- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠7حقائق الإيمان والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
البشر على اختلاف نحلهم ومللهم وأنسابهم هم عند الله نموذجان لا ثالث لهما:
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس حقائق الإيمان والإعجاز العلمي.
و الحديث اليوم عن كليات الدين، من هذه الكليات أن هؤلاء البشر على اختلاف نحلهم، ومللهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، وتياراتهم، وانتماءاتهم، لا يزيدون عند الله عن صنفين، التقسيمات البشرية لا تعد ولا تحصى، لكن كل هذه التقسيمات لم يعتمدها الله عز وجل، في القرآن الكريم اعتمد تقسيمين، قال تعالى:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
العلم قيمة كبيرة اعتمدها القرآن الكريم، والعمل قيمة كبيرة أيضاً اعتمدها القرآن الكريم، وأقول لكم: أية أمة حينما تعتمد هاتين القيمتين ترقى، هاتان القيمتان موضوعيتان، أما حينما تعتمد قيماً انتمائية تتأخر، ومعظم الدول المتخلفة لا تعتمد قيماً موضوعية في ترجيح الناس، تعتمد قيماً انتمائية، هذا خطأ كبير، أنت معلم، يوجد عندك خمسين طالباً، العريف أفضل طالب، المجتهد، الملتزم، المنضبط، لكن قريب زوجتك بين الطلاب، من أجل زوجتك عينته عريفاً، أنت اعتمدت مقياساً انتمائياً ولم تعتمد مقياساً موضوعياً، هذا ملخص الملخص.
حجم الإنسان عند ربه بحجم معرفته بالله وعمله الصالح:
لذلك الله عز وجل قال:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
مقياس العلم:
﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾
المقياس العمل، أي حجمك عند الله بقدر معرفتك، وبقدر عملك، أبيض، أسمر، أسود، ريفي، مدني، من هذا البلد، من ذاك البلد، كل هذه الانتماءات لا قيمة لها عند الله عز وجل، والدليل:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
أي بحسب السلم الاجتماعي سيدنا الصديق من أعلى أرومة قريش، وبلال الحبشي عبد أسود لا ينتمي لقريش، أما أن يضع الصديق يده تحت إبط بلال ويقول: هذا أخي حقاً، والصحابة الكرامة إذا ذكروا الصديق يقولون: سيدنا و أعتق سيدنا.
سيدنا عمر يأتيه خبر أن بلالاً في طريقه إلى المدينة، خرج إلى ظاهرها لاستقباله، هذا الإسلام،
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
وعلى مستوى أسرة، على مستوى بلدة، على مستوى قرية، على مستوى أمة، حينما نعتمد مقاييس موضوعية نرقى، وحينما نعتمد مقاييس انتمائية نتخلف.
الناس رجلان:
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة:
الشيء الثاني من كليات الدين أن البشر على اختلافات انتماءاتهم لا يزيدون عند الله عن صنفين، صنف عرف الله، من لوازم معرفة الله أنه انضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وصنف آخر غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد صنفاً ثالثاً، والدليل:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) ﴾
2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة:
كذب أنه مخلوق للجنة، آمن بالدنيا وكفر بالآخرة، واستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾
هذا التقسيم الإلهي ولا تقسيم آخر.
بطولة الإنسان أن يتعامل مع الله مباشرة وألا يعبأ بتقييمات البشر:
أيها الأخوة، يقول لك: الأنجلو سكسوني، السامي، الآري، الأبيض، الأسود، دول الشمال، دول الجنوب، الدول الغنية، الدول الصناعية، الدول الفقيرة، والدول المتخلفة، والدول النامية أو النائمة، هذه تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، لم يعتمدها القرآن الكريم.
أيها الأخوة، فالبطولة أن تتعامل مع الله مباشرة، وألا تعبأ بتقييمات البشر، فمن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، أي بشكل أو بآخر معك كيلو من الذهب الخالص، لو أن الناس توهموا أنه معدن خسيس، من الرابح ؟ أنت، وإذا معك كيلو معدن خسيس وأوهمت الناس بذكاء كبير أنه ذهب من الخاسر ؟ أنت، أقنعت الناس أو لم تقنعهم أنت الرابح وأنت الخاسر ولا علاقة للناس بك.
مرة أخ سألني عن رجل له دعوة، أنا لا أحب أن أقول عن أحد شيئاً لكن أكدت له حقيقة خطيرة، قلت له: لو أتيح لك أن تلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، المخلوق الأول، الذي أوحى الله إليه، أعطاه القرآن، أعطاه المعجزات، أعطاه الفصاحة والبيان، أعطاه جمال الصورة، أعطاه أعلى درجة من القرب، إن التقيت به ولم تطبق تعليماته إطلاقاً هل انتفعت منه ؟ لا، طبعاً المثل حاد، لو التقيت بإنسان له دعوة لكنه في الحقيقة كذاب، دجال، نصاب، لكن لا تعلم ذلك، قال لك: يا بني استقم، فاستقمت، قال لك: كن صادقاً، صدقت، من هذا المنحرف الجاهل الذي يبتز أموال الناس و يأكل الدنيا بالدين انتفعت منه أو لم تنتفع ؟ ماذا يستنبط ؟ يستنبط أن العبرة أنت لا من تأخذ عنه العلم، لأن الذي يتكلم له حساب والمستمع له حساب، المتكلم يحاسب هل أنت مطبق ما تقول ؟ والمستمع يحاسب هل طبقت ما سمعت ؟ فحساب المتكلم غير حساب المتلقي، هذه الأمور الواضحة الجلية حينما تستوعبها تكون قد قطعت طريقاً إلى الله عز وجل.
الله عز وجل ما خلق الإنسان إلا ليرحمه:
لكن فاتني أن أقول لكم الرد الإلهي:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
الله عز وجل يسيره لما خلق له من السعادة، الله عز وجل قال:
﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم، فأنت حينما تؤمن بالجنة، وتتقي أن تعصي الله، وتبني حياتك على العطاء، بالمناسبة فكرة أرددها كثيراً، هؤلاء البشر أيضاً صنفان، صنف يعد من أتباع الأقوياء، وصنف يعد من أتباع الأنبياء، أتباع الأقوياء بل الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي.
أقول لك بشكل مباشر: من أين تستمد قوتك من كمالك أم من سلطتك ؟ شرطي معه دفتر ضبط قوي، يستمد قوته من هذا الدفتر، والمؤمن قوي بأخلاقه، يستمد قوته من أخلاقه، أنت اسأل نفسك سؤالاً محرجاً من أين أستمد قوتي ؟ من مكارم الأخلاق أو مما أملك من سلطة ؟ أتباع الأنبياء وأتباع الأقوياء.
التيسير و التعسير:
لذلك الأول:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
صدق ولا أبالغ ما من شيء يسعد الإنسان كالتيسير، زواجه ميسر، أولاده تسهل عليه تربيتهم، زوجته يسلس قيادها، عمله مريح، صحته جيدة، سمعته طيبة، هذا التيسير، صحة، وكفاية، ومكانة، ونجاح، وتوفيق، شيء مريح جداً، والدليل:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾
أيها الأخوة، أنت حينما تصدق بالحسنى، تصدق أنك مخلوق للجنة، تنقل إلى الآخرة اهتماماتك، حينما تبني حياتك على العطاء، وحينما تتقي أن تعصي الله، الرد الإلهي، التكريم الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
وصدق ولا أبالغ ما من شيء يزلزل النفس كالتعسير، مضطر أن يلتقي بفلان، ينتقل إليه من سيارة إلى سيارة، ويصل الآن خرج، يسافر إلى مكان الأخ الذي على موعد معه سافر، هذه الآلة تعطلت أصلحها في خطأ بالتصليح، لذلك الرد الإلهي لإنسان آمن بالدنيا وكفر بالآخرة الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
التعسير مؤلم جداً والتيسير مريح.
حقّ الله على عباده أن يعبدوه وألا يشركوا به وحقّ العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم:
أيها الأخوة الكرام، اسأل نفسك سؤالاً محرجاً ما الذي يسعدك ؟ أن تعطي أم أن تأخذ ؟ المؤمن يسعده أن يعطي، وصدق ولا أبالغ إن لم تنعكس مقاييسك مئة وثمانين درجة يوجد بالإيمان خلل، متى تنعكس مقاييسك ؟ حينما تؤمن بالآخرة، إذا آمنت بالآخرة ترى الذكاء بالعطاء لا بالأخذ، إن آمنت بالدنيا ترى الذكاء في الأخذ، لذلك المؤمن يبذل كل ما يملك للآخرين، أما غير المؤمن يبني مجده على أنقاض الآخرين، وقد يبني غناه على فقرهم، وقد يبني حياته على موتهم، وقد يبني عزه على ذلهم، أما المؤمن في خدمة الخلق، المؤمن له عند الله عطاء، والله أيها الأخوة حديث شريف يملأ قلب الناس جميعاً طمأنينة.
أردف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا معاذ وراء ظهره، قال: يا معاذ ! ما حقّ الله على عباده ؟ قال: الله ورسوله أعلم، سأله ثانية، وثالثة، ثم أجابه، قال: يا معاذ ! حقّ الله على عباده أن يعبدوه، وألا يشركوا به شيئاً، شيء واضح تماماً، لكن في السؤال الثاني، قال: يا معاذ وما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟
كأن الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه، ما حقّ الله على عباده ؟ أن يعبدوه، وألا يشركوا به شيئاً، فجاء الجواب ألا يعذبهم ".
لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾
يجب أن تطمئن للمستقبل.
لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم:
أذكر قبل يومين ألقيت درساً عن التغيير، هناك آية مألوفة جداً:
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
لو سألت إنساناً هل أنت مرتاح ؟ هل أنت في بحبوحة ؟ هل أمورك ميسرة ؟ هل صحتك طيبة ؟ هل دخلك معقول ؟ هل بيتك منضبط ؟ هل أنت سعيد بزوجتك و بأولادك ؟ يقول: نعم والله، نقول له: لا تغير الله لا يغير، اطمأن، لو سألنا إنساناً آخر، يقول لك: بيتي قطعة من الجحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله، العمل دخله قليل لا يكفي، عندي مشكلة بعملي، مشكلة بصحتي، مشكلة مع زوجتي، نقول له: غيّر حتى الله يغير، لا تغير لا يغير، غير ليغير، هذا ملخص ملخص الملخص:
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
علة خلق الكون أن نعرف الله من خلاله:
كلية ثانية من كليات الدين، الله عز وجل يقول:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
شيء دقيق جداً، يعني السماوات والأرض، يعني الكون، والكون ما سوى الله، علة خلق السماوات والأرض أن تعلم، هذا الكون المعجز من أجل أن تعرف الله من خلاله، بالتربية عندنا وسائل معينة، بكلية التربية هناك مادة اسمها الوسائل المعينة، أحياناً في شاشة عرض، خارطة، مجسم، تجربة، هذه كلها تندرج تحت الوسائل المعينة، والله جعل هذا الكون أكبر وسيلة تعينك على الإيمان به، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
هذه اللام إعرابها لام التعليل، أنا أدرس لأنجح، أنجح فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل، أي لأن أنجح، فلام التعليل تبين علة الفعل، أنا آكل لأشبع، أنام لأستريح، أدرس لأنجح، فلام التعليل أي علة خلق السماوات والأرض أن نعلم.
على الإنسان أن يعلم أن علم الله يطوله و كذلك قدرته:
ماذا نعلم ؟ كلمتان:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
كأنه اختار من أسمائه العلم والقدرة، طبعاً هناك مثل أذكره كثيراً، تقف على الإشارة الحمراء في مركبتك والشرطي واقف، وشرطي آخر على دراجة نارية، وضابط السير واقف، وأنت مواطن عادي، ليس لك أي ميزة، هل من الممكن أن تمشي ؟ مستحيل وألف ألف ألف مستحيل، لماذا ؟ لأن واضع نظام السير يطولك علمه، هناك شرطي، و دفتر ضبط، إذا مشيت يلحقك بالدراجة النارية، وإذا كان هناك تواطؤ فالضابط واقف، علمه يطولك، وقدرته تطولك، قدرته من خلال حجز المركبة، وسحب الأوراق، هناك سجن أحياناً، و غرامة مالية كبيرة جداً، أنت لأنك مؤمن يقيناً أن واضع قانون السير علمه يطولك وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الله عز وجل يعلم وسيحاسب وسيعاقب:
سأقول لك كلمات ثلاث ؛ حينما تؤمن أنه يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، لا يمكن أن تعصيه، أنا بحكم عملي بالتجارة تستورد صفقة تدرجها بالحسابات للمالية، لأن بنظام الاستيراد هناك نسخة من هذه المعاملة تذهب مباشرة إلى المالية، فإذا أنت أغفلت هذه الصفقة في حساباتك تهدر الحسابات، وتكلف برقم فلكي، لا أعتقد أن هناك تاجراً بأنحاء العالم يغفل صفقة استوردها في حساباته التي يقدمها للدولة، لأن الدولة تعلم يقيناً أن هذه الصفقة استوردها من نسخة تذهب إلى المالية، أنت راقب نفسك كمواطن عادي لا يمكن أن تعصي إنساناً إذا قال فعل، لا يمكن أن تعصي إنساناً علمه يطولك وقدرته تطولك:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
مرة التقيت مع إنسان عمله يمكنه أن يوقع أشد الأذى بالناس، قلت له: الله عز وجل عنده فشل كلوي، تشمع كبد، خثره بالدماغ، شلل، أمراض لا تعد ولا تحصى، أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وكل هؤلاء الخلق عباد الله وهو يحبهم، فأي شيء تفعله معهم إن كنت بطلاً هيئ لربك جواباً ليوم القيامة، هل معك جواب ؟ لماذا طلقت زوجتك ؟ ماذا فعلت معك ؟ لماذا ضايقت شريكك حتى خرج من الشركة ؟ الخبرة معه فلما أخذتها منه استغنيت عنه، والمحل باسمك، ضايقته حتى قال لك: أريد أن أنسحب، كل شيء له حساب.
أغبى الأغبياء من لا يدخل الله في حساباته:
أقول لكم هذه الكلمة: كل إنسان لا يدخل الله في حساباته يعد من أغبى الأغبياء، مرة الإمام الغزالي يخاطب نفسه يقول: " يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً فما أجهلك ـ طبيب يقول لإنسان: هذا البيت في الطابق الرابع يؤذي قلبك بل هو منشار لقلبك، و هو كان قد اعتنى بهذا البيت عناية تفوق حدّ الخيال في اليوم التالي يعرضه للبيع ـ لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لاشك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً ما أجهلك، الآن أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أكفرك " , فكل إنسان يعصي الله مدموغ بالجهل والكفران.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تسخير تكريم:
رأيها الأخوة، بقيت مقولة أخيرة أن الله عز وجل سخر لنا هذا الكون تسخيرين تسخير تعريف وتسخير تكريم، يستنبط هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْد ))
أي أن هذا الهلال ننتفع بضوئه و يرشدنا إلى الله، هدف تعريفي، وهناك هدف نفعي، والعالم الغربي انتفع من الهدف النفعي والمؤمن ينتفع بادئ ذي بدء من الهدف التعريفي، فلذلك أنت حينما تأكل تفاحة يجب أن تفكر فيما تأكل والدليل:
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾
شجرة أعطت هذه الثمرة، حجمها معتدل، لونها جميل، طعمها طيب سكري، قوامها سهل، لها قشرة، هذه الصفات من أعطاها إياها ؟ هذه الشجرة معمل صامت من دون ضجيج، تأخذ الغذاء من الأرض تعطيك هذا التفاح الطيب.
فلذلك كل شيء الله خلقه، خلقه لهدفين أن تعرفه من خلاله، وأن تنتفع به، والغرب حقق الهدف الثاني بأعلى درجة، أما المؤمن ينبغي أن يضيف إلى الانتفاع بالشيء أن يعرف الله من خلاله.
الموضوع العلمي:
الطحال:
ننتقل الآن إلى موضوع علمي، أيها الأخوة، أحياناً إنسان تتوق نفسه لشطيرة فيها طحال، أو كبد، هل يغيب عن الأذهان أن الكبد في الإنسان له خمسة آلاف وظيفة، وأن كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل هذه الوظائف، وأن الجراح لو استأصل أربعة أخماس الكبد يعيد الكبد بناء نفسه في ستة عشر أسبوعاً.
لنا أخ كريم طبيب جراح متفوق في بيروت قال لي: استأصلت أربعة أخماس كبد مصاب بالتشمع، وبعد أربعة أشهر عاد الكبد كاملاً مكملاً، النقطة الدقيقة أن أسرع خلية في النمو خلايا الكبد، الكبد وزنه أكثر من كيلو أو كيليين، يعيد بناء نفسه بناءً كاملاً في ستة عشر أسبوعاً، ويقوم بخمسة آلاف وظيفة، وكل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل الوظائف، لذلك يمكن أن تستأصل أربعة أخماسه.
وظيفة الطحال:
أيها الأخوة، أما الطحال، هذا الطحال أمره عجيب، هذا مقبرة لكريات الدم الحمراء، الإنسان بكل ثانية يموت من كرياته اثنان ونصف مليون كرية، بكل ثانية يولد بمعامل كريات الدم الحمراء بنقي العظام يولد اثنان ونصف مليون كرية، بالتعبير الدارج أنه في اقتصاد هذه الكريات التي ماتت تحلل إلى عواملها الأصلية، الكرية الحمراء فيها هيموغلوبين، فيها حديد، الحديد يرسل إلى نقي العظام ليعاد تصنيعه كريات دم حمراء جديدة أحياناً بعض الأغلفة بالألمنيوم، أو البلاستيك، أو البلور، هذه يعاد تصنيعها، يعبر عن هذا صناعياً بالتدوير، يرسمون على الآلة ثلاثة أسهم على شكل دائرة، الألمنيوم يمكن أن يباع كعلب فارغة وأن يعاد تصنيعه كمادة أولية لإنشاء صناعة جديدة.
هذه الكريات التي ماتت يعاد تصنيعها، تحلل إلى مكونات هيموغلوبين، يذهب إلى المرارة ليكون المادة الفعالة في المرارة، والمرارة، عندما يأكل الإنسان أكلاً غير منضبط فيه كثير من الدهن، وهذا الدهن يصعب هضمه، فهذه المرارة تفرز هيموغلوبين ليتحلل الدهن وينصرف في جهاز الهضم دون أن يؤذي الإنسان.
إذاً الصفراء لها دور، و الهيموغلوبين له دور، والحديد يعاد تصنيعه، كأن ربنا عز وجل بالتعبير المعاصر يعلمنا الاقتصاد، هناك مواد أولية يمكن أن تصنع مرتين أو ثلاث، الكبد خمسة آلاف وظيفة، والطحال مقبرة لكريات الدم الحمراء.
الآن الطحال معمل احتياط للكريات، في الدول المتقدمة جداً عندهم مولدات كهرباء، وعندهم مولدات هذه لا تعمل إلا بالظروف الصعبة، إذا نشبت حرب ودمروا المولدات الأساسية عندهم جهاز احتياطي يعمل مباشرة، فالطحال يعد مقبرة لكريات الدم الحمراء، وهذه المقبرة فيها تحليل، وفيها تصدير لهذه المواد إلى أماكنها، والطحال أيضاً معمل كريات دم حمراء احتياط.
التفكر في خلق السماوات والأرض يضع الإنسان وجهاً لوجه أمام عظمة الله:
أيها الأخوة، هناك ملاحظة أن الدماغ جعله الله داخل الجمجمة، حصن حصين، وبين الجمجمة والدماغ هناك سائل، هذا السائل يمتص الصدمات، الطفل أحياناً يقع على الأرض تسمع رنيناً لارتطام رأسه بالبلاط، ومع ذلك لا يكسر، ولا يتأثر الدماغ، لأن هناك سائلاً بين الدماغ وبين الجمجمة، هذا السائل يمتص الصدمة ويوزعها على كامل سطح الدماغ، القلب في القفص الصدري شيء دقيق جداً، النخاع الشوكي بالعمود الفقري، الرحم بالحوض، معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام، كل شيء خطير في حصن حصين، العين بالمحجر، لو العين بالجبين يمكن أربعة أخماس الناس يفقدون أبصارهم.
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) ﴾
أيها الأخوة الكرام، التفكر في خلق السماوات والأرض يعد أقصر طريق إلى الله، ويعد أوسع باب ندخل منه على الله، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