- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ماذا تعني كلمة الساعة في القرآن الكريم ؟
أيها الأخوة, مع الدرس الثاني والخمسين من دروس العقيدة، وقد أنهينا في الدرس الماضي موضوع وجوب الإيمان باليوم الآخر، وأسماء اليوم الآخر الواردة في القرآن الكريم، والآن إلى موضوع جديد، هو مقدمات اليوم الآخر.
فالحديث عن اليوم الآخر يستدعي الكلام عن أمور تجري قبل هذا اليوم كمقدمات له، ونقتصر على عرض أهم هذه الأمور مما ثبت باليقين، ونعني باليقين, اليقينَ الإخباري، وأعلى نصٍ يقيني إخباري هو القرآن الكريم، فكل فكرة مدعمة بآية قرآنية تعد دليلاً قطعي الثبوت، وقطعي الدلالة على ما يذهب إليه مؤلف الكتاب.
فالساعة: آثارها في الكون، ووقتها، وأماراتها، فالحياة الثانية بوضعها الكامل, وأنظمتها التامة لا تكون إلا بعد انتهاء سلسلة هذه الحياة الأولى، فلا بد أن تنتهي حتى تبدأ الحياة الثانية، وقد جاء التعبير القرآني عن وقت انتهاء هذه الحياة الأولى بلفظ الساعة، فكلمة الساعة إذا وردت في القرآن الكريم فتعني ساعةَ انتهاء الحياة الأولى، ومتى انتهت الحياة الأولى بدأت الحياة الآخرة، يقول الله عزّ وجل:
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾
كلمة:
﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾
لا بد من هذا المعنى كي يستقيم الابتلاء، أن رجلاً له محل تجاري، وفي هذا المحل موظف، لو أن صاحب المحل كان أول الداخلين، وآخر الخارجين، وقبع وراء مكتبه، ووراء مكان وضع النقود، ثم سئل هذا السؤال: هل هذا الموظف الذي عندك أمين أم خائن؟ لا يعرف، أما إذا تغافل عنه، وخرج من المحل، وبقيت عينه على ما يجري في المحل أدرك نتيجة امتحانه لموظفه، فلا بد مِن أجل الامتحان من بعض التغافل،لا أقول: الغفلة, أقول: التغافل، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
لا تحسبنه غافلاً، لأنه قد يبدو غافلاً، فيمد الكافر بالأموال، والبنين، والقوة، والصحة، والجمال، والذكاء، والعشيرة، والأهل، والزوجة، والمكانة, وهذا الإمداد يوهم الغافلين، والسذج، أن الله غافل، هذا ليس غفلة إنما هو تغافل، والتغافل لا بد منه ليتحقق الابتلاء, ربنا عزّ وجل قال:
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
أَدقّ ما في الآية:
﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
لأن الابتلاء لا يكون إلا بالتغافل، كما ورد في القرآن الكريم.
أسئلة مطروحة لا بد من الإجابة عليها:
1- إذا انتهى نظام الحياة في الدنيا هل يبقى الكون بما فيه على وضعه ؟
وهناك مجموعة أسئلة:
السؤال الأول: إذا انتهى نظام هذه الحياة الأولى، فهل ستبقى الأرض، والشمس، والكواكب والنجوم على أوضاعها؟ يأتينا الجواب من الله عز وجل يقول:
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾
﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾
هذا السؤال مهم، هذا النظام، هذه الأرض، هذه اليابسة، هذه البحار، هذه الجبال، هذه المجرات، هذه الكواكب، كلها سوف تنتهي وظيفتها، فمِن شروط أو مِن لوازم انتهاء الحياة انتهاء النظام الذي هي عليه الحياة في الدنيا.
2- متى الساعة:
1- أن وقت الساعة من أمور الغيب لا يعلمها إلا الله:
السؤال الثاني: متى ينتهي نظام الحياة الأولى؟ أي متى الساعة؟ يأتينا الجواب الرباني مُبَيِّناً لنا أن وقتها من أمور الغيب، وقد أخفاها الله عن عباده لحكمة يعلمها، وكنت قد حدثتكم مِن قبل, أن الإمام مالكًا رأى في المنام ملك الموت، فقال له: يا ملَك الموت، كم بقي لي من عمري؟ فأشار ملك الموت - كما جاء في الرؤيا - هكذا، ومد أصابع يده، فازداد الإمام مالك قلقاً، يا تُرى خمس سنوات؟ أم خمسة أشهر؟ أم خمسة أسابيع؟ أم خمسة أيام؟ أم خمس ساعات؟ أم خمس دقائق؟ أم خمس ثوانٍ؟ فملك الموت أشار بيده، وكان الإمام ابن سيرين مِن المفسرين للأحلام، فذهب إليه إمام دار الهجرة الإمام مالك فقص عليه المنام، فقال ابن سيرين: يا إمام، إن ملك الموت, يقول لك: إن سؤالك من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله, قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
لذلك, في بعض المحاضرات التي ألقيت في بعض الأقطار العربية عن الإعجاز الرياضي للقرآن الكريم، رجم المحاضر بالغيب، فخرج بذلك عن نص القرآن، فمِن إجراء حسابات معقدة تبين له متى يوم القيامة بالتدقيق؟ فحينما نشر هذه المعلومة انسحب من القاعة معظم المشاهدين الحضور، لأنه لا يعلم الإنسان متى يوم القيامة بالتحديد والتفصيل، بل هذا مناقض لما ورد في الكتاب الكريم؟ قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾
معنى:
﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾
أي متى وقت وصولها، وكأن الحياة شبهت بالسفينة، وانتهاء الرحلة هو عند الشاطئ، وعند الشاطئ ترسو السفينة، وتستقر، هذه صورة بلاغية، قال الله:
﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾
ويبدو أنه من رحمة الله عزّ وجل علينا أن أخفى عنا ساعة النهاية، لو أن الإنسان يعلم متى يموت لشلت حركته، ولأصبحت أيامه المتبقية أياماً مِن نوع خاص لا تُحتمل، لذلك الإنسان يعيش في الأمل.
2- هناك دلالات لوقوع قربها بينها القرآن الكريم والسنة المطهرة:
الشيء الثاني، حين الحديث عن الساعة, قلنا: هناك مجموعة نقاط: الساعة، آثارها في الكون، وقتها، أماراتها، فقُربُ الساعة بينه الله سبحانه وتعالى، وسيدنا عليّ يقول:
(كلّ متوقع آتٍ، وكلُ آتٍ قريب)
الآن بدأنا بالشتاء، والبيوت تستعد لاستقبال هذا الفصل، وتضع الفرش المتعلقة بهذا الفصل، تضع وسائل التدفئة، وما هي إلا زمن يسير حتى يأتي فصل الصيف، فكم استقبل كل واحد منا من فصول الشتاء، وفصول الصيف, وفصول الربيع, وفصول الخريف؟ وهكذا, قال تعالى:
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾
ما دامت متحركًا، والنهاية ثابتة، فكل زمن يمضي اقتراب مِن هذه النهاية، وهذا شيء بَدَهي، واللهُ سبحانه وتعالى يقول:
﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾
وقلت لكم من قبل:
" إنه من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت"
وقد جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يشبه هذه المعاني، فقال عليه الصلاة والسلام:
" بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ مشيراً صلى الله عليه وسلم بأصبعيه السبَّابة والوسطى الفرق بينهما قليل "
قَالَ شُعْبَةُ راوي الحديث: َسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، أي كزيادة إصبع الوسطى على السبابة، وفي هذا إشارة إلى نسبة ما بقي من عمر الدنيا بالنظر إلى ما انصرف منها، وذلك على وجه التقريب.
مواعظ وعبر:
وهنا كلمة على هامش الموضوع, ما من شيء أثقل، وأثمن في حياتك من الوقت، فبالوقت ترقى إلى الله, إذا أردت التعامل مع ما في الحياة الدنيا، يجب أن تميز بين ما يتصل منها بالآخرة، وبين ما لا يتصل، قال بعض العلماء: كل ما لا يدخل معك إلى القبر فهو من الدنيا، كل شيء يقف على شفير القبر من الدنيا، كالأولاد فهو مِن الدنيا، كلهم يقفون على شفير القبر، إلا إذا ابتغيت في تربيتهم وجه الله سبحانه وتعالى,
" لذلك يقف رجلان جثياً بين يدي الله يوم القيامة, فيقول الله عزّ وجل لأحدهما: عبدي أعطيتك مالاً، فماذا صنعت فيه؟ فقال هذا العبد: يا ربّ، لم أنفق منه شيئاً على أحدٍ مخافة الفقر على أولادي من بعدي, قال: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين؟ إن الذي خشيته على أولادك مِن بعدك قد أنزلتُه بهم، وأما الثاني فقال: أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ فقال: يا ربّ، لقد أنفقتُه على كل محتاجٍ، ومسكين، لثقتي بأنك خيرُ حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله عزّ وجل: عبدي، أنا الحافظ لأولادك من بعدك "
فلذلك، موضوع الساعة موضوع انتهاءِ الحياة، ليسألْ أحدنا مثل هذا السؤال: هل بقي بقدر ما مضى من عُمُري ؟ من بلغ الأربعين فقد دخل أسواق الآخرة.
الموت كالطابور لا يعرف الإنسان أين موقعه فيه ؟
لي صديق مؤمن، خرج من بلده إلى بلد عربي، ليعمل في التدريس الجامعي، مضى على خروجه عشرون يوماً، وقد وافته المنية هناك، وسنه لا يزيد عن أربعين عاماً، سبحان الله الموت منوع، يأتي بعد مرض عضال، أو يأتي بعد مرض طويل, يقول لك:13 سنة بهذا المرض، ثم وافته المنية, وقد يأتي من دون مرض، وهناك حوادث كثيرة، آوى إلى فراشه في منتصف الليل، لمست زوجته يده، فرأتها باردة، فاستيقظت فإذا هو ميت، وهو إلى جانبها، فمِن حكمة الله عزّ وجل أنَّ الموت إما أن يأتي بعد مرض طويل، أو مرضٍ خطير، وإما أن يأتي بلا مقدمات، والآية الدقيقة:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
حدثني أخ عن والده، فقال: أصيب والدي بمرض خطير، فأخذ احتياطات مذهلة، نفذ تعليمات الأطباء بدقة متناهية، حرص على أن ينجو من هذا المرض بكل وسيلة، وافته المنية في حادث سيارة, وهو يظن الموت في هذا المرض، والقصة التي ذكرتها لكم كثيراً، وأعيدها على سبيل الفائدة، وهي قصة رمزية، سيدنا سليمان كان عنده رجل أمامه، وهو من المقربين له، دخل ملَك الموت عليه، فجعل ملك الموت يُحد النظر إلى هذا الرجل، فلما علِم هذا الرجل أن هذا ملك الموت, فزِعَ قلبه، وارتعدت فرائصه، وألحّ على سيدنا سليمان أن يأخذه إلى أقصى الدنيا، وسيدنا سليمان أوتي بساط الريح، كما تروي الكتب، فأركَبَه بساطَ الريح، ونقله إلى أقاصي الهند، وبعد أيام وافته المنية هناك, سيدنا سليمان التقى مع ملَك الموت ثانيةً، قال له: عجبت لك، لماذا كنتَ تُحدّ النظر إليه؟ قال: واللهِ أنا الذي أعجب، أنا معي أوامر بقبض روحه في الهند، فلما رأيته عندك ازداد عجبي، لماذا هذا هنا؟ قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾
الحكمة الإلهية من إخبار النبي عليه الصلاة والسلام عن موضوع أشراط الساعة:
أما أمارات الساعة، أيْ علاماتها، علامات قربها، ودنو ميعادها فهي كثيرة، هناك علامات كبرى، وعلامات صغرى، وهناك علامات موضوعة، وضعها بعض الوضّاعين، موضوع الساعة، وأشراطها فيها إضافات ليست منها, على كلٍ، كلمة لطيفة في هذا الموضوع، الأحاديث الصحيحة في أشراط الساعة ليست صريحة، والأحاديث الصريحة في أشراطها ليست صحيحة، أسماء مدن، وتفصيلات، وحوادث، وما دام هناك تصريحات دقيقة جداً فأغلب الظن أن هذا الحديث غير صحيح، وأما الحديث الصحيح ففيه إشاراتٌ كبرى كذلك، لن نخوض في موضوع أشراط الساعة كما ورد في الكتب التي تعتمد على الحديث الضعيف، أو الحديث الموضوع، فنبقى بالإشارات والعلامات الكبرى، وعلى كل فهناك موعظة، قال ربنا عزّ وجل:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾
معنى ذلك, أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أخبرنا عن أشراط الساعة، كان في هذا الإخبار دليلاً قطعياً على نبوته، لأن هذا في علم الله، وقد أطلع الله عزّ وجل نبيه الكريم على بعض ما سيكون, تمكيناً للإيمان في قلوب المؤمنين، وتنبيهاً للضالين حتى يؤمنوا، وحجة على الجاحدين المعاندين، وبخاصة إذا مرت على الناس عصور بَعُدوا فيها عن عصر الرسالة المحمدية، وثمة حكمة بالغة حين أطْلع اللهُ عزّ وجل نبيَّه الكريم على بعض أشراط الساعة، وبعض علاماتها.
من علامات الساعة أو أشراطها:
1- نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام:
فمن علامات الساعة، أو من أشراطها نزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، له عودة في آخر الزمان، وقد ثبت نزول سيدنا عيسى بدلائل من القرآن الكريم، ودلائل من الحديث الشريف الصحيح المتواتر، فمن الآيات القرآنية الدالة على نزول سيدنا عيسى في آخر الزمان، وقبل قيام الساعة قوله تعالى:
﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾
فهو لم يمت بعد، بل رفعه الله إليه.
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
فهذه وفاة نوم، لا وفاة موت، لأنّ الوفاة نوعان: وفاة نوم، ووفاة موت، أما وفاة الموت فلها آية تشير إليها, قال الله:
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾
أمّا:
﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾
فهذه وفاة نوم، قال الله:
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾
﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾
أيْ سيعود إلى الأرض، وسيؤمن به أهل الكتاب، على أنه نبيٌ من الأنبياء، من أُولي العزم الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، ففي صحيح البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" وَالَّذِي نَفْسِي بِيـَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: " وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا"
الآية الثانية التي تشير إلى عودته عليه السلام, قوله تعالى في سورة الزخرف:
﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾
﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾
الآية الثالثة, في سورة آل عمران:
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾
ومعنى كهلاً، أيْ لم يبلغ بعد الكهولة.
2- كثرة الجهل وقلة العلم وتبدل القيم وإسناد الأمر إلى غير أهله:
ومِن أشراط الساعة, كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ "
أحيانًا الإنسان يجد معظمَ مَن يراهم في الطريق نساءً أينما دخل؟ أينما تحرك؟ وهناك حديث آخرعن أشراط الساعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
" إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ "
ومِن علامات قيام الساعة, أن يكون المعروف منكراً والمنكر معروفًا،
" كيف بكم إذا أصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟ قالوا: أَوَ كائنٌ هذا يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ "
وهذا أيضاً من دلائل, ومن أمارات, ومن علامات أشراط الساعة، والأشراط بمعنى واحد، وهي مِن الشيء الذي يأتي قبل شيء آخر.
3- عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً:
كما روى الإمام مسلم في صحيحه, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا "
هذا الحديث فيه إعجاز علمي، لأنك إذا دخلت إلى بلاد الغرب، وسألت أكابر علماء الجيولوجيا عن تاريخ الجزيرة العربية قبل آلاف السنين, لقالوا لك: كانت مروجاً وأنهاراً, الذي نعلمه من التاريخ القريب، أن بادية الشام، كان المرء يقطعها كلّها تحت ظلال الأشجار، وما نشوء تدمر في وسط البادية إلا دليلٌ على أن هذه العاصمة لدولة عظيمة كانت وسط الجنان والبساتين، والكشوفات الأثرية في الربع الخالي من الجزيرة العربية, تؤكد أن هناك مدناً ذات مجد، وازدهار طوتها يد الزمن إن صح التعبير، وغطتها الرمال، وما قامت هذه المدن إلا بسبب الخصوبة التي كانت منتشرة في الربع الخالي من الجزيرة العربية.
كيف عرف هذا النبي الكريم هذا؟ والكشوف الآن لها أسباب, المستحاثات، الحفريات، التنقيب عن الآثار، بعض الصور من سفن الفضاء، هذا الذي يدل على أن هذه الأراضي القاحلة الصحراوية كانت مروجاً وأنهاراً، وقد سمعت أن بعض العلماء الأجانب الملحدين, حينما تأكدوا أن هذا القول قيل قبل ألف وخمسمئة عام أعلن إسلامه, يقول عليه الصلاة والسلام:
" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا "
إنّ بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام منقطعة النظير, (حَتَّى تَعُودَ)، أيْ كانت، كلام فيه إيجاز.
أنا لا أحب أن أكثر الحديث عن أشراط الساعة، لكثرة الأحاديث الموضوعة في هذا الموضوع، لكن هذه الآيات قطعية الثبوت، وهذه الأحاديث كلها من صحيحي البخاري ومسلم، وهذان الكتابان أصحُ كتابين بعد كتاب الله عزّ وجل.
وفي درس قادم إن شاء الله نتحدث عن البرزخ.