وضع داكن
28-03-2024
Logo
حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس : 02 - الأمن العقدي وتوافق الإيمان مع الفطرة و تلبيته لجوانب الإنسان - المنهج الرباني للتفكر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

كلام الله وحي من عنده لن يتغير مهما ظهرت تطورات جديدة:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس حقائق الإيمان والإعجاز

أيها الأخوة، في الدرس الماضي بينت لكم بفضل الله عز وجل أن الإيمان تصديق وإقبال وأن الكفر تكذيب وإعراض، بالإيمان جانب فكري تصديقي عقدي معرفي، بالإيمان جانب يلبي حاجة العقل، هذه الحاجة العليا في معرفة الحقيقة، فالإيمان فيه جانب معرفي، الإسلام من خلال القرآن طرح تفسيراً عميقاً جداً، دقيقاً جداً، متناسقاً جداً للكون، وللحياة، وللإنسان، ولما قبل الموت، ولما بعد الموت، تفسير شمولي متناسق مترابط متناغم، فالإسلام لبى حاجة عقلية، عند المسلم شيء اسمه أمن عقدي، يعني مهما تطورت الأمور، مهما استجدت المستجدات، مهما ظهرت التطورات، لن يظهر شيء يناقض كلام الله لأن كلام الله وحي من عند الله، من عند المطلق.

ارتباط العقل بالواقع:

وبالمناسبة يكون هناك عالم كبير جداً، لكن عاش بعصر ما كان في حاسوب، ولا في قرص مدمج

لو أن افتراضاً أيقظناه من قبره وقلنا له هذا القرص فيه خمسة آلاف عنوان، معنى عنوان قد يكون العنوان أربعين مجلداً، أو خمسين مجلداً، إذا قلنا بقرص رقيق يوجد خمسة آلاف عنوان، افرض العنوان بعشرة كتب تقريباً، يعني خمسين ألف كتاب محلهم في البيت أربعة جدران إلى السقف، بقرص واحد والنصوص مشكلة وهناك فهرس، وهناك بحث، وهناك قابلية للطباعة، لا يصدق، بالعكس لو إنسان عاش قبل خمسين عاماً وقلت له هناك قرص فيه خمسة آلاف كتاب يتهمك بالجنون، لأن العقل مرتبط بالواقع، كان عاقلاً، كان عالماً كبيراً لكن بعصره ما كان في حاسوب، تصور الأمر يأتي من الخليفة إلى الأمصار بأربعة أشهر، دمشق عاصمة الدولة الأموية إذا أراد الخليفة أن يرسل أمراً إلى شمال إفريقيا أربعة أشهر، ركوب خيل، الآن أي حدث في العالم تراه بعد دقائق حياً بصورة ملونة مع التعليقات والتحليلات، فلذلك العقل مرتبط بالواقع أن الوحي من عند المطلق.

الأمن العقدي لن يظهر شيئاً يتناقض مع القرآن الكريم:

لذلك المؤمن يتمتع بحالة لا يتمتع بها إلا هو، الأمن العقدي لن يظهر شيئاً في الحياة لا فكر، ولا علم، ولا اختراع، ولا شيء يتناقض مع القرآن الكريم، لأنه من عند خالق السماوات والأرض

أوضح مثل أنت راكب أحدث طائرة في العالم، وبالدرجة الأولى، والمقعد وثير، والمجلات أمامك، والقنوات أمامك، والأشربة المنوعة، والطعام الساخن النادر من صنع أكبر الطباخين، وكل شيء يدعو للرفاه والمقعد يكون سريراً كاملاً، تنام ساعات طويلة نوماً عميقاً وأنت في أطباق الجو، وتفتح القرآن الكريم لتقرأ قوله تعالى:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ﴾

( سورة النحل)

وازن بين ركوب حمار وركوب طائرة، أكمل: 

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) ﴾

( سورة النحل)

الطائرة دخلت، واليخت دخل، والقطار دخل، والمركبة دخلت، والسيارة دخلت، كلام خالق السماوات والأرض.

 

عدم ظهور أي حقيقة تلغي وحي السماء أو كلام الله عز وجل في أي زمن:

إذاً يتمتع المؤمن بحالة أمن عقدي، لعل الفكرة واضحة لن يظهر شيئاً يلغي آية قرآنية، لن تظهر حقيقة تلغي وحي السماء، لن يظهر اكتشاف يلغي كلام الله، كلام الله عز وجل من عند خالق السماوات والأرض الذي علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، مثلاً الله عز وجل جعل رسالة النبي عليه الصلاة والسلام خاتمة الرسالات، وبعثة النبي خاتمة البعثات، والقرآن الكريم خاتم الكتب، ودعوة النبي لكل الأمم والشعوب من دون استثناء لكل البشر جميعاً، لكل القارات إلى نهاية الدوران لماذا ؟ لأن الله علم أنه سيكون هناك تواصل، الآن الأرض سطح مكتب، أينما ذهبت إلى أمريكا، إلى استراليا، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى إفريقيا، إلى غينيا، ترى كل شيء في الأخبار كأنك في دمشق

لا يوجد شيء يمكن أن يحجب عن الإنسان، فصارت الأرض سطح مكتب، كانت خمس قارات، القارة بلد كبير عاصمة، مدينة، قرية، بيت، غرفة، سطح مكتب، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ))

[ من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا أخرجه الحاكم وصححه ورده الذهبي ].

هذا الأمر أمر الدين ما بلغ الليل والنهار، أينما ذهبت في إذاعات إسلامية، في صحف إسلامية، لي موقع في الانترنيت، مرة سافرت إلى مدينة في جنوب استراليا مالبن وزرت جامعتها تفا جئت أمين مكتبة رحب بي ترحيباً يفوق حدّ الخيال لا أعرفه، ثم أكد لي أنه يتابع موقعي في الانترنيت، يعني الخطبة تلقى هنا يأخذها ويخطبها هناك، درس التفسير، درس الأحد، درس الاثنين، محاضراتي، ندواتي، كله في الانترنيت، الآن أنا أذهب لا آخذ معي شيئاً أعطي عنوان الانترنيت الخطبة، ودرس التفسير، ودرس الأحد، ودرس السبت على الانترنيت صورة وصوت، كل محاضراتي بالفضائيات على الانترنيت، بأي مكان في العالم، البارحة زارنا أخ من كندا، قال أنا أتابع الدروس كلها التي تلقى هنا، الأرض أصبحت مكاناً واحداً.

 

الله عز وجل فطر كل إنسان على منهجه:

لذلك رغم التقدم المذهل يسمى الآن الانفجار المعلوماتي، عصر التواصل، التواصل بكل شيء، يعني معك هاتف جوال عدة أزرار تحاكي شخصاً بكندا كأنه معك، عندك فاكس تعمل رسالة خلال ثانية تكون في أقصى بلاد الدنيا

في تواصل لأن الله عز وجل علم هذا التواصل فجعل رسالة النبي خاتمة الرسالات، لأن مضمون الكتاب والسنة طار في الآفاق، أول نقطة في الإيمان أن الله عز وجل فطرنا، جبلنا، برمجنا بالتعبير المعاصر ولفنا على منهجه، أمرك بالصدق تحب الصدق، أمرك بالأمانة تحب الأمانة، لذلك قال تعالى:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) ﴾

( سورة الحجرات )

أكبر إنجاز أن نفسك ترتاح لمنهج الله، ترتاح لأوامر الله، تتألم لو فعلت شيئاً يخالف منهج الله.

 

 

النفس البشرية حينما تصطلح مع الله عز وجل تسعد في الدنيا و الآخرة:

 

لذلك أروع كلمة في القرآن:

﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (157) ﴾

( سورة الأعراف)

