- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تتمة محاور القرآن الكريم التي تتعلق بالقضاء والقدر:
محورا الهدى والضلال:
أيها الأخوة، وقد صنفت في الدرس السابق مجموعة من الآيات التي تتعلق بالقضاء والقدر في خمس مجموعات، وقد تم بفضل الله ورحمته توضيح معاني المجموعات الثلاثة الأولى، وبقي علينا اليوم المجموعة الرابعة والخامسة من آيات القضاء والقدر, قال تعالى:
﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾
هذه الآيات من الآيات التي تحتاج إلى دقة في الفهم، فلو أن الإنسان فهمها فهماً محدوداً أو سريعاً، أو أخذها على ما يبدو له من معانيها، واعتقد أن الله سبحانه وتعالى هدى فلاناً، أو أضل فلاناً، وانتهى الأمر، وفلان لا حيلة له في هذا ولا في ذاك، هذا فهم خطير, لذلك الآيات المتشابهات آيات ينبغي أن يسأل عنها أهل العلم، وقد قال الله تعالى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
ليس للإنسان الحق أن يعتمد على فهمه وحده في فهم آيات القرآن الكريم، قد يكون فهمه محدوداً، أو معلوماته حول هذه الآية محدودة, فآيات الهدى والضلال هي:
﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
فهمها يحتاج إلى دقة بالغة.
الاستعمالات التي وردت في القرآن الكريم في معاني الهدى والضلال:
لدى تتبع نصوص القرآن الكريم نلاحظ أنه قد ورد فيها استعمال الهداية والضلالة في أربعة معاني:
المعنى الأول: الهداية بمعنى الدلالة، والإرشاد، والتعليم، والضلالة بمعنى الجهل بالحقيقة، والعمى عن طريقها، يقول ربنا سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
فهذا القرآن العظيم يدل المتقين على طريق سعادتهم.
ويقول تعالى في آية أخرى في سورة الضحى:
﴿وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى ﴾
وجدك غافلاً عن طريق هداية الناس فهداك.
آية ثالثة في سورة الحج, قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾
﴿وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾
من تولاه الشيطان فإنه يضله، أي يبقيه جاهلاً، يغطي عليه الحقائق، يسلك به طريق عذاب السعير.
المعنى الثاني: الهداية بمعنى وجود الشيء والعثور عليه، والضلالة بمعنى الضياع، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴾
معنى ضللنا في الأرض, أي ضعنا في الأرض تفتت أجزاؤنا، أنخلق خلقاً جديداً؟ قال الله عزّ وجل في آيات أخرى، يخاطب الكفار يوم القيامة:
﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾
﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾
أي ضاعوا عنا, لذلك حينما يُضل الله الإنسان، بمعنى أنه يبعده عن شركائه، هو لا يُضله عن ذاته، وإنما يضله عن شركائه، فحيثما وجدت أنّ الله عز وجل أضل فلاناً، أي أن فلاناً اعتمد على غير الله، وضع ثقته به، جعله إلهاً من دون الله، عندئذ في ساعات الشدة يبحث عنه فلا يجده، وهذا أمر معروف عند المؤمنين, بمجرد أن تضع ثقتك في مخلوق، وتنسى الله عزّ وجل، يضلك الله سبحانه وتعالى، أي يضلك عن هذا الشريك، تبحث عنه في الوقت العصيب فلا تجده، وهذا من رحمة الله عزّ وجل، ولو أنك وجدته في الوقت العصيب لعبدته من دون الله، وكان هذا طريق الهلاك، فالإنسان إذا اتكل على نفسه، أوكله الله إياها.
هناك من يعتمد على علمه، فيقع في حماقة ما بعدها حماقة، هناك من يعتمد على قوته، فيفضحه الله عزّ وجل في أضعف خلقه، هناك من يعتمد على ماله، فتأتيه مصيبة لا علاقة لها بالمال إطلاقاً، لا تحلها الأموال الطائلة، هناك من يعتمد على مكانته، يتعامل مع إنسان لا يعرفه إطلاقاً، ولا يقيم له وزناً، فكل من اعتمد على غير الله عزّ وجل، ووضع ثقته فيه أضله الله عنه، هذا هو المعنى الثاني من معاني الضلالة.
المعنى الثالث: تُستعمل كلمة الهدى، بمعنى أثبت الهداية وحكم بها، وتستعمل كلمة أضل، بمعنى أثبت الضلالة وحكم بها، فلان هداه الله، بمعنى أنه حكم عليه بالهداية، أضله الله حكم عليه بالضلالة، هذا هو المعنى الثالث من معاني الهداية والضلالة، مثلاً يقول الله عزّ وجل:
﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ﴾
حكم بعض المؤمنين على بعض المنافقين بالإيمان، والله سبحانه وتعالى حكم عليهم بالضلالة, قال تعالى:
﴿ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ﴾
هذه الآية, تعني أن المؤمن ظن بهذا المنافق ظناً حسناً، فحكم عليه بالإيمان، والله سبحانه وتعالى لأعماله وبعده وعداوته، حكم عليه بالضلالة.
آية أخرى تؤكد المعنى الثالث من معاني الهداية والضلالة, قوله تعالى:
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾
أي إن الذي ضلت نفسه عن الله عزّ وجل، حكم الله عليه بالضلالة، أنت إذا رأيت إنساناً تائهاً ضائعاً، تقول: هذا ضال، بمعنى أنك حكمت عليه بالضلال.
مصير إرادة الإنسان أمام إرادة الله:
هناك نقطة مهمة جداً في أمور العقيدة، هو أن الفعل بيد الله، فإذا عزي الفعل إلى الله عزّ وجل، بمعنى أنه سمح بحدوثه, أخذ الله سبحانه وتعالى منذ خلقنا على نفسه عهداً أن يعطينا سؤلنا، فكل إنسان أعطاه الله مشيئة حرة، هذه المشيئة الحرة، تحتاج إلى قدرة كي تتحقق، و القدرة هي قدرة الله عزّ وجل، فإذا أراد الإنسان بمشيئته الحرة أن يكون ضالاً، فلا بد بحكم الأمانة التي أوكلنا الله إياها، والتي هي التكليف، لا بد من أن يُمد الله الإنسان بقدرة يحقق بها اختياره.
هذا هو المعنى الذي يستفاد من كلمة أضله الله، فإذا عُزيت الهداية والضلالة إلى الله عزّ وجل، فمن باب أن كل شيء لا يحدث إلا بأمره، ولا يحدث إلا بإرادته، وأنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن نكون أحراراً في مشيئتنا، فإذا شاء أحدنا الهداية, هداه الله, بمعنى أنه وفقه للوصول إليها, وإذا شاء أحدنا الضلالة - لا سمح الله - أضله الله, بمعنى يسّر له، هذا هو المعنى الثالث من معاني الهداية والضلالة, قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
إذاً: لا يقع في الكون شيء إلا إذا أراد الله ذلك، وإذا أراد شيئاً لا بد من أن يقع, هناك ترابط دقيق بين إرادة الله في حدوث شيء وبين حدوثه، لذلك يؤمن المؤمن أن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء لم يقع، لم يُرده الله، وأنّ كل ما أراده الله لا بد أن يقع، وأنّ إرادة الله متعلقة بحكمته، ومتعلقة بعلمه، ومتعلقة برحمته، ومتعلقة بعدالته.
قال بعضهم توجيهاً آخر لهذه الآيات: هو أن إذا عزا الهدى والضلال إلى الله عزّ وجل فهذا هو الهدى الجزائي والضلال الجزائي, قال تعالى:
﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
اختاروا الضلالة، فجازاهم الله أن يكونوا بحالة الضلال، اختاروا الهداية فأكرمهم الله عزّ وجل بأن جعلهم مهتدين.
لكم أن تقولوا: إن مدير المدرسة هو الذي رسب الطالب الكسول، ولكم أن تقولوا: لقد رسب هذا الطالب، فإذا عزوت فعل الرسوب إلى الطالب، فلأنه هو السبب، ولأن إهماله، وكسله، وتوانيه عن الاجتهاد هو الذي جعله يرسب، وإذا عزوت فعل الرسوب إلى الإدارة، فلأنها هي التي نفذت، وقررت وأقرت، ووافقت وفق مبادئ العدالة والرحمة، إذًا: يمكن أن تعزو الفعل إلى الله عزّ وجل، بمعنى أنه سمح بحدوثه، وأن كل فعل لا يقع إلا إذا أراده الله، وإذا عزوت الفعل إلى الإنسان فبمعنى أن هذا من كسبه، وهو المسؤول عن ذلك، والأمور لها مقدمات ولها نتائج، فمن سلك في المقدمات وصل إلى النتائج.
هذا شيء بسيط جداً، فآيات الهدى والضلال يجب أن تُفهم على حقيقتها، أما أن تلتقي بإنسان، وتقول له: أخي لماذا لا تصلي؟ فيقول لك: الله ما هداني, ما الدليل؟ يقول: يهدي من يشاء، ويضل من يشاء, هذا هو الفهم الخطير الساذج المحدود الذي ما أراده الله عزّ وجل, لذلك يجب على الإنسان أن يتعلم المعاني الدقيقة التي جاءت في كتاب الله.
الرد من الكتاب على من يزعم بأن الله هو الذي يضل الإنسان:
ما أكثر الآيات في كتاب الله المتعلقة بالهدى والضلال، فالإنسان دائماً إذا فعل المعاصي والموبقات، وانحرف في سلوكه، وأخذ ما ليس له، واعتدى على أموال الناس، وعلى أعراضهم، يميل دائماً إلى أن يحمل فجوره على ربه، ويميل دائماً إلى أن يعزو هذه الضلالات إلى الله, يقول تعالى:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
أين الدليل؟.
أذكركم مرة ثانية بقول الإمام الحسن بن عليّ رضي الله عنه: ((من أنكر القضاء والقدر فقد كفر، ومن حمل ذنبه على الله فقد فجر, إنّ الله تعالى لا يُطاع استكراهاً، ولا يُعصى بغلبة، فإن العباد أطاعوه لم يحل بينهم وبين طاعتهم، وإن عصوه فليس هو الذي أجبرهم على المعصية، لو أجبرهم على الطاعة سقط الثواب, ولو أجبرهم على المعصية سقط العقاب، ولو تركهم هملاً لكان هذا عجزاً في القدرة، إنهم إذا أطاعوه فله المنةُ والفضل، وإن هم عصوه فعليهم الحجة الدامغة)).
هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في موضوع الاختيار والتسيير، الإنسان مخير أرادت مشيئة الله أن تكون ذا مشيئة أيها الإنسان، فالذي تفعله تحاسب عليه، لأنك مخير في فعله أو عدم فعله.
ما معنى المصيبة وما هو الهدف منها ؟
شيء آخر متعلق بمعنى الضلالة والهداية, وهو قوله تعالى:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾
هذه الآية دقيقة جداً, لأن بعض الناس يفهمونها فهماً مغلوطاً, فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾
المصيبة هنا نكرة، ومعنى التنكير هو الشمول، فكل أنواع المصائب على وجه الأرض من دون استثناء، مصيبة في المال، مصيبة في الصحة، مصيبة في الأولاد، مصيبة مادية، مصيبة معنوية، مصيبة طفيفة، مصيبة كبيرة، مصيبة فردية، مصيبة جماعية، الزلزال مصيبة، والفيضان مصيبة، والقحط مصيبة، والمرض مصيبة، والشقاق الزوجي مصيبة، والولد العاق مصيبة، وفقد المال مصيبة، والمرض الخطير مصيبة، والمرض الطفيف مصيبة، والهم والحزن مصيبة, قال تعالى:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾
آفة زراعية قضت على المحصول كله مصيبة، صقيع جاء لدقائق معدودة فقضى على موسم الفاكهة في هذه المنطقة كلها مصيبة, قال تعالى:
﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
فهذه كلها مصائب، بمعنى أنها تصيب الهدف، أصاب يصيب إصابة ومصيبة، فحينما سُميت مصيبة, لأنها تصيب مكان الداء, فالمتكبر قد تأتيه مصيبة تذل كبرياءه، والمبذر قد تأتيه مصيبة تفقره ليعرف قيمة المال، والذي يعتدي على أعراض الناس قد تأتيه مصيبة فيها عدوان على عرضه, فمعنى مصيبة، أنها محكمة، وأنها مسددة، وأنها صائبة، وأنها من يد خبيرة، عليمة، حكيمة، بصيرة، عادلة.
ما الحكمة من هذه المصائب ؟
يغفل الإنسان أحياناً عن معنى المصيبة، يقول لك: مصائب, نعم كلها أصابت الهدف، كم من إنسان لولا هذه المصيبة لما توجه إلى القبلة, لولا هذه المصيبة لما كفّ عن أعماله السيئة, قال تعالى:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾
كل إنسان له عند الله صحيفة أعمال، كما لو أن الطبيب مر على المرضى في المستشفى، فكان على كل سرير لوحة فيها أحدث الفحوص, ضغطه، حرارته، نسبة الشحوم في الدم، نسبة بعض المواد في الدم، يلقي الطبيب على هذه الورقة، أو على هذا الكتاب، ويقرر العلاج المناسب, قال تعالى:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾
فكل مصيبة وقعت في الأرض مبنية على حالة راهنة تلبست بها النفس، فقبل أن تقع المصيبة هناك حكيم قررها، هناك عليم قررها، هناك خبير سمح بها، هناك إله عادل أراد أن ينزلها، كل الشظايا عند الله عزّ وجل مصيبة، وليست طائشة، حادث مثلاً, كان في ساعة غفلة، الغفلة مقصودة، فربنا عزّ وجل يقول:
﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾
نبرأها, أي قبل أن تقع المصيبة، هناك تعلقت إرادة الله عزّ وجل التي تعلقت بحكمته، ورحمته، وعدالته، وعلمه، وخبرته, قال تعالى:
﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾
لأنه هو خالق الأكوان، لكن بعض العلماء قالوا: معنى يسير هنا، أي على رحمته، إذاً: المصيبة هنا بمعنى أنها أصابت الهدف، وأنه يسير على الله عزّ وجل أن ينزل بعباده مصيبة تمحق أموالهم من أجل أن يهتدوا إليه، لأنه أعدّ لهم في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء لا توزيع جزاء:
لو علمت علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى قد خلقك لحياة أبدية، وأن في هذه الحياة ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، عندئذ هانت عليك مصائب الدنيا.
يقول سيدنا علي كرم الله وجهه لسيدنا الحسن: ((يا بني ما خير بعده النار بخير، وما شر بعده الجنة بشر، وكل نعيمٍ دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية))، و الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، فليس الغني مكرماً عند الله لأنه غني، وليس الفقير مهاناً عند الله لأنه فقير، إن حظ المال، وحظ العلم، وحظ الجاه، وحظ الصحة، وحظ الجمال، موزعة توزيعاً فيها حكمة، وعدالة حيث يبتلى كل إنسان بهذا الحظ، لكن هذه الحظوظ سوف تُوزع على البشر توزيعاً جزائياً يوم القيامة وإلى الأبد.
درس الغد إن شاء الله:
بقي علينا إن شاء الله تعالى درس أخير من دروس العقيدة حول ما تجري به المقادير الربانية، مما ظاهره شر وهو في حقيقة أمره خير، وبقي علينا مسؤولية الإنسان عن أعماله الإرادية، والتوكل والاعتماد على الله، وأثر الإيمان بالقضاء والقدر في حياة المؤمن، هذه الموضوعات كلها متممات.
وهذا الدرس الذي سوف نتناوله إن شاء الله تعالى قريباً، وبعدها ننتقل إلى موضوعات أخرى.