- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
قراءة التعبد و قراءة التدبر:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي، ولا زلنا في الحديث عن القرآن الكريم، وقد وصلنا إلى موضوع التدبر.
قبل أن أتابع هذا الموضوع أذكركم أن هناك قراءة تعبد، وأن هناك قراءة تدبر، والفرق بينهما كبير جداً، يمكن أن تقرأ كل يوم جزءاً هذه قراءة تعبد، أما حينما تكتفي بآيتين أو ثلاث وتتعمق في فهمهما، وتعرض نفسك عليهما أين أنت منهما ؟ وتحاسب نفسك حساباً دقيقاً حول مدى تطبيقهما، فأنت الآن تقرأ القرآن قراءة تدبر، والله عز وجل يقول:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ﴾
أيها الأخوة، وأتمنى أيضاً وأنت في قراءة التدبر أن تكتب، أو أن تضع إشارات على أحد المصاحف، أحياناً يأتي أمر تحته خط أخضر، يأتي نهي تحته خط، تأتي آية كونية بلون ثالث، أنت أحياناً حينما تقرأ وتفرز آيات القرآن الكريم إلى آيات كونية، وآيات الأمر والنهي، فهذا من أنواع التدبر الذي أمرنا به.
أنواع التدبر:
الحقيقة التدبر أنواع، تدبر تسلسلي: أن تقرأ القرآن الكريم وفق التسلسل الذي في المصحف، وهناك تدبر موضوعي، والحديث اليوم عن التدبر الموضوعي، أي تختار موضوعاً للقرآن الكريم تتقصاه، والآن أيها الأخوة، برامج القرآن الكريم في الكومبيوتر شيء مذهل، أي اسأله سؤالاً عن التقوى، ابحث عن هذه الكلمة في القرآن كله، والآن على الجوالات هناك قرآن كريم وبحث، تأتيك الآيات كلها، أنت إذا تأملت آية آية رأيت الأبعاد الكلية للتقوى.
ذلك التدبر الموضوعي أن تختار موضوعاً، من هذه الموضوعات التقوى، من هذه الموضوعات قوانين القرآن الكريم، فالقوانين تدبر، وإن الله يحب موضوع تدبر، يا أيها الذين آمنوا موضوع تدبر.
والله هناك موضوعات لا تعد ولا تحصى يمكن أن تتقصاها على جهاز الكومبيوتر، أو في أي موسوعة، أو حتى بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، موضوع الإنفاق، أبعاد الإنفاق، أنواع الإنفاق.
عبادة الله عز وجل طريق الوقاية من الضلالات و الفتن و الشبهات:
أنا في هذا اللقاء الطيب اخترت لكم موضوعاً نموذجياً عن التقوى، كيف أتدبر القرآن الكريم تدبراً موضوعياً ؟
الدنيا تضر وتغر وتمر، الدنيا فيها شهوات مستعرة، فيها فتن يقظة، فيها نساء كاسيات عاريات، فيها أموال طائلة، والمال محبب، فيها فتن، فيها ضلالات، فيها شهوات، فيها صوارف، فيها عقبات، الإنسان كيف يتقي الشهوات ؟ كيف يتقي الشبهات ؟ كيف يتقي الضلالات ؟ كيف يتقي أن تزل قدمه فينغمس في الملذات المحرمة ؟ كيف يتقي غضب الله ؟ كيف يتقي سخط الله ؟ الآية الأولى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
إذاً طريق الوقاية من الضلالات، من الشبهات، من الفتن، الدنيا خضرة نضرة سمها في دسمها، المال يغري، المرأة تغري، الفتن مستعرة، كيف أتقي هذه الشهوات ؟ هذه الشبهات ؟ هذه الضلالات ؟ هذه الفتن ؟
(( يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ))
أيها الأخوة، عن طريق عبادة الله، هذه أول آية إن أردت النجاة، إن أردت أن تتقي، إن أردت أن تنجو من كل هذه الضلالات الفكرية، من كل هذه الشبهات في العقيدة، من كل هذه الشهوات المنحرفة، الله عز وجل بشكل واضح جداً يؤكد لك أنه ما من شهوة أودعها الله فيك إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، والدليل:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف، الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، أيها الأخوة، هذه آية.
العاقل من اتقى الله عز وجل الذي بيده الأمر و الخلق كله:
الآن: هذا الإله العظيم واجب الوجود، كامل الوجود، واحد الوجود، كامل وواحد وموجود، أسماؤه حسنى، صفاته فضلى:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
بيده الخلق والأمر:
﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
أيعقل أن تتقي غيره ؟ أيعقل أن تخاف من إنسان ولا تخاف من الواحد الديان ؟ أيعقل أن تعقد الأمل على إنسان وتنسى الإله العظيم الذي أمره كن فيكون ؟
المعنى الثاني أفغير الله تتقون ؟ أي هل من المعقول أن تخشى الناس والله أحق أن تخشاه ؟ أتطيع إنساناً من جلدتك لأن علمه يطولك، ولأن قدرته تطولك، تطيعه وترجو رضاه ولا تطيع الواحد الديان ؟!
يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها، لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً ما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أجهلك.
الآية الثانية:
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) ﴾
أيليق بك أن تخاف من غير الله ؟ أيليق بك أن ترضي مخلوقاً وأن تعصي خالقاً؟ طبعاً الإله نحن بيده، نحن في قبضته، كن فيكون زل فيزول، كل مكانة الإنسان تنتهي بتجمد خثرة من الدم في دماغه، فيصاب بالشلل، أو بفقد البصر، أو بفقد الذاكرة:
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) ﴾
على الإنسان عبادة الله تعالى لأنه أهل التقوى و أهل المغفرة:
الآية الثالثة دقيقة جداً، أنت طبعاً ينبغي أن تتقي الله لأنك في قبضته، ولأن مصيرك عنده، ولأن إيابك إليه:
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾
أنت ينبغي ألا تتقي الله لأنك في قبضته، بل لأنه أهل التقوى وأهل المغفرة، القضية ليست قضية قهر، قضية كمال.
أحياناً إنسان أنت لا تحبه أبداً لكن قوي، وأمرك بيده، تطيعه خوفاً ولا تحبه، الله عز وجل فضلاً عن أنك بقبضته، حياتك بيده، واستمرار حياتك بيده، وصحتك بيده، وقلبك بيده، ونمو الخلايا بيده، ومن حولك بيده، وزوجتك بيده، وأولادك بيده، الأقوياء بيده، والطغاة بيده، من تحتك بيده، رغم كل ذلك هو:
﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56) ﴾
و كامل:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾
عبادة الله أصل النجاة من فتن الدنيا:
انظر المعاني، إن أردت أن تنجو من فتن الدنيا فاعبد الله:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الآن أيعقل أن تعبد غير الله ؟ تطيع الضعيف وتعصي القوي ؟ تطيع اللئيم وتعصي الرحيم ؟
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) ﴾
المعنى الثالث ينبغي أن تتقي لا لأنك في قبضته، ولا لأنك مقهور عنده، لا، لأنه أهل التقوى وأهل المغفرة، هذا المعنى الثالث، هذه قراءة تدبر.
معرفة الله عز وجل طريق الإنسان لاتقاء غضبه و التماس رضاه:
تناولت موضوعاً في القرآن الكريم كله لكن متى تتقي الله ؟ هنا السؤال، الآية الرابعة متى تتقي الله ؟ قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ﴾
ينبغي أن تؤمن حتى تتقي الله، أنت هل فكرت بالكون ؟ هل فكرت بآياته الكونية و التكوينية و القرآنية ؟ فالله عز وجل لا تخافه لأنك لا تعرفه، لا ترجو ما عنده لأنك لا تعرفه، قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ﴾
يجب أن تؤمن حتى تتقي.
التفكر في آيات الله عز وجل طريق الإنسان لمعرفة الخالق سبحانه:
في مرة من المرات هناك طالب أرعن، قال لي: أنا لا أخاف من الله، قلت له: أنت معك الحق، فانزعج أكثر، قال لي: ما السبب ؟ قلت له: أحياناً الفلاح يأخذ ابنه الصغير عمره سنتان إلى الحصيدة، يضعه بين سنابل القمح، يمر ثعبان طوله عشرة أمتار، لا يخاف منه، لأنه لا يدرك الخطر المحيط به، من أين يأتي الخوف ؟ من الإدراك، إن لم يكن هناك إدراك فلا يوجد خوف.
إذاً ينبغي أن تؤمن، ينبغي أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، ينبغي أن تنظر في آيات الله الدالة على عظمته، ينبغي أن تنظر في آياته التكوينية، وأن تتفكر في آياته الكونية، وأن تتدبر آياته القرآنية، لتعرفه.
مثلاً تأتيك ورقة من البريد تعال الخميس الساعة العاشرة، تتسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك شعرة بجسمك، وقد لا تذهب أصلاً، تأتيك ورقة صغيرة من فرع ما، أربعة أيام لا تنام، ما الفرق ؟ تعرف ما معنى الورقة الثانية، الثانية غير الأولى، لذلك متى تتقي الله ؟ حينما تعرفه:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ﴾
هذا معنى رابع.