ما معنى معروف ؟ يعني معروف، من يعرفه ؟ أي إنسان، الفطرة السليمة تعرفه، لذلك قالوا المعروف ما عرفته الفطر السليمة ابتداءً، والمنكر ما أنكرته الفطر السليمة ابتداءً، أول نقطة في الإيمان: حقائق الإيمان، مناهج الرحمن، الأمر، النهي، افعل لا تفعل، الفرض، الحرام، الحلال، المباح، أنت وفق هذه المنظومة من القيم قد برمجت نفسك لذلك من هو أسعد الناس ؟ الذي يصطلح مع نفسه، أنت حينما تطيع الله عز وجل تصطلح مع نفسك، للتقريب، راكب سيارة حديثة جداً أما الطريق وعر، حجار، حفر، صخور، أكمات، غبار، تراب، تسمع أصواتاً يقول لك: السيارة تكسرت، هي مصممة لطريق معبد، خذها إلى طريق معبد انسيابي، صوت ناعم، سرعة عالية، هذه مصممة لهذا الطريق، فأنت تعرف كل قيمتها بهذا الطريق، لم تعرف قيمة سيارة ثمنها خمسة وعشرين مليوناً بطريق وعر لا تمشي تسمع تكسير، تسمع أصوات لا تحتمل، تضطرب، فلذلك النفس البشرية حينما تصطلح مع الله عز وجل تماماً كمركبة حديثة جداً مصممة لطريق معبد، مشيت بها بطريق غير معبد، فانزعجت منها انزعاجاً كبيراً، فلما انتقلت بها إلى الطريق المعبد ارتاحت، هذا الوضع.

 

من طبق منهج الله عز وجل شعر بسعادة و سكينة لا توصف:

أول شيء في الإيمان، الإيمان متوافق مع الفطرة لذلك قالوا: الإسلام دين الفطرة، تلاحظ ملاحظة تجد الأخ المؤمن مرتاح، في ظروف صعبة، في تهديدات، في مشكلات منطقة تغلي غلياناً، ما في شيء واضح، الغرب يتهددنا:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا))

[ أبو داود عَنْ ثَوْبَانَ]

خمس دول إسلامية محتلة، الثروات منهوبة، الشباب يقتلون، الكذب والدجل، الإسلام متهم، حرب عالمية ثالثة على الإسلام، تجد مؤمناً ما عنده شيء لكن مرتاح لأنه تحرك حركة تتوافق مع فطرته، ما كذب، ما أكل مالاً حراماً، ما غش، عنده إحساس عميق أن خالق السماوات والأرض يحبه، وكل شيء بيد الله عز وجل، والله أيها الأخوة، هناك شيء غير مرئي بالعين لو أخ عادي لكن هذا الأخ العادي لأنه اصطلح مع الله، وعرف منهج الله، وسار في طريق يرضي الله، يحس بثقة بالله، وأمن، وطمأنينة، وسعادة، ورضا، وسكينة، واستقرار، لو وزع على أهل بلد لكفاهم.

 

توافق الإيمان مع الفطرة:

أول حقيقة خصائصك النفسية

فطرتك، برمجتك، متوافقة تماماً مع منهج الله فحينما تصطلح مع الله، وتطرق باب الله، وتخطب ود الله، تحس براحة لا يعرفها إلا من فقدها، هذه أول حقيقة الإيمان متوافق مع نفسه، أما الكفر متنافر، أقنعوك أنه لا إله، يأتي خطر داهم أنت ضعيف تحتاج إلى جهة تلتجئ إليها لا يوجد، تحتاج إلى جهة تعتمد عليها، أحياناً تأخذ رأيها، لا يوجد، دقق:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

( سورة محمد )

تصور ابن له أب كبير علماً وقدراً ومالاً، له غرفة خاصة، البيت منظم تماماً، وجبات الطعام درجة أولى، ثيابه جيدة جداً، في خدمات في البيت عالية جداً، أب دقيق يتابع دراسته وتحصيله، وتصور ابناً مشرداً من ملجأ إلى ملجأ، من سجن إلى إصلاحية، غارق بالمعاصي والآثام والسرقة والفواحش.

 

حياة المؤمن مستقرة لأن مولاه الله عز وجل:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾

( سورة محمد )

لك مولى هو الله، لك مرجعية، تجد حياة المؤمن مستقرة لماذا ؟ هناك سبب أنه يطبق منهج الله ، لا يوجد عنده شيء مدمر، دخل إلى ملهى أعجبته الراقصة تزوجها، في اليوم مئة اتصال، لها زبائن، ما تحمل، طردها ثم حنّ إليها طلبت منه مبلغاً فلكياً يضاف إلى مهرها كتب، ثم تركته، فوجئ بدعوى تطالبه بالمهر، ما معه فذهب إليها وإلى أمها أطلق عليها وعلى أمها الرصاص، وأطلق على نفسه الرصاص، لم يموتا بل مات هو.
دمر، لأنه مشى غلط، أما أنت مؤمن تطبق منهج رسول الله: 

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )) 

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

تأخذ بنت الحلال، بنت عائلة محترمة، مرباة تربية عالية، تخاف الله، تسرك إذا نظرت إليها، تحفظك إذا غبت عنها، تطيعك إن أمرتها، تنجب لك أولاداً يملؤون البيت فرحة وبهجة يعني:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

( سورة السجدة)

قطعة لحم مشوية طازجة وأنت ميت من الجوع، مثل قطعة لحم متفسخة رائحتها لخمسين متراً، تطلع من جلدك منها ؟ أحياناً يوجد دابة تكون ميتة في الفلاة تشم رائحة تكاد تموت من شدة الانزعاج:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

( سورة السجدة)

ارتباط نجاح الملحد في الدنيا بتطبيق إيجابيات الدين الإسلامي:

أول نقطة في الإيمان أنه متوافق مع الفطرة، أول نقطة في الإيمان يعمل لك أمن عقدي، ما في أي مفاجأة، لا نظرية، ولا اكتشاف دواء يطول العمر، تعيش خمسمئة سنة خلاف القرآن، لا حول ولا قوة إلا بالله تتخبط، الله عز وجل قال:

﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) ﴾

( سورة الأعراف )

لن يظهر شيئاً يتناقض مع القرآن لأن هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لذلك الأمن العقدي تتمتع بحالة أمن عقدي طول حياتك، بالعكس تفاجأ أن المعسكر الشرقي قبل انهياره حرم الخمر، معنى ذلك أنه وجد أن هذا المشروب يعيق تقدم الأمة، يشل حركة أبنائها، الاتحاد السوفيتي قبل انهياره بخمس سنوات الخمر محرمة تحريماً مطلقاً عنده، تتفاجأ الآن دعوة كبيرة جداً في أمريكا لإنشاء الجامعات من دون اختلاط، ثلاثمئة وخمسين ألف لقيط بحدائق الجامعات في أمريكا، الآن هناك دعوة قوية جداً يقودها هذا طاغية العصر لإنشاء جامعات ليس فيها اختلاط، تجد مع تقدم الزمان الأرض تقترب من الدين لا لأنهم آمنوا بالله، أبداً، لأنهم آمنوا بالمال، آمنوا بالنجاح في الدنيا، فنجاحهم في الدنيا يقتضي ذلك، بالعكس أنا سافرت إلى أوربا وأمريكا كثيراً كل إيجابيات البلدين إسلامية، لا لأنهم يعبدون الله أبداً، لكن مصلحتهم تقتضي ذلك، أنت سوف ترى كلما تقدمت الحياة بذكاء معين الإنسان يقترب من الدين في أمن عقدي، توافق مع الفطرة، واضح تمام، في خصائص الإيمان، لذلك المؤمن يعطي لله، يمنع لله، يصل لله، يقطع لله، يرضى لله، يغضب لله.

 

الإيمان خطاب ديني شمولي شمل القلب و العقل و الجسم:

الآن أحياناً هناك رسوم كاريكاتيرية إنسان رأسه كبير وجسمه ضئيل لا يوجد توازن، أي منهج أرضي قد يركز على 

القلب فقط، وهناك منهج آخر على العقل

إنسان عقله كبير وزنديق والثاني طيب جداً لكن جاهل، لكن الشيء الدقيق أن القرآن الكريم، الدين، الإيمان، خاطب عقلك، وخاطب قلبك، وأمرك أن تعتني بجسمك، خطاب ديني متوازن، خطاب ديني شمولي، هناك خطاب للعقل والعقل غذاؤه العلم، خطاب للقلب والقلب غذاؤه الحب، و خطاب بأن تعتني بجسمك، نفسك مطيتك فارفق بها، إذاً في توازن لا يوجد شيء على حساب شيء، صار أول خصيصة في أمن عقدي، الخصيصة الثانية توافق الإيمان مع الفطرة، الخصيصة الثالثة في تلبية جوانب الإنسان الثلاثة، جانب عقله بالعلم، وجانب قلبه بالحب، لذلك قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) ﴾

( سورة المائدة )

يوجد حب بالإسلام، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً: 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (165) ﴾

( سورة البقرة)

من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.

