- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله سبحانه وتعالى لا يعطيك ما تتمنى منه إلا إذا آثرته على كل شيء:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي.
هذا الدرس له منحىً خاصاً، لعله للمتفوقين في الإيمان، حينما يتعمق المؤمن في فهم حقائق الإيمان يدرك أنه من معاني اسم الله العزيز أن الله سبحانه وتعالى لا يعطيك ما تتمنى منه إلا إذا آثرته على كل شيء، فلمجرد أن تقيم على معصية، أو أن تمارس شهوة لا ترضي الله، فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليست سالكة، ومحور هذا الدرس آية وحديث، وأبعاد هذه الآية وذاك الحديث كبيرة جداً، هذا الكلام مهمته أن نوفر وقتاً في حركة غير منضبطة، مثلاً لو أن الدولة رسمت طريقاً حدياً كي تكون طبيباً، لا بد من أن تنال الدرجة العالية في الثانوية العامة، بعدها كلية الطب أول سنة علوم عامة، السنة الثانية تشريح وصفي، السنة الثالثة فيزيولوجيا، الرابعة علم الأمراض، الخامسة الأدوية، هذا هو الطريق الوحيد، تقرأ مجلات طبية، تجمع ثقافة طبية، لا يوجد مانع، لكن لن تكون بهذه الطريقة طبيباً، تكثر من زيارة المستشفيات لا يوجد مانع، لكن بهذه الزيارات لن تكون طبيباً، تجلس مع أطباء كثر، تسهر معهم، تستمع إلى همومهم لا يوجد مانع اجلس معهم لكن بهذه الطريقة لن تكون طبيباً، لك أن تمارس نشاطات لا تعد ولا تحصى متعلقة بالطب، كل هذه النشاطات لن تصل بك إلى أن تكون طبيباً، الطب درجات معينة في الثانوية العامة العلمي، أول سنة علوم عامة، السنة الثانية تشريح وصفي، السنة الثالثة فيزيولوجيا، الرابعة علم الأمراض، الخامسة علم الأدوية، بعد هذه الدراسة الطويلة تنال إجازة في الطب لا تقدم ولا تؤخر، بعد هذه الإجازة يوجد دبلوم، وماجستير، و دكتوراه، وبعد الدكتوراه من بلدك لا تقدم ولا تؤخر إذا لم يكن معك بورد، أو أكريجيه، أو اف أر أس، لن تكون طبيباً لامعاً، هذا هو الطريق، أما تقرأ مجلات طبية، تسهر مع أطباء، تزور مستشفيات، لا يوجد مانع، نشاط ممتع أو غير ممتع، أما أن تتوهم أنك بهذه المطالعات المبعثرة تكون طبيباً مستحيل وألف ألف مستحيل، هذا الكلام لتوفير الوقت والجهد.
الاستقامة و العمل الصالح و التفكر و الاتصال بالله هذه هي السبل الموصلة إلى الله:
إن أردت أن تكون مؤمناً تستحق وعود الله للمؤمنين لا بد كما ذكرت في دروس سابقة من أن تعرف الله من خلال التفكر، من أن تستقيم على أمره، من أن تعمل صالحاً، من أن تتصل به.
ذكرنا أربعة أركان، أقول: هناك كليات كبيرة في الدين، كلية الاستقامة، كلية العمل الصالح، كلية التفكر لتزداد معرفة بالله، كلية الاتصال بالله، اتصال في الصلاة، في الحج، في الزكاة، في رمضان، بعمل صالح، بقيام ليل، كل هذه العبادات من أجل الاتصال، فهناك اتصال نفسي، و علم عقلي، و انضباط سلوكي، و بذل لعمل صالح، هذه كليات الدين الأساسية.
الآن: لك شهوة مصر عليها لا يوجد مانع، أعمالك الأخرى تحاسب عليها، تكافأ عليها، لكن الأعمال التي لن تكن كما ترضي الله عز وجل هذه تحجبك عن الله عز وجل، هذه مشكلة، بالتعبير الآخر أنت عندك عجلة سيارة تباع لها ثمن لكن هذه العجلة وحدها ليست سيارة، عندك مقعد وثير لسيارة قد تبيعه في السوق له ثمن، لكن هذا المقعد ليس سيارة، السيارة فيها محرك، فيها غلاف، فيها عجلات، فيها مقود، فيها مكبح، فيها وقود، فيها أجهزة، فيها كهرباء، ما لم تستكمل شروط السيارة لن تسير بك هذه السيارة، هذا الكلام والله لا أبالغ ولا أضع التشديدات والصعوبات على الأخوة الكرام، لكن الله عزيز لن يسمح لك أن تقترب منه إلا باستقامة، إلا بطهر، إلا بعفاف، إلا بصدق، إلا بأمانة، فإذا خطبت ود الله هذه هي السبل الموصلة إلى الله.
من آثر الأمور التالية على طاعة الله فالطريق إلى الله ليس سالكاً و من هذه الأمور:
1 ـ الآباء:
الآية التي هي محور الدرس:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾
الأب يعتز به، لكن أحياناً كثيرة الأب غير المؤمن، أو الأب ضعيف الإيمان، يدفع ابنه لعمل لا يرضي الله، يدفع ابنه ليحلف أيماناً كاذبة أن هذه السلعة يبيعها برأسمالها، والأمر ليس كذلك، الربح مئة في المئة، فحينما يدفع الأب ابنه لاقتراف معصية إما في التجارة، أو في الزواج، أي مصلحة الأب أن تكون هذه الفتاة زوجة ابنه، الفتاة غير ملتزمة، متفلتة، له صديق غني كبير، ويعلق على صداقته آمالاً كبيرة، والغني طلب أن يزوج ابنته لابنك، فإذا أنت ضغطت على ابنك كي يتزوج هذه الفتاة لمصالح مادية تطمح بها مع والدها، أو مع والده، فأنت بهذا لن تكون مرضياً لله عز وجل، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾، أي أنت آثرت طاعة الأب على طاعة الله، آثرت إرضاء الأب على إرضاء الله، آثرت السلامة مع الأب على سلامتك مع الله، آثرت تنفيذ توجيهات ولو أنها لا ترضي الله، آثرت أن تأخذ من الأب نصيباً كبيراً من أملاكه الطائلة، بشرط أن تتساهل في بعض حدود الله مثلاً
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾
هذا المعنى.
2 ـ الأبناء:
﴿ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾
أي يهمك أمام الناس أن يكون ابنك متفوقاً، أن يكون طبيباً، قد ترسله إلى بلد أجنبي لا يوجد مانع أبداً، طلب العلم فريضة لكن لم تأخذ احتياطات أبداً، أرسلته شاباً في ريعان الشباب إلى بلاد الغرب حيث تقترف المعاصي بثمن بخس جداً، فعاد معه دكتوراه، وكلما زارك ضيف والله ابني الدكتور، لكن ابنك لا يصلي، واقترف الفواحش بهذه السفرة، إذا كان الابن من أجل أن تفتخر به حملته على المعصية والآثام،
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾
﴿ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾
أحياناً ابن صغير يموت أبوه، طبعاً له أخوة أكبر منه، الأخوة الكبار أدخلوه معهم في الشركة، الشركة لا ترضي الله، قد تكون بضاعتها محرمة، قد يكون نشاطها محرم، قد يكون نشاطها يتناقض مع منهج الله، لكن كون هؤلاء الأخوة الكبار أدخلوه معهم شريكاً فهذا الشاب الصغير رأى نفسه شريكاً في مؤسسة كبيرة جداً، في بيع خمر، في أشياء تغضب الله لا يدقق،
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾
﴿ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾
زوجة ملء سمعك وبصرك، تحبها ولا تحب أن تحزنها، طلبت طلباً مخالفاً لمنهج الله فأنت أرضيتها وأغضبت الله، آثرت طاعتها على طاعة الله.
مرة أحد الصحابة الكرام طلبت منه زوجته شيئاً ليس ضرورياً، فقال لها: " اعلمي أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك "
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾
5 ـ العشيرة:
﴿ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾
لك عشيرة، لك جماعة، لك أتباع، مصلحتك معهم أن تعصي الله، أن تتملقهم، أن تخضع لرغبتهم، هم إن خضعت لرغبتهم يرفعوك، مصلحتك أن تكون مرضياً لهم، من أجل الجماعة التي حولك لئلا تغضب منك، من أجل أن ترضى عنك سايرتها في نزواتها وشهواتها لتبقى سيداً فيها
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ و وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾
6 ـ الأموال:
الآن بنظام الإيجار القديم أحياناً تستأجر بيتاً ثمنه عشرين مليون بمئة ليرة في الشهر، وعندك بيت آخر، هذا البيت بأجرة زهيدة والقانون معك ويحميك:
﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾
هناك أموال بين يديك لا أحد يحاسبك عنها، لكنك مؤتمن عليها، من الذي سيحاسبك ؟ ليس فوقك من يحاسبك، معك أموال يمكن أن تنفقها على حظوظك، على متعك، على بيتك، على أولادك، هذه أموال أمانة ليست لك ؛ للفقراء، فأنت أخذتها والقلم بيدك من إلى لا يوجد، محاسبة لا يوجد، آلاف الأشخاص معهم أموال طائلة، وهذه الأموال ليست لهم، لكنهم أغفلوا إنفاقها وفق ما ينبغي بل أخذوها لأنفسهم،
﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ ﴾
7 ـ التجارة:
حدثني أخ قال لي: أنا وكيل شركة، والله لا أبالغ أرباحي اليومية مليون ليرة، ـ وكيل شركة غذائية ـ من لوازم أن تبقى الوكالة بيدي أن آخذ كل منتجاتها، و في بعض منتجاتها لحوم خنزير وخمور، لن تبقى لك هذه الوكالة إلا إذا أخذت كل منتجاتها، أنت تاجرت بلحم الخنزير والخمر حفاظاً على هذه الثروة:
﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾
بيت ثلاثمئة متر بأرقى أحياء دمشق، أجرته مئة ليرة، ضريبته آلاف الليرات الضريبة السنوية يدفعها المالك، يأخذ منك مئة يدفع خمسمئة، بيت ثمنه ملايين، أجرته مئة ليرة هكذا النظام قديماً:
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾
الآن دخلنا في المضيق:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾
أي أنتم تأخذونها اغتصاباً، إن كانت هذه الأموال، وهذه التجارات، وهذه المساكن، وإن كانت العشيرة، أو الزوجة، أو الأخوة، أو الأبناء، أو الآباء، تسعى لإرضائهم ولا تعبأ برضاء الله، إن كنت كذلك فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً، بل أنت في طريق مسدود:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ﴾
مكانك راوح، قف طريق مسدود، طريق ممنوع.
المؤمن الكامل يؤثر طاعة الله و أوامره و تنفيذ سنة نبيه على كل شيء:
الطريق ليس سالكاً:
﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
هذا قرار، هل اتخذت قراراً أن تكون مؤمناً كاملاً ؟ يجب ألا تسمح لجهة في الأرض لعله أب، ابن، أخ، زوجة، عشيرة، أموال طائلة، تجارة رابحة، مسكن مريح، إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من طاعة الله، والالتزام بشرع الله، وتنفيذ سنة رسول الله، فاعلموا علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً:
﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
المشكلة أن الإنسان يعتقد أن الدين صلاة، و صيام، و حج، وعمرة كل سنة، و طريقة كسبه للمال فيها حرمة، يوجد أساليب يسلكها لا ترضي الله، بنوعية البضاعة في حرمة، يعمل مشروعاً فيه ابتزاز لأموال الصغار ـ ألعاب مثلاً ـ كل شيء معه، ويأخذ أموال أخوته، وقد يأخذ من جيب أبيه، وقد يسرق، من أجل أن يتابع هذه الألعاب على الكومبيوتر في بعض الأماكن، أنت ماذا فعلت ؟ أنت قدمت عملاً للأمة ينفعها ؟ لا، أنت ابتززت أموال الصغار، وأضعت وقتهم بألعاب لا تقدم ولا تؤخر.
يا أخوان هناك أكثر من خمسمئة ألف لعبة لو يعيش الإنسان مليون سنة كل يوم في لعبة جديدة، هذه اللعب ليس لها أي فائدة، تجد أموالاً طائلة في أشياء مربحة لكن فيها معصية، ربحها كبير، يا ترى هل تبحث عن عمل فيه خير للأمة ؟ هل تختار حرفة فيها نفع ؟ هل تتاجر ببضاعة مشروعة تنفع بها الأمة ؟
أجمل ما في الدين على الإطلاق حلاوة الإيمان:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
من الله في قرآنه، ورسوله في سنته، أنا أسافر كثيراً معظم النساء المسلمات المحجبات في بلاد الغرب إذا نشب بينهن وبين أزواجهن مشكلة، ترفع أمرها لا لقاض مسلم ليحكم لها بالمهر بل ترفع أمرها لقاض مدني في البلد التي تقوم به، ليحكم لها بحسب القوانين بنصف مال زوجها، المال أحب إليها من طاعة الواحد الديان، طاعة الله أن تأخذ مهرها كاملاً، أما رفع أمرها لقاض مدني في دولة أجنبية تقيم فيها يعني أن هذا القاضي يحكم لها بنصف أملاك زوجها.
أيها الأخوة الكرام، القضية قضية معقدة، ليست من البساطة بمكان، أنني أصلي، والله حججنا كم سررنا، طرقات، ومطارات، ومحلات تجارية، وقمنا بعمرة أيضاً، الدين منهج دقيق جداً تفصيلي لا بد من تطبيقه، أما الحديث الشريف يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان ))
الإيمان له حلاوة، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان تجعلك تضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس، حلاوة الإيمان تجعلك مقداماً، شجاعاً، كريماً، سخياً، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان تجعلك في أعلى درجات العبودية لله عز وجل، حلاوة الإيمان لعلي لا أبالغ إن أجمل ما في الدين على الإطلاق حلاوة الإيمان، ذاق طعم الإيمان.
حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان:
الإيمان له معلومات، فيه حقائق، ادخل كلية الشريعة هناك مادية العقيدة، تاريخ الفقه الإسلامي، الفقه المقارن، المذاهب الفقهية، الأحكام الشخصية الزواج، الطلاق، أحكام البيوع، قضايا معقدة وطويلة، معلومات دقيقة مع أدلتها، واختلاف العلماء، هذا دراسة لكن حلاوة الإيمان شيء آخر، حلاوة الإيمان إنسان يملك ألف مليون ليرة، حقائق الإيمان قال لك أستاذك: اكتب على ورقتك ألف مليون ليرة، و أنت لا تملك قرشاً، كتابة الرقم شيء وأن تملك هذا الرقم شيء آخر، حلاوة الإيمان أن تملك هذا الرقم، أي حالت منك التفاتة إلى سيارة موديل ألفين وتسعة، من أرقى مصنع تشتريها معك ألف مليون، ما معنى ألف مليون دولار ؟ تجد بيتاً مساحته أربعمئة متر، له إطلالة رائعة، في أرقى أحياء دمشق، ثمنه ثمانون مليوناً، معك مبلغ ضخم فتستطيع أن تشتريه، حلاوة الإيمان تملك مبلغاً ضخماً، حلاوة الإيمان تسكن بقصر، حقائق الإيمان معك خارطة القصر فقط، ما شاء الله هذه الغرفة ثمانية أمتار بسبعة لكن على الورق وكوخ لا يوجد عندك، حلاوة الإيمان تملك هذا القصر، تستطيع أن تسكنه، حلاوة الإيمان أن تقتني أجمل مركبة، أما حقائق الإيمان أن تقرأ في الصحيفة أن هذه المركبة ألفين وتسعة فيها الميزات التالية.
كنا مع أخ منذ يومين قال: هذه السيارة يمكن أن ترجع وتصف آلياً، قلنا له: نجرب، توقف جانب سيارة ووراءه فراغ كبس زر ورفع يده، رجعت لوحدها عملت خطاً مستقيماً مع الرصيف و متوازياً تماماً، حلاوة الإيمان أن تمتلك هذه السيارة، أما حقائق الإيمان أن تكون راكباً بهذه السيارة، راكب يطلع على هذه الميزات لكن هذه السيارة ليست له، أنا أحضر أمثلة الموضوع خطير جداً، حلاوة الإيمان أن تذوق طعماً تقول: والله ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني، أقسم لكم بالله ولا أبالغ إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني أنا لا أبالغ هذه حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان المليار لا تساوي ذرة من جفاء مع الله فتركلها بقدمك، والله ما لم يستوِ التبر والتراب لن تذوق حلاوة الإيمان.
فرص العمل الصالح أمام الإنسان في الدنيا لا تعد ولا تحصى:
أحياناً يوجد امتحانات صعبة يأتيك عرض وظيفة، و المبلغ فلكي، والميزات فلكية، لكن فيها معصية، يتاح لك عمل المبلغ عشر المبلغ السابق، والدوام ضعف، لكن هذه ترضي الله، من هو البطل ؟ الذي يركل بقدمه كل ميزة فيها معصية، الموقف دقيق جداً أذكره لكم، لأنك في الدنيا من أجل العمل الصالح، فإذا كنت قوياً في مالك، أو قوياً في علمك، أو قوياً في منصبك، فرص العمل الصالح أمامك لا تعد ولا تحصى.
لذلك أنا أقول: إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً، لأن فرص الغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى و إذا كان طريق القوة في المنصب سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأنك بجرة قلم تحق حقاً وتبطل باطلاً، وإذا كان طريق العلم سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون أكبر عالم، أما إذا كان طريق الغنى، أو القوة في المنصب، أو القوة في العلم، على حساب مبادئك، وقيمك، الضعف وسام شرف لك.
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان ))
حلاوة الإيمان من أجمل ما في الإيمان، الصحابة الكرام ذاقوا حلاوة الإيمان، إنسان على فراش الموت، أو إنسان يلقى في ساحة المعركة وجرحه بالغ وعلى وشك أن يموت، جاءه صحابي يتفقده بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: يا سعد، إن رسول الله أمرني أن أتفقدك أنت مع الأموات أم مع الأحياء ؟ قال له: أنا مع الأموات، ولكن بلغ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبي عن أمته ـ ما معنى ذلك ؟ كان في قمة السعادة ـ وقُل لأصحابه: لا عذر لكم إذا خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
بأي حالة يعيش ؟ أقسم لكم بالله قرأت تاريخ سبعين صحابياً، هناك قاسم مشترك واحد أنهم جميعاً كانوا في أعلى درجة من السعادة حين لقاء ربهم.
من آثر طاعة الله و طاعة رسوله على كل شيء ذاق حلاوة الإيمان:
أيها الأخوة الكرام، الحديث يتصل بالآية:
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما))
المعنى الدقيق: أن يكون الله في قرآنه، ورسوله في سنته، عند التعارض مع مصالحك أحبّ إليك مما سواهم، أحياناً إنسان يسافر، يصلي فيقصر، يقول لك: القصر شيء رائع، ركعتان و لا يوجد سنن، يقول لك: سنة يا سيدي وإن الله يحب أن تؤتى رخصه، هذه قضية سهلة جداً، أما بالتجارة إن كان هناك مادة محرمة لكن أرباحها فلكية تعارض النص مع مصلحتك، أن يكون الله في قرآنه، ورسوله في سنته، عند التعارض مع مصالحك مؤثراً طاعة الله وطاعة رسوله، هذه هي:
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ))
قد يحب فقيراً ضعيفاً، وقد لا يحب قوياً غنياً، مع أن القوي والغني تأتيك منه ميزات كبيرة جداً، لأنه عاص لله، بعيد عن الله، تمقته بقلبك، وتوالي المؤمنين الضعاف أحياناً:
(( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
الموضوع العلمي:
السواك:
أيها الأخوة، ننتقل إلى الموضوع العلمي:
(( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ))
هناك مجلة مشهورة، تصدر في بعض البلاد العربية الشقيقة، وفيها مقال لعالم متخصص في علم الجراثيم والأوبئة في ألمانيا، يقول هذا العالم: قرأت عن السواك الذي يستعمله العرب كفرشاة أسنان، عالم ألماني مختص بعلم الأوبئة والجراثيم، قرأ مقالاً في مجلة عربية عن السواك، الذي يستعمله العرب كفرشاة أسنان، في كتاب لرحالة زار البلاد العربية، وعرض الكاتب الأمر بأسلوب ساخر ولاذع، و اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء الناس الذين ينظفون أسنانهم بأعواد من بعض النبات.
يقول هذا العالم الألماني: " الرحالة سخر من المسلمين باستخدامهم أعواد السواك لتنظيف أسنانهم، ولكني أخذت المسألة من وجهة نظر أخرى، وفكرت لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب، والتي أسميتها فرشاة الأسنان العربية، لما لا يكون وراء هذا العود حقيقة علمية، وتمنيت لو استطعت إجراء التجارب عليها ".
قال: ثم سافر زميل لي إلى السودان، وعاد ومعه مجموعة منها، وفوراً بدأت بإجراء تجاربي عليها، سحقتها، وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت لي المفاجأة التي لم أكن أتوقعها.
ظهرت على مزارع الجراثيم الآثار نفسها التي يحققها البنسلين، وهي مادة فعالة في قتل الجراثيم، هذا ما قاله العالم الألماني المتخصص في علم الجراثيم والأوبئة، هذا ينقلنا إلى اعتقاد ثابت أن كل توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام الصحية ليست من ثقافته، ولا من خبرته، ولا من اجتهاده، ولا من معطيات عصره، إن كل هذه التوجيهات هي في الحقيقة وحي يوحى.
فوائد السواك:
الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ وهو من عمالقة العلماء قال:" في السواك عدة منافع ؛ يطيب، و يشد اللثة، ويقطع البلغم، و يجلو البصر، و يصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، و يسهل مجاري الكلام، و ينشط القراءة، والذكر، والصلاة، و يطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات ".
أي استخدام السواك عبادة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يستخدمه، لكن مرة كنت في بلد إسلامي، وأنا في صلاة الجمعة، و إذ بإنسان يجلس أمامي، والله منذ أن جلس قبل أن يصعد الخطيب المنبر، وحتى انتهت الخطبة نازل بأسنانه هكذا، ما تحملناه، شيء لا يحتمل، هناك مبالغات تخرج من جلدك.
ثم يلقيه على الأرض، وبعد أن ألقاه يمسكه ونازل بأسنانه، ليس هذا هو المقصود، بل عليك أن تستخدمه في الأوقات المناسبة.
أيها الأخوة، أنت حينما تعتقد أن هناك وحيين وحي متلو، و وحي غير متلو، القرآن وحي متلو بالحرف والحركة، والسنة وحي غير متلو بمعنى أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
فكل توجيهاته من وحي الله عز وجل، لكنه وحي غير متلو، أي الصياغة من رسول الله، والمعنى من الله عز وجل.