لآن: نقص الغذاء، نقص الأمطار، التصحر، المعدلات لم تصل إلى المطلوب، لكن فضل الله عز وجل كبير علينا، و الأمطار التي نزلت للبهائم الرتع، والأطفال الرضع، والشيوخ الركع، أما غيرهم لا يستحقون هذه الأمطار.
التقوى طريق الأمطار و الرخاء و الخصب:
على كلٍّ النقطة الدقيقة التي أتمنى أن تكون واضحة عندكم:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
صارت التقوى طريق الأمطار، طريق الرخاء، طريق الخصب، طريق الأرض الخضراء، طريق الغلات الوفيرة، و كلكم يعلم أن هذا الفضل لله عز وجل.
إنتاجنا من القمح في هذا البلد الطيب ستة ملايين طن، ونحن بحاجة إلى طن واحد وعندنا ستة أضعاف حاجتنا، هناك سنوات لم يصل المحصول إلى ستمئة ألف، فلأول مرة نشتري قمحاً، التقوى طريق الخير، طريق الرخاء:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾
قرآن، كلام الواحد الديان.
عظمة هذا الدين أنه دين أمة ودين فرد:
بصراحة هذا الدين العظيم دين أمة، لو أن الأمة شردت عن الله ما الذي يحصل ؟ لو أن الفرد وحده طبقه لقطف ثماره، عظمة هذا الدين أنه دين أمة ودين فرد، الناس شردوا خير إن شاء الله، أنت عليك من نفسك، استقم على أمر الله، اتقِ الله يجعل الله لك مخرجاً.
أيها الأخوة، طريق التقوى أن أعرفه، كيف أعرفه ؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) ﴾
من أجل أن تتقيه ينبغي أن تعرفه، من أجل أن تعرفه ينبغي أن تتفكر في آيات الله في الآفاق وفي النفس، صارت آياته الكونية طريق معرفته، وآياته القرآنية طريق معرفته، قال تعالى:
﴿ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(28)﴾
أنت مع بحث دقيق جداً، الكون يوصلك إلى التقوى، والقرآن يوصلك إلى التقوى، والإله العظيم أهل للتقوى والمغفرة، ولا ينبغي أن تتقي غيره:
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) ﴾
ومن أجل أن تسلم ينبغي أن تكون متقياً.
الله عز وجل يُعلم الإنسان من خلال الكون و القرآن و النبي و الأحداث:
الآن الله عز وجل علمنا بهذا الكون، علمنا بهذا القرآن، علمنا بالنبي العدنان، علمنا بأفعاله، علمنا بأحوالنا، علمنا في نومنا، في صحونا، آياته في كل مكان، قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (282) ﴾
الآية لها معنى دقيق، واتقوا الله لأن الله يُعلمكم دائماً، أو: كيف لا تتقون الله والله يُعلمكم ؟ يُعلمك بالكون، يُعلمك بالقرآن، يُعلمك بالأنبياء، بالدعاة، بدروس العلم، بخطب الجمعة، بالأحداث، بالأمطار، بالقحط، بالجفاف، بالرخاء، بالحروب، الله يعلمنا دائماً:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (282) ﴾
لأنه يُعلمكم دائماً عليكم أن تتقوه، هذا من معاني التقوى.
وسائل التقوى:
1 ـ ضبط اللسان:
الآن ما طريق التقوى ؟ هذا اللسان، الإمام الغزالي عدّ أربعين باباً من أكبر أبواب المعاصي، أساسها اللسان:
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
كلمة، السيدة عائشة وصفت أختها صفية بأنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام:
(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
ذلك الآية الكريمة:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71) ﴾
أحد وسائل التقوى ضبط اللسان:
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ))
مثلاً يقول إنسان لك: أصلي صلاة ليس لها معنى، أذكر الله لا أتأثر، أقرأ القرآن لا أخشى، ما السبب ؟ أنا جوابي لأنك في بيئة غير صالحة، لك أصدقاء غير صالحين، يدعونك للشهوات، يدعونك إلى حب الدنيا، يزهدونك في الآخرة، يقللون خشية الله في قلبك، طريق التقوى، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أصدقاؤك، أحبابك، أين تجلس ؟ مع من تسهر ؟ مع من تسافر ؟
(( لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
﴿ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
هذه قراءة التدبر، التدبر تسلسلي أو موضوعي، أنا قدمت لكم نموذجاً للتدبر الموضوعي.
2 ـ العمل الصالح:
يا ترى هل هناك وسائل نتوسل بها كي نصل إلى الله وإلى التقوى ؟ نعم، الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) ﴾
أول آية بالتقوى،
﴿ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾. الآن ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) ﴾
الوسيلة العمل الصالح، أنفق مالك، قدم خدمات لمن حولك تبتغي بها وجه الله، أو كن مع الصالحين، صحبة الصالحين وسيلة إلى الله، العمل الصالح وسيلة، إنفاق المال وسيلة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35) ﴾
الصبر و التقوى طريقا الإنسان للوصول إلى الإيمان الحقيقي:
لكن لا تتصور بسذاجة أن طريق الإيمان طريق كله ورود، كله رياحين، كله إكرام، كله سرور، كله أشواق، لا، هناك امتحانات صعبة، هناك متاعب أحياناً، هناك امتحان يزلزل منه الإنسان:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) ﴾
لذلك الآية الكريمة:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) ﴾
على الإنسان أن يبذل كل جهده و وقته و طاقاته للوصول إلى ما عند الله:
لآن النجاة بالتقوى، أن تعطيها بعضك، بعض جهدك، بعض اهتمامك، بعض وقتك، كي تصل إلى شيء، الله عز وجل يقول:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) ﴾
أبذل كل الجهد، كل الوقت، كل الطاقات، ابذل ما عندك كي تصل إلى ما عند الله عز وجل:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) ﴾
كل آية من آيات التقوى تعطي معنى فرعياً للتقوى، لابدّ من بذل كل الجهد، لذلك قالوا: العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
الله سبحانه و تعالى يعطي كل إنسان على نيته:
أيها الأخوة، أنت حينما تخطو الخطوة الأولى في طريق التقوى يعطيك الله عز وجل أجر آخر الطريق، أي إنسان أدركه الموت وهو في طريق الإيمان له عند الله كل ما أعد للمؤمنين الصادقين، لذلك:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) ﴾
الإنسان يعطي على الإنجاز، أما الواحد الديان يعطي على النية، فأنت سلكت طريق التقوى وفي وقت مبكر غادرت الدنيا، لك عند الله أجر كما لو وصلت إلى آخر الطريق:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) ﴾
مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا من كل شيء يصيبه:
الآن الأمور ميسرة، هناك توفيق بالزواج، توفيق باختيار الزوجة، توفيق بتربية الأولاد، توفيق بالعمل، نجاح بالعمل، نجاح بالصحة، لك مكانة، لك سمعة، قال الله عز وجل:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
شيء مغرٍ،
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
فإن أصبت بمشكلة عويصة، أو عدو لدود، أو شبح مرض، أو أزمة خانقة، يقول الله عز وجل لك:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
هذه الآية يكتب عليها مجلدات،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تربية أولاده
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من عقوقهم
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من الشقاء الزوجي،
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في كسب مال
﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
من إتلاف ماله، لكن التقوى ينبغي أن تكون حق تقاته:
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره.
من ثمار التقوى الرائعة نور يقذفه الله في قلب المؤمن يرى فيه الخير خيراً والشر شراً:
لآن من ثمار التقوى الرائعة نور يقذفه الله في قلبك، ترى فيه الخير خيراً والشر شراً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
نور بقلبك، وإذا أردت أن تكون في أعلى مستوى، أن تكون متفوقاً، ناجحاً، فاتق الله:
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل
***
لذلك قالوا: إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله، وإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.
من أحبّه الله أيده و نصره و حفظه و وفقه:
الآن هل هناك من مقام يفوق مقام أن يحبك الله أي تكون محبوباً ؟ قال تعالى:
﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(76) ﴾
ولأنه يحبهم هو وليهم، يدافع عنهم:
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ(19) ﴾
ولأنه يحبهم فهو معهم، ومعية الله تعني النصر، والتأييد، والحفظ، والتوفيق:
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾
إن أردت النجاح، والفلاح، والتفوق، وأن تكون الأول في الدنيا:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189) ﴾
إن أردت فوزاً لا نهاية له:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
إن أردت أن تكون شاكراً لله، قال تعالى:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ﴾
أيها الأخوة الكرام، هذه التقوى، هذا تدبر موضوعي، يمكن أن تختار آلاف الموضوعات تتقصاها في القرآن الكريم، كل آية تعطيك معنى فرعياً، هذا علم كبير، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على التقوى، لأنها سبيل النجاة من عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.
الموضوع العلمي:
" الضغط " القاتل الصامت:
ننتقل إلى موضوع آخر هو: الموضوع العلمي.
هناك مصطلح عند الأطباء هو الضغط، القاتل الصامت، خطورة الضغط المرتفع أنه ليس له أعراض أبداً، وقلّما يكون له أعراض، أحياناً الإنسان يفحص ضغطه يقول لك: 12/18، يشهق الطبيب.
هذا الضغط المرتفع يسبب شللاً، أو خثرة بالدماغ، أو فقد بصر.
من أدق ما قرأت عن هذا الموضوع أن الإنسان عندما يصلي ـ عندنا شيء اسمه ضغط الشرايين بالدماغ ـ أثناء السجود يرتفع ضغط الشرايين، فالدم يهجم إلى الرأس بحسب الجاذبية، وحينما يرفع الإنسان رأسه فجأة الضغط ينخفض، من ارتفاع الضغط وانخفاضه في أثناء الصلاة بشكل مستمر تنشأ حالة اسمها مرونة الشرايين، هذه المرونة تحتمل ارتفاع ضغط مفاجئ.
أحياناً الإنسان يصاب فجأة بخثرة في الدماغ، أو بفقد بصره، نتيجة ارتفاع عالٍ جداً في الضغط، فالدماغ لم يحتمل هذا الارتفاع، فانفجر شريان فيه، لذلك قالوا: الركوع والسجود في اليوم والليلة عشرات المرات بل بضع عشرات المرات هذا يسبب حالة في الأوعية اسمها مرونة الشرايين، وهذه المرونة تحتمل أحياناً ضغطاً يقدر باثنين و عشرين، وبلا مرونة قد يكون الضغط 18 كافٍ لانفجار بعض الأوعية في الدماغ.
الصلاة صحة:
لذلك الصلاة صحة، أنا أذكر أن هناك امرأة شاردة عن الله عز وجل، تعاني من شقيقة مزمنة، آلام بالرأس مستمرة، وهي ميسورة الحال، فسافرت إلى بلد أوربي، والتقت بأكبر طبيب في هذا الموضوع اختصاصه الشقيقة، قال لها: هل أنت مسلمة ؟ قالت: نعم، قال: أتصلين ؟ قالت له: لا، فقال لها: صلِّي يذهب ما بك، فغضبت، قالت له: جئت من آخر الدنيا إليك وتكلفت مبالغ فلكية لتقول لي صلي ؟ شرح لها ما معنى الصلاة، عندما تصلي يصبح هناك ضغط مرتفع في أوعية الدماغ، هذا الضغط المرتفع يسهم بتوسيع الأوعية، وأحد أسباب الشقيقة ضعف التروية في الدماغ، فلذلك السجود له شأن كبير.
فضل الركوع و السجود:
وأنا اطلعت على موضوع في الديانة المسيحية لفت نظري، أن صلاتهم كصلاتنا سابقاً فيها ركوع وسجود وعلى الأرض، وهذه المقاعد التي في الكنائس مستحدثة، أي بتعبيرنا الإسلامي بدعة، فالمقاعد ليست واردة في أصل الكنائس.
إذاً الركوع والسجود فضلاً عن أنهما عبادة لله، وخضوع له، فهما في الحقيقة صحة.
أذكر أن هناك حالة اسمها سرطان الرحم، و هي حالة خطيرة جداً تصيب الرحم، المسلمات بشكل أو بآخر لا يصابون بهذا المرض أبداً، مرة سألت عن الموضوع فقال: إن التمرينات التي تنصح بها المرأة المصابة بسرطان الرحم تشبه الصلاة تماماً.
بل إنني عثرت على موضوع لطيف جداً هو أن البلاد المتفوقة في الرياضة ـ أعتقد الدول الاسكندينافية ـ هؤلاء الرياضة عندهم شيء كبير جداً، فأرادوا أن يضعوا تمرينات صالحة للكبير، والصغير، والرجل، والمرأة، ولكل الأوقات، فكانت هذه التدريبات تشبه بشكل مذهل حركات الصلاة.
أنت بمجرد أن تصلي تقوم بتمرين معتدل يومي خمس مرات، تحرك به كل العضلات، فلذلك السجود من ثماره اليانعة أنه يضعف أو يزيل الشقيقة، و الضغط المرتفع إذا ارتفع مع إنسان يصلي أوعيته الشريانية تكون مرنة نتيجة الصلاة فلا يتأثر بشكل كبير.
بالمناسبة الإنسان عمره من عمر شرايينه، أوعيته في الدماغ مرنة هذه المرونة من أين جاءت ؟ من ارتفاع الضغط المفاجئ في السجود وانخفاضه المفاجئ في الوقوف، هذا الارتفاع والانخفاض يشكل مرونة، هذه المرونة تحتمل ارتفاع الضغط، فلذلك أيها الأخوة الكرام:
﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(238) ﴾