 

الله عز وجل جعل الإنسان ضعيفاً كي يفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره:

الآن الإيمان معه خصيصة أنه يعتمد على حاجات الإنسان، الله عز وجل جعلك ضعيفاً لحكمة بالغة بالغة، ما قولك 

عندك حاسوب صناعي ثمنه خمسين مليوناً والتيار في بلادنا غير منتظم فجاءت ومضة كهربائية أحرقته ما رأيك ؟

لكن في قطعة بهذا الحاسوب اسمها فيوز هي وصلة كهرباء ضعيفة جداً فلو جاء التيار فوق المئتين وعشرين يسيح السيخ، ينقطع التيار، يسلم الجهاز، ألا ترى أن هذه القطعة سليمة جداً، أن المصمم بأعلى درجة من الذكاء هكذا فعل الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ﴾

( سورة النساء )

لو لم تكن ضعيفاً لا تتوب إلى الله، لو لم تكن ضعيفاً لا تسعى لجنة عرضها السماوات والأرض، لذلك الإنسان يكون بشبابه أرعن بالخمسين يبدأ يصلي، يقول سوف أموت ماذا في القبر ؟ ماذا بعد الموت ؟ فالله عز وجل فضّل علينا بأن جعلنا ضعافاً، اسمعوا هذا الكلام الدقيق، جعلك ضعيفاً كي تفتقر بضعفك فتسعد بافتقارك، ولو جعلك قوياً لاستغنيت بقوتك فشقيت باستغنائك، لذلك قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾

( سورة العلق )

أغبى إنسان في الأرض الذي لا يدخل الله في حساباته:

من هذا الذي غرق في المعصية والله عز وجل يمده ؟ هذا أسوأ إنسان بالأرض:

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾

( سورة الأنعام الآية: 44 ).

هذا الذي هدم سبعين ألف بيت في غزة جاءته خثره بالدماغ، دخل المستشفى وصحي لم يمضِ عشر ساعات أول تصريح له سأتابع هدم البيوت، ثم جاءته القاضية إلى الآن صار له أربع سنوات في سبات وأمدّ الله بعمره، شخص ذكر لي أنه رأى صورته بالإنترنت شيء مخيف. 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾

( سورة العلق )

معه سلاح متطور، والعالم كله معه، هؤلاء ضعاف (الفلسطينيون)، هدم بيوتهم، قتّل شبابهم، من هو أغبى إنسان في الأرض ؟ أغبى إنسان في الأرض الذي لا يدخل الله في حساباته، يقول لك ليس مسمياً بالرحمن، أي أحمق: 

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾

( سورة العلق )

المتواضع لله أفضل ألف مرة من المتعجرف لأنه يعرف قيمة نعم الله عز وجل:

لذلك أتمنى أن تكونوا معي بهذه الفكرة، أفضل لك أيها الأخ الكريم أن تكون ضعيفاً، وتعاني ما تعاني، وأنت في ضعفك ومعاناتك تقول: يا رب لا يوجد غيرك، يا رب وفقني، يا رب اشفني، أفضل ألف مرة أن تعاني ما تعاني وأنت مفتقر، 

من أين جاء هذا المعنى ؟

جاء جبريل عليه السلام وخيّر النبي عليه الصلاة والسلام، قال له يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال بل نبياً عبداً أجوع يوماً فأذكره وأشبع يوماً فأشكره.
الضعف أقرب للعبودية وأحياناً الفقر أقرب، تجد فقيراً متواضعاً أديباً، المال له قيمة عنده ينفقه، أقسم لي بالله شخص حضر وليمة في بلد غني جداً، قال لي هذا الكاعود (الجمل الصغير) لحمه نفيس جداً، كاعود مكتف محشي رز ولحم وفستق وصنوبر وكاجو وفوقه خاروف مكتف ثانٍ مثل التاج وضعوه، والمدعوون أربعة خمسة أكلوا واحد من مئتي من وزنه والباقي غسلوا أيديهم فوقه فاعترض شخصاً، قال لا أحد يأكل من بعدنا.
أفضل ألف مرة تكون إنساناً متواضعاً لله عز وجل تعرف قيمة نعم الله من أن تكون متعجرفاً ترى نفسك فوق الناس، من هو الأحمق ؟ الذي يرى أن له ما ليس لغيره، وأن على غيره ما ليس عليه هذا العنصري.

العالم إنساني و عنصري:

العالم الآن إنساني وعنصري، لا تستغربوا بدءاًً من الزوج حينما ترى لنفسك ما ليس لها، وحينما ترى عليها ما ليس عليك، عليها أن تحترم أمك، أما أنت حينما تسخر من أمها لك الحرية، أنت عنصري

أنا سأبدأ بزوج عنصري وسأنتهي بحق الفيتو عنصري، لماذا خمس دول في الأرض إذا قالت لا انتهى القرار ؟ من هي ؟ نحن بشر، دولة عندها 200 رأس نووي، ودولة تعمل على تطوير لمفاعل نووي سلمي ليس له علاقة، تقوم الدنيا ولا تقعد، لماذا لما ترتدي الفتاة ثياب السحاقيات في أمريكا والمدير يمنع هذه الفتاة يقيم والد الفتاة عليه دعوى يربحها والقاضي يحكم له بمبلغ فلكي ؟ ثياب الشاذات لما منعها المدير والد الفتاة أقام دعوى على المدير وربح الدعوى ودفع الإدارة مبلغاً فلكياً، أما طفلة صغيرة وضعت قماشة على رأسها تنفيذاً لدين يدين به ربع سكان الأرض يؤكد العفة والطهر والعفاف تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا عالم، هذا مجتمع يحترم ؟ من حق الفتاة أن ترتدي ثياب السحاقيات، ثياب الشاذات، والشذوذ محرم في كل شرائع السماء، أما فتاة مسلمة تضع على رأسها قطعة قماش تقوم الدنيا في أوربا ولا تقعد، هذا مجتمع بشري يستحق الاحترام ؟
لذلك أيها الأخوة:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (165) ﴾

( سورة البقرة)

يوجد بالإيمان حب، توازن، أمن عقدي، توافق مع الفطرة.

 

شروط قراءة القرآن الكريم:

نحن تعودنا على موضوع علمي، أيها الأخوة، يعني أحياناً يكون الأخ الكريم غافل عن قيمة التفكر.

1 ـ قراءته قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة العربية:

كلكم يعلم أن هذا القرآن الكريم كلام الله ينبغي أن تقرأه قراءة صحيحة وفق قواعد اللغة العربية، هذا أول شرط.

2 ـ قراءته قراءة مجودة وفق أحكام التجويد:

ينبغي أن تقرأه قراءة مجودة وفق أحكام التجويد، هذا الشرط الثاني.

3 ـ فهمه:

ينبغي أن تفهمه الشرط الثالث.

4 ـ تدبر آياته:

ينبغي أن تتدبره الشرط الرابع ما التدبر ؟ التدبر أن تضع نفسك على المحك: 

﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ﴾ 

( سورة آل عمران الآية: 191 ).

هل تذكر الله أنت ؟ قد لا تذكره: 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

( سورة النور )

هل تغض أنت بصرك أم لا تغضه ؟ 

﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا (177) ﴾

( سورة البقرة)

هل تفي بعهدك ؟ التدبر مع كل آية، أن تنظر أين أنت منها مطبق أم لست مطبقاً ؟ هذا التدبر.

5 ـ تطبيقه:

خامس بند التطبيق، قراءة وفق قواعد اللغة العربية، ثم قراءة وفق علم التجويد، ثم فهم للقرآن، ثم تدبر له، أن تضع نفسك على المحك مع كل آية، وآخر بند أن تطبقه.

 

التدبر في آيات الله عز وجل:


لو أخذنا التدبر ثالث بند قراءة لغوية، قراءة تجويدية، فهم

رابع بند التدبر في أمر كيف تتدبر أمراً إلهياً ؟

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (83) ﴾

( سورة البقرة)

التدبر أن تقول للناس حسناً: 

﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾

( سورة الحجرات الآية: 12 ).

التدبر ألا تغتاب أحداً، يعني ينبغي أن تأتمر بآية الأمر وأن تنتهي بآية النهي، الآن آية تصف لك الجنة: 

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (73) ﴾

( سورة الزمر)

إذا قرأت آية عن حال أهل الجنة ماذا ينبغي أن تعمل ؟ أن تسعى إلى الجنة، إذ قرأت آية عن أحوال أهل النار ماذا ينبغي أن تعمل ؟ أن تسعى إلى البعد عنها، إن قرأت آية عن هلاك أمة سابقة ماذا عليك أن تفعل ؟ أن تتعظ، فالتدبر يعني أن كل آية ينبغي أن يكون لك منها موقف.

 

مجموع الآيات الكونية التي اختارها الله لنا في القرآن الكريم منهجنا في التفكر:


الآن إذا في آيات قرآنية تتحدث عن الكون وتقترب من ألف آية ما موقفك منها ؟

التفكر، لذلك الآية الكريمة:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة آل عمران )

أردت من هذه الدقائق أن أؤكد لكم الحقيقة التالية: يا ترى هل هناك منهج للتفكر ؟ سؤال في منهج، أنا أرى أن مجموع الآيات الكونية التي اختارها الله لنا من بين مليارات الآيات هي منهج التفكر، مجموع الآيات الكونية التي اختارها الله لنا من بين ملايين الآيات هي منهجنا في التفكر. 

الماء من آيات الله الدالة على عظمته:

 

قال لك الله عز وجل:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

الماء أنت لا تخزنه لو أنك مكلف أن تخزنه، لو عملنا دراسة سريعة لاحتاجت كل أسرة إلى مستودع للماء يكفيها عاماً بأكمله بحجم البيت تماماً، عندك بيت مساحته مئة متر وارتفاعه ثلاثة ونصف، يعني ثلاثمئة وخمسين متراً مكعباً تحتاج إلى مستودع للماء حجمه ثلاثمئة وخمسين متراً مكعباً، الله عز وجل قال: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

لما يضطر الإنسان يخزن الماء نحن عندنا مستودع للماء يكفي دمشق بضعة أيام، تحت سطح الأرض بأربعمئة متر هذه المواصفات التي يخزن الله بها الماء في الجبال، الجبال مستودعات للمياه، تصور نهر الأمازون غزارته بالثانية ثلاثمئة ألف متر مكعب، تصور نهر النيل أطول أنهار العالم، كنت في فرنسا أنهار بأعلى درجة من الغزارة تخط فرنسا جنوباً وشمالاً وطولاً وعرضاً: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

آيات التفكر على الإنسان أن يكتبها في مكان معين كي يتفكر فيها دائماً ولا ينساها:


من جعل هذا الماء مُخزناً في الجبال ؟

نبع الفيجة في دمشق لولا هذا النبع لا تسكن إطلاقاً، يعني بأيام الغزارة يعطي قريب خمسين متر مكعب بالثانية، مستودع هذا النبع بحسب ما قرأت وذهبت إلى مركز عين الفيجة بالطابق الثالث في مخطط للحوض الجيولوجي من دمشق إلى حمص، وعرضاً إلى البادية، وغرباً تحت لبنان، يعني نصف لبنان ثم إلى البادية، ومن دمشق إلى حمص هذا المستودع لإرواء هذه المدينة والآن ثلاثة متر مكعب بالثانية، يعني لما الله عز وجل:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

هذا فقرة بمنهج التفكر، فأنا أقترح عليكم الآيات الكونية أن تكتب على دفتر، وأن تجعل كل آية من هذه الآيات بنداً من بنود التفكر، اقرأ الآية: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

هذا بند، آية ثانية:

﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (5) ﴾

( سور النحل )

الحليب ومشتقاته، هذا اللقاء الطيب حول منهج التفكر، مجموع الآيات الكونية التي اختارها الله لنا في القرآن الكريم من بين مليارات الآيات هي منهجنا في التفكر، فإذا شخص أخرج هذه الآيات ثم كتبها على دفتر وحاول كل يوم أن يفكر فيها. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور