، عبادة ترك الطعام، غيبة، ونميمة، واختلاط، وسهرة مختلطة، وضحك، ومزح، وفيلم ممتع، وهذا المسلسل إكراماً لشهر رمضان، هذا الحال عند الناس، لكن أنا ظني بإخواننا الكرام رواد المساجد ظن آخر، أنت طالب علم، عندما تنضبط انضباطاً شديداً تأتيك نفحات إذا لم تقل بهذه النفحات أنا أسعد إنسان في الأرض، لا يمكن لإنسان يترك شيئاً لله يبقى بلا شيء، عندما تركت كل شيء ممتع بالنسبة لك إكراماً لشهر رمضان عندئذ رمضان تأتي فيه سكينة لا تعرفها إلا إذا ذقتها، ما السكينة ؟ الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم أنه أنزل على قلوب المؤمنين السكينة، السكينة راحة نفسية، سرور، شعور بالفوز، بالتفوق، فأتمنى ألا يكون رمضان شهراً اجتماعياً، أي عادات وتقاليد ألفناها من أعوام مديدة.
رمضان شهر عبادة و شحنة تكفيك للعام القادم:
الآن رمضان شهر عبادة، أوضح مثل عندي الهاتف الخلوي، هذا الهاتف يحتاج إلى شحن، الله عز وجل ألزمك بخمس شحنات يومية هي الصلوات الخمس:
(( الصلاة إلى الصلاة التي قبلها كفارة ))
وعمل لك شحنة أسبوعية صلاة الجمعة، عندك خمس شحنات يومية، وشحنة أسبوعية، طبعاً الصلاة شحنة للصلاة القادمة، أما الجمعة شحنة للجمعة القادمة، كان الفرق أربع ساعات صار سبعة أيام، لذلك شحنة الجمعة أطول وأعمق من شحنة الصلاة اليومية، الآن صيام رمضان ثلاثين يوماً قيام ليل، ثلاثين يوماً صلاة فجر، ثلاثين يوماً ضبط لسان مطلق، ثلاثين يوماً غض بصر حازم، ثلاثين يوماً بُعد عن أي مخالفة شرعية، في الأعم الأغلب هذه شحنة تكفيك للعام القادم، شحنة ساعية يومية، شحنة أسبوعية، شحنة سنوية، والحج شحنة العمر:
(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))
مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ:
شيء آخر أيها الأخوة، ما قولك بمثل من واقع الناس ؟ عليك ثمانون مليوناً ـ لا سمح الله ـ وكلها سندات، وكل السندات قابلة للحجز، والمسائلة، والاعتقال، والسجن، ثمانون مليون لا تملك منها شيئاً، قال لك شخص: افعل مجموعة أعمال لثلاثين يوماً وتعفى من هذا الدين، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
أبداً، لكن بالمناسبة حتى أكون معكم واضحاً، هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله، وهناك ذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، لأن حقوق الله مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاححة، وهناك ذنب لا يغفر أصلاً وهو الشرك بالله، الشرك الخفي خطير جداً، قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾
يا ترى هل من الممكن أن يكون هذا الشهر تنقية من الشرك الخفي ؟ يمكن أن تزداد في هذا الشهر توحيداً ورؤية صحيحة ؟
والله يا أخوان هناك آفاق كثيرة جداً يمكن أن تكون في هذا الشهر، لا أتمنى لواحد منكم أن يمضي هذا الشهر كعادات وتقاليد ألفناها من ثلاثين عاماً، اجعل هذا الشهر متميزاً، شهر طاعة، شهر قرب، شهر استغفار، شهر قرآن، شهر إنفاق، شهر قيام ليل، شهر صلاة الفجر في المسجد:
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
أتمنى أن نفهم العبادات فهماً عميقاً، العبادات أيها الأخوة، كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: معللة بمصالح الخلق.
التقوى نور يقذف في قلبك في رمضان ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
التقوى، التقوى وردت في ثلاثمئة آية، لعلكم تتقون آية واضحة كالشمس، الصيام من أجل التقوى، والتقوى في المختصر المفيد نور يقذف في قلبك في رمضان، ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً، ترى به الخير خيراً والشر شراً، ترى به الصلاح صلاحاً والطلاح طلاحاً، أي ما الذي يغري الناس بالمعاصي والآثام ؟ رؤيا خاطئة، لماذا قال سيدنا يوسف معاذ الله، وقد دعته امرأة ذات منصب وجمال ؟
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
ولماذا مليون شاب لو تعرض لما تعرض له يوسف عليه السلام لرآها غنيمة، هنا المشكلة الرؤيا، رمضان من أجل أن ترى الحق حقاً، رمضان من أجل أن تهتدي بنور الله، رمضان من أجل أن يقذف الله في قلبك نوراً.
التقوى كفالة في الدنيا وكفالة في الآخرة:
الموضوع دقيق جداً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28) ﴾
آية قرآنية، أي كفالة في الدنيا وكفالة في الآخرة، وكأن الله ضمن لك أن تكون في الدنيا موفقاً وسعيداً، وكفالة في الآخرة، ويجعل لكم نوراً تمشون به، إذاً التقوى، رمضان من أجل التقوى، قرآن:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
للتوضيح الدقيق أنت تمشي بطريق في الليل، فيه منعطفات، و حشرات، و عقارب، و وحوش، و أكمات، و صخور، و حفر، و مزالق، وأنت بلا نور، فالحادث حتمي، لكن تصور أن معك نوراً كشافاً، الصخرة تبتعد عنها، والحفرة تجانبها، والحشرة تقتلها بالنور، اعتقد يقيناً أن الصيام بنص القرآن الكريم في نهاية الآية: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ أي أن يقذف الله في قلبك نوراً ترى به الخير خيراً والشر شراً، والحق حقاً والباطل باطلاً، والصالح صالحاً والطالح طالحاً، هذه الرؤيا هي أثمن شيء تناله في رمضان، وكأن رمضان مع رمضان مع رمضان درج كل عام ترتقي وتستمر.
إذاً هذا اسمه متابعة الترقي، أما إذا كل رمضان صمت في رمضان وبعد رمضان عدت إلى ما كنت عليه لم يعد هذا درجاً، صار صعوداً وهبوطاً، بين أن ترتقي و بين أن تبقى في المستوى نفسه، ضبطت أمرك في رمضان، تساهلت بعد رمضان عدت لما كنت عليه:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
***
يقصد الخمر.
أخطر شيء في حياة كل إنسان رؤيته:
أيها الأخوة الكرام، أتمنى أن تكون هذه الحقيقة واضحة تماماً لكم، كلمة:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
التقوى أن تتقي معصية الله، أن تتقي غضبه، أن تتقي سخطه، أن تتقي النار، أن تتقي كلّ شر، وهذه التقوى لا تكون إلا بالنور الذي يقذف في قلب الصائم، والدليل واضح جداً آية قرآنية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28) ﴾
أنت شئت أم أبيت أخطر شيء في حياتك رؤيتك، الذي يسرق ماذا يرى ؟ يرى أن السرقة مغنم، الذي يزني ماذا يرى ؟ يرى أن الزنا مغنم، والمؤمن يقول:
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
كل عبادة معللة بمصالح الإنسان فـ:
1 ـ الصيام من أجل أن يُقذف نور في قلبك:
المؤمن يتمتع برؤيا تمنعه أن يعصي الله، تمنعه أن يأكل مالاً حراماً، تمنعه أن يعتدي على أعراض الناس، تمنعه أن يأخذ أموالهم بالباطل، هذه الرؤيا وقتها المناسب في رمضان، لأن هناك ضبطاً كاملاً، غض بصر كامل، ضبط لسان كامل، لا غيبة، ولا نميمة، ولا لقاء غير مقبول، صلاة قيام الليل يومياً، الفجر يومياً، حتى ترك الطعام والشراب، ترك المباحات إرضاءً للواحد الديان، لذلك يكافئه الله بالنور الذي يقذف في قلبه، النور مؤداه التقوى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
2 ـ الزكاة تطهر الغني من الشح و الفقير من الحقد:
أيها الأخوة، أنت لو تتبعت العبادات كل عبادة معللة بمصالح الإنسان:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
رمضان شهر الزكاة، أنت بالزكاة تتطهر من مرض كالورم الخبيث، كيف أن الجسم يتعرض لمرض اسمه ورم خبيث ينهي حياة الإنسان، وهناك مرض يشبه المرض الخبيث يصيب النفس هو الشح:
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ﴾
الزكاة:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
تطهر الغني من الشح، وتطهر الفقير من الحقد، الفقير تلقّى مالاً وفيراً في رمضان، هذا المال حلّ به مشكلاته، سدد ديونه، اشترى طعاماً لأولاده، اشترى ثياباً، شعر بقيمته في المجتمع، شعر أن المجتمع رحيم به، الغني تطهر من الشح، والفقير تطهر من الحقد،
﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
نفس الغني تتنامى، رأى ابتسامة الأطفال بعد أن أدى لهم الزكاة، رأى أسراً عاشت في أيام العيد في بحبوحة بسبب ماله، فالغني تنمو نفسه، والفقير يشعر بقيمته، إذاً الزكاة معللة:
﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
3 ـ صلاة التراويح تمنعك من أن تعصي الله:
الصلاة في التراويح:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ (45) ﴾
صارت الصلاة تمنعك أن تعصي الله، والصيام من أجل أن يقذف نور في قلبك، والزكاة من أجل أن تطهر من مرض الشح وأن يطهر الفقير من مرض الحقد.
هذه العبادات معللة بمصالح الخلق، فلذلك لا تنسى مقاصد الشريعة، الدين بأوائله، المقاصد واضحة جداً، والناس يسعون إليها، بعد مضي ألف وأربعمئة سنة تضعف المقاصد الكبرى و تبقى الجزئيات، تجد بحديث الناس عن الإبرة أن الإبرة تفطر، وشمة دواء الربو يفطر، و كأن الصيام موضوع تقني، أو موضوع غذائي محض، الصيام صلة بالله عز وجل.
يا أيها الأخوة الكرام، هذا اللقاء الذي أردته قبل رمضان من أجل أن ننتبه إلى هذه العبادة الكبيرة، التي هي شحنة العام، الصلاة شحنة ساعات، ويوم الجمعة شحنة أسبوع، لكن رمضان شحنة عام بأكمله، فلعل الله سبحانه وتعالى يلهمنا أن نصوم الصيام الذي أراده، وأن نكسب من هذا الصيام هذه التقوى التي جاءت في قوله تعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
الموضوع العلمي:
تركيب الحليب:
ننتقل بعدها إلى الموضوع العلمي، أيها الأخوة الكرام، ما من واحد منا إلا ويشرب الحليب، هل فكرتم في الحليب ؟
الحليب يعد غذاءً كاملاً، كما يعد القمح بقشره غذاء كاملاً، سواء أكان حليباً، أم لبناً، أم جبناً، أم سمناً، هذا الحليب يحوي نسبة من الماء تتراوح من سبعة و ثمانين في المئة إلى واحد و تسعين في المئة، يحوي الحليب المواد الدسمة، والسكريات، والدليل كمية سكر قليلة تحلي الحليب لكن لا تكفي لكأس شاي، الحليب فيه سكر، وبروتينات، ومعادن، وفيتامينات، وغازات منحلة، فهو غذاء كامل، فيه غازات منحلة كغاز الفحم، والأوكسجين، والنشادر، وفيه فيتامينات (ا، ب، ف، د)، ومعادن، و كالسيوم، وفسفور، وبروتينات، وألبومين، وما شاكل ذلك من سكريات، سكر العنب، والدسم، والماء.
هذا الحليب تركيب معقد جداً دقيق جداً لأنه غذاء كامل لك أيها الإنسان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما شرب لبناً إلا و قال:
(( اللَّهمَّ بارك لنا فيه وزِدْنَا منه ))
خروج الحليب من بطون البقر خالصاً من بين فرث و دم من آيات الله الدالة على عظمته:
لكن الله عز وجل قال:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
فرث ودم، استمعوا إلى بعض التفصيلات أيها الأخوة، هذا الحليب يخرج من بطون البقر خالصاً من بين فرث ودم، الفرث الفضلات، قد تكون فرثاً صلباً، وفرثاً مائعاً، وفرثاً غازياً، أي نواتج هضم الطعام، أو احتراق السكر، أو الاستقلاب ـ النواتج ـ هي الفرث.
مثلاً حمض البولة سائل، هناك فرث غازي غاز الفحم، الفرث نتائج الاستقلابات والتفاعلات في جسم الإنسان.
في البقرة غدة ثديية، هذه الغدة الثديية مقسمة إلى عدد من الفصوص، وهذه الفصوص مقسمة إلى فصيفيصات، وهذه الفصيفيصات مقسمة إلى أجواف صغيرة هي الأسناخ، محاطة بغشاء من الخلايا، وحول هذه الخلايا شعريات دموية، تأخذ الخلايا من الدم ما تحتاج إليه، وتفرز الحليب في جوف هذا التجويف، ينتهي هذا الجوف بقناة إلى حوض الغدة، ثم إلى حوض الثدي، ثم إلى الضرع، ثم إلى الحلمتين.
الغدة الثديية عبارة عن مجموعة خلايا ثديية تمر فوق شبكة دماء، هذه الخلية الثديية هي التي تأخذ البروتين، والمادة الدسمة، والمعادن، وأشباه المعادن، والفيتامينات، والسكريات، من بين فرث ودم، بربكم الخلية الثديية لها عقل ؟ هذه عملية معقدة جداً.
أربعمئة حجم من الدم تصنع حجماً واحداً من الحليب، أي كل لتر حليب محصلة جولان أربعمئة لتر دم حول الغدد الثدية في البقرة، الشيء العجيب أن هذه الخلية التي تدعى الخلية الثديية في البقرة تاخذ الدم من أعلاها، وتطرح قطرات حليب من أسفلها في جوف الغدة الثديية، إلى القناة، إلى الضرع، إلى الحلمة.
الآن البقرة الواحدة تعطي من ثلاثين إلى أربعين كيلو غرام من الحليب يومياً، فكم حجم دم جرى في الأوعية حتى تشكل أربعين كيلو حليب ؟
الآن هذه الشعريات التي فيها ثلاثمئة ضعف من حجم الحليب هذه قال الله عز وجل عنها:
﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
يد الله عز وجل التي تعمل في الخفاء:
الحقيقة العلماء بحثوا من الذي يعطي الأوامر لهذه الخلايا ؟ من يحفزها إلى اختيار هذه المواد ؟ من ينظم ؟ من ينسق ؟ من يعطي الخلية أمراً بأخذ البوتاس، والفوسفور، والكالسيوم، والفيتامينات، والمعادن، وأشباه المعادن، والغازات، والسكريات، والمواد الدسمة ؟ كيف تخلط هذه المواد ؟ كيف تمزج ؟ كيف تصبح حليباً ناصع البياض، خالصة من كل شائبة، لا أثر للدم فيه ولا أثر للفرث فيه ؟ فلم يجدوا إلا يد الله عز وجل تعمل في الخفاء.
والله البقرة معمل يا أخوان، عندما جن في بريطانيا ثلاثين مليون بقرة تمّ إعدامها وحرقها، الثمن مليارات ممليرة لأنهم أطعموا البقر مسحوق الجيف، البقر نباتي، غذاؤه الكامل الحشيش الأخضر، فعندما أطعموه مسحوق الجيف أصيب بالجنون، وأنا أقول دائماً وما جنون البقر إلا من جنون البشر، قال تعالى:
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ﴾
البقرة وديعة، عقرب لا تحتمله، عقرب تقفز خوفاً منه، العقرب، الأفعى، أما البقرة وزنها طن، طفل يقودها، طفل يحلبها، لا يخاف منها، الله قال:
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) ﴾
البقرة من آيات الله الدالة على عظمته:
أيها الأخوة، الآية الدقيقة:
﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) ﴾
مرة ثانية:
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)﴾
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) ﴾
إذاً يجب أن ننطلق في التفكير من هذه الآيات الكونية التي أمامنا فالبقرة من آيات الله الدالة على عظمته.