وضع داكن
24-12-2024
Logo
حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس : 24 أ - بعض كليات الدين - الطحال
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

البشر على اختلاف نحلهم ومللهم وأنسابهم هم عند الله نموذجان لا ثالث لهما:

 أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي.
 أيها الأخوة، الإنسان من طبيعته أنه يميل أحياناً إلى التفاصيل، إلى الجزئيات في معظم الموضوعات، وينشأ عنده أحياناً أخرى حاجة إلى الكليات، والشموليات، فهذا الدرس أردت أن يكون فيه بعض من كليات الدين.
 هؤلاء البشر ستة آلاف مليون، التقسيمات الأرضية فوق مئتي دولة، في الدولة خمسون قومية، هناك تقسيم قومي، وتقسيم وطني، وتقسيم أممي، وتقسيم أخلاقي، وتقسيم تاريخي، وتقسيم معاشي، وتقسيم اقتصادي، تقسيمات البشر لا تعد ولا تحصى، دول الشمال غنية جداً، دول الجنوب فقيرة جداً، دول الشرق نامية، دول الغرب صناعية، يوجد دول فيها لون ملون، الشعب ملون، فهناك دول اللون أصفر، و دول اللون أبيض، و أنجلو سكسوني، هناك عرق سامي، هناك مستغِلون ومستغَلون، أقوياء وضعفاء، مستعمِرون ومستعمَرون، تقسيمات البشر لا تعد ولا تحصى.
 لكن ما قولكم أن هؤلاء البشر على اختلاف نحلهم، ومللهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وتياراتهم، وانتماءاتهم، على كل هذه التقسيمات الأرضية هم عند الله نموذجان لا ثالث لهما.
 أحياناً قرية حدودية هذا إنسان تابع لدولة، له جنسية، له هوية، تحكمه أنظمة بالغة التعقيد، يمكن بعد أربعة كيلو متر يوجد قرية تابعة لدولة ثانية، على الحدود نظام آخر، حرية أخرى، نظام اقتصادي آخر، نظام معاشي آخر، قد يكون نظام علماني، إذاً لا يوجد فرق بين قريتين بينهما أربعة كيلو متر إلا تقسيمات أرضية الآن.
 حدثني أخ قال لي: سافرت إلى الحجاز، و قبل أن أصل إلى الحجاز كنت محملاً على ظهر السيارة حاجات كثيرة جداً، فاضطررت أن أنقلها إلى الفندق بكاملها، فدخل إلى بلد آخر ـ في السعودية عقوبة السارق قطع اليد ـ و ترك السيارة كما هي، أما في بلد آخر اضطر إلى نقل المحافظ إلى فندق بحسب النظام.

الناس رجلان:

1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة:

 على كل: البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وتياراتهم، لا يزيدون عند الله على نموذجين فقط، إنسان عرف الله فلما عرفه بحث عن منهجه، فلما عرف منهجه طبق منهجه على حياته، فمن لوازم هذا المنهج أنه امتنع عن إيذاء الخلق، من لوازم هذا المنهج أنه بنى حياته على العطاء، أحسن إلى خلقه، من نتائج هذا المنهج أنه سلم وسعد في الدنيا والآخرة، إنسان عرف الله، بحث عن منهجه، طبق منهجه، امتنع عن إيذاء الخلق، بل جعل حياته عملاً صالحاً لخدمتهم، سلم وسعد في الدنيا والآخرة.

 

2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة:

 إنسان آخر غفل عن الله، ومع غفلته غفل عن منهجه، ولما غفل عن منهجه أساء إلى خلقه، فالإنسان عندما يتحرك بدافع من شهواته الحركة قد تكون عشوائية، وقد يصل إلى العدوان، أوضح مثل المرأة، المؤمن عنده حاجة إلى الزواج كأي إنسان آخر، لكن علاقته بالمرأة محدودة، بزوجته، فتزوج وأنجب أولاداً، ليس عنده علاقة أخرى، ليس عنده علاقة مع امرأة خارج نطاق الزوجية، فهذا المؤمن انضبط، الشهوة التي أودعها الله فيه تحرك من خلالها، لكن وفق المساحة التي سمح الله بها، وإنسان آخر اعتدى على أعراض الآخرين، طبعاً ارتكب فاحشة الزنا، وأحياناً هذه الفاحشة قادته إلى السجن، وأحياناً تقوده إلى القتل، الثاني غفل عن الله، لم يبحث عن منهجه، تحرك بدافع شهواته حركة عشوائية، همه قضاء شهواته، فأساء إلى خلقه، فهلك وشقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذجاً ثالثاً.

 

 

بطولة الإنسان أن يكون مع النموذج الأول يوم القيامة:

 الآية الدقيقة:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)صَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

( سورة الليل )

 صدق أنه مخلوق للجنة، فلما صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، بعد أن اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء، عندئذ تولى الله تيسيره إلى سلامته وسعادته وجنته في الآخرة.
الثاني:

 

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ﴾

 

( سورة الليل الآية: 8 )

 بنى حياته على الأخذ لا على العطاء، الثاني استغنى عن طاعة الله، بخل واستغنى، الثاني كذب أنه مخلوق للجنة، آمن أنه مخلوق للدنيا، فسيّره الله للعسرى، سيّره لخلاف ما خلق له من السعادة، هذه أكبر كلية في الدين، البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، وتياراتهم، وتوجهاتهم، وميولهم، ضع مئات المصطلحات لا يزيدون عن رجلين رجل عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن منهج الله، لم يؤمن بالله أصلاً، ولم يؤمن بمنهجه، واستغنى عن طاعته، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة.

 

من عبد الله بعقله و فطرته في مكان لم يصل إليه الإسلام فهو من النموذج الأول:

 طبعاً قد تجد من النموذج الثاني ممن كان مسلماً بحكم الهوية والولادة فقط، وقد تجد من النموذج الأول إنساناً كان في مكان لم يصل إليه الإسلام، فعبد الله بعقله، وفطرته، فنجا أيضاً، هذه أول حقيقة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾

( سورة الليل )

 هذه إحدى كليات الدين، البشر نموذجان، وهذه الآية أصل في هذا الموضوع.

 

كليات الدين:

1 ـ علة خلق الكون أن نعرف الله من خلاله:

 عندنا آية ثانية لماذا خلق الله السماوات والأرض ؟ قال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

 

( سورة الطلاق )

 الآن دققوا

﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾

هذا الكون المديد آلاف مليارات المجرات، هذا الكون الذي لا نهاية له حتى الآن، هذا الكون الذي اكتشف العلماء أن بعض النجوم تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، مع أن والضوء كما تعلمون يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كم، اضرب ثلاثمئة ألف بالثانية، ثم بستين بالدقيقة، ثم بستين بالساعة، ثم بأربع وعشرين باليوم، ثم بثلاثمئة و خمسة و ستين بالسنة، ثم بأربعة وعشرين ألف مليون، كم هي المسافة ؟ هذا الكون

﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾

خلقه كي نتعرف إلى الله من خلاله، لذلك هذه الآية أصل،

﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾

 ماذا تعلم ؟ أول قسم علة خلق الكون أن نعرف الله من خلاله وأكبر دليل:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

( سورة آل عمران )

﴿ مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

2 ـ أن تعلم أن علم الله يطولك و قدرته أيضاً تطولك:

 أيها الأخوة، إذاً نحن أدركنا أن علة خلق الكون أن نعرف الله، ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾. كأن الله اختار من أسمائه اسمين فقط، اختار اسم العليم واسم القدير، وكأن طاعتك لله تحتاج إلى اليقين بهذين الاسمين أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، وأي إنسان من بني جلدتك، من بلدك أقوى منك علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، مستحيل، وأوضح دليل تركب مركبة والإشارة حمراء، والشرطي واقف، ووزير الداخلية واضع قانون السير يطوله علمك من خلال هذا الشرطي.

 

الله عز وجل يعلم وسيحاسب وسيعاقب:

 كنت البارحة في طريق، السرعة تقدر بستين كيلو متر، و هناك عدة أجهزة مراقبة للسيارات، والمخالفة كبيرة جداً، والله كأن جنازة، الكل يمشي بنفس السرعة تحتاج إلى قرآن كريم صار في جنازة، لأن هناك مراقبة، و آلاف مؤلفة، وهذه الآلة تلتقط الصورة مع رقم السيارة، ولا بدّ من دفع خمسة آلاف، و الإنسان عندما يشعر أنه مراقب ينضبط، من إنسان من بني جلدتك لأن علمه بالسرعة الزائدة يطولك من خلال هذه الآلات، آلات التصوير، انظر إلى هذا المثل ما أوضحه الآن ؛ في الشام حالة لم تكن من قبل، السرعة أربعون أربعون، ستون ستون، كله يمشي بتؤدة، خائف من الخمسة آلاف، وهناك أيضاً عشرة آلاف، لأن إنساناً علمه يطولك، وقدرته تطولك، يثقب الإجازة ثلاثة عشر ثقباً، ممنوع بعدها أن تقود سيارة، لا تحل القضية بالمال، علمه يطولك من خلال هذه الآلات، وقدرته تطولك، يمنعك أن تقود مركبة، تطيعه طاعة دقيقة، تفصيلية بحذافيرها، فإذا كان خالق السماوات والأرض قلبك بيده، أعصابك بيده، حركة القلب بيده، دسام القلب بيده، الشريان التاجي بيده، الكليتان بيده، الكبد بيده، الخلايا بيده، أحياناً تنمو نمواً عشوائياً، صحتك بيده، زوجتك بيده، أولادك بيده، الأقوياء بيده، الضعفاء بيده، الطغاة بيده، الشمس والقمر بيده، الأمطار بيده، علمه يطولك بمليار موضوع، وقدرته تطولك، فجأة خثرة بالدماغ فشلل، فجأة فشل كلوي، فجأة تشمع كبد، انتهى الإنسان، مرة الإمام الغزالي يخاطب نفسه يقول: يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لاشك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ طبيب يقول لك: هذا البيت المرتفع لا يتناسب مع ضعف قلبك يجب أن تبيعه، وأن تشتري بيتاً أرضياً، تكون قد استغرقت سنتين في كسوة هذا البيت، وكان في أعلى درجة من الأناقة، تبيعه ثاني يوم لأن الطبيب قال لك ذلك.
يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً فما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب ـ الوعيد مرض، المرض أكبر من جهنم ـ أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أكفرك.
 هذه كلية ثانية الله عز وجل خلق هذا الكون كي نعرفه، والله عز وجل أمرنا أن نعرف بالذات أن علمه يطولنا، وأن قدرته تطولنا، أي هو يعلم وسيحاسب وسيعاقب.

من آمن أن علم الله يطوله و قدرته تطوله لابدّ له من أن يطيعه:

 عندي ألف مثل، لا يوجد تاجر مستورد من دون استثناء يغفل صفقة استوردها أمام المالية، لأن هناك ورقة حمراء تنتقل أثناء التخليص إلى المالية، فإذا أغفلت هذه الصفقة أنت عندها مكشوف، أهدرت حساباتك، لا أعتقد تاجراً في سوريا، أو في أي بلد فيه نظام مالي معين يغفل صفقة استوردها، لأن الذي سيكلفه بالضريبة علمه بهذه الصفقة التي أغفلها يطولك، وقدرته، هناك تحقيق ضريبة كبيرة جداً بعد هدر حساباته، أنت لاحظ نفسك بالمجتمع المدني القوي يطاع، الله أقوى الأقوياء لماذا لا تطيعه ؟ لماذا لا توقن أن علمه يطولك ؟ وأن قدرته تطولك ؟
هذه كلية ثانية من كليات الدين، حينما تؤمن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، لا بدَّ من أن تطيعه، ماذا بعد الموت ؟ عنده جنة، عنده نار، عنده حساب، عنده عذاب، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾

( سورة الأحزاب )

 معنى ذلك أن كل المخلوقات قاطبة عدا الإنس والجن رفضوا حمل الأمانة،

 

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تسخير تكريم:

 لذلك: الكون كله مسير ليس له اختيار، ليس عنده شهوات، ليس مكلفاً، ليس محاسباً، ليس مؤاخذاً الكون كله عدا الإنس والجن لأنهما قبلا حمل الأمانة، فلما قبلا حمل الأمانة سخر الله لهما ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وهذا التسخير تسخير تعريف وتسخير تكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، والدليل قوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147) ﴾

( سورة النساء )

 أنت جئت إلى هذه الدنيا من أجل أن تعرف الله من خلال الكون، ومن خلال الآيات الكونية، والآيات التكوينية، والآيات القرآنية، أنت جئت إلى هذا الكون من أجل أن تسلم وتسعد، أنت جئت إلى هذا الكون من أجل أن تدفع ثمن الجنة التي عرضها السماوات والأرض، فلذلك سخر الله لك هذا الكون تسخير تعريف.
 أوضح مثل أنت حينما تمسك كتاباً عن النحل، وتقرأ عن صنع العسل، أنت كمؤمن قد يقشعر جلدك ما هذه الآية ؟ ما هذا النظام العظيم بهذه المملكة ؟ كل مخلوق بهذه المملكة يعرف واجباته و تؤدى بالتمام والكمال، ما هذا النظام الاجتماعي ؟ النظام الاقتصادي ؟ النظام القيادي في هذه المملكة ؟ ثلاثة وسبعون مادة مفيدة صيدلية، فأنت تعرف الله من خلال العسل والنحل، وإذا كان دخلك قليل جداً لا يسمح لك أن تلعق لعقة عسل واحدة حققت الهدف من العسل التعريفي، كل شيء الله خلقه له هدف تعريفي، وهدف نفعي، هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال:

 

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

 

[ رواه أبو داود عن قتادة ]

 ننتفع به في الدنيا، ورشد يرشدنا إلى الله عز وجل في الآخرة، أنت مخلوق من أجل السعادة، سخر الله لك الكون تسخير تعريف، والتعريف رد فعله أن تؤمن به، وسخر الله لك الكون تسخير إكرام، والإكرام يقتضي أن تشكر فجاءت الآية الكريمة:

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147) ﴾

 

( سورة النساء )

الإنسان هو المخلوق المكرم الأول لأنه قَبِل حمل الأمانة:

 أيها الأخوة، حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الهلال قال:

(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))

[ رواه أبو داود عن قتادة ]

 ننتفع به في الدنيا، ورشد يرشدنا إلى الله عز وجل، أنت لأنك إنسان أنت المخلوق الأول، أنت المخلوق الذي قَبِل في عالم الأزل حمل الأمانة، أنت المخلوق الذي سخر الله لك ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، أنت المخلوق المكرم:

 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

 

( سورة الإسراء )

 أنت المخلوق الذي كلفه الله أن يعبده، قال تعالى:

 

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾

 

( سورة الذاريات )

 أنت المخلوق الذي سخر الله لك ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، أنت المخلوق الأول رتبة، أنت المخلوق المكرم، " رُكب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ".

 

الإنسان لأنه قَبِل حمل الأمانة رفع الله شأنه و أعلى قدره و كرمه:

 صدق ولا أبالغ أي واحد منكم لأنه من بني البشر هو المخلوق الأول عند الله في الأصل، لذلك:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

( سورة التين )

 لأنك قبلت حمل الأمانة سخر الله لك ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، ورفع شأنك، وأعلى قدرك، وكرمك:

 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

 

( سورة التين )

 فإذا عصى الله عز وجل:

 

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) ﴾

 

( سورة التين )

 لذلك:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

 

( سورة مريم )

 هذا الود فيما بينه وبينهم، وهذا الود فيما بين المؤمنين.

 

من آمن الإيمان الصحيح و استقام على أمر الله فهو فوق الملائكة و العكس صحيح:

 أيها الأخوة، " رُكب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل ".
 أي الحمار لا يوجد عنده متعة بكل حياته إلا أن يأكل، شهوته الطعام، وطعامه واحد هو الفصة لا يوجد غيره، طول حياته، " ورُكب الحيوان من شهوة بلا عقل "، لا يمل لو وقفته مئة ساعة لا يمل، لا يقول: ضاق خلقي وإلى متى سأبقى واقفاً ؟، " رُكب الحيوان من شهوة بلا عقل"، طالما هناك فصة لا يوجد مشكلة إطلاقاً، " و رُكب الإنسان من كليهما " عنده شهوات وعنده عقل، " فإن سما عقله على شهوته ـ هذا كلام سيدنا علي ـ أصبح فوق الملائكة "، أي واحد منكم إذا آمن الإيمان الصحيح، واستقام على أمر الله هو فوق الملائكة، " فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ". كم حيوان قبيح قذر، تشمئز منه النفس، و الكافر أحقر من أي حيوان، تريد دليلاً قرآنياً:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

( سورة البينة )

 أي خير ما برأ الله.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾

 

( سورة البينة )

 الذي يتفنن بقتل الشعوب، ساعة بقنابل حارقة خارقة، ساعة بقنابل عنقودية، ساعة بقنابل فسفورية، أطفال، نساء، لم يرتكبوا جريمة، بحرب غزة القتلى معظمهم أطفال ونساء، يتفنن بقتل عباد الله، طائرة أباتشي، طائرة "f16 " تقصف بيتاًَ مدنياً وليس قلعة فيها " م د، م ط "، بيت مدني فيه أطفال ونساء، هذه بطولات العدو: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾. والله أيها الأخوة، أفضل مليون مرة أن تكون الإنسان المظلوم من أن تكون الإنسان الظالم، هناك دماء، وقتلى، وجرحى، في العراق مليون قتيل، مليون معاق، خمسة ملايين مشرد، بدعوى السلاح الشامل، فلم يجدوا شيئاً إطلاقاً.
 فيا أيها الأخوة، هذا الدرس بالكليات، بكليات العقيدة.

 

الموضوع العلمي:

الطحال:

 ننتقل الآن إلى موضوع علمي، أيها الأخوة، أحياناً إنسان يحب أن يأكل بالطريق، يطلب شطيرة سوداء أو طحال، هل يعلم هذا الطحال ما خطورته في جسم الإنسان؟ الطحال جهاز عجيب، عضو خطير، غدة مصيرية، لو توقف عن عمله انتهت حياة الإنسان، لو زاد نشاطه في عمله تنتهي حياة الإنسان، هذا الطحال جهاز أو عضو أو غدة سمه ما شئت، لا يزيد وزنه عن مئتي غرام أوقية، لونه أحمر قانٍ، تحيط به عضلات، يتصل بأوعية دموية غزيرة، بل هناك شريان كبير للطحال، في داخله حجب وحجرات، مقسم إلى مساكن تحيط به عضلات تتقلص فتفرغ ما فيه من الدم الاحتياطي.

وظائف الطحال:

 للطحال وظائف عديدة خطيرة، من هذه الوظائف أنه يصنع الكريات البيضاء، أي جهاز المناعة من صنع الطحال، وجهاز المناعة جيش بكل معاني الكلمة، فيه فرقة استطلاع معلوماتية، فرقة قتال، فرقة خدمات هندسة، فرقة مغاوير "كوماندوس "، فرقة تصنيع السلاح، استطلاع، وخدمات، ومعامل الدفاع، ثم فرقة المغاوير، هذا جهاز المناعة المكتسب من صنع الطحال.
 هذا الطحال فضلاً عن أنه يولد الكريات البيضاء هو معمل لكريات الدم الحمراء الاحتياط، المعامل الأساسية في نقي العظام، لكن لو أن هذه المعامل تعطلت ـ هناك مرض يعطلها اسمه فقر الدم اللامصنع، أو مرض ابيضاض الدم ـ لو تعطلت معامل الكريات في نقي العظام، الطحال معمل احتياط لكريات الدم الحمراء، بالمناسبة هذه المعامل تصنع بالثانية الواحدة اثنين ونصف مليون كرية، ويموت بالثانية الواحدة اثنين ونصف مليون كرية، هذا الطحال معمل كريات بيضاء، معمل للجيش بفرقه الخمس، استطلاع، وخدمات، ومعامل الدفاع، ثم فرقة المغاوير، ومعمل لكريات الدم الحمراء احتياطي، الآن ومستودع للدم ومقبرة لكريات الدم الحمراء، لكن مقبرة ذكية جداً، دفنا اثنين ونصف مليون كرية لا ندفنهم نحللهم إلى حديد، نرسله إلى نقي العظام، ليعاد تصنيعه من جديد، وهيموغلوبين نرسله إلى الكبد ليكون الصفراء، مقبرة، تصور مقبرة الإنسان حللوه فإذا به كلس، وحديد، وماء، وشحم، ودهن، مقبرة مع التحليل، هذه المقبرة تحلل الكريات إلى عواملها الأولى، أهم عواملها الحديد، يشحن إلى نقي العظام ليساهم في تصنيع الكريات الحمراء، والهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليكون الصفراء.

نشاط الطحال:

 أيها الأخوة، هذا المعمل إذا زاد نشاطه يموت الإنسان ما نشاطه ؟ دفن الكريات الميتة، إذا دفن الأحياء معها، انتهى، صار هذا فقر دم بسبب الطحال، أعرف شخصاً من أسرة غنية، غذاؤه من الدرجة الأولى، أصابه فقر دم بسبب الطحال، ومات بهذا المرض، هذا الطحال إذا قصر في وظيفته يموت الإنسان فإذا بالغ في أداء وظيفته يموت الإنسان، صار مقبرة، تحلل بها مكونات الكريات الحمراء إلى حديد وإلى هيموغلوبين، وصار مستودعاً للدم، وصار معمل كريات حمراء احتياطي، ومعمل كريات بيضاء، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( أحلت لكم ميتتان و دمان فأما الميتتان فالحوت و الجراد و أما الدمان فالكبد و الطحال ))

[ أحمد عن عبد الله بن عمر]

 هناك أشخاص كثر يحبون أن يأكلوا الطحال أو السوداء ـ الكبد ـ والسوداء أي خمسة آلاف وظيفة للكبد:


أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

 

***

الطحال أخطر عضو عند الإنسان:

 هذا الطحال لو تعطلت وظائفه لمات الإنسان، الناس يتوهمون أن القلب أخطر شيء، ليس القلب أخطر شيء، إنسان من دون كبد يموت بعد ثلاث ساعات، أحياناً يعيش الإنسان بقلب عليل عشرين سنة، أي عنده احتشاء، وقصور في القلب، و اضطراب بالنظم، و عنده خوارج انقباض.
 أنواع منوعة من أمراض القلب، يعيش الإنسان أحياناً بقلبه العليل ثلاثين سنة، أما الطحال والكبد لا يمكن أن يعيش بدونهما أكثر من ثلاث ساعات، هذا الطحال، معمل كريات حمراء احتياط، معمل كريات بيضاء أساسي، مستودع للدم، مقبرة فيها تحليل لهذه الكريات.
 شيء آخر درس بليغ من الله، الله قادر على كل شيء بتصميمه أن هذه الكرية ينبغي أن تحلل إلى عواملها، نأخذ الحديد نرسله إلى نقي العظام، أحياناً أنت تأكل لحماً مع العظم، هذه العظمة عندما تدقها تنزل أسطوانة لونها رمادي هذا نقي العظام، هذا معمل كريات الدم، وهذا أحياناً يتعطل بلا سبب اسمه نقص دم لا مصنع، و قد مات بهذا المرض عدة ملوك، أنا أقول: الإنسان إذا ما أصابه مرض معجزة أي جهة بالجسم لو تعطلت انتهت حياة الإنسان.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور