- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المحاور التي تدور عليها الآيات حول موضوع القضاء والقدر:
1- محور هداية الناس جميعاً:
أيها الأخوة، هناك خمس مجموعات من آيات القرآن الكريم تتعلق بالقضاء والقدر، تتمحور كل مجموعة حول محور, هذه المجموعات هي:
المجموعة الأولى: بين الله فيها أن الله عزّ وجل أنه لو شاء لهدى الناس جميعاً, قال الله تعالى:
﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً﴾
وفي آية أخرى, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾
وفي آية أخرى, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً﴾
قد يأتي سائل, ويسأل لماذا لم يشأ الله ذلك؟ هذه الآيات من الآيات المتشابهات التي تحتاج إلى تأويل, وتفسير, وتوضيح, يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾
ويقول في آية أخرى:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
قال تعالى:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
أيها الأخوة، فهي كما قلت قبل قليل من الآيات المتشابهات، ومعنى المتشابهات، أيْ التي يجب أن تسأل عنها، لئلا يتبادر إلى ذهنك فهم سطحي ساذج محدود من أن الله عزّ وجل لم يشأ الهداية، أراد أن يجعل الناس ضالين مُضلين, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾
ما الذي حصل؟ هذه / لو / حرف امتناع لامتناع، أي امتنعت هداية الخلق لامتناع مشيئة الله, ليس هذا هو المعنى المراد, إذا تأملنا في واقع الأمر يتبين لنا احتمالات ثلاثة للمشيئة الربانية:
الاحتمال الأول: أن تكون مشيئة الله هي جعل الناس مجبرين على سلوك طريق الهداية، دون أن يستطيعوا غير ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجبرهم على طاعته، وقادر على أن يجبر الناس على سلوك طريق الهدى.
فشيء بسيط جداً, نسبة لقدرته جلّ وعلا، أن يجبر الناس على طاعته، كان ممكناً لمشيئة الله عزّ وجل أن تكون هكذا، ولكنها لم تكن.
الاحتمال الثاني: ويُمكن أن تكون المشيئة في جعل الناس مجبرين على سلوك طريق الضلالة.
الاحتمال الثالث: ويمكن أن تكون مشيئة الله عزّ وجل في أن يجعل الناس مخيرين، فمن شاء منهم اختار بإرادته الحرة طريق الخير، ومن شاء منهم اختار بإرادته الحرة طريق الشر.
هناك ثلاث احتمالات لمشيئة الله عزّ وجل في هذا الموضوع, فالله سبحانه وتعالى لم يشأ أن يجبر عباده على طريق الطاعة، فإذا كان لم يشأ أن يجبر عباده على أن يسلكوا سبيل الطاعة, فهو كذلك لم يشأ أن يجبر عباده على سلوك سبيل المعصية, إذا لم يشأ أن يجبر عباده على طاعته، ليس معنى هذا أنه شاء أن يجبرهم على معصيته، لا, ليس هذا هو البديل، ليس هذا هو المقابل، ليس هذا هو الاستنباط العكسي، هذا فهم ساذج, بل شاء لهم أن تكون لهم مشيئة حرة يختارون بها طريق الهداية، أو طريق الضلال, أي شاء أن يجعلهم أحراراً في اختيارهم.
إليكم بعض الأمثلة للتوضيح:
أضرب بعض الأمثلة, الجامعة بإمكانها ضمن حدود قدرتها، أن تجعل جميع الطلاب ينجحون بعلامات تامة، شيء في منتهى البساطة، توزع على الطلاب أوراق الأسئلة، وأوراق الإجابة مطبوع عليها الإجابة الكاملة، وما على المدرس إلا أن يضع على كل ورقة مئة من مئة، يقول رئيس الجامعة: لو شئت لجعلت جميع الطلاب ينجحون نجاحاً ممتازاً، ولكن لو فعلت ذلك فأين قيمة الجامعة حينئذ؟ هل لهذا النجاح أي قيمة عند الطلاب؟ هل لهذا النجاح قيمة عند إدارة الجامعة؟ هل لهذا النجاح قيمة عند الناس؟ هل لهذه الشهادة التي يحملها خريجو الجامعة أية قيمة؟
فلو أجبـر ربنا سبحانه وتعالى عباده على طاعته لأصبح التكليف باطلاً، وأصبح الابتلاء باطلاً، وأصبح الامتحان باطلاً، وصار مجيئنا إلى الدنيا عبثاً، ولبطل الثواب، وسقط العقاب، وبطل الوعد والوعيد، وعطّلت نواميس الكون، وسقط الإنسان، وصار في مستوى الحيوان, قال تعالى:
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾
ولكننا لم نفعل، ومشيئتنا لم تكن كذلك، كان من الممكن أن تكون هذه مشيئتنا، لكن هذه المشيئة لم تتعلق بها حكمتنا, ليس من الحكمة أن نشاء ذلك, فإذا خفي على الإنسان هذا الكلام، هذا القرآن يحتاج إلى من يعلمك إياه، يحتاج إلى من يفسره لك, قال تعالى:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
إذا وزعنا مذياعاً ليس له إلا محطة واحدة، لم يكن للمستمع أيّ اختيار, أما إذا كان هناك عدة محطات، هذا استمع إلى قرآن، وهذا استمع إلى غناء، أصبح هناك اختيار، كشفت النفوس، أما بمحطة واحدة لم يعد هناك خيار, إذاً: ولو شئنا أن تكون الأنفس كلها مفطورة على سلوك سبيل الهداية فقط، لسلبناها منحة الاختيار، وقدرة الكسب، ولجعلناها أنفساً مجبرة لا اختيار لها، ولو جعلناها كذلك لكان من مقتضى الحكمة، أن نؤتي كل نفس هداها، لو أننا أردنا أن نسلبها حرية الاختيار، لكان مقتضى الحكمة أن نؤتي كل نفس هداها، ولكن تمت الحكمة بأن توهب هذه الأنفس الاختيار الحر، والقدرة على الكسب، ضمن دائرة التكليف فقد حق القول مني أن الذي يختار سبيل الشر، وطريق المعصية، فسوف يدخل النار, الاختيار فيه مسؤولية أنت حينما تجبر الإنسان على فعل معين، لن تستطيع أن تحاسبه إطلاقاً، أما إذا خيرته فعندئذٍ تأتي المسؤولية، ويأتي الحساب، ويأتي الجزاء, قال تعالى:
﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
شاءت مشيئة الله عزّ وجل أن يكون الإنسان ذا مشيئةٍ حرة، إن اختار طريق الخير، سعد في الدنيا والآخرة، وإن اختار طريق الشر، دخل جهنم، وخلد بها إلى أبد الآبدين، قال تعالى:
﴿ولكن حق القول مني﴾
لأنني منحت الإنسان مشيئة حرة, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾
ما هي الحكمة في اختلاف الناس فيما بينهم طالما كانوا أحراراً في الاختيار ؟
الآية الثانية, قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾
إذاً:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾
﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾
﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾
الأمر واضح كالشمس, لِمَ هم مختلفون؟ قد يتوقف الإنسان ويقول: يا ربي جلت حكمتك، لماذا أردت البشر أن يكونوا مختلفين في المذاهب والاتجاهات والنظريات والخصومات؟
الجواب: هذا هو الاختيار، لأنني منحتهم الاختيار، الاختلاف فيما بينهم نتيجة طبيعية لمنحهم حرية الاختيار، قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
لو أنّ الله سبحانه وتعالى أجبر عباده على طاعته، لأ لغي التكليف, وألغي الابتلاء، ولكن لم يشأ ذلك، لماذا؟
﴿ليبلوكم ﴾
ليمتحنكم و ليكشف خبايا نفوسكم، وليميز الخبيث من الطيب, قال تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾
إذًا: حرية الاختيار من أجل الابتلاء، ومن لوازم حرية الاختيار الاختلاف بين الناس، وحرية الاختيار تنفــي الإكراه في الدين، وحرية الاختيار تقتضي المسؤولية.
2- محور عقيدة أهل الشرك:
وأما المجموعة الثانية: فقد أورد القرآن الكريم تعلل المشركين بمشيئة الله تعالى في إشراكهم، وفي عبادتهم لغير الله فاعتقدوا أنّ الله خلقهم مشركين، وأجبرهم على الشرك، هذه عقيدة أهل الشرك، هذه الآية التي سأتلوها عليكم تنفي عقيدة الجبر، التي تقول: إن الإنسان ريشة في مهب الرياح, يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
ألا تستمعون لأكثر الناس يقولون: يا أخي هذا أضله الله، ما هذا الكلام؟ خلقه الله كافراً، خلقه مشركاً، خلقه ضالاً، قال تعالى:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾
سمى ربنا سبحانه وتعالى هذه العقيدة كذباً, وسماها تكذيباً, وأوعد هؤلاء المكذبين أن يعاقبهم على هذا التكذيب, ما الدليل؟
﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾
أيها الأخوة، لولا الدليل لقال من شاء: ما شاء, منهج البحث في الإسلام, إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مبتدعاً فالدليل, هؤلاء الذين يزعمون أن الله أجبرهم على الشرك, فربنا عزّ وجل يطالبهم بالدليل:
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
سوف تأتيكم الحجة الداحضة لافتراءاتكم وكذبكم, قال تعالى:
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
لم تتعلق مشيئة الله أن يجبرك، ولكن مشيئته تعلقت بأن يجعلك مُخيّراً, مرة ثانية, هذه الآية محكمة، صريحة، واضحة في نفي الجبر عن الإنسان.
أيها الأخوة, هاتان الآيتان تشكلان المجموعة الثانية المتعلقة بالقضاء والقدر، والتي هي صريحة أشد الصراحة في نفي الجبر عن الإنسان, وفي منحه حرية الاختيار، والدليل تتمة الآية الأولى:
﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
هل معنى هذا أنه أجبركم؟ إنه إذا أجبركم بَطَلَ الثواب، وإن أجبركم كما تزعمون على المعصية
والشرك لبطل العقاب، بل له الحجة البالغة عليكم لأنه خيَّركم, قال تعالى:
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
3- محور المشيئة الربانية:
المجموعة الثالثة من الآيات المتعلقة بالقضاء والقدر, قوله تعالى في سورة الكهف:
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً﴾
الآية الثانية:
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾
﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾
أيها الإنسان, أنت مُخير، فإذا شئت طريق الحق, فطريق الحق مسلكه أمامك, قال تعالى:
﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾
لهذه الآية الكريمة معنيان:
الأول: أن مشيئة الإنسان هي مشيئة اختيار، ولكن مشيئة الواحد القهار هي مشيئة فحص واختبار، فإذا شئت أنت طريق الجنة، يتفحص الله سبحانه وتعالى صدقك، وإمكاناتك، والثمن الذي تدفعه لهذه المشيئة، فإذا كان الثمن وافياً، والصدق كافياً، والأهلية تامة، شاء لك الذي شئته أنت، وإن لم تكن صادقاً في هذه المشيئة، ولم تدفع ثمن الهداية، ولم تؤد ما عليك من موجباتها، عندئذٍ مشيئة الله عزّ وجل، لا تشاء لك هذه المشيئة الكاذبة، وهذا هو المعنى الأول, قال تعالى:
﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾
المعنى الثاني, وهو الذي يرتبط بدرسنا أكثر: لكن هذه المشيئة الحرة التي مُنحتم إياها، والتي هي سبب سعادتكم، وسبب رقيكم في الآخرة، هذه المشيئة الحرة من خلق الله عزّ وجل، ولولا المشيئة الحرة لما ارتقيتم إلى الله عزّ وجل, ولما نعمتم في الجنة، ولما ارتقيتم إلى رب الأرض والسموات
إلى الدرس القادم إن شاء الله:
أيها الأخوة، بقي علينا مجموعتان مهمتان من الآيات القرآنية المتعلقة بالقضاء والقدر، وقد أنهينا منها ثلاث مجموعات في هذا الدرس، وسوف ننهي بقية هذه الآيات في الدرس القادم إن شاء الله تعالى وتفضل علينا بذلك.