- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أصل الدين معرفة الله عز وجل:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الحادي والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع التفكر ككلية كبيرة من كليات هذا الدين، وقد بينت لكم من قبل أن هذا الدين فيه تفاصيل لا تنتهي، لكن كل هذه التفاصيل يمكن أن تندرج في أربع كليات كبرى:
الكلية الكبرى الاستقامة: فما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، إن لم تستقم على أمر الله بقي الدين ثقافة، والثقافة كأي معلومات يمكن أن تحشى في ذاكرتك ويمكن أن تتحدث بها.
وقلت كلاماً دقيقاً جداً يحتاج إلى تبصر، يمكن أن تتحدث في شؤون الدين ساعات طويلة من دون تحضير، وأن تأتي بنصوص صحيحة، وبتحليلات عميقة، وبقدرة على معالجة الموضوع، وبلغة فصيحة، وأنت لا تعرف الله، حينما تعصيه أنت لا تعرفه، حينما تبني مجدك على أنقاض الآخرين أنت لا تعرفه، حينما تأخذ ما ليس لك أنت لا تعرفه، حينما تظلم زوجتك أنت لا تعرفه، حينما لا تربي أولادك أنت لا تعرفه.
أن تقرأ معلومات دقيقة وأنت ذكي، وعندك ذاكرة قوية، وأن تحفظ هذه المعلومات، وأن تلقيها على مسامع الناس بقدرة فائقة، هذا لا يعني أنك تعرف الله، فهذا الراعي الذي قال له أحدهم: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال له: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال له: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادق أمين ولكن أين الله ؟
هذا الراعي وضع يده على حقيقة الدين، أنت حينما تمتنع عن أكل المال الحرام، حينما تمتنع عن إيذاء الناس، حينما تمتنع عن أن تغشهم، عن أن تكذب عليهم، عن أن توقع بهم الأذى، حينما تمتنع فأنت تعرف الله، بأي صورة كنت، بأي زيٍّ أقبلت.
(( إِنَّ الله لا ينظرُ إِلى صوركم وأَموالكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأعمالكم ))
(( التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ))
الاستقامة تحقق السلامة و العمل الصالح يحقق السعادة:
نحن في الدروس السابقة أردت أن أقف على كليات الدين، الكلية الأولى: الاستقامة، الاستقامة تحقق السلامة، مالك حلال، بيتك إسلامي، زوجتك صالحة، أولادك ربيتهم وفق الكتاب والسنة، بناتك حجبتهم، فأنت في سلامة ولكنك لست في سعادة، السعادة ثمنها البذل، أن تعطي من مالك، من علمك، من جاهك، من قوتك، أن تعطي مما أعطاك الله، أن توظف الذي آتاك الله للدار الآخرة، أن تبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة، عندئذ تسعد وعندئذ تذوق حلاوة الإيمان.
أول كلية الاستقامة، هذه كالتعليم الأساسي، هل من الممكن أن يقدم إنسان طلباً إلى كلية الطب وليس معه كفاءة ؟ مستحيل، هناك تعليم أساسي، الابتدائي والإعدادي سابقاً، الآن اسمه أساسي، تعليم ثانوي، تعليم جامعي، تعليم عالٍ بعد الليسانس، دبلوم، ماجستير، دكتوراه، فهذه الشهادات الاستقامة تمثل التعليم الأساسي، ما لم تكن مستقيماً لن تقطف من ثمار الدين شيئاً.
الآن بالاستقامة تسلم لكن بالعمل الصالح تسعد، هذان موضوعان يخصان درسين سابقين، والدرس الماضي لابدّ من التفكر، لابدّ من أن تعرف الله لأن أصل الدين معرفة الله، إن عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
دقق وحقق أية معصية ترتكبها بسبب نقص في معرفة الله، إن عرفت الله انصعت لأمره.
التفكر:
الحديث في اللقاء السابق عن التفكر في خلق السماوات والأرض، عن التفكر في آيات الله في الآفاق، وفي آيات الله في النفس، عن التفكر في آيات الله الكونية، وعن النظر في آيات الله التكوينية، وعن التدبر في آيات الله القرآنية، آيات الله الكونية خلقه، تفكر بها، آيات الله التكوينية أفعاله انظر بها:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾
آيات الله القرآنية كلامه تدبر كلامه، أنت من خلال خلقه، وفعله، وكلامه تعرفه، إن عرفته عرفت كل شيء وإن فاتتك معرفته فاتك كل شيء.
هذا ملخص الدروس الثلاثة السابقة.
الإنسان في الصلاة يذكر الله معترفاً بربوبيته وبنعمه:
بقي كلية كبرى من كليات هذا الدين هي: الاتصال بالله، الحقيقة الصلاة من أجل الصلة تقف، تركع، تسجد من أجل أن تتصل بالله، من أجل أن تذكره:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
أنت بالصلاة تذكر الله، بل تذكره ويذكرك، تذكره معترفاً بربوبيته، معترفاً بنعمه، الحمد لله رب العالمين، معترفاً برحمته الرحمن الرحيم، معترفاً بقيومته مالك يوم الدين، ثم تخاطبه وتقول:
﴿ إياك نعبد وإياك نستعين(5)اهدنا الصراط المستقيم(6)صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7) ﴾
أنت دعوته أن يعطيك الصراط المستقيم، تأتي الآية بعد الفاتحة:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) ﴾
هذا توجيهه، تركع خاضعاً لله لتنفيذ هذا الأمر، تسجد طالباً من الله عز وجل أن يعينك على تطبيق هذا الأمر، فلكل ركعة حمد على نعم الله، وعلى ربوبيته، وعلى رحمته، وطلب منه أن يهدينا الصراط المستقيم، تأتي الآيات بعد الفاتحة الصراط المستقيم تركع خاضعاً، تسجد مستعيناً.
الصلاة ذكر و عقل و قرب:
هذا ذكرك له أما ذكره لك، إذا ذكرك منحك التوفيق، منحك الأمن، منحك الحكمة، منحك الرضا، منحك السكينة، منحك السعادة، أي لا يعقل أن تكون الصلاة كفرض يومي متعدد متكرر، أن تقف، وأن تقرأ، وأن تتحرك حركات لا معنى لها، وأن يكون هذا أمر الله عز وجل، فالصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، إذاً الصلاة من أجل الصلة بالله:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
إن أردت أن تذكر الله فصلِّ:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
(( ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ))
والصلاة عقل، ذكر وعقل:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43) ﴾
فالذي يقرأ القرآن في الصلاة ولا يذكر ماذا قرأ ؟ معنى ذلك كأنه سكران:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (43) ﴾
يجب أن تعلم ما تقول.
أيها الأخوة، الصلاة ذكر، والصلاة عقل، والصلاة قرب:
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
فأقرب حالاتك إلى الله تكون وأنت ساجد، الصلاة ذكر، والصلاة عقل، والصلاة قرب، والصلاة طهور.
ذكر الله لك يمنحك الأمن و الحكمة:
أيها الأخوة الكرام، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تصلي وتحقد، أن تصلي وتكذب، أن تصلي وتخون، أن تصلي وتحتال، أن تصلي وتغدر، أن تصلي وتخون العهد، مستحيل، الصلاة طهور تطهرك من الأدران، أنت متصل بالإله الكامل كمالاً مطلقاً، مع الاتصال تكذب ؟ مع الاتصال تخون ؟ مع الاتصال تحتال ؟ مع الاتصال تأخذ ما ليس لك ؟
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
قال علماء التفسير: أكبر ما في الصلاة ذكر الله، بل ذكر الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له، لأنه إن ذكرك منحك الأمن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
أيها الأخوة، ذكر الله لك يمنحك الحكمة:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال:
أيها الأخوة، بالمناسبة الحج يسقط عن الفقير، وعن المريض، والصيام يسقط عن المسافر، والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير، وشهادة أن لا إله إلا الله ينطق بها مرة واحدة، ماذا بقي ؟ الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، خمس عبادات الأربعة تسقط.
لذلك الصلاة فيها معنى الحج كيف ؟ من معاني الحج في الصلاة أنك في الصلاة تتجه إلى بيت الله الحرام.
فيها معنى الصيام، من معاني الصيام في الصلاة أنك في الصلاة تمتنع عن الأكل، والشرب، والحركة، والكلام.
من معاني الزكاة في الصلاة، أوضح لكم هذا المعنى أعرف محلاً بسوق الحميدية، يبيع عصيراً من الطراز الأول، وبسعر معتدل جداً، وعليه إقبال منقطع النظير، أي دائماً أمامه عشرين أو ثلاثين إنساناً ينتظر دوره لشرب العصير في الصيف، يؤذن الظهر يوقف البيع، ويغلق المحل، و يذهب إلى المسجد، ما علاقة الزكاة بالصلاة ؟ لو بقي المحل مفتوحاً ساعة أثناء الصلاة لكانت غلته ازدادت، معنى هذا أنه اقتطع من وقته الذي هو أصل في كسب المال، الوقت أصل في كسب المال، اقتطع من وقته وقتاً كان من الممكن أن تزداد غلته في هذا الوقت.
فالصلاة فيها معنى الصيام، ترك الطعام، والشراب، والحركة، والكلام.
فيها معنى الحج أي تتجه بها إلى بيت الله الحرام.
فيها معنى الزكاة أي أنك تقتطع من وقتك وقتاً هو أصل في كسب المال.
وفيها معنى الشهادة تنطق في القعود بالشهادة، أشهد أن لا إله إلا الله.
فيها شهادة وصوم وصلاة وحج، وهي صلاة أساساً.
تعريف آخر: الحج من أجل الصلاة، والصيام من أجل الصلاة، والزكاة من أجل الصلاة:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
أي خطأ يرتكبه الإنسان يشعر أنه حجب عن الله عز وجل به:
إذا قلت لك: إن الدين كله صلاة لا أبالغ، كل أعمالك الصالحة من أجل الصلاة، كل استقامتك من أجل الصلاة، كل غض بصرك من أجل الصلاة، كل ضبط لسانك من أجل الصلاة، كل الأوامر الاجتماعية في السنة النبوية من أجل الصلاة، أنت لا تستطيع أن تتكلم بكلام لا يرضي الله ثم تقوم للصلاة، أنت في حجاب، تشعر بحجاب كبير جداً، طبعاً من ذاق عرف، كل شخص له اتصال مع الله عز وجل يشعر حينما يخطئ أنه حجب عن الله، تعرفها بالبديهة.
لو فرضنا لا سمح الله ولا قدر بائع جاءته امرأة لتشتري، تساهل في إطلاق البصر في محاسنها، أذن المغرب ذهب ليصلي، الله أكبر يحس بحجاب أليس كذلك ؟ إنسان جاءك ليشتري حاجة، أدركت أنه جاهل جهلاً مطبقاً بهذه الحاجة، رفعت السعر ما عرف بعته بسعر مضاعف، تفضل صلِّ، لا تقدر أن تصلي، تحس نفسك كذبت عليه، واستثمرت جهله، هذا غبن المسترسل، لا يعرف، نصحته بهذا اللون هو أسوأ لون، قال لك: اختار لي لوناً، عندك لون كاسد قلت له: هذا أجمل لون، تفضل صلِّ، أقسم لكم بالله هناك دقة بالنفس بالغة، أي خطأ ترتكبه تشعر أنك حجبت عن الله به.
هناك شيخ له درس قال لإخوانه الشباب: إن لكل حسنة ثواب ولكل سيئة عقاب، فبعد أن زلت قدمه بدأ ينتظر العقاب، مضى أسبوع، بيته، زوجته، أولاده، سيارته، لا شيء، أسبوع آخر، أسبوع ثالث، لا شيء، فأثناء المناجاة ـ هكذا تروي الحكاية ـ قال: يا رب، لقد عصيتك فلم تعاقبني ؟ قال: فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك، و لم تدْرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ هذا المؤمن الصادق، الطاهر، المستقيم، الورع، له صلة بالله، سعيد بها كثيراً يرى نفسه أسعد الناس، يشعر أن خالق الكون يحبه، له علاقة طيبة به، هناك ود بينه وبين ربه:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
هذا الود مع المخالفة الشرعية والله الذي لا إله إلا هو ما منكم واحد وأنا معكم إلا وهو يدرك بديهة أن أي خطأ يرتكبه لو والدته قالت له: أنا مضطرة للدواء يا بني، فقال لها: كل الصيدليات مغلقة، فقالت له: حسن، وهو يعلم علم اليقين أن هناك صيدليات مناوبة، لكن قال لها: كل الصيدليات مغلقة، قام ليصلي العشاء يحس بصلة بالله ؟ لا، لأنه رفض أن يخدمها، لو قال لها: حاضر وخرج من البيت، ودار على كل الصيدليات المناوبة، والدواء لم يجده، فرجع أحب أن يصلي، يصلي ؟ لكنه لم يحضر الدواء، لو لم يحضر الدواء بذل جهده.
على كل إنسان أن يحاسب نفسه حساباً دقيقاً:
كل إنسان يحاسب نفسه حساباً دقيقاً، صدق ولا أبالغ، ما من إنسان يخطئ مع إنسان كائناً من كان إلا ويحجب عن الواحد الديان، وأكبر عقاب يعاقب الإنسان به الحجاب:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
أحياناً الإنسان يرتكب مئات الأخطاء في اليوم، فكل خطأ حجاب، إذا اعتبرنا الخطأ قماش، أول خطأ حجاب، ثاني خطأ حجاب، كلما كثرت الأخطاء أصبح الحجاب سميكاً، خرقه بعد ذلك صعب جداً.
فالمؤمن الذي يتعامل مع قلبه تعاملاً دقيقاً جداً كلما شعر أنه حجب عن الله عليه أن يبحث عن السبب، ويتوب من هذا الذنب، ويدفع صدقة حتى تعود له هذه الصلة مع الله عز وجل.
لكن إذا إنسان ما ذاق طعم الوصل يقول لك: أنا أحسن منه، المشكلة من الذي يعرف ضرر الحجاب ؟ الذي ذاق طعم الإقبال.
إنسان أقسم بالله العظيم وهو صادق أن أطيب شيء أكله من الحلويات الدبس، هو ما أكل غيره، فهو صادق، لكن لو أنه ذاق العسل لما أقسم هذا اليمين، إذا شخص ما ذاق طعم القرب يظن الدين هكذا، أما لو ذاق طعم القرب من الله أي خطأ يرتكبه يدفع ثمنه، يحجب.
الاستقامة طريق الإنسان للاتصال بالله عز وجل:
أتمنى أن نصل مع الله إلى هذا الحساب الدقيق، إنسان سألك سؤالاً لم تجبه، طلب منك مساعدة لم تؤدِ هذه المساعدة، استنصحك ما نصحته، طلب أن يستعير حاجة ما، عندك هذه الحاجة لكن كذبت عليه، كل خطأ ترتكبه تشعر أنه صار هناك حجاب بينك وبين الله، فالبطولة أن يكون الخط مفتوحاً مع الله.
إذا شخص عنده هاتف من أقدم أنواع الهواتف لكن هناك خط فيه ونة، ممتاز، و هناك هاتف أغلى أنواع الهواتف لكن لا يوجد خط رفع السماعة لا يوجد شيء، أي أفضل ؟ نريد ونة، نريد خطاً مفتوحاً مع الله عز وجل، الخط المفتوح مع الله هو الاستقامة، في كذب، في تقصير، في احتيال، في غدر، في تصريح كاذب، في إيهام، في حجاب، أي ورد في بعض الآثار: يا رب، لقد عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال: عبدي عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك.
الدين مجموعة قيم أخلاقية و الصلاة هي الدين كله:
أيها الأخوة الكرام، إذا كانت الاستقامة كلية من كليات الدين من أجل السلامة، والعمل الصالح كلية من كليات الدين من أجل السعادة، والتفكر كلية من كليات الدين من أجل أن تزداد معرفة بالله، بقي الصلاة هي الدين كله.
لا خير في دين لا صلاة فيه، أعظم ما في الدين الصلاة، لذلك تجد المؤمن ترتاح له، صادق أمين.
كما قال الإمام جعفر رضي الله عنه:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
هذا الدين، الدين مجموعة قيم أخلاقية، أي تضع هرمونات مسرطنة للنبات تجد الحبة كبيرة، فيها أكياس فارغة هوائية، سعرها أغلى، وقوامها أجمل، لكنها مسرطنة وتصلي ؟ مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يسمح الله لك أن تتصل به وأنت تؤذي عباده.
تعلموا الدين بشكل عملي، أنت تغش، تكذب، تحتال، تأخذ ما ليس لك، تستغل جهل الشاري، تبيعه بضاعة غالية جداً من نوع سيئ جداً، فأنت تستطيع أن تصلي، و أن تتوضأ، و أن تقف تقرأ الفاتحة وتركع وتسجد، أي بإمكانك أن تؤدي حركات الصلاة وما يقال في الصلاة، وأن تركع، وأن تسجد، أما أن تتصل بالله والله مستحيل وألف ألف مستحيل.
أن تؤذي المسلمين، أن تغش المسلمين، أن تأخذ ما ليس لك، أن تبني حرفتك على إفساد أخلاق المسلمين، هناك حرف كثيرة أساسها إفساد أخلاق المسلمين، أو إفساد أخلاق الشباب، وأنت تصلي، أنت تؤدي الصلوات ولا تصلي، أو الأصح من ذلك أن تؤدي الصلوات ولست متصلاً بالله، ولن يسمح الله لك أن تتصل به إذا كنت مؤذياً لعباده كائناً من كان:
(( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ))
مَنْ غَشَّ.
كل معصية حجاب عن الله عز وجل:
هذا الفهم السقيم أنني أنا أفعل ما أشاء ولكن أصلي وعندما أصلي ينتهي كل شيء، لا لم ينتهِ شيء، لم تفعل شيئاً إن لم تستقم على أمر الله، كأنه الآن ارتبط أول موضوع من كليات الدين بآخر موضوع من كليات الدين، ما لم تستقم على أمر الله لن يسمح الله لك أن تتصل به، كل معصية حجاب عن الله عز وجل، والآية التي تقصم الظهر:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
أتمنى أن تملك حساسية فائقة مع الله، اليوم الصلاة ما كنت مرتاحاً لها، يبدو أنني قبل الصلاة تكلمت كلاماً لا يليق، أو تكلمت مع إنسان كلمة قاسية، أو فيها استعلاء، أو فيها تصغير لشأنه، فالله عاقبني بالحجاب.
عفواً المؤمن غالٍ على الله، أحياناً يعاقبه بالحجاب فقط، ويمكن أن يعاقبه بمصيبة، بمرض، لكن الذي له صلة بالله سابقاً، وعنده حساسية فائقة يكفي الحجاب، إذا كان لك ابن تربيته عالية جداً، لا يوجد داع لضربه، يكفي أن تدير وجهك عنه، يبكي، إذا ابن سيئ جداً يحتاج إلى ضرب.
إذاً: الله عز وجل يعامل المؤمن بالحجاب، فالإنسان أيها الأخوة، إذا قرأ قرآناً و لم يشعر بشيء، ذكر الله ولم يشعر بشيء، صلى ولم يشعر بشيء عنده مشكلة كبيرة، يراجع حساباته، يراجع دخله وإنفاقه، يراجع بيته وبناته، يراجع زوجته وعلاقاته، أين الخلل ؟ الخلل كان حجاباً بينك وبين الله عز وجل.
الاستقامة كلية كبيرة، والعمل الصالح كلية كبيرة، والتفكر في خلق السماوات والأرض من أجل أن تزداد معرفتك بالله كلية كبيرة، وصار الاتصال بالله كلية كبيرة.
الموضوع العلمي:
اتخاذ بعض الدول الصقر كشعار لها:
الموضوع العلمي أيها الأخوة الكرام، شيء يلفت النظر، معظم الدول تتخذ شعاراً لها الصقر، نحن كسوريا الشعار السوري صقر، مصر صقر، دول كثيرة جداً شعار الدولة الصقر، هل خطر في بالكم لماذا ؟ هناك بحث عن الصقر يلفت النظر، قال: إن من أخلاق الصقر التناصر، ينصر أخوانه الصقور لا يخذلهم، هو رمز للإباء، يحمي بني جنسه يدافع عنهم ، إذا استغنى ترك، لهذا السبب تتخذ بعض الدول الصقر شعاراً لها.
من أخلاق الصقر أنه يقبل التعلم، وهو يجد متعة عندما يشعر أن مدربه راض عنه، في بعض الدول في الخليج الصقر شيء مهم جداً، وله أثمان فلكية، يبدو له أخلاق عالية جداً.
من أخلاق الصقر أنه لا يرضى بالذل، عزيز، لا يرضى بالغدر، إذا احتاج أخذ وإذا استغنى ترك، يعامل أنثاه في منتهى الرقة، والمجاملة، محب لفراخه، غيور على أبنائه، الله يجعل المسلمين كالصقر، ما هذه الأخلاق ؟ التناصر، رمز الإباء، يحمي بني جنسه، يدافع عنهم، إذا استغنى ترك، يقبل التعلم، يجد متعة عندما يشعر أن مدربه راض عنه، لا يرضى بالذل، لا يرضى بالغدر، إذا احتاج أخذ وإذا استغنى ترك، يعامل أنثاه في منتهى الرقة والمجاملة وهو محب لفراخه، غيور على أبنائه.
أخلاق المؤمن من تكاليف الله التعبدية و أخلاق الصقر من أفعال الله التكوينية:
هل عرفتم لماذا شعار بلدنا الصقر ؟ إن شاء الله نكون كذلك، طبعاً بالمناسبة أخلاق الصقر ليست من أفعاله التكليفية، من أفعال الله التكوينية، أي ليس له أجر، هكذا صممه الله، أما أنت إذا كنت صادقاً، وأميناً، ومحباً لأسرتك، رقيقاً في معاملة زوجتك، محباً لأولادك، هذا فعل تكليفي كلفت به فنجحت به، هناك فرق كبير جداً.
خلية النحل فيها نظام مذهل، لكن هذا النظام من فعل الله لا من اجتهاد النحل، مجتمع النحل مجتمع لا يصدق بالانضباط والمسؤولية، هذا من فعل الله التكويني لا من أمره التكليفي، الله أمرنا أن نكون صادقين، إذا صدقنا لنا أجر كبير، نحن أحرار، نحن مخيرون، نحن مكلفون، فإذا نفذنا ما كلفنا به ارتقينا عند الله، فرق كبير جداً، أخلاق الصقر من أفعال الله التكوينية، أما أخلاق المؤمن من تكاليف الله التعبدية، الله عز وجل قال:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
اختلال التوازن في البيئة نتيجة تبديل خلق الله عز وجل:
مرة هناك صقور أتعبت بعض المزارعين، تنقض على فراخ الدجاج فتأكلها، الدولة وضعت مكافأة لكل من يقتل صقراً، بعد أشهر عديدة معظم الصقور قتلت فظهرت الفئران التي أكلت أكثر المحاصيل، وغاب عن الناس أن هناك توازناً في البيئة بين المخلوقات.
نحن الآن عندنا مشكلة كبيرة جداً في المزروعات، عندنا أمراض في النبات ليست معقولة إطلاقاً، في الذبابة البيضاء، الآن عادوا إلى المبيدات الحيوية، الله عز وجل جعل لكل حشرة زراعية حشرة أخرى تنقض عليها فتأكلها، فلما استبدلنا المبيدات الحيوية بالمبيدات الكيماوية اختل التوازن، لذلك احفظوا هذه الآية من صفات آخر الزمان أنهم يبدلون خلق الله.
أيها الأخوة الكرام، أسأل الله لي ولكم التوفيق والنجاح.