وضع داكن
26-04-2024
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 57 - الإيمان باليوم الآخر 13- منكري البعث والرد الإلهي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ربما يسأل سائل:

 أيها الأخوة, نحن في الفصل الخامس من باب الإيمان باليوم الآخر، وربما يسأل أحدكم هذا السؤال: لماذا أَطلنا في موضوع الإيمان باليوم الآخر؟ الجواب: أن الإيمان باليوم الآخر ركن أساسي جداً من أركان الإيمان، لأنك إذا آمنت بالله واليوم الآخر استطعت أن تجيب عن أسئلة كثيرة جداً، وكل الاستفهامات، وكل الفجوات تتلاشى إذا آمنت باليوم الآخر، فإذا أغفلنا عن الإيمان باليوم الآخر تنشأ الأسئلة، والاستفهامات، وعلامات التعجب، وعلامات الحيرة على وجوه الناس، فلذلك حينما يؤمن الإنسان باليوم الآخر ينقل اهتماماته كلها إلى الدار الآخرة، فإذا نقلها كلها إلى الدار الآخرة بث الله في قلبه طمأنينة لا يعرفها إلا من ذاقها.
 إذا آمنت بالله واليوم الآخر, وقفت عند كل موقف, هل يرضى الله عن هذا الموقف؟ فإذا آمنت بالله واليوم الآخر ضبطت نشاطك كله، ضبطت طاقاتك، ضبطت قدراتك، ضبطت أموالك، فلذلك في أكثر الآيات التي تذكر أركان الإيمان, يأتي الإيمان باليوم الآخر مقرونًا بالإيمان بالله، هذا هو السبب في الإطالة في هذا الموضوع.

ما معنى البعث حق ؟

  بادئ ذي بدء، لقد أجمع أهل الملل والشرائع السماوية بحسب أصولها الصحيحة على أن البعث حق، فما معنى البعث حق؟ أي لا بد أن يبعثنا الله عزّ وجل، ومعنى حق: أنه محقق وقوعه لا شك فيه، والبعث - كما تعلمون - أمر جائز الوقوع عقلاً، وقد جاءت جميع الأخبار الربانية الصريحة والصحيحة والقاطعة، في جميع الأصول الصحيحة للأديان والشرائع السماوية بأن البعث من الأمور المقررة المقضي بها بقضاء الله وقدره، أي أن الله عزّ وجل لا بد أن يبعث عباده جميعاً ليحاسبهم عن كل ما اقترفوه من خير وشر.

الدليل العقلي على البعث:

 فالبعث ممكن الوقوع عقلاً، والنقول الصحيحة تؤكد وقوعه، كما أن المفكرين الذين أعملوا فكرهم، وحكّموا عقولهم في الأمور يستنبطون بالدليل العقلي أن الإيمان باليوم الآخر له دليل نقلي، ودليل عقلي, بالدليل العقلي تعرف الله عزّ وجل، وهذا الذي عرفته يخبرك في كتابه القطعي الثبوت، القطعي الدلالة أنه لا بد من يوم يبعث الناس فيه ليحاسبوا على أعمالهم, وأقوى دليل عقلي على الإيمان باليوم الآخر أن هذه الحياة الدنيا فيها مظلوم وفيها ظالم، فيها فقير وفيها غني، فيها قوي وفيها ضعيف، فيها صحيح وفيها مريض، فيها معذب وفيها مرفه، وأن كثيراً من الناس يأتيهم الموت قبل أن ينالوا حقهم، وبما أن الخالق العظيم لا بد أن يكون عادلاً، ولا بد أن يكون حقاً، وهو الذي اسمه الحق، فلا بد أن يعطي كل ذي حقٍ حقه من خلال أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى, ولا بد من حياة الآخرة توزع فيها الحظوظ توزيع جزاء، بعد أن وُزِّعت في الدنيا توزيع ابتلاء, فالذي نلته في الدنيا، إنما نلته لكي تُمتحن به، و سيأتي يوم تجازى على عملك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

منكرو البعث وهم على ثلاث فرق:

1- الفئة التي أنكرت وجود الخالق:

 هناك من أنكر البعث، ونعني بالبعث اليوم الآخر، وهم على ثلاث فرق:
 الفرقة الأولى: أنكرت الخالق، ومن باب أولى أنها تنكر اليوم الآخر، وربنا عزّ وجل وصف هؤلاء فقال:

﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة الجاثية الآية:24-26)

 هذه الفرقة الأولى, أنكرت وجود الله عزّ وجل, وأنكرت بالتالي يوم الحساب واليوم الآخر، هذه الفرقة أنكرت بلا دليل، نظرية ساذجة بدائية، خلاصتها: أن الإنسان شكل من أشكال المادة المعقدة, الإنسان مادة معقدة، كيف أن الخشب مادة، والحديد مادة، والنبات مادة، إلا أنه أكثر تعقيداً؟ قال الله:

﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة الجاثية الآية:24-26)

عدم تطبيق غالبية الناس لمنهج دينهم يعرضهم هذا على خطر على عقائدهم:

  أيها الأخوة، هذه العقيدة عقيدة الملحدين، قلما تجد في العالم الإسلامي من ينكر بلسانه أنه لا إله, ولكن معظم الناس لا أقول معظم المسلمين - حاشا لله - يتصرفون، ويتعاملون، ويأخذون، ويدفعون، وكأن الدنيا هي كل شيء، وليس بعدها شيء, قال الله:

﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾

( سورة الجاثية الآية: 24)

 تملك قرشاً فقيمتك قرش، لا تملك قرشاً فلا قيمة لك، هكذا يقول الناس: الدراهم مراهم، إنها مجرد كلمات مألوفة، لكن في الحقيقة لو تعمقنا في هذه الكلمات لوجدنا فيها إنكار ليوم آخر، يحاسب فيه الناس حساباً دقيقاً.
 فهذا الذي يأخذ ما ليس له، لو أنه آمن أن هناك يوماً آخر يحاسب فيه الإنسان حساباً عسيراً لما فعل هذا، هذا الذي يعتدي على أعراض الناس، هذا الذي يعتدي على أموالهم، هذا الذي يبني مجده على أنقاضهم، هذا الذي يبني غناه على فقرهم، لو عرف أن هناك إلهاً سيوقفه يوم القيامة، ويحاسبه عن كل درهم لما تجرأ على فعل ذلك، قال عز وجل:

﴿إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾

(سورة فُصّلت الآية:40)

 النقطة الدقيقة: أن هناك أناس كثيرون يتصرفون، ويتحركون، وكأن الحياة الدنيا هي كل شيء، هذا تكذيب عملي, هناك تكذيب اعتقادي، وهناك تكذيب عملي، فالتكذيب العملي خطير جداً، لأنه في النهاية يحدث النتيجة التي يحدثها الإنكار اﻹعتقادي، فالإنكار الاعتقادي أن تقول: أنا لا أؤمن باليوم الآخر.

2- الفئة التي تعترف بوجود الخالق وتنكر البعث:

 الفرقة الثانية: يعترفون بوجود الخالق، ولكهم يشركون به، وينكرون البعث، قال تعالى يصف حالهم:

﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾

(سورة ق الآية:2-3)

 مستحيل, شيء عجيب! أن يخلقنا الله مرة ثانية, أن يبعثنا من جديد !.

3- الفئة التي تعترف بوجود الخالق ولكنها تنكر الطبيعة المادية للبعث:

 الفرقة الثالثة: تعترف بوجود الخالق ووحدانيته، ولكنها تنكر البعث الجسدي، أي أن الآخرة حالات نفسية، ليس هناك حياة مادية ثابتة، دلهم عقلهم إلى هذا الاعتقاد, لا يجوز للعقل أن يحكم في الأمور اﻹعتقادية، والعقل ليس من إمكاناته، ولا من اختصاصه أن يثبت أو أن ينفي شيئاً في أمور العقيدة، ولا أن يثبث ولا أن ينفي شيئاً في العبادات، لأنه قد يضل, وقد يغفل، وقد يعطل، وقد يزور.
 فالعقيدة تثبت بالنقل من خلال الكتاب والسنة، والعبادات تثبت بالنقل، لكن العقل مفوض أن يفهم العقيدة، وأن يفهم العبادة، وأن يستنبط الأحكام التفصيلية من الأحكام الكلية, لذلك هؤلاء بعقولهم القاصرة نفوا أن تكون هناك حياة مادية جسدية بعد الموت.

كيف رد البيان الإلهي على منكري البعث ؟

1- بلفت نظر هؤلاء إلى خلق السموات والأرض:

 هذه الإنكارات الثلاثة إنكارات تافهة، لا تقف على قدميها، إنكارات ليست ذات أساس متين، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى ناقشهم في القرآن الكريم بأسلوب عجيب غريب، فكشف مصادر أوهامهم، وأظهر فساد تفكيرهم، وردهم بالحجة الدامغة، فهؤلاء الوجوديون الماديون، الذين ينفون الخالق واليوم الآخر، كيف ردّ الله عليهم؟ رد عليهم بأن لفت نظرهم إلى خلق السموات والأرض.
  يعد الإيمان باليوم الآخر بالنسبة لمنكري وجود الله عزّ وجل شيئاً ثانوياً، وربنا عزّ وجل ترك موضوع الإيمان باليوم الآخر، ولفت نظرهم إلى خلق السموات والأرض، فإذا أيقنت بأن السموات والأرض لا بد لها من خالق عظيم، عليم، حكيم، رحيم، لطيف، ثم إذا أخبرك هذا الخالق العظيم أنه لا بد من حياة أخرى، عندئذٍ يكون إيمانك باليوم الآخر إيماناً تصديقياً، بعد أن كان إيمانك بالله إيماناً تحقيقياً، والفرق كبير جداً بين الإيمان التحقيقي المبني على الحجة والاستدلال والبرهان والدليل القطعي، وبين الإيمان التصديقي المبني على التسليم لمن آمنت بوجوده.
 فالحقيقة الأولى، حقيقة وجود الخالق العظيم، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

2- بنفي العبث في الكون:

 الحقيقة الثانية، ارتباط وجود الله سبحانه وتعالى بقدرته القادرة، وعلمه المحيط بكل شيء، وصدق وعده ووعيده، وصفة عدله بين خلقه، وحكمته العظيمة التي منها أنه لم يخلق هذا الكون عبثاً:

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾

(سورة المؤمنون الآية: 115)

 ومتى حصل التسليم بهاتين الحقيقتين, حقيقة وجود الخالق العظيم، وحقيقة أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى, حصل العلم بأخبار الله الثابتة التي بلّغها الرسل المؤيدون بالمعجزات الباهرات، عندئذٍ وصلنا إلى الإيمان باليوم الآخر، يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾

(سورة ق الآية: 5-6)

 ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية بيننا وبين أحدث مجرة اكتشفت قبل سنوات، تقدير أولي لعلماء الفلك أن هنالك مليون مجرّة، وفي كل مجرّة مليون مليون نجم، وأن سرعات هذه المجرات تقترب من سرعة الضوء، حيث إن هذه المجرات بأكملها تدور حول نقط وهمية في الفضاء الخارجي بسرعة تزيد عن مائتين وأربعين ألف كيلو متر بالثانية, قال الله:

﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾

(سورة ق الآية: 5-11)

 وهكذا تبعثون يوم القيامة، وهذا الخالق العظيم قادر على أن يخلقكم كما خلق السموات والأرض, قال الله:

﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾

( سورة النازعات الآية: 27-28)

أسئلة المتوهمين حول موضوع البعث والرد عليهم من القرآن:

التوهم الأول, يقولون: بأن القدرة التي خلقت الإنسان تعجز عن إعادته مرة ثانية:

 هناك من توهم أن القدرة التي قدرت على ابتداء خلق الإنسان لا تقدر على إعادته كرة ثانية، وإن إعادة الخلق بعد فنائه أصعب من ابتدائه.

الرد الإلهي على هذا التوهم:

1- بأن إعادة الخلق أو تكوينه شيء يسير على الله بل الإعادة أهون:

 الله سبحانه وتعالى رد على هؤلاء بأكثر من دليل وهم:
 الرد الأول: وهو أن هناك واقع التساوي بين الإعادة والبدء، بل إن الإعادة أهون، ومن هؤلاء الذين تكلموا في شأن الإسلام وأكثروا الوليد ين المغيرة وغيره,

" فقال لهم أبي بن خلف: ألا ترون إلى ما يقول محمد: إن الله يبعث الأموات، ثم قال: واللات والعزى لأسيرن إليه ولأخاصمنه، وأخذ عظماً بالياً، فجعل يفتته بيده، ويقول يا محمد: أترى الله يحيي هذا بعد ما رم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم يحييه، ويبعثك، ويدخلك جهنم "

( ورد في الأثر )

 فأنزل الله تعالى في إقامة الحجة على هؤلاء قوله في سورة يس:

 

﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾

 

(سورة يس الآية: 78-79)

 إذاً: من توهم أن الإعادة أصعب من البدء، فقد ردّ اللهُ عليه بهذه الآية.
 الرد الثاني من آية أخرى, قال عز وجل:

 

﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾

 

(سورة مريم الآية: 66-67 )

 وهذا رد ثالث:

 

﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾

 

(سورة الروم الآية: 27)

 في حق البشر يحق لنا أن نقول: إن صنع الشيء مرة ثانية أهون مِن صنعه للمرة الأولى، لكن في حق الله عزّ وجل:

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾

( سورة يس الآية: 82)

 لذلك فسر بعضهم هذه الآية الكريمة: أنه كلما فكرت في ملكوت السموات والأرض، وعرفت طرفاً من عظمة الله عزّ وجل، بدا لك أن الإعادة أهونُ مما كنت تعرف من قبل:

﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

( سورة الروم الآية: 27)

2- لفت نظرهم بأن خلق السموات والأرض أعظم من خلق الإنسان أو بعثه:

 الرد الثاني, أن خلق السموات والأرض أعظم من خلقهم، أو مِن بعثهم، أو مِن إعادة خلقهم, قال الله:

﴿أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

(سورة الأحقاف الآية: 33)

 

التوهم الثاني, يقولون: بأن الخالق قد أصابه الإعياء بعد الخلق:

 التوهم الثاني, الذي ورد في القرآن الكريم أن بعضهم توهم أن خلق السموات والأرض، وخلق الأحياء قد أصاب الخالق بالإعياء, أي تعب, قال تعالى:

﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾

(سورة الإسراء الآية: 43)

 

الرد الإلهي على هذا التوهم بكل بساطة ووضوح:

 وقد رد القرآن الكريم على هذا التوهم ببساطة ووضوح، فقال:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

( سورة الأحقاف الآية: 33)

  وقال سبحانه:

 

﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾

 

( سورة ق الآية: 15)

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ﴾

( سورة يس الآية: 82)

" عبدي خلقت لك السموات والأرض، ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ "

( ورد في الأثر )

 خلق المجرات أصعب أم خلق القمح, أم إنزال الأمطار, أم إنبات الأرض؟ هؤلاء المتشائمون الذين يصدقون ما يقولون، أن هناك تفجراً سكانياً في الأرض، وأن هناك كميات في الغذاء، وسوف تنقضي، وأن هناك مجاعة عظمى سوف تعاني منها البشرية، وأن الأمور تزداد تعقيداً، هؤلاء ما عرفوا الله:

" وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطنّ عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي, وكنت عندي مذموماً، لي عليك فريضة، ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك "

( ورد في الأثر)

 عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:

" يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلا مَنْ عَافَيْتُ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ وَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي غَفَرْتُ لَهُ وَلا أُبَالِ وَكُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُ فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أَرْزُقْكُمْ وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَأُولاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى قَلْبِ أَتْقَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي لَمْ يَزِيدُوا فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَوْ أَنَّ حَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَأُولاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا فَسَأَلَ كُلُّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ وَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مَا سَأَلَ لَمْ يَنْقُصْنِي إِلا كَمَا لَوْ مَرَّ أَحَدُكُمْ عَلَى شَفَةِ الْبَحْرِ فَغَمَسَ إِبْرَةً ثُمَّ انْتَزَعَهَا ذَلِكَ لأنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ وَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ عَطَائِي كَلامِي وَعَذَابِي كَلامِي إِذَا أَرَدْتُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "

(أخرجه الإمام أحمد عن أبي ذر في مسنده)

 

التوهم الثالث, أن الإنسان بعد موته يفنى ولا أثر لجسده في الأرض:

 التوهم الثالث: أن من يموت مِن الناس يضل في الأرض، ينتهي، يفنى، هؤلاء الذين يموتون حرقاً، أو غرقاً، أو في الاختناق، أو الحروب، وتفنى جثثهم، ويصبحون كالرماد، أين هم؟ وبعضهم: يتوهم أن هؤلاء انتهوا, فمن يبعثهم؟

الجواب الإلهي:

﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾

( سورة السجدة الآية: 10)

 ضللنا, أي دفنا في الأرض, وفنيت أجسامنا, وتفتت عظامنا, وأصبحت تراباً, وانتهى الأمر، قال تعالى:

﴿ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾

( سورة السجدة الآية: 10)

 في آية ثانية:

 

﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾

 

(سورة ق الآية: 4)

 فلا بد أن نبعثهم من جديد, قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

 

(سورة سبأ الآية: 3)

 

بحث علمي له علاقة بالموضوع:

 أثبتت البحوث العلمية الكونيــة وجود سجل كوني كبير، تسجل فيـه الأعمال كلها، والأقوال، والخواطر، والوساوس، وكل عملٍ يصدر عنا بكل تفاصيله يسجل في الأثير, هذه الموجات الضوئية التي تخرج من منابعها، أو من الأجسام التي تعكس الضوء، وتسير عبر الفضاء الخارجي بسرعة الضوء، فلو تخيلنا أننا سرنا بمركبة بأسرع من الضوء، والتقطنا هذه الأمواج, لرأينا الآن معركة بدر الكبرى، ومعركة أحد، ومعركة الخندق، ومعركة القادسية، ومعركة اليرموك, هذا شيء يمكن أن يقع، وهو في علم البشر نظري، لكنه في علم الخالق عملي
 فالإنسان الآن تمكن من تسجيل الصورة مع الصوت, يقول لك: الحفلة سجلناها على شريط، فإذا كان الإنسان قادر على تسجيل حفلة بكل تفاصيله، وبكل ألوانها، و بكل أصواتها، أليس خالقنا العظيم بقادر على أن يأتي بنا يوم القيامة لنرى أعمالنا كلها مسجلة صوت وصورة؟ فصورة كل كائن من القرون الأولى، وأصواتهم مسجلة تسجيلاً كاملاً منذ أول وجوده حتى آخر وجوده، لحظة بلحظة، لا يضيع منها شيء صغيراً كان أو كبيراً.

التوهم الرابع, يقولون: أنه ينبغي عدم التسليم للأشياء التي لا نراها بالحواس:

 التوهم الرابع: هو أن الأشياء التي لا يشاهدونها بالحواس ينبغي ألا يسلموا بها، وألا يصدقوا بها.

الرد العلمي الذي يسلم للبيان الإلهي في الرد على هؤلاء:

 الإنسان في حياته المادية كثيراً ما يصدق بأشياء لا يراها، تركيب الذرة الكيميائي، التركيب كان استنتاجياً، ومنذ فترة بسيطة جداً، وعن طريق المجاهر الإلكترونية شاهدوا تركيب بعض الذرات عملياً وواقعياً، لكن قبل هذه المجاهر، تركيب الذرة كان استنتاجياً، يعني يعرف بطريق الاستنتاج، أما الآن فهو يعرف بطريق المشاهدة.
 الكهرباء لا نرى إلا آثارها، أما هي فلا نراها، ومع ذلك نؤمن بوجودها، وكذلك وجود الضوء، ووجود الحركة، ووجود الصوت، ووجود الحرارة.
 روح الإنسان لا نراها، نحكم على أي إنسان أنه حي من حركاته، ومن نطقه، ومن بيانه، ومن تفكيره، ومن تصرفاته، فإذا فقد الروح نحكم عليه أنه مات، هل رأينا الروح يوم كانت، ويوم خرجت؟ لا والله، فالإنسان في أثناء حياته له مواقف كثيرة، يؤمن بشيء دون أن يراه، يؤمن به استنتاجاً، فهؤلاء الذين لا يؤمنون إلا برؤية الأشياء، هؤلاء ضعاف العقول, قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

(سورة الحج الآية: 5-6)

 ومع ذلك ربنا سبحانه وتعالى، إكراماً لنا، وتبياناً لنا، ضرب لنا أمثلة من التاريخ فحادثة أهل الكهف، وكيف أن الله سبحانه وتعالى ضرب على آذانهم في الكهف سنين عدداً، ثلاثة قرون، وثلاثمئة عام، وتسع سنوات، حسب التقويم الهجري، فكيف بقي هؤلاء على ما هم عليه، ثم بعثوا؟ هذه أمثلة كي نعرف أن الله عزّ وجل قادر على كل شيء, قال الله:

﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ﴾

( سورة الكهف الآية: 21)

 منها قصة عزيز, وهو رجل من بني إسرائيل، عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، يقول تعالى:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة البقرة الآية: 259)

  ومنها إماتة ألوف من بني إسرائيل حين أمروا بالقتال، فخرجوا من ديارهم، فارين من مقابلة العدو حذر الموت، ثم بعد هذه الإماتة الجماعية، أحياهم الله، ليعلموا أن الفرار من القتال لا يحمي الإنسان من الموت، وليعلموا أن البعث حق, قال تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾

( سورة البقرة الآية: 243)

 ومنها قصة إحياء قتيل بني إسرائيل في سورة البقرة, قال تعالى:

﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

( سورة البقرة الآية: 73)

 ومنها معجزة سيدنا عيسى لما كان يحيي الموتى بإذن الله، إلى غير ذلك من الأمثلة التاريخية الثابتة.

التوهم الخامس, يقولون: أن مراد الخالق في إبداع الحياة لا يتعدى حدودها:

 التوهم الخامس: هو أن مراد الخالق في إبداع الحياة لا يتعدى حدود هذه الحياة الأولى، وأن كل حكمته من الخلق تتم فيها، فينتهي مراده في هذه الدنيا، وتنتهي حكمته فيها، ولا حياة بعد الموت.

الرد الإلهي على هؤلاء الجاحدين:

 رد الله عليهم، فقال:

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 115)

 فهل من الممكن أن ننشئ جامعة تكلفنا ألف مليون، وبعد أن ينتهي بناؤها نفتحها عاماً دراسياً واحداً، ثم نأتي بالجرافات فنهدمها؟ ليس معقولاً، هذه بنيت لتبقى, قال تعالى:

﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ * فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾

( سورة الدخان الآية: 34-38)

﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾

(سورة الدخان الآية: 39-40)

التوهم السادس, يقولون: أن هذه الأخبار التي جاء بها الرسل غير صحيحة:

 التوهم السادس: أن هذه الأخبار التي جاء بها الرسل ليست صحيحة، إنها كاذبة، نوع من الجنون.

الرد الإلهي على هؤلاء المنكرين:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾

(سورة سبأ الآية: 7)

  هذا القول استهزاء, قال تعالى:

 

﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴾

 

( سورة سبأ الآية: 8)

  آية ثانية:

 

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾

 

( سورة الفرقان الآية: 21)

  إنهم لم يصدقوا الرسل، هذا الذي لم يصدق ما أتى به الرسل, قال تعالى:

 

 

﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾

 

 

( سورة الأحقاف الآية: 17)

  هذه التوهمات حاشا لله أن يعتقدها أحد من المؤمنين، لكننا نستأنس حينما يرد الله عزّ وجل على هؤلاء المتوهمين، وعلى هؤلاء الظانين أن الله عزّ وجل لن يبعث عباده ليحاسبهم على أعمالهم.

الرد الإلهي على هؤلاء المنكرين:

 إذا كان الطالب غير مستعد للمذاكرة، فهو يميل إلى تكذيب موعد المذاكرة، وكل إنسان إذا كان مقصراً، مخطئاً، مجرماً، كل إنسان له انحرافات في سلوكه، فهو أميل إلى أن يكذب بيوم الدين والدليل:

﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * ﴾

( سورة المطففين الآية: 10-12)

  يخشى الحساب، يخشى العذاب، يخشى المسؤولية، يخشى التبعة، إذًا: فهو يكذّب بهذا اليوم, قال الله:

﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾

(سورة المطففين الآية: 13)

 إن هؤلاء المكذبين بيوم الدين يرون دائماً هذه الغيبيات خرافات، هذا ما وراء الطبيعة، نحن واقعيون، نريد أن نتعامل مع الواقع، هذه تحليقاً، هذه أخيلة, قال تعالى:

﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

(سورة المطففين الآية: 13-14)

 هؤلاء طمست ضرورة الإيمان في قلوبهم، وعمت عليهم الحقيقة, ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
  آية ثانية, قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ *﴾

( سورة الماعون الآية: 1-7)

  دع اليتيم، أي ضربه، في هذه الآية دقة بالغة، وأشد الأشخاص حاجة إلى العطف هو اليتيم، فإذا تخليت عن مساعدته فأنت مقصّر، فإذا آذيته كان ذلك أشد فظاعة، فربنا عزّ وجل جاء بمثل دقيق حاد, قال الله:

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾

(سورة الماعون الآية: 1-8)

 هذا الذي يكذب بالدين ألا يعرف أن الله سوف يحاسبه حساباً عسيراً, قال تعالى:

﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾

(سورة النحل الآية: 22-23)

 الكبر هو الذي حال بينهم، وبين الإيمان بيوم الدين، وإلى جانب الكِبر الفجور، والانغماس في الشهوات, قال تعالى:

﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾

(سورة القيامة الآية: 5)

 يسأل مستهزئاً, قال تعالى:

﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴾

(سورة القيامة الآية: 6)

  متى يا أخانا؟ لأنه غارق في الفجور، فهو يستهزئ ويستنكر, قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾

 

(سورة المؤمنون الآية: 74)

  ليسوا مستقيمين، ولو أنهم استقاموا لآمنوا, قال تعالى:

 

﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾

 

(سورة المؤمنون الآية: 75-77)

خلاصة البحث:

 هذا الفصل عنوانه: عقائد الناس بالبعث والجزاء يوم القيامة والرد على المنكرين، كيف أن البرهان على يوم القيامة برهان عقلي، وبرهان نقلي؟ وكيف أن الشرائع السماوية كلها في نصوصها الصحيحة، وأصولها الثابتة تؤكد أنه لا بد من يوم يُبعث فيه الناس مرة ثانية، ليلاقوا نتائج أعمالهم؟ وكيف أن الناس في إنكار البعث ثلاث فرقٍ؟
- فرقة أنكرتْ وجود الله واليوم الآخر.
- فرقة أنكرتْ اليوم الآخر فقط، وآمنت بالله.
- فرقة أنكرت اليوم الآخر بطبيعته المادية.
  وكيف أن الله سبحانه وتعالى ردّ على كل المتوهمين، الذين تاهوا في متاهات الأوهام الستة، تقاذفتهم كأمواج البحر العاتية, وردّ الله عليهم في آيات كثيرة نقضاً لأوهامهم، ودفعاً لأباطيلهم، عسى أن يعودوا لعقولهم، ولكن هيهات هيهات ؟.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور